أدم سميث.. شخصيات اقتصاديه







أدم سميث.. دعوة للتحرر من القيود




مفكر واقتصادي اسكتلندي، كان يرفض تدخل الحكومة في الصناعة أو التجارة ودعا إلى الفكر الرأسمالي، له عدة مؤلفات قيمة، بالإضافة للعديد من الآراء التي تهدف للبحث عن مصلحة الإنسان، ورفع القيود الحكومية والجمركية للسماح بقدر أكبر من الحرية للتجارة والاستثمار.



النشأة

ولد أدم سميث في 16يونيو عام 1723 بكركلدي لعائلة اسكتلندية، توفى والده قبل ولادته بعدة أشهر، وقامت والدته برعايته، تلقى سميث تعليمه المدرسي بكركلدي، ثم التحق بجامعة جلاسجو باسكتلندا عام 1737 وهو في الرابعة عشر من عمره، درس سميث علي يد البروفيسور هتشسون، والذي عرف بنظراته الطبيعية إلى المسائل الأخلاقية وبربطه بين الدين والحرية والسياسة، وكان لهتشسون بالغ الأثر على تفكير وأراء سميث.

حصل سميث على منحة دراسية لدراسة اللاهوت عام 1740 بجامعة أكسفورد كلية باليلول، ولكن لم تنل الدراسة في أكسفورد إعجاب سميث، حيث وجد المدرسيين سطحيين وكسالى، ولم تكن علاقته بكل من مدرسيه أو زملائه على ما يرام، ومما قاله في ذلك في أحد مؤلفاته " في جامعة أكسفورد نجد أن العدد الأكبر من الأساتذة قد ترك حتى مسألة ادعاء التدريس لعدد من السنوات".

انكب سميث على الكتب لينهل ثقافته وعلومه منها، ومن الكتب التي حرص على اقتنائها كتاب "دافيد هيوم" في الطبيعة البشرية، والتي قامت سلطات الكلية بمصادرته منه بحجة أن هذا الكتاب لا يصلح إطلاقاً لشاب مسيحي.



المجال العملي




لم يستطع سميث أن يكمل دراسته في أكسفورد فما لبث أن عاد إلى موطنه مرة أخرى عام 1748، وسعى من اجل الحصول على وظيفة في مجال التدريس، وقام بإلقاء بعض المحاضرات المستقلة في الأدب والبيان، وقد لاقت هذه المحاضرات الإعجاب من قبل ذوي النفوذ الأمر الذي ساعده على أن يصبح أستاذاً للمنطق بجامعة جلاسجو عام 1751، وبعدها بعام أصبح أستاذاً للفلسفة الأخلاقية التي شملت الأخلاق والقانون والاقتصاد السياسي، وقد شغل هذا المنصب قبل ذلك أستاذه هيتشسون.

ترك سميث عمله بالتدريس في جامعة جلاسجو عام 1764، ليعمل كمدرس خاص لأبن دوق فرنسي بعائد مادي مريح وفرصة للتنقل والسفر، وقد استغل سميث هذا الوضع الجديد بما يتيح له من أوقات فراغ لزيادة ثقافته وإكثاره من الإطلاع والبحث، وفي هذه الفترة عكف على إنجاز واحد من أهم كتبه وهو كتاب "ثروة الأمم" الذي صدر عام 1776.

تولى سميث منصب مدير لجمرك جلالة الملك في اسكتلندا، وقضى في هذا المنصب ثلاثة عشر عاماً، هذا على الرغم من تعارض منصبه هذا بما كان ينادي به من إلغاء القيود الجمركية، لمنح التجارة قدر أوفر من الحرية.



فلسفته

سعى سميث من خلال كتابته في الميول الأخلاقية في عرض مادة جادة لتكوين صورة عن التكوين الطبيعي للمجتمع، وقام فيها بتفسير السلوك الإنساني وذلك من خلال ثلاثة دوافع هي حب النفس والعطف، الرغبة في الحرية وحب التملك، عادة العمل والميل للمبادلة، ويرى سميث أن هذه الدوافع السابقة تحقق تكامل فيما بينها وتتجه في النهاية نحو هدف واحد وهو وجود وضع اجتماعي يسوده تناسق بين الأفراد، فحتى لو اندفع الشخص وراء أهدافه الشخصية يجد نفسه في النهاية وبلا وعي يحقق الصالح العام، وقد استند سميث لهذه الفلسفة في الدفاع عن نظامه الاقتصادي والسياسي.

كانت لسميث نظرة فلسفية خاصة به فكان دائماً حريصاً على مصلحة الإنسان، ولم يحاول أن يضع آراءه ونظرياته موضع التجربة والتطبيق، كغيره من بقية الكتاب الاقتصاديين، وعلى الرغم من هذا لم يبتعد سميث عن الواقع فقد وضع تفكيره وآراءه في قالب اقتصادي سياسي، والذي وجده أكثر ملائمة من الناحية الواقعية لزيادة الرفاهية المادية والثروة.



مؤلفاته


كتاب ثروة الأمم
قدم أدم سميث للمكتبة العالمية العديد من الكتب الهامة منها كتابه في "نظرية العواطف الأخلاقية" الذي نشر فيه استنتاجاته الأخلاقية، والذي اعتبره الكثيرون واحد من أهم الكتب التي قدمت في هذا المجال، كما كتب سميث في كل من القانون وفلسفة الأديان وعلم الفلك وغيرها، ومن الكتب الهامة أيضاً التي قدمها كتاب ثروة الأمم.



رجل الاقتصاد

كان لسميث فكره الاقتصادي الخاص والذي دعا فيه الحكومة إلى الحد من التدخل في الصناعة والتجارة، وجاء أدم سميث في مقدمة رجال الاقتصاد الكلاسيكيين، وقد عني في كتبه بمشكلة التنمية الاقتصادية، وعلى الرغم من عدم إعطائه نظرية متكاملة في النمو الاقتصادي، إلا أنه شكل الأساس الذي سار عليه علماء الاقتصاد من بعده.

رأى سميث انه يمكن تطبيق القانون الطبيعي في الأمور الاقتصادية، فكل فرد مسئول عن سلوكه وبالتالي يكون هو أفضل شخص يحكم على مصلحته الشخصية، بالإضافة لسعيه من اجل تعظيم ثرواته، وبالتالي يجب عدم تدخل الحكومات في كل من التجارة والصناعة.

كما رأى سميث أن فكرة تقسيم العمل تعد البداية في نظرية النمو الاقتصادي، والتي تؤدي إلى أعظم النتائج في القوى المنتجة للعمل.

ويعتبر سميث عملية التراكم الرأسمالي احد الشروط الضرورية لتحقيق التنمية الاقتصادية، فيجب أن يكون هناك ادخار أكبر من قبل الأفراد وبالتالي استثمار أكثر في الاقتصاد الوطني، وتتمثل عناصر النمو وفقاً لسميث في كل المنتجين والمزارعين والمستثمرين والذين يجب منحهم حرية التجارة والمنافسة مما يؤدي لتوسيع أعمالهم وزيادة التنمية الاقتصادية.



الوفاة

جاءت وفاة سميث في 17 يوليو 1790 عن عمر يناهز 67 عام بإيدنبرج سكوتلندا.

بيكاسو .. شخصيات فنيه






بابلو بيكاسو

أحد عباقرة الفن التشكيلي وواحد من أبرز الشخصيات الفنية خلال القرن العشرين، تأتي الذكرى الـ 36 لوفاته في الثامن من إبريل 1973، ونتذكر فنان مختلف ثائر تزخر جعبته الفنية بالعديد من اللوحات الرائعة والتي تميزت بالتفرد والإبداع، امتد تأثيره على مختلف المدارس الفنية خلال الفترة التي تواجد بها، وتنتشر أعماله الفنية في مختلف أنحاء العالم، وتضمها أعظم المتاحف.

ومثلما كان بيكاسو فنان يرسم بيده العديد من اللوحات الرائعة، كان قلبه عاشقاً مكتظاً بالعديد من النساء واللاتي أصبحن مصدر إلهام للكثير من لوحاته.



النشأة

ولد بيكاسو في الخامس والعشرين من أكتوبر 1881، بمدينة مالقا الأندلسية بأسبانيا، وكان الابن الأول لدون خوسيه رويز بلاسكو، وماريا بيكاسو لوبز، وتنتمي عائلة بيكاسو للطبقة الوسطى، كان والده رساماً أيضا تخصص في رسم الطبيعة والطيور، وكان رويز - الأب - يعمل كأستاذ للفن لفترة كبيرة من حياته.



الأب أول مدرس لبيكاسو

المنزل الذي ولد به بيكاسو في مالقا

أظهر بيكاسو شغف واضح ومهارة بالرسم في فترة مبكرة من حياته، وطبقاً لما قالته والدته فإن أول الكلمات التي نطق بها بيكاسو كلمة "لابيز" وهي كلمة أسبانية تعني قلم رصاص، وفي السابعة من عمرة تلقى بيكاسو أولى دروسه في الرسم على يد والده، فتدرب على الأشكال المختلفة والرسم الزيتي.

وكان رويز فنان أكاديمي تقليدي يؤمن بأن التدريب المناسب على الرسم يأتي من خلال محاولة مضاهاة الشكل الأصلي المستوحى منه الرسم، ورسم الجسم البشري، والأشكال الحية، وأصبح الرسم هو الشغل الشاغل لبيكاسو بعد ذلك.



انتقلت العائلة إلى لاكورونا في عام 1891 وذلك ليتمكن الأب من العمل كمدرس بمدرسة الفنون الجميلة هناك، وظلوا هناك لمدة أربع سنوات، وفي إحدى المرات عثر الأب على اسكتش لابنه يضم لوحة غير مكتملة لحمامة، ولاحظ الدقة التقنية في رسم بيكاسو هنا شعر الأب بأن ابنه صاحب الثلاثة عشر عاماً قد فاجأه.



في عام 1895 هز عائلة بيكاسو حادث مأسوي حيث توفيت شقيقته التي تبلغ من العمر سبع سنوات، وعقب وفاتها انتقلت العائلة إلى برشلونة، وانتقل الأب ليعمل بمدرسة الفنون الجميلة بها، وحاول إقناع المسئولين بأكاديمية الفنون الجميلة بالسماح لأبنه بالدخول لامتحان القبول بالأكاديمية، وغالباً ما كان الطلاب يجتازوا هذا الامتحان خلال شهر إلا أن بيكاسو تمكن من إنهائه في أسبوع فقط، مما جعله ينال استحسان لجنة التحكيم.

كما قام والده بتأجير غرفة صغيرة له قريبة منه لكي يتمكن بيكاسو من العمل فيها على انفراد، ويتمكن الوالد من تفقد ابنه في معظم فترات النهار ويحكم على لوحاته ويبدي ملاحظاته فيها.



الأكاديمية الملكية

قرر كل من والد وعم بيكاسو أن يرسلا الفنان الشاب إلى مدريد للالتحاق بأكاديمية "سان فيرناندو" الملكية، وهي المدرسة الرسمية للفن بالبلد، وذلك في عام 1897، وكان حينها في السادسة عشر من عمره وكانت هذه هي المرة الأولى التي يستقل فيها بيكاسو في حياته، ووجد صعوبة في التأقلم مع التعليمات الصارمة فتوقف عن حضور الصف لفترة، وفي مدريد تردد بيكاسو على متحف ألبرادو والذي يضم العديد من اللوحات المميزة لكل من فرانسيسكو دي غويا، ديجو فلاسكيز، وغيرهم غير أن أعمال دومينكو الجريكو كانت أكثر ما أثار إعجاب بيكاسو.



في باريس


المرحلة الزرقاء عند بيكاسو

عقب دراسته بمدريد قام بيكاسو بأول رحلاته إلى باريس عام 1900 عاصمة الفن في أوروبا، وهناك التقى بأول أصدقائه الفرنسيين الشاعر والصحفي ماكس جاكوب، والذي قام بتعليم بيكاسو اللغة الفرنسية والأدب، وتشارك الاثنان في إيجار غرفة فكان ماكس يعمل أثناء النهار وينام بالليل على العكس من بيكاسو الذي كان ينام نهاراً ويعمل ليلاً، وكانت هذه من أقسى الأوقات التي عاشها بيكاسو حيث اليأس والبرد والفقر، حتى أنه كان يضطر أحياناً لحرق الكثير من أعماله ليحفظ الدفء في الغرفة الصغيرة، وتزامنت هذه الفترة مع المرحلة الفنية لبيكاسو وعرفت "بالمرحلة الزرقاء".

خلال الخمسة أشهر الأولى من عام 1901 عاش بيكاسو في مدريد، حيث قام هو وصديق له يدعى فرانشيسكو دي أسيس بتمويل مجلة للفن.

في عام 1905 أصبح بيكاسو الفنان المفضل لدى جامعي اللوحات الفنية من الأمريكان مثل ليو وجيرترود شتاين، وأخوهم الأكبر مايكل شتاين وزوجته، وقام بيكاسو برسم بورتريهات لهم، وعملت جيرترود على تجميع العديد من لوحات بيكاسو وأقامت لهم معرض غير رسمي في منزلها بباريس، وفي إحدى هذه التجمعات التقى بيكاسو مع الفنان هنري ماتيس والذي أصبح صديقه ومنافسه لمدى الحياة.



شارك بيكاسو في عام 1907 بمعرض للفنون تم افتتاحه في باريس بواسطة دانيل هنري كانويلر وهو مؤرخ ألماني للفن، وجامع لوحات، واحد تجار اللوحات الفرنسية خلال القرن العشرين، وأصبح وقت بيكاسو مقسم بين كل من برشلونة وباريس.


بيكاسو العاشق

عرف بيكاسو بتعدد علاقته النسائية، أو كما قيل عنه أنه كان ينساق دائماً وراء الجمال، فكان يقول "المرأة في نظري، خليط من الأشكال والألوان".

في عام 1904 التقى بالفنانة البوهيمية "فرناند أوليفييه" وكانت فنانة مغمورة، أصبحت سريعاً عشيقة لبيكاسو، وظهرت في الكثير من لوحاته في الفترة الوردية من حياته، وعقب حصوله على الشهرة والثروة ترك بيكاسو أوليفييه، ولم ينتظر كثيراً فسرعان ما ظهرت "ايفا" في حياته تلك الشابة الجميلة والتي عشقها وعبر عن حبه لها في الكثير من لوحاته التكعيبية، ولكن صدم بيكاسو بوفاتها مبكراً عام 1915 وهي في الثلاثين من عمرها بعد معاناتها من المرض، وعلى الرغم من ذلك لم يهمل بيكاسو فنه فقدم أثناء ذلك لوحته "البلياتشو".

وبالإضافة للعشيقات تزوج بيكاسو مرتين وله أربعة أبناء من ثلاث نساء، ففي عام 1918 تزوج من أولجا كوخكلوفا راقصة بالية روسية، قدمته للطبقة الراقية من المجتمع، وصحبته لحفلات العشاء الرسمية، وجميع الحفلات الاجتماعية التي كان يحضرها الأغنياء وعلية القوم، وكانت بالطبع موديل لإحدى لوحاته والتي عرفت باسم "المرأة ذات الوشاح"، وأنجب منها ابنه باولو.

في عام 1927، قابل بيكاسو فتاة في السابعة عشر من عمرها تدعى ماري تيريز والتر، وظلت علاقتهما سراً، وسرعان ما انتهى زواجه من أولجا بالانفصال وليس بالطلاق لان القانون الفرنسي ينص في حالة الطلاق أن تحصل الزوجة على نصف الثروة، وهو الأمر الذي لا يريده بيكاسو وظل الزواج قائماً بينهما من الناحية القانونية فقط حتى وفاة أولجا عام 1955، وظلت علاقته مع ماري تيريز على أمل أن يتزوجها بيكاسو في يوم ما وقامت بشنق نفسها بعد وفاته بأربع سنوات، وأنجبت له أبنته "مايا".


لوحة دورامار والقطة

كانت المصورة والفنانة التشكيلية "دورا مار" هي الأخرى واحدة من عشيقات بيكاسو، وأقترب الاثنان من بعضهما البعض في أواخر عام 1930 وبدايات 1940، وكانت هي من وثقت لوحته "جيرنيكا"، وكانت إحدى الوجوه التي ضمتها العديد من لوحات بيكاسو مثل لوحة "المرأة الباكية"، "ودورامار والقطة" وغيرها.

عقب تحرر باريس عام 1944 أثناء الحرب العالمية الثانية تعرف بيكاسو على إحدى دارسات الفن التشكيلي الشابات والتي تدعى "فرانسواز جوليت"، وأصبح الاثنان عاشقان خلال فترة قصيرة، وأنجبا طفلين هما كلاود وبالوما، ولكن قامت جولييت بترك بيكاسو عام 1953 وذلك بسبب سوء المعاملة والخيانة وكان هذا بمثابة ضربة قاسية لبيكاسو.

عانى بيكاسو من مرحلة قاسية عقب انفصاله عن جولييت، وأصبح في هذه المرحلة العمرية أقل جاذبية، ولكنه سرعان ما تعرف على حب أخر وهي جاكلين روك، وظل بيكاسو معها لبقية حياته وكانت الزوجة الثانية في حياته حيث تزوجا عام 1961.



