القلعة المحاصرة




أنا فتاة كبيرة في السن ولن اذكر سني لأن ليس هذا هو المهم‏,‏ ان المهم هو أن أفضفض لك عن مدي معاناة فتاة مثلي وحيدة لا ونيس ولا جليس‏,‏ وأنا متأكدة أن كل بنت في مثل ظروفي سوف تشعر بكل كلمة أكتبها‏,‏ ولا أريد منك سوي ان تخفف عني ببعض الكلمات التي قد تريحني‏.‏

ان الوحدة والفراغ‏(‏ العاطفي‏)‏ الكبير الذي اعيشه يجعل ايامي تمر كالسنين بلا هدف‏,‏ نعم بلا هدف‏,‏ لان الهدف الاسمي لكل فتاة هو ان تعيش من أجل رجل تشعر معه بالأنوثة والرغبة في الحياة‏..‏ ان تكون سعادتها من سعادته‏,‏ تفضفض له‏,‏ يشعر بها‏,‏ يلبي رغباتها العاطفية والاجتماعية‏,‏ أن تعيش لطفل يقول لها احلي كلمة‏(‏ ماما‏),‏ صدقني ياسيدي‏..‏ من الممكن طبعا ان تقول لي ليس هذه هي السعادة الحقيقية وليس هذا هو كل هدف الفتاة‏..‏ واقول لك نعم ليست هذه هي كل السعادة الحقيقية‏,‏ وانما هذه هي أساسيات السعادة‏,‏ فقل لي بالله عليك اي سعادة ستشعر بها الفتاة مهما عملت في مجال مرموق ومهما بلغت قيمتها الاجتماعية ومهما ومهما؟ وكل ذلك بلا اشباع عاطفي ان الزواج والاستقرار العاطفي هما اللذان يمهدان طريق الحياة‏,‏ فالفتاة بلا استقرار تكون مشتتة متوترة مخنوقة ليس عندها ثقة بنفسها ولو أظهرت غير ذلك‏,‏ سيدي ـ آسفة علي اسلوبي غير المرتب في الكلام ولكن هذا يعكس مابداخلي من اضطرابات نفسية شديدة امر بها ولايعلم بها احد حتي الاهل‏.‏

سأبدأ اتكلم عن نفسي واعذرني لكثرة كلامي فأنا حقيقة لا اجد من يسمعني‏,‏ خاصة عند الحديث في هذا الموضوع‏(‏ العيب‏),‏ فانا أبدو أمام كل الناس إنسانة جميلة مثقفة لبقة‏,‏ ذات مكانة اجتماعية مرموقة‏,‏ اعمل في مجال ولله الحمد موفقة فيه واحفظ بعضا من القرآن الكريم الذي هو سلوتي في هذه الدنيا‏,‏ ويحسبني كل الناس انسانة طبيعية‏,‏ ولكن أنا امام نفسي غير ذلك‏,‏ والله انني امام نفسي انسانة ضعيفة متوترة قلقة خائفة محرومة محرومة‏,‏ أنا ساعات اخلو بنفسي وابكي بحرقة إلي أن تجف دموعي ولا احد يشعر بي‏.‏

سيدي انني بحاجة شديدة لرجل يسمعني‏,‏ يحبني يخاف علي‏,‏ يحميني‏,‏ اشعر معه بانني انثي فهذا المعني تناسيته من زمان‏..‏ نعم تناسيت انني انثي‏,‏ فبحكم انني اعيش مع اخواني الذكور لا آخذ راحتي في لبسي اثناء الحر الشديد‏,‏ فأكون محتاجة فعلا ان البس شيئا قصيرا أو تكشف ذراعي ولكن لا استطيع إلا أن البس اللبس العادي الذي اكون مخنوقة به‏,‏ وليس من حقي ان أستمتع بلبس يريحني‏..‏

بحرقة شديدة اقول لك إنني في زهرة عمري‏,‏ عندما كان عندي امل في الزواج‏,‏ جهزت نفسي من مجاميعه من حيث الملابس وأشياء المطبخ والستائر وغيرها من الأشياء التي تجهز بها اغلب البنات نفسها الي ان يأتي النصيب‏..‏ و‏..‏ ان هذه الاشياء التي‏(‏ اشيلها‏)‏ في غرفتي قد أصبحت كالاشباح التي تخيفني‏,‏ وكلما نظرت اليها أقول لنفسي ياتري لو كتب لي ربي انني لن اتزوج هل ستبقي هذه الأشياء تذكرني بذلك الامر؟


ناهيك عن انني اموت في الأطفال ونفسي يكون لي طفل ويقول لي الكلمة التي احبها من قلبي‏,‏ واحترق عندما اسمع اي طفل يقولها‏,‏ سيدي أليس من حقي أن أتزين وأتدلع علي رجل يحبني وأحبه؟ اليس من حقي ان أشبع عاطفتي كأي فتاة طبيعية في الوجود؟ أليس من حقي ان تكون لي مملكتي الصغيرة الجميلة التي تكون تحت تصرفي؟ أليس من حقي ان ارعي طفلا واربيه علي القيم الفاضلة؟ انا اعرف جيدا ان الزواج ليس بهذه الصورة المثالية التي ارسمها‏,‏ ولكنني كأي انسان نفسي اعيش تجربة الزواج بحلوها ومرها لان هذا حقي‏.‏

ان الفتاة مهما بلغت قيمتها ياسيدي فهي بدون رجل حياتها تكون فارغة‏,‏ انا أنقل لك هذه الصورة التي تعانيها الفتاة التي تأخرت سنها ولم تتزوج‏,‏ بل تعاني اكثر من ذلك بكثير ولا أريد منك غير التخفيف عني ببعض كلماتك الحكيمة‏.‏


سـيدتي‏..‏ وهل يمكن للكلمات أيا كان عمقها أو حكمتها أن تزيح عنك بعض همك وحزنك؟‏..‏ ما أقسي علي الإنسان منا أن يغلق عينيه عن كل مايحياه‏,‏ ويغرق في ألم واحد معتقدا أنه السعادة وربما لايكون‏,‏ ولكنها الحياة التي تجعل من بحثنا عن السعادة طريقا إلي الحزن والشقاء‏.‏ نعم ياعزيزتي‏,‏ من حقك أن تحلمي بوطنك الخاص‏,‏ بزوج ترتدين له فستان الزفاف‏,‏ تصنعين مملكتك بيديك‏,‏ تحملين‏,‏ وتنجبين أطفالا‏,‏ تمارسين حقك كأنثي وكأم‏..‏ أقول من حقك أن تحلمي ـ مثل أي فتاة ـ بكل هذه الأشياء‏,‏ ولكن من قال لك إن البشر قادرون دائما علي الحصول علي حقوقهم‏,‏ التي يعتقدون إنها أمنيات يتعذر علي المرء أن يبلغها إذا لم تساعده الأقدار‏,‏ فالأقدار هي التي تحدد مايجب أن نحصل عليه‏,‏ وقمة الإيمان هي الرضا بما قسمه الله‏.‏ لن اقول لك ربما يكون في عدم زواجك خير‏,‏ وإن كان هذا حقيقة‏,‏ ولكن اعتقد أنك تعرفين الكثير من هذا الكلام بحكم تدينك وحرصك علي قراءة القرآن الكريم‏,‏ لذا سألجأ إلي مثل عربي يعلمنا أن ما لا يمكننا تغييره ينبغي تحمله‏,‏ يقول المثل إذا لم يحالفك الحظ فلن يسعك اللحاق به ولو كنت علي ظهر جواد‏..‏ نعم قد يسعي هو اليك في الوقت الذي يقدره الله سبحانه وتعالي لحكمة يعرفها وحده‏,‏ وإلي أن يأذن الله ليس أمامك إلا الأمل الذي يخفف الدمعة التي يسقطها الحزن‏..‏ الأمل هو الذي سيجعلك تتقنين فن العيش مع نفسك‏,‏ وفي تلك اللحظة التي تقبلين فيها الواقع سيهرب منك البؤس‏..‏ لكن كيف يمكنك تعلم هذا الفن؟