السياسة في حياة بيكاسو

عاصر بيكاسو ثلاثة حروب الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الأسبانية الأهلية، وقد رفض بيكاسو المشاركة في الحرب لصالح أي دولة، وتم وصف موقفه من قبل بعض المعاصرين أنه اقرب إلى الجبن أكثر من كونه تمسكاً بالمبادئ، وقامت إحدى المقالات الصادرة في نيويورك بوصفه قائلة " أنه جبان ويفضل أن يظل جالساً بعيداً عن الحربين العالميتين بينما أصدقائه يعانون ويموتون في الحرب".

في عام 1944 انضم بيكاسو إلى الحزب الشيوعي الفرنسي وشارك في مؤتمر بولندا الدولي للسلام، وفي عام 1950 استلم جائزة لينين للسلام من الحكومة السوفيتية، وظل بيكاسو حتى نهاية حياته عضو مخلص في الحزب الشيوعي.

وخلال الحرب العالمية الثانية، ظل بيكاسو في باريس في الوقت الذي احتلت فيه القوات الألمانية المدينة، لم يكن الأسلوب الذي يتبعه بيكاسو في فنه متناسب مع وجهة النظر النازية للفن، لذلك لم يتمكن طرح أعماله الفنية خلال هذه الفترة، وعلى الرغم من ذلك استمر بيكاسو في الرسم في الأستوديو الخاص به.



فن بيكاسو


المرحلة الوردية

تم تقسم فن بيكاسو إلى عدد من الفترات منها الفترة الواقعية 1895 – 1901، الفترة الزرقاء وهي في الفترة بين 1901- 1904، والفترة الوردية 1905- 1907، وفترة التأثير الإفريقي 1908- 1909، والفترة التكعيبية التحليلية 1909 – 1912، والتكعيبية التركيبية 1912 – 1919، وبعض أعمال الحفر والنحت والخزف.

تزامنت "المرحلة الزرقاء" في فن بيكاسو مع بداية وجوده بباريس، وتميزت لوحاته فيها بطغيان اللون الأزرق البارد، واستلهم موضوعاتها من الأحياء الفقيرة فرسم نساء باردات حزينات، وأطفال مرضى بائسين ومتسولين ومسنين، وغلب على هذه اللوحات الوحشة واليأس والكآبة، وفي هذه الفترة أنجز العديد من أعمال الحفر أيضاً.

أتت بعد ذلك المرحلة الوردية 1905- 1907 والتي أنتقل فيها ألوان أكثر دفئاً مثل القرمزية والوردية والرمادية، وتخلى عن الوجوه النحيلة المنزعجة التي رسمها في الفترة الزرقاء، وتضمنت لوحاته مشاهد من السيرك والبهلوانات.



جاءت بعد ذلك مرحلة التأثير الإفريقي 1908- 1909 وفيها تأثر بيكاسو بالتماثيل والأشكال الزنجية البدائية، وفي هذه الفترة قدم لوحته الشهيرة " فتيات أفينيون" والتي جاءت متناقضة مع القواعد التقليدية لمقاييس الجمال المتعارف عليها، وكانت ثورة ضد ما هو سائد.

ظل بيكاسو في تطوير مستمر لأسلوبه الفني وكان رائد التكعيبية والذي أخذ على عاتقه مهمة تطويرها إلى جانب النان براك، توالت بعد ذلك لوحات بيكاسو التي تأثر فيها بالكثير من المؤثرات فقدم لوحة "الراقصات الثلاثة" 1925 وهي محاكاة لاذعة لرقص الباليه الكلاسيكي، ومن الأساطير استوحى لوحات "الحصان المحتضر"، و"المينطور".



جيرنيكا


في عام 1937 بدأ فن بيكاسو يأخذ شكل أخر فبعد القصف الوحشي الذي تعرضت له بلدة "جيرنيكا" قام برسم واحدة من أروع أعماله وهي لوحة جدارية "جيرنيكا" والتي قدمها كصرخة احتجاج وإدانة للوحشية والدمار التي تعرضت له تلك البلدة، وفيها صور أهوال الحرب الأهلية في أسبانيا في الفترة ما بين 1936- 1939 وبعد الحرب العالمية الثانية رسم بيكاسو لوحات مشوهة بها الكثير من الحزن والعذاب مثل لوحة "البيت المقبرة"، وقال في ذلك: ''إن اللوحات لا ترسم من أجل تزيين المساكن، إنها أداة للحرب ضد الوحشية والظلمات''.



وتعرض لوحة "جيرنيكا" في متحف الملكة صوفيا للفنون المعاصرة بمدريد، ويضم متحف بيكاسو الوطني في باريس مجموعة رائعة من أعمال هذا الفنان، وتزخر جعبة بيكاسو بالعديد من الأعمال الفنية الرائعة والتي تنوعت بين اللوحات والتماثيل والقطع الفنية الخزفية، ومن أشهر لوحاته في الفن التكعيبي "فتيات أفينيون".



الوفاة

توفى بيكاسو في الثامن من إبريل 1973 بموجان بفرنسا بعد تجاوز التسعين، وذلك أثناء دعوته هو وزوجته لبعض الأصدقاء لتناول العشاء، وكانت أخر كلماته التي قالها " أشربوا نخباً، أشربوا نخباً من أجلي فأنتم تعلمون أنني لن أستطيع الشرب بعد الآن".

محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة .. شخصيات تاريخيه










محمد علي باشا

هو أحد الشخصيات البارزة في التاريخ المصري في العصر الحديث، ويرجع إليه الفضل في بناء مصر الحديثة، حيث شهدت مصر في عصره نهضة في مختلف المجالات سواء الاقتصادية أو العسكرية.

ولد محمد علي عام 1769م الموافق عام 1183هـ من سلالة ألبانية ببلدة (قولة) أحد المواني الصغيرة الواقعة على الحدود بين ترافية ومقدونيا، توفى والده إبراهيم أغا و هو مازال في مرحلة الطفولة فأعتني به عمه طوسون إلا أنه توفي هو الأخر، فتبناه احد أصدقاء والده و عمل على رعايته و تربيته حتى بلغ الثامنة عشر فتعلم الفروسية و اللعب بالسيف، ألتحق بالخدمة العسكرية في الجيش ، و قام بخدمة حاكم قولة و أكتسب رضاه بذكائه و مهارته، و أكتسب الكثير من العادات و الآداب الفرنسية ، و عندما بلغ محمد على سن الثلاثين انضم للجيش مرة أخرى عندما بدأ الباب العالي في حشد جيوشه لمهاجمة الجيش الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت.

والي مصر


انتقل بعد ذلك محمد علي إلى مصر عام 1801م كمعاون لرئيس كتيبة قولة مع جيش (القبطان حسين باشا) الذي جاء لأجلاء الفرنسيين، و بقي في مصر بعد خروج الفرنسيين منها ونظراً لتميزه فقد رقي إلى عدة مناصب فأصبح نائب للسلطان العثماني ، ثم أصبح والياً على مصر في عام 1805م، حيث بدأ مهامه كوالي بالقضاء على المماليك في مذبحة القلعة الشهيرة، كما قام بالقضاء على الإنجليز في معركة رشيد، وبالتالي حول مصر إلي حالة من الاستقرار السياسي تمهيداً للبدء في بنائها وتقوية مركزها بين الدول المختلفة، فالتفت إلي الإصلاح الداخلي وكانت البداية من خلال تأسيس أول جيش نظامي قوي ساعد في تدريبه الفرنسيين الذين تبقوا من الحملة الفرنسية.

قام محمد علي بعدد من الفتوحات الخارجية منها حربه ضد الوهابيين بالحجاز ونجد وضمهما لحكمه عام 1818، ثم اتجه لمحاربة السودانيين عام 1820م، كما قام بالاستيلاء علي الشام وانتصر علي العثمانيين عام 1833م، وكاد يستولي علي الآستانة العاصمة إلا أن روسيا وبريطانيا وفرنسا قاموا بحماية السلطان العثماني، ولم يبقى مع محمد علي سوي سوريا وجزيرة كريت وفي عام 1839م حارب السلطان لكنه هزم و أجبر علي التراجع في مؤتمر لندن عام 1840 بعد تحطيم أسطوله في نفارين. ففرضوا عليه تحديد أعداد الجيش والاقتصار علي حكم مصر لتكون حكما ذاتيا يتولاه من بعده أكبر أولاده سنا .

إنجازاته

شهد عصر محمد علي العديد من الإنجازات والإصلاحات في مختلف المجالات حيث أنشأ العديد من المدارس و أرسل الكثير من البعثات لتلقي العلم في أوروبا، وأنشأ جريدة الوقائع المصرية، وأقام المصانع والمعامل لكي يستغني عن الدول الأجنبية في سد احتياجات الجيش والأسطول، كما قام بتقسيم الأراضي بحيث خصص كل منها لزراعة محصول معين ووزعها علي الفلاحين لزراعتها ورعايتها والاستفادة بغلتها نظير دفع الأموال الأميرية، و أدخل التعديلات في طرق الزراعة، و استعان بالآلات الحديثة، كما قام بإدخال عدد من الزراعات الجديدة مثل القطن وقصب السكر، وعمل علي إصلاح نظام الري، وأنشأ كثيراً من الترع والجسور والقناطر، وفي مجال التجارة أستغل موقع مصر المتميز وعني بالمواني وأنشأ الطرق لتسهيل انتقال التجارة.

و في المجال العسكري قام بأعداد قوي للجيش فجند المصريين فيه، وأنشأ المدرسة الحربية، ووضع النواة الأولي للبحرية، وأنشأ الأسطول المصري، هذا الأسطول الذي خاض عدد من الحروب الهامة و أنتصر فيها من أهمها حرب المورة، كما أنشأ دار الصناعة البحرية في الإسكندرية و التي يطلق عليها حالياً (الترسانة البحرية)، وذلك لتلبية احتياجات الأسطول المصري من السفن، كما أجري عدة إصلاحات إدارية بمصر ، فأنشأ مجلس الدواوين ، والديوان العالي وكان مقره القلعة ويرأسه الوالي، وله فروع في الحكومة، مثل ديوان المدارس، وديوان الحربية.

الوفاة

توفي محمد علي باشا في 13 رمضان 1265 - 2 أغسطس 1848، بعد أن تمكن من نقل مصر نقله حضارية هامة مازال التاريخ يتذكرها حتى الآن.





هنري فورد ... شخصيات اقتصاديه








هنري فورد..رجل جعل السيارة في متناول الجميع




هنري فورد

أن تكون اسم ينضم إلى سجلات العالم كواحد من البشر هذا شيء عادي ولكن ان تكون اسماً مميزاً منفرداً مجرد أن يذكر تشير الاصابع إليك أنت شخصياً دون غيرك هذا غير عادي.

"هنري فورد" اسم غير عادي هو الرجل الذي جعل السيارة في متناول الجميع وليست وسيلة للتفاخر من قبل الرجل الغني فقط، وأصبح اسم "فورد" علامة مميزة في سوق السيارات، ولنتعرف سوياً على حياة هذا الرجل ورحلته مع عالم السيارات والأعمال.


النشأة

ولد هنري فورد في الثلاثين من يوليو عام 1863 بمزرعة الأسرة في ديربورن بولاية ميتشجان الأمريكية وكان الابن الأول من بين ستة أبناء لويليام وماري فورد، التحق هنري بالمدرسة ولكن لم يكمل تعليمه حيث ترك الدراسة وهو في الخامسة عشر من عمره ليعمل في مزرعة والده، ولكن لم تكن الزراعة هي الطموح الذي يشغل بال فورد بل شغلته الآلات والميكانيكا.

البداية العملية لفورد

اتخذ أولى خطواته في هذا المجال وانتقل إلى مدينة قريبة تسمى ديترويت وتدرب في إحدى الورش الميكانيكية هناك، واستمر في التدريب على أعمال الميكانيكا لمدة ثلاث سنوات، وكان يساعد أحياناً في أعمال المزرعة، وعقب عودته لديربورن قسم هنري وقته ما بين إصلاح المحركات البخارية، والبحث عن فرصة للعمل في إحدى مصانع ديترويت.

في عام 1891 التحق هنري بالعمل بشركة أديسون للإضاءة، ومن هنا بدأت أولى خطواته من اجل تكريس حياته للمجال الصناعي، ونظراً لجهده ترقى فورد من متدرب إلى مهندس بالشركة عام 1893، وقد وفر له عمله هذا ما يكفي من الوقت والمال من أجل إجراء تجاربه الشخصية على محركات الاحتراق الداخلي.



أولى الابتكارات

الكوادريسيكل

عشق فورد مجال الميكانيكا وكرس قدراته وإمكانياته من اجل تصنيع سيارة تسير بالوقود وبالفعل انتهى من تجميع أولى سياراته عام 1896 وعرفت بـ "الكوادريسيكل"، وباع هنري فورد هذه السيارة واستخدم ثمنها كرأس مال معقول يمول به عمله في مجال السيارات، وعلى الرغم من أن فورد لم يكن هو أول من قام بابتكار أول سيارة تعمل بالوقود إلا أنه كان واحد من رواد صناعة السيارات في العالم.

استمر فورد بالعمل في شركة أديسون للإضاءة لمدة ثمانية أعوام، هذا إلى جانب ولعه بعالم السيارات ورغبته في الابتكار والتطوير في هذا المجال، ولكن جاء بعد ذلك قرار فورد بالتفرغ لعشقه الأول تصنيع السيارات.


تأسيس شركة "فورد"


شعار شركة فورد الأمريكية

عقب محاولتين فاشلتين لتأسيس شركته، تمكن فورد من النجاح وقام بتأسيس شركة "فورد" عام 1903، وأصبح فورد نائب الرئيس ورئيس المهندسين بها، وبدأت الشركة نشاطها بتجميع عدد قليل من السيارات وكان العمل يتم على أساس أن تقوم مجموعة تضم اثنين أو ثلاث عمال بتجميع أجزاء السيارة سواء التي تم تصنيعها بالشركة أو التي تم جلبها من شركات أخرى.

وصدرت السيارة موديل A 1903، ثم توالى إنتاجه للسيارات والتي تركزت في خلال السنوات التالية في سيارات السباق والتي سجلت أرقام قياسية، حتى أنه قام هو بنفسه بقيادة بعض منها في عدد من السباقات.


السيارة موديل"T" تغزو الأسواق

جاء إنتاج السيارة موديل "T" بديترويت في الأول من أكتوبر عام 1908، هذه السيارة التي وضع فيها فورد حلمه في صنع سيارة بسعر معقول وسهولة في الاستخدام، ومع مجيء عام 1918 غزت السيارة موديل "T" الأسواق فأصبحت نصف السيارات التي تسير بشوارع أمريكا من هذا الموديل.

ولتلبية الطلب المتزايد على هذه السيارة قرر فورد افتتاح مصنع أكبر بهاي لاند بارك بولاية ميتشجان عام 1910، كما قام بدراسة مراحل تجميع السيارة والوقت المستغرق في ذلك، هذا في محاولة منه من أجل تحقيق المزيد من التطوير وابتكار وسيلة تؤدي إلى إنجاز العمل بالدقة المطلوبة وبالسرعة المناسبة، وبالفعل توصل فورد لفكرة مناسبة تحقق له ما سبق وقامت فكرة فورد على أساس أن يكون هناك "خط تجميع متحرك"، ويهدف من هذا الخط أن يمر هيكل السيارة على سير أمام عدد محدد من العمال المزودين بعدد من القطع والمطلوب منهم مهمة معينة وفي وقت محدد، وعندما تمر عليهم السيارة يقوم كل عامل بتنفيذ المهمة وتركيب الجزء المطلوب منه، وتم حساب الوقت المطلوب فيه تنفيذ المهمة بدقة عالية حتى يسير العمل بالشكل المطلوب، وتصل السيارة مجمعة في نهاية رحلتها على خط التجميع.




وقد حققت فكرة فورد الكثير من النجاح فبالفعل تم تقليل الزمن الذي يتم فيه تجميع السيارة مما أدى إلى خفض سعرها وجعلها في متناول الكثير من الأفراد من الطبقة العادية، كم أرتفع أجر العمالة لديه، ونافس فورد الشركات الأخرى بقوة بسبب فكرة "خط التجميع" والتي جعلته الأسرع في إنتاج السيارات والأقل في ساعات العمل.

حققت السيارة "موديل T" الكثير من الشهرة والتي أقبل الكثير من الأمريكيين على شرائها، فخلال التسعة عشر عام التالية لبداية إنتاجها، قامت فورد بإنتاج وبيع 15 مليون سيارة من هذا الموديل، والذي حقق الاستمرار والشهرة لفترة طويلة وذلك بعد البيتلز لشركة فولكس فاجن، واستمر فورد بإدخال بعض التعديلات والتطويرات على التصميم الأصلي للموديل "T".

طموح هنري فورد

لم يكتفي فورد بما وصل إليه وإنما رغب بالمزيد من التطور، فسعى من اجل خفض ثمن السيارة والاكتفاء الذاتي بتصنيع جميع أجزاء السيارة داخل شركته، ولتحقيق هذا الاكتفاء كان لابد من امتلاك مناجم للحديد ووسائل نقل كالسفن والسكك الحديدية ومصانع لتصنيع أجزاء السيارة من محرك وشاسيه وإطارات وغيرها، ومع قدوم عام 1920 أصبحت شركة "فورد" تملك مزارع مطاط في البرازيل, وأساطيل سفن, سكك حديد, ومناجم للفحم والحديد، وغيرها، وجاء عام 1925 وقد أصبح فورد ينتج عشرة ألاف سيارة خلال الـ 24 ساعة.

تعرض فورد لعدد من النزاعات مع المساهمين بالشركة، وذلك بسبب إصراره على إدارة الشركة بطريقته الخاصة هذا بالإضافة لخططه من اجل التوسع وتقليل سعر السيارة، إلى جانب نزاعاته مع نقابة العمال.

تراجع وهبوط

استمر فورد في إنتاج السيارة موديل "T" وظل ينتج نفس الموديل بنفس اللون الأسود دون إحداث أي تطور، مما أنعكس سلباً على مبيعات سيارات فورد والتي بدأت في خسارة جزء من السوق لصالح شركة جنرال موتورز، وأصبحت سيارات فورد موديل "T" من الموديلات القديمة، التي لا تحقق تنافس إلى جانب السيارات الأخرى ذات الألوان المختلفة والإمكانيات الأكثر تطوراً.

قرر هنري أن يتخذ خطوة جادة في التطوير وإنتاج موديل جديد وهذا ما حدث حيث قام بإغلاق شركة فورد لمدة خمسة أشهر ثم قدم السيارة موديل "A 1927" وحققت هذه السيارة نجاح متوسط، أعقب ذلك تقديم شركته لسيارة أخرى رخيصة الثمن ذات المحرك "V-8" عام 1932، واتجهت شركات فورد للتصنيع الحربي أثناء الحرب العالمية الثانية.


وخلال الثلاثينات استمر الهبوط والتراجع في مبيعات فورد حتى أن بعض الأشخاص شككوا في قدرة هنري فورد الإدارية، وانتقلت إدارة الشركة إلى احد أحفاده عام 1945.


في حياة فورد

متحف هنري فورد

بالإضافة لعشقه للميكانيكا والسيارات كانت لفورد مساهماته في الحياة السياسية والعامة، تقدم لانتخابات مجلس الشيوخ مرشحاً عن الديمقراطيين بولاية ميتشيجان في عام 1918 ولكنه لم يحقق الفوز، كان لفورد العديد من المساهمات الخيرية في الحياة العامة مثل "مؤسسة فورد" للمساهمة في المنح الخاصة بالأبحاث والتعليم والتطوير، وهي من اكبر المؤسسات في العالم وأصبحت هذه المؤسسة منظمة قومية عام 1950 وتوجد لها فروع في عدد من الدول الأخرى، كما قام فورد ببناء مستشفى "هنري فورد" في ديترويت بتكلفة 7 مليون دولار، وأصبح ناشر لمجلة ديربورن إيندبندنت، كما قام ببناء مدارس في مجالات مختلفة لتوفير خبرة تعليمية باستخدام تقنية التدريس الحديث, والتعليم من خلال المشاركة.

كما قام فورد بإنشاء متحفين متحف "جرينفيلد فيلج"، ومتحف "هنري فورد" في ديربورن بولاية ميتشجان.

في 13 يناير عام 1942 حصل هنري فورد على براءة اختراع لتصنيع سيارة ذات جسم من البلاستيك وزنها أقل 30% من السيارة المعدن.

توفي هنري فورد عام 1947 وهو في الثالثة والثمانين من عمره، بعد أن جعل السيارة ليست وسيلة للرفاهية للرجل الغني فقط، ولكن وسيلة للتنقل والاستخدام من قبل الرجل العادي أيضاً.


"النجاشي" ملك الحبشة الصالح .. شخصيات تاريخيه






النجاشي ملك الحبشة وصفه رسول الله "صلى الله عليه وسلم " بأنه ملك صالح" و"أنه ملك لا يُظلم عنده أحداً"، ويقال عنه أنه كان عبداً صالحاً لبيباً زكياً، عادلاً عالماً.

اسمه أصحمة ويعني "عطية" ويقال أن كلمة "نجاشي" هي لفظ من الحبشة يطلق على الحاكم أو الملك مثل "قيصر" لملك الروم، و"كسرى" لملك الفرس، وفرعون لملك مصر وهكذا.

تولى الحكم بعد وفاة عمه بصاعقة، اشتهر النجاشي بعدله في الحكم وتجاوزت سيرته الطيبة الحبشة وانتشرت في العديد من البلدان.

نصح الرسول "صلى الله عليه وسلم" المسلمين عندما اشتد أذى المشركين بهم بترك مكة والهجرة إلى الحبشة لأن بها ملك عادل في حكمه لا يًظلم عنده أحد.

النجاشي والمسلمين

للنجاشي العديد من المواقف التي ساعد بها المسلمين وكان سبباً في إسلام عمرو بن العاص، نذكر من هذه المواقف استقباله للمسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة هروباً من اضطهاد قريش، وذلك عندما نصحهم الرسول "صلى الله عليه و سلم" بترك مكة و الهجرة إلى الحبشة لأن فيها ملك لا يُظلم عنده أحد و عادل في حكمة كريماً في خلقة، كما أنه هو الذي قام بدفع صداق السيدة أم حبيبة رضي الله عنها، وأرسلها مع المهاجرين العائدين من الحبشة إلى الرسول "صلى الله عليه وسلم".

هجرة المسلمين للحبشه


كان عمرو بن العاص على الجاهلية عندما وفد على النجاشي جماعة المسلمين المهاجرين إلى الحبشة، وأراد عمرو أن يسلمه النجاشي هؤلاء المسلمين فذهب إليه مع أعوانه محملاً بالهداية الثمينة، طالباً منه أن يسلمه المسلمين فرفض النجاشي أن يسلمهم له دون أن يستمع لهم فدعاهم النجاشي، ولما حضروا صاح جعفر بن أبي طالب بالباب " يستأذن عليك حزب الله " فقال النجاشي: مروا هذا الصائح فليعد كلامه، ففعل.

قال نعم فليدخلوا بإذن الله وذمته، فدخلوا ولم يسجدوا له، فقال: ما منعكم أن تسجدوا لي؟ قالوا: إنما نسجد لله الذي خلقك وملكك، وإنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان، فبعث الله فينا نبيا صادقا، وأمرنا بالتحية التي رضيها الله، وهي " السلام " تحية أهل الجنة، فعرف النجاشي أن ذلك حق، وأنه في التوراة والإنجيل.

فقال أيكم الهاتف يستأذن؟ فقال جعفر أنا، قال فتكلم، قال إنك ملك لا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم، وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي، فأمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما، فتسمع محاورتنا، فقال عمرو لجعفر تكلم. فقال جعفر للنجاشي سله أعبيد نحن أم أحرار؟ فإن كنا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم، فقال عمرو : بل أحرار كرام . فقال: هل أهرقنا دما بغير حق فيقتص منا؟ قال عمرو: ولا قطرة، فقال هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها ؟ فقال عمرو: ولا قيراط، فقال النجاشي: فما تطلبون منه؟ قال كنا نحن وهم على أمر واحد على دين آبائنا، فتركوا ذلك واتبعوا غيره، فقال النجاشي: ما هذا الذي كنتم عليه، وما الذي اتبعتموه؟ قل وأصدقني .

فقال جعفر: أما الذي كنا عليه فتركناه وهو دين الشيطان ، كنا نكفر بالله ونعبد الحجارة، وأما الذي تحولنا إليه فدين الله الإسلام جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له، فقال تكلمت بأمر عظيم، فعلى رسلك .

ثم أمر بضرب الناقوس فاجتمع إليه كل قسيس وراهب، فقال لهم أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، هل تجدون بين:عيسى وبين يوم القيامة نبيا ؟ قالوا: اللهم نعم، قد بشرنا به عيسى، وقال من آمن به فقد آمن بي، ومن كفر به فقد كفر بي، فقال النجاشي لجعفر رضي الله عنه ماذا يقول لكم هذا الرجل ؟ وما يأمركم به؟ وما ينهاكم عنه؟، فقال يقرأ علينا كتاب الله، ويأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر، ويأمرنا بحسن الجوار وصلة الرحم وبر اليتيم، ويأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له .

فقال اقرأ مما يقرأ عليكم، فقرأ سورتي العنكبوت والروم، ففاضت عينا النجاشي من الدمع، وقال زدنا من هذا الحديث الطيب، فقرأ عليهم سورة الكهف .

فأراد عمرو أن يغضب النجاشي، فقال إنهم يشتمون عيسى وأمه، فقال ما تقولون في عيسى وأمه ؟ فقرأ عليهم سورة مريم، فلما أتى على ذكر عيسى وأمه رفع النجاشي بقشة من سواكه قدر ما يقذي العين، فقال والله ما زاد المسيح على ما تقولون نقيرا .

ورفض النجاشي أن يسلم المسلمين لعمرو بن العاص بعد أن سمع منهم، وأمنهم في بلده، وعاد المسلمون من الحبشة مرة أخرى عقب فتح خيبر وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب، وفرح الرسول "صلى الله عليه وسلم" بهم كثيراً حتى انه قال: " ما أدرى بأيهما أنا أشد فرحًا؛ أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر؟".



في كتاب البداية والنهاية لابن كثير يذكر لنا:


ذكر البيهقي أيضاً عن الحاكم، عن أبي الحسن محمد بن عبد الله الفقيه - بمرو - حدثنا حماد بن احمد، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن اسحاق قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي في شان جعفر بن أبي طالب وأصحابه، وكتب معه كتاباً‏:‏

‏"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة، سلام عليك فاني احمد إليك الله الملك القدوس المؤمن المهيمن، واشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطاهرة الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخته، كما خلق ادم بيده ونفخه‏.‏

واني ادعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وان تتبعني فتؤمن بي وبالذي جاءني، فاني رسول الله وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً، ومعه نفر من المسلمين فإذا جاءوك فاقرهم ودع التجبر، فاني ادعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي، والسلام على من اتبع الهدى‏‏".‏

فكتب النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد رسول الله من النجاشي الأصحم بن ابجر، سلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته لا اله إلا هو الذي هداني إلى الإسلام، فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء والأرض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت‏.‏

وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقرينا ابن عمك وأصحابه، فاشهد انك رسول الله صادقاً ومصدقاً، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين‏.‏

وقد بعثت إليك يا نبي الله باربحا بن الأصحم بن ابجر، فاني لا املك إلا نفسي، وان شئت أن أتيك فعلت يا رسول الله فاني اشهد أن ما تقول حق‏".‏‏

عمرو بن العاص والنجاشى

كان عمرو بن العاص مازال على الجاهلية عندما قدم المهاجرين المسلمين على النجاشي في الحبشة، وكان يقول لو أسلمت قريش كلها لن اسلم، وكان للنجاشي فضل كبير في إسلام عمرو بعد ذلك، وتبدأ قصته مع النجاشي كما يلي:

قال عمرو بن العاص: لما انصرفنا يوم الأحزاب عن الخندق، جمعت رجالاً من قريش كانوا يرون رأيي، ويسمعون مني، فقلت لهم‏:‏ تعلمون والله إني أرى أمر محمد يعلو الأمور علواً منكراً، واني لقد رأيت أمراً فما ترون فيه‏؟‏

قالوا‏:‏ وما رأيت ‏؟‏

قال‏:‏ رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده، فان ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي، فانا إن نكن تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد، وان ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا فلن يأتينا منهم إلا خير‏.‏

قالوا‏:‏ إن هذا لرأي‏.‏

قلت‏:‏ فاجمعوا لنا ما نهدي له، فكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الادم، فجمعنا له ادماً كثيراً، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه، فوالله أنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمري، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إليه في شان جعفر وأصحابه‏، وأيضاً بكتاب ليزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان.

قال‏:‏ فدخل عليه، ثم خرج من عنده‏.‏

قال‏:‏ فقلت لأصحابي‏:‏ هذا عمرو بن أمية لو قد دخلت على النجاشي فسألته إياه فاعطانيه فضربت عنقه، فإذا فعلت رأت قريش إني قد اجزات عنها حين قتلت رسول محمد‏.‏

فدخلت على النجاشي فسجدت له كما كنت اصنع، فقال‏:‏ مرحباً بصديقي اهديت لي من بلادك شيئاً‏؟‏

قال‏:‏ قلت نعم أيها الملك، اهديت لك ادماً كثيراً‏.‏

ثم قدمته فأعجبه، وفرق منه شيئاً بين بطارقته، وأمر بسائره فادخل في موضعٍ، وأمر أن يكتب ويحتفظ به، فلما رأيت طيب نفسه قلت‏:‏ أيها الملك، إني قد رأيت رجلاً خرج من عندك وهو رسول عدو لنا، قد وترنا وقتل أشرافنا وخيارنا فأعطنيه فاقتله‏.‏

فغضب من ذلك، ورفع يده فضرب بها انفي ضربة ظننت انه كسره، فابتدر منخراي فجعلت أتلقى الدم بثيابي، فأصابني من الذل ما لو انشقت بي الأرض دخلت فيها فرقاً منه‏.‏

ثم قلت‏:‏ أيها الملك لو ظننت انك تكره ما قلت ما سألتك‏.‏

قال‏:‏ فاستحيا وقال‏:‏ يا عمرو تسألني أن أعطيك رسول رسول الله من يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، والذي كان يأتي عيسى لتقتله‏؟‏

قال عمرو‏:‏ فغير الله قلبي عما كنت عليه، وقلت في نفسي‏:‏ عرف هذا الحق، والعرب، والعجم، وتخالف أنت‏؟‏

ثم قلت‏:‏ أتشهد أيها الملك بهذا‏؟‏

قال‏:‏ نعم، اشهد به عند الله يا عمرو فاطعني واتبعه، فوالله انه لعلى الحق، وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده‏.‏

قلت‏:‏ أتبايعني له على الإسلام‏؟‏

قال‏:‏ نعم، فبسط يده فبايعني على الإسلام، ثم دعا بطست فغسل عني الدم، وكساني ثياباً - وكانت ثيابي قد أمتلات بالدم فألقيتها - ثم خرجت على أصحابي فلما رأوا كسوة النجاشي سروا بذلك، وقالوا‏:‏ هل أدركت من صاحبك ما أردت‏؟‏

فقلت لهم‏:‏ كرهت أن اكلمه في أول مرة، وقلت أعود إليه‏.‏

فقالوا‏:‏ الرأي ما رأيت‏.‏

خرج عمرو بن العاص من عند النجاشي وقد شرح الله قلبه للإسلام وبالفعل انطلق قاصداً رسول الله، والتقى بكل من خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة وأعلن الجميع إسلامهم بن يدي رسول الله "صلى الله عليه وسلم".

تلبيته لطلب الرسول

أرسل الرسول "صلى الله عليه وسلم" إلى النجاشي بكتاب ليزوجه من السيدة أم حبيبة – رملة بنت أبي سفيان - وهي رضي الله عنها كانت واحدة من المهاجرات المسلمات إلى الحبشة، وواحدة من ضمن المسلمين الذين اشتد عليهم أذى الكفار فهاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش مع من هاجر إلى الحبشة من المسلمين، ولكن محنة أخرى أصابتها بعدما ارتد زوجها عن الإسلام وتحول إلى النصرانية ثم انكب على الخمر حتى مات، وقد بشرت أم المؤمنين "أم حبيبة" في منام لها أن جاءها آت في المنام وناداها بأم المؤمنين.

لبى النجاشي طلب الرسول ودفع صداق أم حبيبة أربعمائة دينار بالحبشة وجهزها نيابة عن الرسول وأرسلها مع المهاجرين العائدين من الحبشة.



كرم الرسول وتواضعه

نذكر هنا أحد الموقف كما رواها ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية"، قال أبي قتادة قدم وفد النجاشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يخدمهم فقال أصحابه: نحن نكفيك يا رسول الله، فقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم "انهم كانوا لأصحابنا مكرمين وإني أحب أن اكافيهم"


وفاة النجاشي
عندما توفى النجاشي نعاه الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" قال البخاري‏ في موت النجاشي‏:‏ حدثنا أبو الربيع، حدثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر قال‏:‏ قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" - حين مات النجاشي:‏ ‏‏مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة".

وفي كتاب البداية والنهاية لابن كثير يذكر لنا: ذكر الحافظ البيهقي ها هنا موت النجاشي صاحب الحبشة على الإسلام، ونعي رسول الله صلى الله عليه وسلم له إلى المسلمين وصلاته عليه‏، فروى‏:‏ من طريق مالك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى إلى الناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم وكبر أربع تكبيرات‏.‏

وقال العلماء أنه صلي عليه لأنه كان يكتم إيمانه عن قومه فلم يكن عنده يوم وفاته من يصلي عليه عقب عودة المسلمين من الحبشة، فصلى الرسول "صلى الله عليه وسلم عليه" صلاة الغائب، ويقال أن وفاته كانت في رجب السنة التاسعة من الهجرة.