أولا تذكري شيئين‏,‏ الأول هو ما قاله الشاعر والأديب جبران خليل جبران‏:‏

لم يسعد الناس إلا في تشوقهم

إلي المنيع فإن صاروا به فتروا

والثاني المثل الأوروبي الذي يقول الزواج قلعة محاصرة‏,‏ من هو خارجها يود الدخول اليها‏,‏ ومن هو داخلها يود الخروج منها هذا هو حالنا ياسيدتي‏,‏ شئت أم أبيت‏,‏ والأفضل أن تقبلي به حتي يأذن لك الله بدخول تلك القلعة‏,‏ وحتي يحين ذلك لا أنصحك بالوقوف علي بابها‏,‏ ولكن أدعوك إلي الخروج للحياة‏,‏ ابحثي عن أوجه أخري للبهجة‏,‏ مارسي بعضا من أمومتك المختزنة‏,‏ توجهي إلي واحدة من دور الأيتام ـ ويمكنني مساعدتك في ذلك ـ اعطفي علي اطفال هم في حاجة إلي بعض حنانك واهتمامك‏,‏ صدقيني ستشعرين بسعادة لم تعرفيها من قبل‏..‏ إن ألمك الحقيقي هو احساسك بأن أحدا لايحتاج إليك‏,‏ فاصنعي دورك في الحياة بيديك وكلك رضا عن حالك‏,‏ آملة في روح الله التي لاتغيب‏,‏ وتذكري قوله في كتابه الحكيم‏:‏ إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون وسيأتيك يوما من يطرق بابك سائلا عن زوجة صالحة مثلك‏,‏ ووقتها أتمني أن أكون من المدعوين‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

جـدار الصــمت .. قصص حقيقيه



أنا فتاة عمري‏26‏ عاما‏,‏ لا تخلو حياتي من مشاكل البنات في مثل عمري‏,‏ أمل وطموح‏..‏ أحلام تتحقق وأخري تنهار‏..‏ فراغ ووحدة ما بعد التخرج في الجامعة‏..‏ مشاعر وأحاسيس جميلة لا تلقي التقدير أو تلفت الانتباه‏,‏ وقلب نابض دوما ينتظر نصفه الآخر‏.‏

إلي هنا ولا جديد‏..‏ حياة تشبه كثيرا ممن نراهم‏,‏ إلاإذا أضفنا الإحساس الدائم بعدم الانتماء إلي شخص أو مكان‏.‏

مشكلتي الحقيقية‏,‏ بدأت منذ طفولتي ولم استوعبها إلا بعد أن كبرت‏..‏ منذ طفولتي وأنا أشعر بحاجز كبير بيننا وبين أبي‏..‏ أنا وأخواتي وأمي في ناحية‏,‏ وهو في ناحية أخري‏.‏

أبي‏,‏ عصبي‏,‏ صوته عال‏,‏ قليلا ما يبتسم‏,‏ قليلا مايتكلم‏,‏ ونادرا ما يجلس معنا‏.‏ وعلي الرغم من كل هذه الصفات كان طيب القلب‏,‏ يحاول بأقصي ما يمكنه أن نعيش حياة أفضل‏,‏ بإمكانات قليلة جدا علمنا وكسانا‏,‏ وجعلنا نأكل ما نريد ولا نشعر أبدا بأننا أقل ممن حولنا‏,‏ ومع كل ظروف العمل الشاقة كان يرفض أن يعمل أشقائي في الاجازات حتي لا يشعروا بالمهانة‏.‏

كان هناك دائما شيء غريب في علاقتنا به‏,‏ لانخافه ولا نكرهه‏,‏ ولكننا في الوقت نفسه لا نألفه ونخجل منه‏..‏ لا نتحدث إليه‏,‏ ولا نطلب منه شيئا‏,‏ وإذا أردنا نقودا أو بعض الاحتياجات نطلبها من أمنا وهي تطلب منه‏.‏

أصبح كل ما بيننا هو السلام فقط تجنبا لصوته العالي بدون سبب من وجهة نظرنا الصغيرة‏.‏