هارون الرشيد .. شخصيات تاريخيه




الدولة العباسية

لم يحظَ خليفة بعد الخلفاء الراشدين بالشهرة الواسعة وذيوع الذكر، مثلما حظي الخليفة العباسي هارون الرشيد، غير أن تلك الشهرة امتزج في نسجها الحقيقة مع الخيال، واختلطت الوقائع مع الأساطير، حتى كادت تختفي صورة الرشيد، وتضيع قسماتها وملامحها، وتظهر صورة أخرى له أقرب إلى اللهو واللعب والعبث والمجون، وأصبح من الواجب نفض الروايات الموضوعة، والأخبار المدسوسة حتى نستبين شخصية الرشيد كما هي في الواقع، لا كما تصورها الأوهام والأساطير.

ما قبل الخلافة

نشأ الرشيد في بيت ملك، وأُعد ليتولى المناصب القيادية في الخلافة، وعهد به أبوه الخليفة "المهدي بن جعفر المنصور" إلى من يقوم على أمره تهذيبًا وتعليمًا وتثقيفًا، وحسبك أن يكون من بين أساتذة الأمير الصغير "الكسائي"، والمفضل الضبي، وهما مَن هما علمًا ولغة وأدبًا، حتى إذا اشتد عوده واستقام أمره، ألقى به أبوه في ميادين الجهاد، وجعل حوله القادة الأكفاء، يتأسى بهم، ويتعلم من تجاربهم وخبراتهم، فخرج في عام (165 هـ= 781م) على رأس حملة عسكرية ضد الروم، وعاد محملاً بأكاليل النصر، فكوفئ على ذلك بأن اختاره أبوه وليًا ثانيًا للعهد بعد أخيه موسى الهادي.

وكانت الفترة التي سبقت خلافته يحوطه في أثنائها عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية، من أمثال "يحيى بن خالد البرمكي"، و"الربيع بن يونس"، و"يزيد بن مزيد الشيباني" و"الحسن بن قحطبة الطائي"، و"يزيد بن أسيد السلمي"، وهذه الكوكبة من الأعلام كانت أركان دولته حين آلت إليه الخلافة، ونهضوا معه بدولته حتى بلغت ما بلغت من التألق والازدهار.

تولّيه الخلافة

تمت البيعة للرشيد بالخلافة في (14 من شهر ربيع الأول 170هـ= 14 من سبتمبر 786م)، بعد وفاة أخيه موسى الهادي، وبدأ عصر زاهر كان واسطة العقد في تاريخ الدولة العباسية التي دامت أكثر من خمسة قرون، ارتقت فيه العلوم، وسمت الفنون والآداب، وعمَّ الرخاء ربوع الدولة.

وكانت الدولة العباسية حين آلت خلافتها إليه مترامية الأطراف تمتد من وسط أسيا حتى المحيط الأطلنطي، مختلفة البيئات، متعددة العادات والتقاليد، معرضة لظهور الفتن والثورات، تحتاج إلى قيادة حكيمة وحازمة يفرض سلطانها الأمن والسلام، وتنهض سياستها بالبلاد، وكان الرشيد أهلاً لهذه المهمة الصعبة في وقت كانت فيه وسائل الاتصال شاقة، ومتابعة الأمور مجهدة، وساعده على إنجاز مهمته أنه أحاط نفسه بكبار القادة والرجال من ذوي القدرة والكفاءة، ويزداد إعجابك بالرشيد حين تعلم أنه أمسك بزمام هذه الدولة العظيمة وهو في نحو الخامسة والعشرين من عمره، فأخذ بيدها إلى ما أبهر الناس من مجدها وقوتها وازدهار حضارتها.

استقرار الدولة

ولم تكن الفترة التي قضاها الرشيد في خلافة الدولة العباسية هادئة ناعمة، وإنما كانت مليئة بجلائل الأعمال في داخل الدولة وخارجها، ولم يكن الرشيد بالمنصرف إلى اللهو واللعب المنشغل عن دولته العظيمة إلى المتع والملذات، وإنما كان "يحج سنة ويغزو كذلك سنة".

واستهل الرشيد عهده بأن قلد "يحيى بن خالد البرمكي" الوزارة، وكان من أكفأ الرجال وأمهرهم، وفوّض إليه أمور دولته، فنهض بأعباء الدولة، وضاعف من ماليتها، وبلغت أموال الخراج الذروة، وكان أعلى ما عرفته الدولة الإسلامية من خراج، وقدره بعض المؤرخين بنحو 400 مليون درهم، وكان يدخل خزينة الدولة بعد أن تقضي جميع الأقاليم الإسلامية حاجتها.

وكانت هذه الأموال تحصل بطريقة شرعية، لا ظلم فيها ولا اعتداء على الحقوق، بعد أن وضع القاضي "أبو يوسف" نظامًا شاملاً للخراج باعتباره واحدًا من أهم موارد الدولة، يتفق مع مبادئ الشرع الحنيف، وذلك في كتابه الخراج.

وكان الرشيد حين تولى الخلافة يرغب في تخفيف بعض الأعباء المالية عن الرعية، وإقامة العدل، ورد المظالم، فوضع له "أبو يوسف" هذا الكتاب استجابة لرغبته، وكان لهذا الفائض المالي أثره في انتعاش الحياة الاقتصادية، وزيادة العمران، وازدهار العلوم، والفنون، وتمتع الناس بالرخاء والرفاهية.

وأُنفقت هذه الأموال في النهوض بالدولة، وتنافس كبار رجال الدولة في إقامة المشروعات كحفر الترع والأنهار، وبناء الحياض، وتشييد المساجد، وإقامة القصور، وتعبيد الطرق، وكان لبغداد نصيب وافر من العناية والاهتمام من قبل الخليفة الرشيد وكبار رجال دولته، حتى بلغت في عهده قمة مجدها وتألقها؛ فاتسع عمرانها، وزاد عدد سكانها حتى بلغ نحو مليون نسمة، وبُنيت فيها القصور الفخمة، والأبنية الرائعة التي امتدت على جانبي دجلة، وأصبحت بغداد من اتساعها كأنها مدن متلاصقة، وصارت أكبر مركز للتجارة في الشرق، حيث كانت تأتيها البضائع من كل مكان.

وغدت بغداد قبلة طلاب العلم من جميع البلاد، يرحلون إليها حيث كبار الفقهاء والمحدثين والقراء واللغويين، وكانت المساجد الجامعة تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية التي كان كثير منها أشبه بالمدارس العليا، من حيث غزارة العلم، ودقة التخصص، وحرية الرأس والمناقشة، وثراء الجدل والحوار. كما جذبت المدينة الأطباء والمهندسين وسائر الصناع.

وكان الرشيد وكبار رجال دولته يقفون وراء هذه النهضة، يصلون أهل العلم والدين بالصلات الواسعة، ويبذلون لهم الأموال تشجيعًا لهم، وكان الرشيد نفسه يميل إلى أهل الأدب والفقه والعلم، ويتواضع لهم حتى إنه كان يصب الماء في مجالسه على أيديهم بعد الأكل.

وأنشأ الرشيد "بيت الحكمة" وزودها بأعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات من مختلف بقاع الأرض كالهند وفارس والأناضول واليونان، وعهد إلى "يوحنا بن ماسوية" بالإشراف عليها، وكانت تضم غرفًا عديدة تمتد بينها أروقة طويلة، وخُصصت بعضها للكتب، وبعضها للمحاضرات، وبعضها الآخر للناسخين والمترجمين والمجلدين.

هارون الرشيد مجاهدًا
كانت شهرة هارون الرشيد قبل الخلافة تعود إلى حروبه وجهاده مع الروم، فلما ولي الخلافة استمرت الحروب بينهما، وأصبحت تقوم كل عام تقريبًا، حتى إنه اتخذ قلنسوة مكتوبًا عليها: غاز وحاج.

وقام الرشيد بتنظيم الثغور المطلة على بلاد الروم على نحو لم يعرف من قبل، وعمرها بالجند وزاد في تحصيناتها، وعزل الجزيرة وقنسرين عن الثغور، وجعلها منطقة واحدة، وجعل عاصمتها أنطاكية، وأطلق عليها العواصم، لتكون الخط الثاني للثغور الملاصقة للروم، ولأهميتها كان لا يولي عليها إلا كبار القادة أو أقرب الأقربين إليه، مثل "عبد الملك بن صالح" ابن عم أبي جعفر المنصور أو ابنه "المعتصم".

وعمّر الرشيد بعض مدن الثغور، وأحاط كثيرًا منها بالقلاع والحصون والأسوار والأبواب الحديدية، مثل: قلطية، وسميساط، ومرعش، وكان الروم قد هدموها وأحرقوها فأعاد الرشيد بناءها، وأقام بها حامية كبيرة، وأنشأ الرشيد مدينة جديدة عرفت باسم "الهارونية" على الثغور.

وأعاد الرشيد إلى الأسطول الإسلامي نشاطه وحيويته، ليواصل ويدعم جهاده مع الروم ويسيطر على الملاحة في البحر المتوسط، وأقام دارًا لصناعة السفن، وفكّر في ربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، وعاد المسلمون إلى غزو سواحل بحر الشام ومصر، ففتحوا بعض الجزر واتخذوها قاعدة لهم، مثلما كان الحال من قبل، فأعادوا فتح "رودس" سنة (175هـ= 791م)، وأغاروا على أقريطش "كريت" وقبرص سنة (190هـ= 806م).

واضطرت دولة الروم أمام ضربات الرشيد المتلاحقة إلى طلب الهدنة والمصالحة، فعقدت "إيريني" ملكة الروم صلحًا مع الرشيد، مقابل دفع الجزية السنوية له في سنة (181هـ= 797م)، وظلت المعاهدة سارية حتى نقضها إمبراطور الروم، الذي خلف إيريني في سنة (186هـ = 802م)، وكتب إلى هارون: "من نقفور ملك الروم إلى ملك العرب، أما بعد فإن الملكة إيريني التي كانت قبلي أقامتك مقام الأخ، فحملت إليك من أموالها، لكن ذاك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وافتد نفسك، وإلا فالحرب بيننا وبينك".

فلما قرأ هارون هذه الرسالة ثارت ثائرته، وغضب غضبًا شديدًا، وكتب على ظهر رسالة الإمبراطور: "من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام".

وخرج هارون بنفسه في (187 هـ= 803م)، حتى وصل "هرقلة" وهي مدينة بالقرب من القسطنطينية، واضطر نقفور إلى الصلح والموادعة، وحمل مال الجزية إلى الخليفة كما كانت تفعل "إيريني" من قبل، ولكنه نقض المعاهدة بعد عودة الرشيد، فعاد الرشيد إلى قتاله في عام (188هـ= 804م) وهزمه هزيمة منكرة، وقتل من جيشه أربعين ألفا، وجُرح نقفور نفسه، وقبل الموادعة، وفي العام التالي (189هـ=805م) حدث الفداء بين المسلمين والروم، ولم يبق مسلم في الأسر، فابتهج الناس لذلك.

غير أن أهم غزوات الرشيد ضد الروم كانت في سنة ( 190 هـ= 806م)، حين قاد جيشًا ضخماً عدته 135 ألف جندي ضد نقفور الذي هاجم حدود الدولة العباسية، فاستولى المسلمون على حصون كثيرة، كانت قد فقدت من أيام الدولة الأموية، مثل "طوانة" بثغر "المصيصة"، وحاصر "هرقلة" وضربها بالمنجنيق، حتى استسلمت، وعاد نقفور إلى طلب الهدنة، وخاطبه بأمير المؤمنين، ودفع الجزية عن نفسه وقادته وسائر أهل بلده، واتفق على ألا يعمر هرقلة مرة أخرى.

بلاط الرشيد محط أنظار العالم

ذاع صيت الرشيد وطبق الآفاق ذكره، وأرسلت بلاد الهند والصين وأوروبا رسلها إلى بلاطه تخطب وده، وتطلب صداقته، وكانت سفارة "شارلمان" ملك الفرنجة من أشهر تلك السفارات، وجاءت لتوثيق العلاقات بين الدولتين، وذلك في سنة ( 183هـ= 779م)؛ فأحسن الرشيد استقبال الوفد، وأرسل معهم عند عودتهم هدايا قيمة، كانت تتألف من حيوانات نادرة، منها فيل عظيم، اعتبر في أوروبا من الغرائب، وأقمشة فاخرة وعطور، وشمعدانات، وساعة كبيرة من البرونز المطلي بالذهب مصنوعة في بغداد، وحينما تدق ساعة الظهيرة، يخرج منها اثنا عشر فارسًا من اثنتي عشرة نافذة تغلق من خلفهم، وقد تملك العجب شارلمان وحاشيته من رؤية هذه الساعة العجيبة، وظنوها من أمور السحر.

الرشيد وأعمال الحج
نظم العباسيون طرق الوصول إلى الحجاز، فبنوا المنازل والقصور على طول الطريق إلى مكة، طلبًا لراحة الحجاج، وعُني الرشيد ببناء السرادقات وفرشها بالأثاث وزودها بأنواع الطعام والشراب، وبارته زوجته "زبيدة" في إقامة الأعمال التي تيسر على الحجيج حياتهم ومعيشتهم، فعملت على إيصال الماء إلى مكة من عين تبعدp>

الرشيد وأعمال الحج

نظم العباسيون طرق الوصول إلى الحجاز، فبنوا المنازل والقصور على طول الطريق إلى مكة، طلبًا لراحة الحجاج، وعُني الرشيد ببناء السرادقات وفرشها بالأثاث وزودها بأنواع الطعام والشراب، وبارته زوجته "زبيدة" في إقامة الأعمال التي تيسر على الحجيج حياتهم ومعيشتهم، فعملت على إيصال الماء إلى مكة من عين تبعد عن مكة بنحو ثلاثين ميلاً، وحددت معالم الطريق بالأميال، ليعرف الحجاج المسافات التي قطعوها، وحفرت على طولها الآبار والعيون.

وفاة الرشيد

كان الرشيد على غير ما تصوره بعض كتب الأدب، دينا محافظًا على التكاليف الشرعية، وصفه مؤرخوه أنه كان يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا، ويتصدق من ماله الخاص، ولا يتخلف عن الحج إلا إذا كان مشغولاً بالغزو والجهاد، وكان إذا حج صحبه الفقهاء والمحدثون.

وظل عهده مزاوجة بين جهاد وحج، حتى إذا جاء عام (192 هـ= 808م) فخرج إلى "خرسان" لإخماد بعض الفتن والثورات التي اشتعلت ضد الدولة، فلما بلغ مدينة "طوس" اشتدت به العلة، وتُوفي في (3 من جمادى الآخر 193هـ= 4 من إبريل 809م) بعد أن قضى في الخلافة أكثر من ثلاث وعشرين سنة، عدت العصر الذهبي للدولة العباسية.

* من مراجع الدراسة:

*

محمد جرير الطبري ـ تاريخ الرسل والملوك ـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ـ دار المعارف ـ القاهرة 1979.
*

عبد المنعم ماجد ـ العصر العباسي الأول ـ مكتبة الأنجلو المصرية ـ القاهرة ـ 1979.
*

محمد الخضري ـ محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية (الدولة العباسية) ـ المكتبة التجارية الكبرى ـ القاهرة ـ 1959م.
*

فاروق عمر ـ الخليفة هارون الرشيد ـ وزارة الثقافة والإعلام ـ بغداد ـ 1989م.
*

حسن إبراهيم حسن ـ تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي (العصر العباسي الأول) مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة ـ 1948م.




تأليف الأستاذ : أحمد تمام - منقول من موقع إسلام أون لاين.نت



كتاب الامير .. مكيافيلى



محتويات الكتاب :

إهداء
أنواع الممالك والإمارات، وبأي الطرق يتم إنشائها واستحواذها
ما يتعلق بالملكيات الوراثية
ما يتعلق بالملكيات المُختلطة
لماذا لم تثور مملكة داريوس التي احتلها الإسكندر الأكبر على خلفائه بعد موته
ما يتعلق بالممالك والإمارات والمدن التي كانت تعيش تحت قوانينها الخاصة قبل احتلالها
ما يتعلق بالممالك والإمارات التي يتم امتلاكها بكفاءة وسلاح شخص بعينه
ما يتعلق بالممالك والإمارات التي يتم امتلاكها بمساعدة الآخرين أو بالحظ
ما يتعلق بالممالك والإمارات التي امتلاكها بالمكر والخديعة
ما يتعلق بالممالك والإمارات المدنيّة
ما يتعلق بالسُبل التي يمكن عن طريقها قياس قوة إمارة أو مملكة
ما يتعلق بالإمارات والممالك الكَنَسيّة
كم نوعاً هناك للتجنيد، وما يتعلق بالمُرتزقة
القوات الإضافية، والمُختلطة، والأصلية
ما يُهم الأمير فيما يتعلق بشؤون الحرب
ما يتعلق بالأمور التي يستحق عليها الرجال، ولا سيما الأمراء، المدح أو الذم
ما يتعلق بالسخاء والبُخل
ما يتعلق بالرأفة والقسوة، وهل من الأفضل أن تكون مُهاباً أم محبوباً
ما يتعلق بالسبل التي يستطيع بها الأمير من الحفاظ على الولاء
على الشخص أن لا يضع نفسه بموضع الكراهية أو الاحتقار
هل القلاع وغيرها مما يبتكرها الأمير نافعة أم ضارة؟
الواجب على الأمير لاكتساب الشهرة والمحبة
ما يتعلق بوزارء الأمير
كيف يمكن تجنب التعرض للنفاق
كيف خسر أمراء إيطاليا إماراتهم
أثر القدر في الشؤون الإنسانية وطرق مقاومته
نصائح لتحرير إيطاليا من البرابرة

مكيافيللي .... فيلسوف السلطة




ميكيافيللي: فيلسوف السلطة


اسم المؤلف: روس كينج
اسم المترجم: فايقة جرجس
اسم المراجع: مجدي عبد الواحد عنبة
عدد الصفحات: 288

وُلد مكيافيللي (1469-1527) لأسرة عريقة من الطبقة المتوسطة، وقد اشتهر بكتابه «الأمير» مع إنه لم يكن هو نفسه أميرًا بل عمل كأحد أفراد الحاشية الملكية وكدبلوماسي لجمهورية فلورنسا، وحظى بقدر لا بأس به من الشهرة في عصره باعتباره كاتبًا للمسرحيات والقصائد الشعرية الماجنة. تؤكد حوادث التاريخ أن تصاريف الدهر ليس لها أمان فقد وجد مكيافيللي نفسه – فور عودة «المديشيون» إلي تولي الحكم – مطرودًا من الحكومة التي طالما خدمها لعقود، ونُفي من مسقط رأسه.
وفي هذه السيرة الجديدة الرائعة، ينقذ روس كينج ميراث مكيافيللي من التعرض للسخرية اللاذعة، باسطًا تفاصيل القرائن السياسية والاجتماعية المضطربة التي أثرت على فكره، وملقيًا الضوء على الجانب الإنساني لأحد أبرع المفكرين السياسين الذين عرفهم التاريخ. يقوم ميكافيللي في كتاب روس بزيارة العرافين، وإنتاج الخمور في ضيعته بتوسكانيا، والسفر الي أوربا ممتطيًا جواده دون ان يكل أو يمل كمبعوث دبلوماسي، كما كان مكيافيللي باحثًا متعمقًا في تاريخ العصور القديمة، لكنه كان في المقام الأول مراقبًا ماهرًا للطبيعة البشرية.



الوجه الآخر ... قصص حقيقيه



أنـا ياسيدي الطرف الآخر في رسالة رائحة العطر سامحكم الله وسامح زوجتي العزيزة التي جعلتنا مثار تعليقات وآراء من لا يعلم الحقيقة بكل جوانبها‏,‏ والمفترض ألا يدلي أحد بدلوه‏,‏ أو يحكم علي أحد الاطراف إلا إذا سمع الطرف الآخر‏,‏ وكما يقول المثل للقاضي إذا جاءك من يشكو وهو أعور فانتظر الطرف الآخر فقد يكون صار أعمي‏,‏ ذلك هو العدل‏.‏

بداية وحقيقة أننا كنا أسعد زوجين في العالم‏,‏ وكنا مضرب الأمثال بل وحسد الكثيرين ولكن‏....‏ وآه من لكن هذه لايكتمل الفرح ابدا‏.‏

وأبدأ الحكاية من اولها‏:‏

نشأت شابا طموحا منضبطا في أسرة من الطبقة الوسطي المثقفة‏,‏ تعتبر العلم أهم من المال‏.‏ نمتلك منزلنا في أحد الاحياء العريقة التي أصبحت الآن شعبية‏,‏ كما يقال‏..‏ الأب موظف والأم من اسرة طيبة رزقهم مما الله باربعة ابناء اثنان من البنين انا أكبرهما واثنتان من البنات‏.‏

الجميع يحافظون علي قيمهم وواجبات دينهم ومتفوقون في دراستهم‏,‏ وتخرجنا جميعا من الكليات المحترمة وتزوجنا واصبح لكل منا اسرته‏.‏

كما ذكرت زوجتي العزيزة أنا شاب متفوق يفوق اقرانه‏,‏ عطوف‏,‏ وعاطفي متدين‏,‏ يعمل بلا كلل يريد النجاح بعلمه وعمله وعرقه‏,‏ وفقني الله في عملي كأحسن ما يكون وله الحمد والشكر‏.‏

قابلت زوجتي في إحدي المناسبات وأعجبت بها شابة جميلة محترمة انيقة ليس فقط في مظهرها لكن في تصرفاتها فتاة احلامي التي كنت احلم بها بل وأكثر‏.‏

وبما ان الطريق المستقيم هو أقصر الطرق واشرفها فلم اضيع الوقت وتقدمت لأسرتها لأخطبها‏,‏ اسرة مصرية ابناء بلد‏,‏ أناس طيبون الأب يعمل بالتجارة والأم سيدة منزل يملكون ايضا منزلهم ومحلاتهم في الحي العريق القريب‏.‏

حبيبتي أكثر بنات الأسرة والأقارب جمالا وعلما

لك الحمد ياربي احببتها كما لا يستطيع شاعر أن يصف واحبتني‏,‏ وعشنا أيام خطوبة احلي ايام العمر وتعارفنا أكثر وتم الزواج السعيد‏.‏ كنا كأننا شخص واحد انقسم إلي اثنين سعدنا سعادة لو قسمت علي أهل الأرض ما بقي فيها أحد تعيس‏,‏ رزقنا الله من فضله حلالا طيبا بغير حساب‏.‏ وأكثر من هذا بهذين الطفلين الشابين الآن الرائعين‏.‏

ولكن‏...‏ وآه من لكن ـ كما يقولها الاستاذ عبدالوهاب مطاوع رحمه الله ـ ما من كمال إلا وله نقصان‏.‏

بعد أن رزقنا الله تعالي بطفلينا بدأت المسألة باهتمام شديد من زوجتي بهذين الطفلين الرائعين‏.‏ ولا أنكر أن هذا شيء محمود خاصة في مراحل عمرهما الأولي‏.‏ تطور الاهتمام حتي اصبح بلا حدود‏,‏ بل بحدود لا توصف اصبحا كل شيء في حياتها‏,‏ لهما كل الحب ولا أنكره ولا أغير منه لأني احبهما ولهما كل الوقت بل وكل مالا تتخيله حتي انها عزلت نفسها عن كل العالم‏,‏ عن أهلها وأهلي عن اصدقائنا‏,‏ وعن معارفنا‏,‏ فلم يعد لنا اصدقاء إلا اللمم القليل‏,‏ ولم تعد لنا علاقات بالأهل إلا ما تفرضه لوازم الرسميات بل وأقل منها‏.‏ وكنت إلي جانبها في كل ذلك حتي كادت تكون شبه مقاطعة لأهلنا وأولي ارحامنا‏.‏

كنت أعذرها لخوفها الشديد علي هذين الجميلين اللذين ملآ حياتنا بالسعادة‏,‏ كنت اتصور ان هذا هو الاصح والأفضل علي الاقل في مرحلة معينة‏,‏ وهذا شيء جميل لمرحلة معينة ثم تعود الامور إلي طبيعتها واغرقت نفسي أكثر في عملي ونجاحاتي لأوفر لاسرتي سبل الراحة والامكانيات‏.‏

هكذا ياسيدي سارت بنا سفينة الحياة‏,‏ هي مشغولة إلي اقصي حد بهما حتي بعد أن صارا شابين في الجامعة‏,‏ حتي انهما ضجرا من شدة اهتمامها وتدخلها في كل صغيرة وكبيرة‏,‏ تكاد تقتل نفسها في خدمتهما‏,‏ تريد أن تفعل لهما كل شيء ناسية أن لكل وقت صلاته وسننه وان توازن بين اهتماماتها وان هناك حقوقا اخري للزوج والحبيب‏,‏ وانا اكاد اقتل نفسي في عملي‏.‏

اصبحت اشعر بأنني لست إلا بنكا ولا يحق لي التدخل في شئون ابني العزيزين اللذين حاولا ان يكونا مستقلين‏,‏ لكن هيهات‏.‏

وبالطبع انعكس ذلك علي علاقتها بي ولم يعد هناك اهتمام بي شخصيا إلا ماتبقي وما أقله‏.‏

انني ياسيدي احبها واتمناها لكن اين هي؟ بالرغم من انها تنام بجواري إلا أنني لا استطيع أن ألمسها بالشهور‏.‏

واسالك إذا كنت رجلا كيف يكون شعورك؟ واذا كنت سيدة فهل هذا امر طبيعي ؟
اصبحت زوجتي تري أن أوان الحب قد فات‏,‏ وانني رجل مراهق في الخمسين‏.‏

ياعزيزي لقد كبرنا علي هذه الصغائر

انظر إلي ابنائك اخطب لابنائك‏.‏

هذه الأمور لم يعد لها مكان أو تفكيرعندي‏,‏ اذهب وتزوج اخري فقد تعبت‏,‏ وهكذا صارت حياتنا انغلاقا علي نفسها وابنيها وشبه انقطاع عن العالم‏.‏

حتي علاقتنا بوالدي واخوتي اصبحت كأننا نعيش مغتربين‏,‏ بالرغم من ان المسافة لا تتعدي نصف ساعة ويجتمع اخوتي واسرهم مع والدي في المناسبات إلا نحن‏,‏ ونفس الشيء لوالديها‏.‏

يكفي الاتصال بالتليفون هل هذه هي صلة الرحم؟

ياسيدي أنا أعلم واثق أنها طيبة ومتدينة تؤدي جميع الفرائض إلا هذا الأمر‏.‏

لماذا هذا التناقض؟ علم ذلك عند علام الغيوب والمطلع علي أسرار القلوب‏.‏

علي الجانب الآخر فقد لعبت المصادفة دورا آخر‏,‏ جارتنا التي ذكرتها في رسالتها لها ابن في سن ابنائي اصيب في حادث سيارة اثناء مروري فنقلته إلي المستشفي وساعدته في إجراءات الحادث وقابلت والدته في المستشفي وتعرفت عليها‏,‏ وزوجتي تعلم ذلك فلم يكن سرا‏.‏

علمت منها انها كانت تتمني أن يكون لها بيت وزوج وتعيش كأي سيدة عادية لزوجها ولبيتها وابنها ولم يكن لديها مانع ان تكون الزوجة الثانية شرعية وتعتزل الفن وهي الآن معتزلة‏.‏

انني ياسيدي لا أقبل ولا اتصور أن أفعل حراما وإن فعلته ـ لا قدر الله ـ فساطلب تطبيق حد الشريعة علي نفسي‏.‏

اطلب منكم أن تجدوا لي حلا‏.‏

أريد حلالا ولاأتمني أن يكون مصيري مثل السيدة أمينة رزق في الفيلم الشهير

حبيبتي زوجتي أم ابنائي لاترغب في أي علاقة حميمة معي بأسباب وهمية أو الله أعلم بالاسباب وأنا أحبها واتمناها ولا استطيع أن أفعل حراما‏.‏

هل لدي السيدات المتحذلقات المتفرنجات اللائي يستضيفهن التليفزيون ويتكلمن عن المرأة المظلومة الضعيفة والمهضوم حقوقها حل شريف؟

افيدوني كيف يتصرف رجل لا يرضي ان يفعل شيئا غصبا عن زوجته التي يحبها ويتمناها‏,‏ وهي لا تري إلا أنها أم وأم فقط لاغير؟ وعليك يازوجي العزيز أن تكون راهبا في صومعة تنام فيها بجوار زوجتك وممنوع الاقتراب أو اللمس وعليك ايضا ان تعيش في بيتك بلا أي اهتمام ومطلوب منك أن تكون ممولا فقط نظير الإقامة والأكل‏.‏

هل الحل لدي هؤلاء ان نكون مثل الغرب للرجل زوجة وصديقة‏,‏ وللزوجة زوج وصديق؟

ياسيدي أنا أحب زوجتي وابنائي ولا أتصور حياتي بدونهم‏,‏ ولكن كيف احصن نفسي وأنا في هذا الوضع الذي ربما يعاني منه كثيرون مثلي لا يريدون الوقوع في الحرام‏,‏ علي الجانب الآخر لقد تزوجت من السيدة الاخري زواجا شرعيا‏,‏ شهد عليه أهلها وعرفتها بأهلي‏,‏ وتفانت في إسعادي بما لم تقبل زوجتي ان تفعله برغم الاوقات القليلة التي اذهب فيها إليها‏.‏

إنني ياسيدي أنا احس بحزن شديد من الوضع الذي أنا فيه‏,‏ وكنت اتمني ألا يكون‏,‏ وعندما قالت إنها ستعود طبيعية طلقت زوجتي الثانية‏.‏

ولم يمض شهر حتي عادت ريما إلي عادتها القديمة مع الانتقام الرهيب لكبريائها كما تسميه‏.‏

ما لم تذكره زوجتي العزيزة وما لم اتصوره هو الشراسة التي تعاملت بها معي‏,‏ فهي لا تسكت إلا اثناء وجود ابنائي‏,‏ بل واقذعتني بما لا يليق‏,‏ لم تترك شتيمة أو نقيصة إلا ألصقتها بي وبأهلي‏.‏

لكني اعذرها في كل الاحوال ولم اتخل عن أي شيء ولم يتغير أي شيء‏,‏ ولن اتخلي عنها ابدا برغم نصيحة معلقكم القارئ مخرب البيوت‏.‏

انني ياسيدي أحبها ولا أريد أن افقدها‏,‏ وأتمني ان تكون طبيعية معي وان نكون سعداء كما كنا‏.‏

اليس لكل سن موجبات سعادتها؟ أليس لكل شريك حقه في ان يسعد شريكه ويرعاه؟ لماذا تطغي أمور علي امور؟

هل يمكن ان ينتهي هذا الانتقام الذي ما يهدأ حتي يشب كاللهب أو كالإعصار المميت ممن احببت وتزوجت؟

أسألها‏:‏
هل يمكن نسيان ومحو هذا الكابوس الذي تسببت فيه بإهمالها لي؟ هل يمكن ان نبدأ من جديد؟

هل ممكن ان ينتهي الانتقام وتعود المودة والرحمة؟

هل يضمن لي أحد أي شيء وكيف؟

افيدوني يرحكم الله‏.‏

سيدي‏....‏ قلتها عشرات المرات‏,‏ ما أنشره هو نصف الحكاية‏,‏ والحكاية لاتكتمل أبدا إلا بالنصف الآخر الغائب‏,‏ الذي قد يأتي بنفسه من خلال الكتابة كما فعلت أنت‏,‏ وقد يكون شخصا آخر يحمل وجها جديدا للحكاية‏.‏

دعنا نعود إلي قصتك مع زوجتك لأنها في الحقيقة تعكس أزمة كبيرة بين الازواج‏:‏ بداية سعيدة‏,‏ حب‏,‏ زواج‏,‏ ابناء‏,‏ ثم انشغال من الزوج بالنجاح في عمله‏,‏ واهتمام من المرأة بأولادها‏,‏ وعندما تستقر أعمال الزوج ويكبر الابناء‏,‏ يعود ليسأل كلاهما نفسه‏,‏ أين أنا من الآخر‏,‏ واين حقي في الحياة؟

لقد تغافلت ياسيدي أو أهملت حقوقك سنوات طوالا‏,‏ مقدرا لزوجتك اهتمامها بطفليك بحدود لا توصف‏,‏ تكاد تقتل نفسها في خدمتهما لأنك في ذلك الوقت كنت مشغولا بمشروعك المهني الذي ما أن أتممته حتي اكتشفت أنك لامست الخمسين‏,‏ فيما اعتادت زوجتك غيابك‏,‏ راضية بدورها مطمئنة إلي وجودك بتحملها كل أعباء البيت حتي توفر لك عوامل النجاح‏,‏ محققة كل غريزتها باحتواء ابنيها إلي حد خنقهما بحبها‏.‏

في هذه اللحظة‏,‏ اكتشفت أنك لا تلمس زوجتك التي تجاورك في الفراش بالاشهر‏,‏ فتحول البيت الدافئ إلي حقل أشواك‏.‏

وتشاء الصدف ـ كما قلت ـ أن تلتقي بتلك الفنانة المعتزلة‏,‏ وتعرف انها تحلم بالاستقرار والزواج كأي سيدة عادية‏,‏ الوجه الآخر امرأة ليست عليها أي مسئوليات‏,‏ تزوجت عدة مرات قبلك‏,‏ وتريد الاستقرار متفرغة تماما لك تمنحك كل التدليل والسعادة والاهتمام التي تبحث عنها‏,‏ إنها مركب الانقاذ لك في هذا العمر‏,‏ فلماذا لا تقفز عليه لتلحق بما تبقي لديك من عمر ـ اطاله الله وبارك فيه ـ انه الحل الأيسر‏,‏ الذي اتخذته دون التفات إلي تأثيره علي شريكة رحلة الكفاح‏,‏ وعلي ابنيك الشابين‏.‏ والحقيقة أنك كنت في حاجة إلي بذل مزيد من الجهد لاستعادة زوجتك حبيبتك وسعادتك السابقة التي لو قسمت علي أهل الأرض ما بقي فيها أحد تعيس‏.‏