المشكلة لم تكن كذلك عند أخوتي‏,‏ فقد تعودوا علي ذلك‏,‏ أما أنا فلا‏,‏ كنت مندهشة ورافضة لأن تكون العلاقة مع أمي فقط‏,‏ والحقيقة أني كنت أشعر بحب جارف لأبي‏,‏ ولدي رغبة شديدة في التعبير عن ذلك‏,‏ أريد أن أقول له بحبك يا بابا ولكن كيف وكل ما بيننا كلمات مقتضبة‏..‏ نفسي أتحدث معه عن حياتي وصديقاتي وأحلامي‏..‏ أتمني أن أقول له إحساسي الأكيد بأنه يحبنا وبشدة فيأتيني صمته الحزين أو صوته الهادر‏,‏ فأنسحب داخل صمتي ليزداد خرس مشاعري‏.‏

كبرنا علي هذا الوضع يا سيدي‏,‏ أب حنون يفني أيامه وعمره من أجل أبنائه‏,‏ ويا للعجب‏,‏ في الوقت نفسه يظهر عكس ذلك وكأنه يريد أن يثبت لنا أنه يكرهنا‏,‏ وأنه ينفي عن نفسه تهمة حبه لنا‏.‏

أتذكرالآن أن أمي سألته يوما لماذا تعاملهم بهذه القسوة وأنت تحبهم‏,‏ أتعرف بماذا أجابها؟‏..‏ قال‏:‏ إنه لا يريدنا أن نحزن عليه عندما يموت‏..‏ وقتها شعرت بالخوف والألم‏,‏ ألهذا الحد كانت مشاعره رقيقة مرهفة‏..‏ يؤهلنا بالابتعاد والألم حماية لنا من ألم أكبر‏!.‏

عندما تأقلمنا مع الأمر الواقع‏,‏ بدأ أبي يشعر بالألم لأننا شديدو الالتصاق بأمنا‏,‏ كان بمجرد دخوله صالة البيت‏,‏ ينصرف كل منا إلي حجرته‏,‏ تاركين له التليفزيون وأمي‏.‏ ما نفعله كان يؤلمه ويثير غضبه فلا يعبر عنه وإنما يفتعل مشاجرة ليصرخ فينا‏,‏ فأصبحنا نستشعر خطواته‏,‏ فنفر من المكان حتي لا يرانا‏,‏ ولا نمارس حياتنا إلا بعد أن يتناول عشاءه وينام‏..‏ الغريب أن علاقته بأمي كانت رائعة‏,‏ كان يحبها ولا يستطيع أن يخدشها بكلمة‏,‏ عكس فشله في إقامة علاقة معنا‏.‏

حاول أبي فتح ثقوب مضيئة في حاجز الصمت بيننا‏,‏ ولكننا لم نساعده لأننا كبرنا ونحن نحترمه إلي حد الخجل‏,‏ لا نشعر به‏,‏ ونحتاجه‏,‏ نحتاجه كضيف مرغوب فيه‏,‏ ولكنه مجرد ضيف غريب‏.‏

أتعبني التفكير في علاقتي بأبي‏,‏ كنت أتعذب‏,‏ فأنا أريد أبا‏,‏ وأبي تحديدا‏,‏ أريد الشعور بحنانه وحبه‏,‏ أريد تحطيم الحاجز الذي أقامه بيننا دون إرادته‏,‏ والذي فشلنا في إزالته دون إرادتنا‏.‏

أحب أبي يا سيدي‏,‏ أحب فيه كل شيء‏..‏ تعلمت منه الكثير دون أن يحاول ذلك‏..‏ أراه يصلي الفجر‏,‏ فأصلي مثله‏..‏ يقرأ بريد الجمعة ويحكيه لأمي‏,‏ فأفعل مثله‏.‏ كان مثقفا برغم أنه لم يتعلم‏,‏ يشتري الكتب فأقرؤها إيمانا بأنها كتب قيمة‏..‏ تعلمت منه عشق الصمت وكتمان المشاعر والتألم وحدي‏..‏ ولكن الشوق إليه بدأ يجرفني ويؤلمني‏,‏ أنظر في عينيه كثيرا فلا أري منه سوي حزن دفين وجسد منهك ما بين العمل وبين العبادة‏,‏ فكنت أشفق عليه وأتمني لو أقبل يديه وقدميه وأطلب منه أن يستريح ويجلس بيننا قليلا‏,‏ ولكني كل مرة كنت أخجل أن أفعل ذلك‏,‏ فعلاقتنا لم تسمح يوما بأقل من ذلك بقليل‏,‏ فكيف لي أن أجرؤ علي الكثير؟‏!.‏