فأنت نفس الرجل وهي نفس المرأة‏,‏ حتي بعد مرور كل هذه السنوات‏.‏

وحتي لا تعتقد أن رأيي منحاز إلي زوجتك فلابد من الاعتراف باخطائها التي أوصلتك إلي هذا القرار‏,‏ لأنها حتي لو رأتك مراهقا في الخمسين كان عليها احترام احاسيسك والالتفات إلي أهمية احتوائك فاحتياج الرجل إلي الحب وإلي المرأة لاينتهي‏,‏ وإذا كانت غريزة المرأة تتحقق وتتشبع بالابناء فإن غريزة الرجل واحساسة بذاته وبجدوي وجوده تشتعل بالمرأة‏,‏ هذا الاحتياج لا يمكن التعامل معه علي أنه من الصغائر‏,‏ فلا أحد كبير علي الاحتياج‏,‏ الزوج المحب أنفع وأأمن لزوجته من كل ما تعتقده‏,‏ فالأولاد سيذهبون إلي حياتهم‏,‏ والأهل والاصدقاء كل منشغل بحاله‏,‏ فمن سيبقي لها إذن غير الزوج المحب؟

إن تاريخكما السعيد وثمراته تستحق منكما أن تجلسا مرة أخري‏,‏ وأنا أتلمس لديك الرغبة الحقيقية في العودة إلي سابق عهدكما والنجاح الآن في ملعب زوجتك‏,‏ عليها أن تراجع نفسها‏,‏ وتنظر إلي أخطائها وتبذل جهدا حتي تستعيدك‏,‏ فإذا عادت كما كانت يمكنكما وقتها مناقشة أمر زوجتك الثانية وهل أنت في حاجة حقيقية لوجودها؟ وهل هي تستطيع الاستمرار في ظل وجودها؟ وايضا لابد من تحديد موقف تلك الزوجة الجديدة حتي لايقع عليها ظلم لأنها لم تدفعك إلي هذا الزواج حسب ماجاء في رسالتك‏.‏ ما أقصده هو ألا تبدآ حواركما بأزمة الزوجة الثانية‏,‏ فالازمة بدأت من علاقتكما الحميمة أصلحاها أولا ثم ناقشا التوابع التي ترتبت عليها‏.‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

الزوجــة الثانيـــة .. قصص حقيقيه




قصـتي قد لا تختلف في المضمون العام عن غيرها‏,‏ ولكن تفاصيلها وظروفها في منتهي الغرابة‏.‏ أنا سيدة في منتصف الثلاثنيات وزوجي كذلك‏,‏ كنا معا في نفس الكلية وكان متفوقا ومتدينا ومن الطلبة اللامعين في الكلية علميا واجتماعيا‏.‏

ربطت بيننا قصة حب مبنية أولا علي إعجاب كل منا بعقلية والتزام الآخر‏,‏ وتوجت بزواجنا بعد التخرج‏.‏

كانت ظروفنا متوسطة وكنا نكد ونكدح لنوفر من مرتباتنا لشراء ما ينقصنا من كماليات الحياة‏.‏ كل هذا وحبنا يزيد وأنجبنا‏3‏ أطفال كانوا زهرة حياتنا‏.‏ وبعد‏7‏ سنوات من زواجنا حصل زوجي علي عقد عمل بالخارج ففرحنا فرحا شديدا‏.‏ سافر زوجي ثم تبعناه ببضعة أشهر قليلة‏.‏ ثم اضطررت للعودة إلي مصر لامتحانات الأولاد بعد أقل من سنة‏.‏ خلال الفترة التي قضيتها مع زوجي هناك بدأ يزيد تدينه والتزامه أكثر من ذي قبل‏.‏ وأنا كذلك‏,‏ وبدأ يقبل علي الدروس في المساجد ومشاهدة القنوات الدينية الفضائية‏,‏ ومنذ سافرت وأنا أطالب زوجي بأن أذهب لأكون معه‏,‏ وهو يماطل بحجج مختلفة‏,‏ منها أن المدارس هناك غير مناسبة للأولاد‏,‏ أو أن هناك مشاكل في عمله وقد يقيلوه أو يستقيل‏.‏ وظل هكذا طوال سنة ونصف السنة نزل خلالها إلي مصر مرتين ـ اجازة ـ حتي أنهي عقده في هذا البلد‏.‏ ثم أخذ يبحث عن عقد عمل آخر‏,‏ وخلال وجوده في مصر كنت احس أنه تباعد عني وأنه لم يعد الكتاب المفتوح كما كان لي من قبل‏.‏ وكان في أوقات لقاءاتنا الخاصة يخبرني بأني أحسن شيء حدث له في هذه الدنيا‏,‏ وأنه لا يستطيع أن يستغني عني ويرجوني ألا أغضب منه مهما فعل‏,‏ ويؤكد انه يحبني جدا‏.‏ كنت ا

ستغرب هذا الكلام‏,‏ خصوصا أن زوجي من النوع الذي لا يبوح بمشاعره وكنت آخذ عليه هذه النقطة دائما‏.‏ في خلال هذه الفترة سافر إلي احدي الدول العربية لمدة بسيطة بحجة عمل مقابلة عمل‏,‏ رغم انه كان قد حصل بالفعل علي عقد عمل في بلد آخر‏.‏ ثم سافر للدولة التي حصل فيها علي عقد عمل وذهبنا اليه بعد فترة‏,‏ كنت احس ساعتها أنه ضائق بنا ولا يحب صخب الأولاد ويضيق بمطالبنا‏,‏ وعندما أساله عن سر التغير يقول إنه اعتاد المكوث وحده دون إزعاج أو ضجيج‏.‏ طالبته بأن أسافر إلي مصر ويأتي هو في الإجازة‏,‏ فلم يتردد في الموافقة‏,‏ بل كان كأنه ينتظرها مني‏.‏ يا سيدي أعجب أين ذهب حبنا؟ وهل الفلوس يمكن أن تغيره هكذا؟‏.‏

وفي مرة من مرات إجازاته كان متوترا جدا ودائم الشجار معي رغم أنه من النوع الهاديء‏,‏ عندما سألته عما به وسر هذا التغيير الحاد‏,‏ كان يقول لي نفس الكلام الذي كان يقوله من قبل‏,‏ وأنه يخاف أن يأتي يوم ننفصل فيه بالطلاق لأنه عاني هذه المشكلة مع والديه لفترة قبل أن يعودا لبعضهما‏.‏ وفي مرة من هذه المرات ألححت عليه أن يخبرني بما يضايقه ويصارحني إذا كان يعاني أي مشكلة لنحلها معا‏,‏ ففوجئت به ينهار ويبكي لأول مرة امامي‏,‏ ويقول أخاف أن تكرهيني وتتركيني فازددت قلقا وألححت عليه أن يخبرني بماذا حدث؟ فإذا به يفجر امامي قنبلة لم اتوقعها ابدا‏.‏ قال إنه في المرة الأولي التي تركته في البلد العربي الأول كان يدعو الموظفين العاملين معه من آسيا غير المسلمين إلي الإسلام لما علمه من عظيم ثواب الدعوة إلي الله‏,‏ وانه بفضل الله قد استجابت منهم موظفة وأسلمت‏,‏ وكانت فرحته كبيرة بأن علي يده اسلم شخص وأنقذ من النار‏.‏ المشكلة ان اهل هذه الفتاة كانوا من المتشددين‏,‏ عندما أخبرتهم بإسلامها اشتكوا للخارجية بانهم في هذا البلد أجبروها علي الإسلام‏,‏ وترك ديانتها‏,‏ فبعثت السفارة لمحل العمل بإنهاء عقدها وترحيلها لبلدها‏.‏ تأزم زوجي جدا وأحس

انه السبب في إنهاء عقدها ومما زاد المشكلة أنها حاولت الانتحار‏,‏ وأنقذها في المستشفي‏.‏ وقالت لزوجي إنها إن ذهبت إلي أهلها فسيقتلونها إن لم ترتد عن دينها‏.‏ وأشاروا علي زوجي في العمل أن الحل الوحيد لكيلا يرحلوها إلي أهلها أن تتزوج‏.‏ فصلي زوجي صلاة استخارة لكي يفاتحها في هذا الموضوع حتي جاءت له والدته في المنام‏,‏ وقالت له تزوجها فأخبرها ففرحت فرحا شديدا‏,‏ وسألته عني فقال إنه طالما يفعل شيئا يبتغي به وجه الله وإنقاذ نفس مؤمنة فلن يضيع الله أسرته أبدا‏,‏ ووعدها بأنه طالما هي مسلمة ملتزمة‏,‏ فلن يتخلي عنها أبدا‏.‏ واتفق معها علي أن زواجهما لن يكون معلنا للعاملين في نفس الشركة حتي لا يجرح شعوري‏.‏ وكان يقابلها كل أسبوع في يوم الإجازة دون أن يعرف أحد‏.‏ وكان زواجا رسميا‏,‏ بناء عليه بعث رؤساؤه في العمل إلي السفارة انها تزوجت وأنها باقية في البلد لأنها مسلمة برغبتها‏.‏

وعندما علم أهلها بذلك بعثوا إليها لا يريدون أن يروها مرة أخري وألا تتصل بهم أبدا‏.‏ وبذلك اصبح زوجي هو كل اهلها وتعلقت به جدا وأحبته وكانت بالنسبة له كالعبد يأمرها فتطيع دون تفكير‏.‏ وطالبها بعدم الإنجاب حتي لا ينهوا عقدها في هذا البلد تبعا للقانون‏.‏ وبعد انتهاء عقدها حصل زوجي لها علي عقد عمل في بلد آخر ووعدها‏.‏ بأنه سيزورها شهرا أو شهرين في السنة في هذا البلد ـ كانت مرة منها تلك التي قال إنه ذاهب لمقابلة عمل في هذا البلد ـ وأخبرني أنه لما تزوجها أحس بنعمة الله عليه أنه رزقه بي للفرق الشاسع في العقل والطباع‏,‏ وأني افضل منها في كل شيء تماما‏.‏ نسيت ان اقول لك يا سيدي انه في خلال السنوات الثلاث التي أخفي عني هذا الموضوع كان كلما تأتي سيرة الزواج الثاني يدافع عنه بشدة‏,‏ ويقول إنه ليس معني أن الرجل يتزوج بأخري انه لا يحب زوجته‏,‏ وأن هناك ظروفا تستدعي أن يتزوج الرجل دون أن يكون هناك عيب في زوجته‏,‏ وكنت أرد عليه بانه إذا أراد أن يتزوج فليفعل ولكن يطلقني أولا‏,‏ وهذا ما كان يجعله يتردد كثيرا في إخباري‏.‏ وأخبرني أنه يعتبر إذا كانت هناك امراة كاملة فهي أنا‏,‏ رجاني ألا اتركه ولا أهدم أسرتنا التي يحبها‏,‏ وأن كل

تصرفاته السابقة من ضيقه بوجودنا معه ورغبته في السفر وحده كان للهروب مني‏,‏ إذ كان لا يستطيع مواجهتي وهو يخفي عني هذا الموضوع‏,‏ وأنه حاول أكثر من مرة أن يطلقها فهددته بالانتحار‏,‏ وكانت تبكي بالأيام حتي تختفي عيناها‏.‏ وانها كالطفلة جسما وعقلا ولا تستطيع أن تتصرف في أي شيء‏,‏ وتنتظر حتي يأتي لها كل‏6‏ أشهر لقضاء مصالحها‏,‏ من تجديد جواز السفر وعقد العمل‏,‏ حتي شراء ما تحتاج إليه وأنه ضاق بهذه المسئولية المضنية وبالمصاريف الباهظة التي يتكبدها للذهاب اليها كل ستة أشهر في البلد الاخر‏,‏ ولا يعرف كيف سينتهي هذا الموضوع‏,‏ وأنه يتمني أن تطلب هي الطلاق لا أن يطلقها هو‏,‏ فتنتحر أو ترجع إلي أهلها فيردونها عن دينها ويتحمل هو ذنب ذلك ويضيع مجهوده وتضحيته التي ضحاها من أجل ثباتها علي الإسلام‏.‏ ويطالبني كذلك بأن أتحمل معه وأني سأوجر علي تثبيتي مسلمة علي الإسلام وكل انسان لابد له من ابتلاء‏,‏ وأن هذا ابتلاؤنا‏.‏ نسيت أن اخبرك أني مستقلة ماديا عن زوجي ولن يضيرني انفصالي عنه ماديا‏.‏

لا أتصور كيف للإنسان الذي أحببته أن يجرحني بكل هذه القسوة رغم أني باعترافه لم اقصر معه في أي شيء ويخدعني كل هذه السنين باسم الدين‏,‏ فهل الدين يبيح الغش والخداع‏,‏ ماذا افعل يا سيدي‏,‏ لا استطيع أن أتحمل زوجي الذي احبه بين ذراعي إمرأة أخري؟ وما ذنبي أن أتحمل ذلك وأنا لم اجرحه يوما؟ فماذا افعل؟ هو يعرض علي أن يعطيني أي شيء أريده حتي أمواله علي ألا اتركه لأنه كما يقول لا يستطيع العيش بدوني وأني عماد حياته وأهم شيء فيها‏.‏


*‏ سيدتي‏..‏ أقدر مشاعرك الغاضبة‏,‏ وألتمس لك الأعذار في الاحساس بالإهانة‏,‏ فما أصعب علي الانسان من اكتشاف أنه كان مخدوعا لسنوات من أقرب الناس إليه‏.‏ ولكن لو جنبنا غضبك مؤقتا ـ فالغضب مثل النار يأكل بعضها بعضا ثم تخمد ـ وقررنا أن ننظر إلي الواقع بهدوء فسنجد أمامنا خيارين‏,‏ الأول أن زوجك كاذب‏,‏ وأنه تزوج بتلك المرأة لرغبة فيها أو لأسباب أخري غير نجاحه في اعتناقها الإسلام‏,‏ وأنه يحميها من نفسها وأهلها‏.‏

في هذه الحالة فعل الجائز شرعا‏,‏ بأن تزوج بأخري‏,‏ فالحلال يؤتي منه المستطاع‏,‏ وأن يفعل ذلك خيرا من ارتكاب معصية‏.‏

وفي هذه الحالة من حقك أيضا إذا كنت تستشعرين الضرر‏,‏ ولا تطيقين الحياة معه‏,‏ وتتحملين عواقب الانفصال‏,‏ أن تطلبي الطلاق‏.‏

أما الاحتمال الثاني ـ وهو الأرجح ـ أن زوجك صادق فيما قص عليك‏,‏ بدليل بكائه بين يديك ـ وتحمله الغياب عنها طويلا‏,‏ ولو كان مولعا ومغرما بها ما استطاع تحمل الغياب عنها كل هذه الشهور‏,‏ فلو نظرنا إلي الواقع من هذه الزاوية‏,‏ ألا تتسامحين معه قليلا‏,‏ وتلتمسين له بعض المبررات‏,‏ خاصة أنك وقتها لن تشعرين بأنه فضل عليك امرأة أخري‏,‏ أو أنك موضع مقارنة معها‏,‏ وحتي تستريحي لهذه النقطة احتسبي تصديقك له عند الله سبحانه وتعالي وعليه أن يتحمل وزره لوكان كاذبا‏.‏

سيدتي‏..‏ إن البحث في الفضائل يقضي علي الضغائن‏,‏ وما حملته سطور رسالتك يكشف عن جوانب إيجابية كثيرة في علاقتكما‏,‏ وبينكما ثلاثة من الأطفال‏,‏ وشراكة طيبة فيها كفاح وتحد‏,‏ كل هذا في مواجهة زيجة لو صدق الزوج في روايته‏,‏ لن يكتب لها الاستمرار‏,‏ واستمرارها لن ينعكس علي حياتكما‏..‏ فلا تكدري صفو حياتك‏,‏ فكم من عواصف تهز الأغصان ولا تقتلع الأشجار‏,‏ وشجرة عائلتك أبقي وتستحق منك تحمل نوائب الأيام‏.‏ وإلي لقاء بإذن الله‏

الدرس القاسي‏ .. قصص حقيقيه



*‏ أنا شاب خريج إحدي كليات الطب بالقاهرة في إحدي المرات التي كنت عائدا فيها من القاهرة إلي السويس كانت تجلس بجواري فتاة علي درجة متوسطة من الجمال وكانت هذه الفتاة متبرجة جدا وكان معها أجندة مكتوب عليها اسمها بالكامل ففتحت معها الكلام وقلت لها هل أنت ابنة الأستاذ فلان فقالت نعم هل تعرفه فقلت نعم فهو مثل للنبل والشرف وهذا مقترن باسمه وعرفت عنها كل شيء‏,‏ فكانت طالبة بالفرقة الثانية بكلية الطب وكانت متساهلة معي في الحوار لأبعد الحدود

وأخذت منها رقم الموبايل ودارت بيننا مكالمات كثيرة حتي وقعت في حبها وعرضت عليها الخطبة فوافقت ولكن كنت دائما أشك فيها‏,‏ فالفتاة التي تتحدث مع شاب لاتعرفه بكل سهولة في إحدي المواصلات العامة هل من الصعب عليها التحدث مع أي شاب آخر ويدور بينهما مادار بيننا؟ خاصة أنها حكت لوالديها عن علاقتها بأحد الشباب ولم يرفضا هذه العلاقة التي ظلت لمدة عامين قبل الخطبة بحجة أنهما يثقان في ابنتهما

وبعد أن خطبتها لاحظت بعض الأشياء التي دعتني للشك أكثر وهي تساهل الأسرة في حقوق ابنتهم وبيتهم فرغم أنني من أسرة ميسورة الحال جدا إلا أنني عندما ذهبت لخطبتها قال والدها إن ابنتي لديها شقة بالمنزل وأريد أن تعيشا معنا فوافقت بكل ترحاب علي أن هذه الشقة والأثاث هدية لابنته رغم أنه لايعرف عني إلا أن والدتي زميلة له ولزوجته ووالدي بإحدي شركات البترول واكتفي بما حدثته ابنته عني وبعد أن تمت الخطبة كنت أذهب الي منزلهم في الأسبوع أكثر من خمس مرات ولي أن أخرج وقتما أشاء وأذهب أينما أشاء

وكانت أمها هي رجل المنزل والأب ليس له وجود فهو لايغار علي بيته فعندما يراني يرحب بي ويخرج ويقول البيت بيتك‏.‏والتي تظل بالمنزل والدتها وهي أيضا لاتخاف علي ابنتها وتتركنا علي حريتنا ودائما ما أنفرد بخطيبتي داخل وخارج المنزل فيحدث بيننا الكثير‏.‏

فدخلت علينا والدتها وشاهدت مايحدث ولم تفعل شيئا إلا أنها عاتبت خطيبتي وقالت لأبيها‏,‏ وكنت أتوقع رد فعل عنيفا ولكن فوجئت بأنه قال إن هذا يحدث بين كل خطيبين‏,‏ وأمها اتصلت بي لكي تصالحني لأنني لم أذهب بعد هذا الموقف لمدة ثلاثة أيام فدعاني هذا الموقف الأخير إلي الشك في هذه الأسرة وأنا الذي سأعيش مع زوجتي في منزلهم فهل هذه الفتاة تصلح أن تكون زوجتي في ظل هذا التفريط منها ومن أسرتها في الأخلاق والتربية؟ وهل إن رزقت منها بطفلة أخاف أن تكون زوجتي مثل والديها لاتخاف علي ابنتنا وتربيها مثلما تربت هي‏,‏ فأنا وقتها لن أستطيع التحدث لأنني سأكون حينها مثل والدها بدون رأي لأنني أعيش في منزل زوجتي؟‏.‏

*‏ عزيزي‏..‏ نعم هذه الفتاة لاتصلح أن تكون أما لابنتك‏,‏ فهي لاتعرف ولاتفهم معني الثقة أو الحرية‏..‏ ولكن أنت أيضا لاتصلح أن تكون أبا لهذه البنت‏,‏ لأنك لم تعرف ولم تفهم حدود الثقة أو الحرية‏.‏ خطؤكما مشترك ومتساو‏,‏ أنتما الاثنان عاصيان أمام الله‏,‏ ولكنك تتحدث بهذه الثقة‏,‏ مستندا إلي مجتمع يدين الفتاة فقط إذا أخطأت أو تجاوزت في سلوكها‏,‏ في حين أنك أيضا تستحق الإدانة‏,‏ وتكشف عن سوء تربية والديك‏.‏ فتحسس رأسك أولا‏,‏ لأنك لم تراع ربك في سلوكك‏,‏ وسمحت لنفسك بإدانة الآخرين وأنت مدان‏.‏

إن رسالتك درس لكل فتاة تتهاون في حق نفسها وأسرتها‏,‏ بعد تهاونهما في حق دينها‏,‏ وتسمح لنفسها بالحوار والخروج والاتصال بشاب لايجمعها به أي علاقة شرعية ولاتوجد مبررات تجيز لها أن تستمر معه في علاقة لمدة عامين‏.‏

الغريب أيضا هو موقف أسرة هذه الفتاة‏,‏ لم أفهم سر تهاونهم‏,‏ بل تسيبهما وتفريطهما؟‏..‏ هل هو سلوك طبيعي لديهما؟ أم أنها فرصة لاصطياد عريس‏,‏ أتمني أن يكون السبب الأخير هو المبرر‏,‏ وإن كان لايغفر لهما هذا الانفلات‏,‏ الذي أساء إلي سمعتهما وسمعة ابنتهما‏,‏ وهم يعتقدان أنهما يفعلان ذلك ليشتريا رجلا‏,‏ كما هو سائد في مجتمعاتنا‏.‏

عزيزي‏..‏ أخطأت كما أخطأت الفتاة‏,‏ وأعتقد أنها صغيرة السن لاتعي خطأ ما فعلته معك‏,‏ ولم يعلمها والداها ماهو الصواب‏,‏ تحمل مسئولية خطئك‏,‏ وأكمل زواجك بها‏,‏ وألفت نظرها إلي خطأ تصرفاتها‏,‏ وأحسن أنت الآخر سلوكك ولاتفسر كرم أهلها بعرض شقتهم عليك ضعفا وانظر اليه علي أنه كرم ورغبة في تجميع الأسرة‏.‏ وأتمني ألا تتنصل من خطاياك‏,‏ فكما تدين تدان‏.‏

شـــــيخ الطـريقة .. قصص حقيقيه



لقد كنت مترددا كثيرا في كتابة خطابي هذا مثل الكثيرين من القراء‏,‏ ولكن عندما يصل الإنسان إلي مرحلة اليأس وانعدام الوزن فلا مفر ولا عيب في أن يطلب النجدة والعون من الله سبحانه وتعالي‏,‏ ثم من المخلصين امثالكم‏..‏

فأنا ياسيدي رجل تجاوزت الخمسين من العمر وما أسرع مرور السنوات متزوج ولي ثلاثة أبناء في الجامعة‏,‏ ولو عدت بشريط الحياة سريعا حيث أجد زوجتي قد اخترتها بعقل اعتمادا علي مستوانا الاجتماعي المتقارب وعاطفة الحب النبيلة في سني الشباب الساحر‏,‏ وهدفنا تكوين أسرة بسيطة متحابة ترتبط بأمشاج الود والرحمة‏..‏ كافحنا ببسالة حتي أن أحدا لم يساعدنا بمليم واحد‏,‏ كنت أعمل ما يربو علي ست عشرة ساعة يوميا‏,‏ وتنقلت من عمل إلي عمل إلي أن شاءت إرادة المولي بأن أعمل في الأراضي المقدسة‏..‏ ولم تمض سوي شهور قلائل حتي كانت زوجتي معي ومعي ابنتي الوحيدة‏,‏ ورزقت بابنة وابن في الغربة‏..‏ وحين وصلوا إلي سن الدراسة‏..‏ توصلنا إلي قرار مؤداه أن زوجتي والأولاد يقيمون بمصر ونتبادل الزيارات بحيث لا يمر وقت طويل دورن أن نتلاقي‏..‏ ونظرا للتكاليف الباهظة من جراء تلك الزيارات مع احتياجهم للمساعدة دراسيا ومع وجود الدروس الخصوصية أيضا شاء ربي أن أقرر الرحيل لمصر رغم معارضة رؤسائي في العمل ـ جزاهم الله خير الجزاء ـ قلت‏(‏ أجمع أولادي حولي‏)‏ ومعي زوجة تدبر لنا الأمور‏,‏ ولا بأس يوم عسل وآخر بصل وترعي هذا وتشجع ذاك إلي أن نصل بأولادنا إلي بر الأمان‏

..‏ وأرجو منكم وضع عدة خطوط تحت أجمع حولي أولادي‏..‏ وبدأت رحلة الاستقرار بمصر‏..‏ وإذا بزوجتي قد انضمت إلي إحدي الطرق الدينية المعروفة وقد أخذت العهد من أختها‏..‏ فالانضمام إلي طريقة دينية شيء محمود‏(‏ لا سمح الله لا أعارض فيه‏)..‏ وإن كان طريق الجنة مفتوحا أيضا لمن لا ينتمي إلي طريقة‏..‏ ولكن وجدت أن زوجتي بشكل منتظم يوم الخميس اسبوعيا تسافر مع ابنتي الكبري‏,‏ حيث إن الشيخ اختار مكان القاء محاضراته علي بعد نحو أربعين كيلو مترا خارج القاهرة‏,‏ وتيسيرا علي الناس فقد سير باصات من أماكن عدة للذهاب إليه‏..‏ وطبعا إزاء هذا الوضع الذي لم أتعوده فقد خيرتها بين الحياة معي والذهاب إلي هناك‏,‏ بدون تردد قالت أختار الطريقة‏..‏ وكنت حليما لأقصي درجة‏..‏ إن أولادي سيكونون ضحايا بأي كلمة يمكن نطقها أو تصرف عصبي مثلما يفعل الكثيرون‏..‏ هذا يا سيدي منذ سبع سنوات‏..‏ ومضت الحياة‏..‏ جزء صاف وكثير عكر‏,‏ ولكن مازال الولاء الذي لا يخيب للطريقة والذي انحصر في شيخها الذي هو من أولياء الله الصالحين ومن نسل رسوله الكريم‏..‏ وإذا باليوم يصبح يومين‏,‏ ولا بأس إلي خمسة أيام ولا بأس أيضا من الذهاب بعد الخروج من العمل‏,‏ والحضور صباحا

إلي العمل مثلما الآن حال كتابتي لهذا الخطاب‏..‏ وامتد الأمر إلي أني لا أري ابنتي الكبري إلا في المنام‏,‏ وها هي الصغري تسير علي نفس الطريق‏..‏

وخلال هذه الفترة لا بأس من طلب الطلاق‏..‏ تضعك في موقف أسوأ لتختار السييء وترضي به وتحمد الله عليه‏..‏ الموقف اليهودي في مفاوضاتها مع العرب‏,‏ وهاهي يا أستاذي العزيز قد تركت المنزل منذ اكثر من شهر‏,‏ كذلك أيضا بعد طلبها الطلاق ـ وذهبت للإقامة في شقة جعلني الله سببا في وجودها وإنفاق آلاف الجنيهات عليها ـ ورغم وجود الطرق القانونية لإحضارها ورغم المخالفة الدينية الجسيمة التي ترتكبها الآن‏,‏ إلا أنني لا أحب أسلوب العيش بالقوة والقهر‏,‏ وبعد مرور تلك الفترة فلا أحس إلا بفقد أولادي فهو ما يؤلمني حقا‏,‏ فالبنت الكبري ياسيدي أصبح ولاؤها للشيخ أكثر من أبيها علاوة علي إقامتها بشكل دائم هناك‏,‏ إلا إذا دعت الضرورة الملحة للمجيء‏..‏ الابنة الصغري والمتعثرة في دراستها حائرة بين أبويها والابن أيضا بين أمه تارة وأبيه أخري‏,‏ ولم يفتح كتابا حتي الآن‏..‏ لم لا؟ فدور الأم أخطر كثيرا وأهم من دور الأب‏,‏ هي المحور الذي تلتف حوله الأسرة‏..‏ وقد آثرت الهروب‏,‏ وحتي تكتمل الصورة يا سيدي من جوانبها‏,‏ فحينما حضرت للاستقرار بالقاهرة لم أجدها مثلما تركتها‏,‏ فالوظائف أصبحت منعدمة وتحت ضغط المتطلبات المعيشية أضطررت إلي إنفاق كل ما ادخرته‏..‏ من علاج‏,‏ وتعليم من دروس ومدارس‏,‏ مأكل‏,‏ ملبس‏.‏ وزوجتي تروج أن سبب المشكلة هو عجزي عن الانفاق علي بيتي‏..‏ مع أن الزوجة الصالحة تتحمل مع زوجها إلي آخر المشوار‏,‏ فهي معركة غلاء المعيشة التي تطحن ملايين البشر مثلنا‏..‏ وزوجتي تعلم تماما أين اتجه الإنفاق؟ ربما أساهم بجزء يسير جدا مقارنة بالماضي إلا أن الزوجة المدبرة تتحري كل الصعاب لتصل بقارب منزلها إلي بر الأمان‏..‏ أوليس من الأجدي أن توفر مصاريف رحلاتها المكوكية إلي كعبتها وإقامة أولادي هناك؟ ولو قلت ذلك أكون قد دخلت في خطوط حمراء غير مسموح بها‏..‏

يا سيدي‏..‏ إنني اكتب رسالتي تلك والبيت خال من سكانه‏..‏ وإني لأتساءل‏:‏ هل تهدم أسرة وتشتت بين مكانين بسبب تلك الأشياء الغريبة؟ طريقة دينية أو مصروف قليل؟ أو ما شابه‏..‏ فالطرق الدينية تبني ولا تخرب‏,‏ وتضع أو تغرس القيم الفاضلة بين أفراد المجتمع وأساسها الأسرة‏..‏ ولكن هل من المنطق أن يكون ولاء ابنتي للشيخ أكثر من ولائها لأبيها؟ وهل من المنطق أن تترك السيدة زوجتي عملها وبيتها لتقيم هناك حيث الدار؟‏.‏ وهل من المنطق أن تجلس ابنتي هناك كقاعدة ووجودها بمنزلها هو الاستثناء؟ وهل يحتمل شيخهم أن يبتعد أبناؤه عنه ويعيش بتلك المرارة التي أعيش بها؟‏.‏ ياسيدي إن أي عالم صغيرا كان أو كبيرا أحمله فوق رأسي ولكن لا ضرر ولا ضرار‏..‏ وهل أتحدث عن مدي تقديس السيدة زوجتي لشيخها‏..‏ وضع عدة خطوط تحت كلمة تقديس تلك‏,‏ ولن استفيض في ذلك وأقول ياسيدي لا زوجة مثل زوجتي‏..‏ إن رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه قال‏:‏ إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها‏:‏ أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت وقال أيضا‏:‏ أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة وقال

أيضا‏:‏ لا تشد الرحال إلا الي ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصي‏.‏ وفي حديث آخر والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها عن ابن عمر رضي الله عنهما‏.‏

وقد جعلني الله سببا في أن تشد زوجتي الرحال في الزمان والمكان الحقيقيين‏,‏ حيث الحج والعمرة مرات عدة‏..‏ ألا تتذكر زوجتي الفاضلة رحلة عشرتها الطويلة ورحلتها الروحانية في ساحات المسجد النبوي والمسجد الحرام؟

وفي ختام رسالتي ياسيدي‏..‏ فقد انتقلت من غربة هناك إلي غربة هنا‏,‏ وبدلا من أن أصل في تلك السن إلي الراحة أجدني مطالبا بتحمل الصفعات ومشاق سن العشرينيات‏,‏ ولكني راض كل الرضا بما يقسمه الله لي‏..‏ وسبحانه أشكره في الضراء كما في السراء وهذه هي الحياة‏..‏ وفي الختام أقول إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب صدق الله العظيم‏.‏

سيدي‏..‏ أخشي أن يكون تهاونك وتفريطك في حقوقك كرجل مسئول عن هذه الأسرة‏,‏ سببا في جنوح زوجتك‏,‏ وتأثيرها السلبي علي أبنائك‏.‏ فعندما تتحدث عن هذه الطريقة التي تصفها بأنها دينية تقول إنها شيء محمود ولا أعارض فيه‏,‏ لا يا سيدي‏;‏ طريقة تدفع زوجة وابنتها إلي التمرد علي الزوج والأب‏,‏ ليست شيئا محمودا‏,‏ وكان عليك أن تعارضه منذ البداية‏,‏ ولو كان شيخ هذه الطريقة صالحا لذكر زوجتك بقول الله سبحانه وتعالي في كتابه العزيز الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم‏,‏ فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ولذكرها أيضا بأن صلاة المرأة في بيتها مفضل علي صلاتها في المسجد‏.‏ فما بالها وهي تعصي زوجها‏,‏ وتهجر بيتها وتسافر بدون إذنه لتستمع لشيخ الطريقة الذي لا أعرف إذا كان من الصالحين أم المدعين‏.‏

وقد كان مقبولا قديما شد الرحال إلي العلماء من أجل الاستزادة بعلمهم‏,‏ أما الآن فالعلماء يطلون علينا كل ساعة في محطات التليفزيون المختلفة‏,‏ فما سر ارتحال زوجتك الغريب الذي يدفعها إلي السفر والمبيت خارج بيتها بعيدا عن زوجها وأبنائها‏..‏ وهل تعرف يا سيدي أين تبيت زوجتك وأبنتك الآن؟

كان يمكنني تفهم سر جنوح زوجتك‏,‏ إذا أغرتك الغربة‏,‏ أو استعذبت فكرة البقاء بعيدا عن أسرتك بزعم جمع أكبر قدر من المال لتأمينهم‏,‏ ولكن تصرفك كان حكيما عندما سعيت لجمع أبنائك حولك‏,‏ ولكن للأسف خيبت زوجتك رجاك وهزت عرش البيت الهادئ بمزاعم مختلفة‏.‏

ودعني أقول لزوجتك إن من يشتري قفصا إنما يريد عصفورا‏,‏ وأنت إذا كنت تذهبين إلي شيخ الطريقة سعيا إلي الجنة‏,‏ فإن الطريق إلي الجنة يبدأ من بيتك‏,‏ بطاعة زوجك ومشاركته في الضراء كما شاركته في السراء‏..‏ طريقك إلي الجنة يبدأ برعاية أبنائك وتنشئتهم تنشئة صالحة في جو صحي بين أب وأم متفاهمين‏,‏ ورسولنا الكريم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ هو القائل ما استفاد المؤمن ـ بعد تقوي الله عز وجل ـ خيرا له من زوجة صالحة‏:‏ ان أمرها أطاعته‏,‏ وإن نظر إليها سرته‏,‏ وإن أقسم عليها أبرته‏,‏ وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله‏.‏

اذهبي إلي شيخك واسأليه عن حالك ومعصيتك لزوجك‏,‏ واستعدادك لتدمير أسرة والانفصال عن زوجك من أجل ألا تنقطعي عن زيارته‏,‏ فإذ لم ينهك عن فعلك‏,‏ ولم يأمرك بالعودة إلي بيتك‏,‏ فثقي وقتها في أنه غير أمين علي الدعوة ولا يستحق أن يكون شيخا أو عالما‏,‏ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق‏,‏ لا في معصية شيخ الطريقة‏.‏

سيدي‏..‏ انذر زوجتك للمرة الأخيرة‏,‏ فإن لم ترتدع ولم تعد لرشدها‏,‏ لا تتردد‏,‏ طلقها‏,‏ حفاظا علي ما تبقي لديك من إنسانيتك‏,‏ وإنقاذا لأبنائك من هذا المناخ السييء‏,‏ فأنت تري بنفسك ماحدث لهم في ظل حرصك علي عدم تدمير استقرار الأسرة‏,‏ فأين الأسرة‏,‏ وأين الاستقرار؟‏..‏ قد يكون هذا هو الاختيار الصعب‏,‏ لكن البقاء علي هذه الصورة هو الأصعب‏,‏ وإن لم تر زوجتك نعم الله التي كانت فيها وهي مغمضة العينين‏,‏ فلن تراها لو فتحتهما‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

رائحــة العطــــر .. قصص حقيقيه



أنـاسيدة شارفت علي الأربعين من عمري‏..‏ متزوجة منذ ما يقرب من‏18‏ عاما‏.‏ زوجي رجل أعمال ناجح‏,‏ شاركته رحلة كفاحه منذ بدايتها‏,‏ وكان زواجنا عن حب وتفاهم‏,‏ أنجبنا خلال زواجنا طفلين صارا محور حياتنا‏.‏

ولأن زوجي هو سبب كتابتي إليك‏,‏ فسأتحدث عنه قليلا حتي تكتمل الصورة‏..‏ فهو منذ صغره‏,‏ طموح‏,‏ يحب النجاح‏,‏ يسعي إلي الشهرة‏,‏ مقابل ذلك علي استعداد لأن يفعل الكثير‏.‏ لاشئ يمكن أن يحول بينه وبين ما يريد تحقيقه‏..‏ عنيد إلي درجة قد تدفعه إلي التضحية بأي شئ من أجل الانتصار لوجهة نظره أو رغبته‏.‏ في نفس الوقت‏,‏ إنسان عاطفي حنون‏,‏ ومهذب‏.‏ قضيت معه أحلي سنوات عمري‏,‏ كان كريما ورقيقا معي إلي أقصي حد‏,‏ حتي أني في كل صلاة كنت أشكر ربي علي نصيبي وعلي زوجي الذي لم أحلم يوما بأفضل منه‏.‏


خلال السنوات التي مضت‏,‏ لم يكن يشغل زوجي سوي عمله‏,‏ ينتقل من نجاح إلي آخر‏,‏ يشملنا أنا وابنيه بكل محبة وعطاء‏,‏ وأنا بدوري كنت أقف خلفه وبجواره داعمة لكل خطواته‏.‏ ولكن يبدو أن الأيام تخفي في قلب السعادة التي تمنحنا إياها‏,‏ بذور الشقاء‏,‏ لتنبت بعد ذلك أشجارا للألم والحسرة والندم‏.‏

كان هذا منذ عامين‏,‏ عندما لامس زوجي الخامسة والأربعين من عمره بدأت ألحظ عليه تغيرات تفهمها المرأة‏,‏ اهتمام مبالغ فيه بمظهره‏,‏ بالعطر‏,‏ بنظرة متأملة لنفسه في المرآة‏,‏ تنعكس علي عينيه فتلمعان‏,‏ فتنتشي روحه ويغادرني دون أن تصمد علي وجهي عيناه غير ثوان قليلة‏,‏ ليس هربا مني ولكن لرغبته في الاحتفاظ بحالته‏,‏ دون أن يكدرها صوت ضميره‏,‏ أو حوار يخرجه عما هو عليه‏.‏

إنه الحب ياسيدي‏,‏ زوجي‏,‏ حبيبي‏,‏ أبو ابني‏,‏ يعيش حالة حب‏,‏ في هذا الوقت‏,‏ بعد كل هذا العمر‏,‏ وبعدما منحته له من عمري وشبابي‏.‏ في اللحظة الأولي التي استقر في وجداني هذا الاكتشاف المفزع‏,‏ لم يشغلني من هي تلك المرأة التي سرقت مني زوجي‏,‏ لم أنشغل في البداية بالبحث عنها‏,‏ وهل هي أجمل أو أصغر مني؟‏..‏ كل ما شغلني هو التأكد من هذا الإحساس‏,‏ كنت مثل المريض الذي يعرف أن مرضه خطير‏,‏ ولكنه يرفض أن يسأل الأطباء بإلحاح عن مرضه‏,‏ ويقبل راضيا كل الكلام المطمئن عن حالته‏.‏

قد يكون إحساسي خاطئا‏,‏ سعيد هو لأسباب أخري‏,‏ صفقة جديدة‏,‏ أي شئ آخر‏,‏ غير أن تكون امرأة أخري قد دخلت حياته لتسعده وتشقينا‏.‏ أسرعت إلي دولاب ملابسه‏,‏ أفتش في جيوبه‏,‏ أتشمم رائحة العطر المتراكم علي بدله‏,‏ أفتش في أوراقه‏,‏ لعلي أجد شيئا يبرد ناري‏,‏ ويؤكد ظني‏.‏

ارتحت كثيرا عندما لم أجد شيئا‏,‏ تسللت بداخلي سعادة كاذبة‏,‏ لأن إحساسي الأكبر بوجود تلك المرأة طغي علي كل الأصوات بداخلي‏.‏

انتظرته كمن ينتظر الحكم بالبراءة‏,‏ ما أن أطل علي‏,‏ حتي انقضضت عليه بكل دلال الأنثي‏,‏ أفتش في عينيه ومسام جلده عن الحقيقة‏,‏ دون جدوي‏,‏ أبدي اندهاشا من تصرفاتي‏,‏ وحاول أن يستفسر عما يدور بداخلي ولكني آثرت تأجيل المواجهة ولم يطل انتظاري‏.‏

ذات صباح‏,‏ كنت علي موعد مع والدتي‏,‏ فتركت زوجي في الشقة يستعد للذهاب إلي عمله‏,‏ وإبني يستعدان للذهاب إلي الجامعة والمدرسة‏,‏ خرجت متوجهة إلي الأسانسير‏,‏ هبط من أعلي‏,‏ دخلت فوجدت به جارتنا التي تسكن فوقنا‏,‏ فنانة معروفة‏,‏ ألقيت عليها السلام‏,‏ واستوقفتني بشدة رائحة عطرها النفاذة‏..‏ هي تسكن معنا في نفس العمارة‏,‏ وليس بيننا سوي التحية إذا التقينا‏.‏ زوجي لايحبها‏,‏ انطباعه عنها سيئ‏,‏ ربما لأنها تزوجت ــ رسميا ــ ثلاث مرات‏,‏ كلها زيجات من نجوم في الوسط الفني‏.‏

ذهبت إلي أمي وقضيت يومي وعدت إلي البيت في انتظار زوجي العزيز‏,‏ لم تمض دقائق حتي فوجئت به يطل علي ومعه دليل الإدانة‏,‏ رائحة زوجي‏,‏ هي نفس رائحة تلك الفنانة‏..‏ عطر لا تخطئه أنف‏,‏ سارعت بمساعدته في خلع جاكت البدلة وكل هدفي أن أقتنصه‏,‏ أقربه من أنفي أكثر‏,‏ تأكدت من ظني‏,‏ فاجأته‏:‏ من أين لك بهذا العطر النسائي؟‏..‏ بهت‏,‏ تلعثم‏,‏ أين‏,‏ ماذا‏,‏ ماهذا التخريف‏,‏ عطر نسائي؟‏..‏ أكيد رائحة أحد من المترددين علي المكتب‏..‏ انت بتشكي في ولا إيه‏..‏

لم أرد وانسحب هو بهدوء‏..‏ رفض تناول الطعام‏,‏ جلس يشاهد التليفزيون‏,‏ وأنا في بركان من الغضب والغيرة‏,‏ أخطط لخطواتي القادمة‏.‏

انتظرت حتي ذهب زوجي إلي النوم‏,‏ وعندما تأكدت من أنه غارق في أحلامه‏,‏ امتدي يدي لأول مرة إلي موبايله أفتش فيه‏,‏ وجدت رقما واحدا متكررا في الاتصال والاستقبال‏,‏ كما وجدت من نفس الرقم رسائل غرامية‏,‏ فجن جنوني وكدت أفتك به وهو نائم‏,‏ ولكني تمالكت نفسي وقررت أن أتصل بالرقم حتي لا أترك فرصة للظنون‏,‏ اتصلت فردت علي تلك الجارة‏,‏ الفنانة‏,‏ قلت لها‏:‏ هذا الرقم علي هاتف زوجي‏,‏ فقالت لي أنها لاتعرف زوجي‏,‏ وإنها وجدت هذا الرقم علي هاتفها فاتصلت به‏.‏

كاذبة هي‏,‏ أعلم ذلك‏,‏ ولكني قررت أن أخوض معركتي مع زوجي‏,‏ انهمرت دموعي‏,‏ انكسرت نفسي‏,‏ وشعرت بمهانة حقيقية‏,‏ توجهت إلي مرآتي‏,‏ لعلي كبرت في العمر‏,‏ كيف وهي تكبر زوجي بأكثر من سبع سنوات؟‏..‏ ماذا لديها ليس عندي؟‏..‏ هل أخبر ابني‏,‏ أخبر أهله‏,‏ أصر علي الطلاق؟‏!‏

أحسست بوحدة وفزع كبيرين‏..‏ مر علي الليل كأنه قرن‏,‏ حتي استيقظ زوجي وأصابه الفزع عندما رأي وجهي الذابل ودموعي التي لاتتوقف‏..‏ سألني ما الأمر؟

قلت له‏:‏ ما علاقتك بفلانة‏..‏ كرر اسمها عدة مرات‏,‏ وقال لاشئ‏,‏ لا أعرفها‏..‏ قلت له أنت كاذب‏,‏ لقد عرفت كل شئ من موبايلك وكلمتها أيضا‏.‏ ثار في وجهي‏,‏ وجعل المسألة خيانة مني لأني فتشت في هاتفه‏,‏ وقال لي إنها أوهام وانصرف غاضبا‏.‏

سيدي‏,‏ لن أطيل عليك في التفاصيل‏,‏ المهم أني أخبرت أهله وتدخلوا في المشكلة لإنهائها بهدوء‏,‏ وبعد فترة اكتشفت أنه تزوجها عرفيا‏,‏ وأنها نجحت في التسلل إلي أهله‏,‏ حتي أصبحت تزورهم وتتودد إليهم‏,‏ فقبلوا بوجودها في حياتهم‏,‏ فيما أنا كان علي الاختيار إما القبول بالأمر الواقع أو طلب الطلاق‏,‏ فاخترت الثاني‏,‏ ولكن زوجي رفض بإصرار‏,‏ وقال لي إنه يحبني ولن يفرط في حبنا وتاريخنا‏,‏ وإنها نزوة ستنتهي‏.‏ وبعد فترة أخبرني أنه طلقها‏,‏ وأحسست بصدقه‏,‏ ثم عاد كما كان‏,‏ مواعيد مرتبكة‏,‏ أراه وهو يصعد إليها‏,‏ أعرف أنه لديها الآن‏,‏ أتخيل ما يحدث بينهما‏,‏ أنفجر فيه‏,‏ كيف تشعر بهذه المرأة‏,‏ وهي التي تزوجت من كثيرين بنفس الطريقة‏,‏ وتستنزفك ماديا‏,‏ فيقول لي إنها تسعدني وتفعل لي أشياء ممتعة‏,‏ حتي أنها تخلع لي حذائي أمام عائلتي‏,‏ وتقدم لها أثرياء عرب ونجوم الفن ورجال أعمال ورفضتهم من أجلي‏.‏

خارت قواي ولكني استثمرت انقلاب أهلها عليها‏,‏ فسارعت بلقاء ابنها الشاب وأخبرته بزواج أمه من زوجي‏,‏ فقال لي إنه يراه في البيت وكان يعتقد أنه مجرد صديق‏,‏ وسيطالبهما إما اعلان الزواج وإما إنهاؤه‏.‏

استبشرت خيرا‏,‏ ولكن لم يحدث شئ‏,‏ فزوجي يخبرني أحيانا أنه طلقها وفي أحيان أخري يخبرني بعودته لها‏.‏

سيدي‏..‏ لقد وهنت‏,‏ ضعفت مقاومتي‏,‏ أحس ابناي بما يحدث وأصابهما الاكتئاب‏,‏ وأصبحا يهربان من البيت‏..‏ فماذا أفعل؟


هل أصر علي الطلاق وأنجو بنفسي من هذا العذاب؟ أم أواصل معركتي مع هذه المرأة لاستعادة زوجي؟‏..‏ وهل هو يستحق مثل هذه المعركة ومثل هذه التضحيات؟‏..‏ هل سأثق به مرة أخري‏,‏ وهل ستعود السعادة إلي بيتنا؟‏..‏ لم أعد أعرف ماهو الصواب وما هو الخطأ؟‏!‏


بعض الرجال تصيبهم أزمة نفسية بعد تجاوزهم سن الأربعين‏,‏ يكتشفون فجأة أنهم قضوا عمرهم جريا وراء النجاح والثروة‏,‏ وأن ما تبقي علي الخمسين قليل‏,‏ فيبحثون عن سعادة أخري‏,‏ تجعلهم يشعرون بأنهم مازالوا قادرين علي لفت الانتباه أو التأثير في امرأة أخري‏,‏ في نفس الوقت الذي قد تهمل فيه الزوجة‏,‏ ولا تهتم بنفسها أو بزوجها كما كانت‏,‏ مطمئنة إلي رصيدها من العطاء عبر السنين‏,‏ لتصحو فجأة علي زوجها وهو في علاقة أو متزوج بفتاة صغيرة‏,‏ تثبت له أنه مازال فارسا صغيرا‏.‏

أما زوجك‏,‏ فقد لجأ إلي طريق آخر يرضي غروره ويشبع الجانب الاستعراضي في شخصيته‏,‏ ذهب إلي ممثلة‏,‏ قالت له إنها تحبه‏,‏ وإنها ترفض الكثيرين الذين يتهافتون عليها من أجله‏,‏ ولا أستطيع أن أكذبها فربما تكون صادقة في مشاعرها‏,‏ ولكن ما يمكن أن أستشفه هو أن زوجك لايحبها وأنها مجرد نزوة ستنتهي‏..‏ ولكن هل عليك أن تظلي قابعة في بيتك مهانة مهزومة حتي ينتهي سي السيد من نزوته؟

لا ياسيدتي‏,‏ لقد كان أفضل لزوجك‏,‏ والد الشابين‏,‏ أن يتأكد من مشاعره‏,‏ فإذا كان في حاجة إلي زواج بأخري‏,‏ عليه أن يعترف بذلك‏,‏ ويعلن زواجه رسميا بدلا من الزواج السري كالمراهقين‏,‏ ووقتها يترك لك حرية الاختيار الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان‏.‏

وأقول لزوجك تذكر أنك أب لشابين‏,‏ فكيف تري انعكاس تصرفك عليهما‏,‏ هل سيكونان سعيدين لأنك تركت أمهما وأهنتها من أجل امرأة تزوجت الكثيرين غيرك لمجرد أنها ممثلة معروفة؟‏..‏ أم سيقلدانك في المستقبل؟

وماذا يمكنك أن تفعل معهما إذا فوجئت بأحدهما مقلدا لك متزوجا عرفيا من زميلته؟‏!‏

إن الحياة لاتمنح للإنسان كل شئ‏,‏ وقد وهبتك الكثير‏,‏ ولكن أنانيتك وطمعك وتشبثك بما ليس من حقك‏,‏ دفعتك إلي هدم كيان عائلي سعيد ومستقر لمجرد نزوة‏,‏ فهل تفيق قبل أن تفقد ثقة زوجتك وابنيك وتندم في وقت لن تجدهم بجوارك وأنت في أشد الحاجة إليهم‏.‏

أما أنت ياسيدتي‏..‏ إذا أصر زوجك علي موقفه‏,‏ ولم يبد ندمه علي تصرفاته‏,‏ ولم يطلق هذه المرأة‏,‏ أو يعلن زواجه بها ــ إذا رغبت في ذلك وقبلته ــ فليس أمامك إلا الإصرار علي الانصراف من تلك الحياة حتي لاتفقدي نفسك وتحطمي ولديك بلا ذنب اقترفاه سوي أن أباهما يعيش نزوة‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