ولأن للعمر أحكاما‏,‏ وجدت نفسي بعد تفكير طويل أعفي أبي من أي مسئولية في إقامة الجدار الصامت بيننا‏,‏ وأننا ساهمنا بقدر معه في بنائه‏,‏ فبدأت في الاهتمام به في حدود المسموح‏,‏ انتهز لحظات دخوله البيت لأجلس معه‏,‏ دون كلام‏,‏ أجهز له الطعام‏,‏ أعد له الشاي‏,‏ وأكوي له ملابسه‏.‏
بعدها بقليل‏,‏ ولظروف طارئة لم أر أبي لمدة يومين متواصلين‏,‏ فرجعت وأنا في شدة الشوق إليه‏,‏ وقررت أن أقول له برغم كل الحواجز إني أحبه بشدة وانه اعظم اب‏,‏ سأحضنه حتي لو رفض أو تمنع‏,‏ سأقبل يده وقدمه وأتكلم معه كثيرا كثيرا‏.‏
دخلت البيت وسألت ماما بلهفة بابا فين فقالت‏:‏ انه عاد من عمله وذهب في مشوار قصير‏,‏ وأخبرتني أنه سأل عني بلهفة‏.‏ فقلت لها سأعد له الشاي حتي يعود‏,‏ ووقفت أذيب سكره بالمقدار الذي يحبه‏,‏ ثم‏,‏ سمعت صوتا ينادي علينا بهلع‏,‏ وسمعت أمي بعدها تصرخ‏,‏ فوقفت مكاني وشعرت بأن بيتنا ينهار‏..‏ خرجت مذهولة لأسمع مالم أتوقعه‏:‏أبوك‏..‏ أبوك‏..‏ أجري إلي الخارج بلا صوت ولا دموع فين بابا‏,‏ لا يجيبني أحد ويجيبني المشهد‏..‏ أبي ملقي علي الأرض بالقرب من البيت‏,‏ صدمته سيارة مسرعة‏..‏ فمات؟‏..‏ لماذا مت يا أبي قبل أن أقول لك إني أحبك‏.‏

الآن فهمت لماذا كان أبي ينظر لي كثيرا في أيامه الأخيرة‏..‏ الآن فهمت سر اشتياقي الدائم له‏,‏ وكأنني كنت أحس أنه سيفارقني بدون كلام‏..‏ كعادته‏.‏
عاش وحيدا ومات وحيدا‏..‏ لم نكن حوله وهو يموت كما كنا دائما‏.‏
لماذا يرحل أبي هكذا‏,‏ وكيف أقبل يده وهي في التراب؟ وكيف أقبل قدمه‏.‏

كسرت وتألمت قبل موته‏..‏ كيف أعيش الآن‏,‏ فإن احتملت مصيبتي واحتسبتها عند الله‏,‏ كيف أروي عطشي الدائم للأبوة‏..‏ لدي اشتياق غريب لأبي‏.‏

إن عقلي لا يتوقف لحظة عن التفكير في الموت‏..‏ من ألوم؟‏..‏ هل ألوم أبي؟ وقد كان يدور في الساقية من أجلنا‏,‏ فلا أصحاب ولا معارف‏,‏ لم يكن لديه وقت حتي يجلس معنا؟‏..‏ هل ألوم نفسي لأني لم أتواصل معه‏..‏ لم أشبع من حضنه ولمسة يده وصوته الذي صمت طويلا‏.‏

حياتي كابوس متصل‏,‏ يطاردني أبي مع كل حادث في طريق‏,‏ مع ذكر الموت أو رائحته‏,‏ مع الشوق إلي كلمة بابا‏..‏ حتي كلمة بحبك مقدرتش أقولها له‏.‏

لا تقل لي ـ سيدي ـ ادعي له أو تقربي إلي الله‏..‏ لأني أفعل هذا‏,‏ ولكن لاشيء ينسيني‏,‏ لقد أصبحت عجوزا تعيش بقلب مشروخ وجسد فتاة لا يعترف بالحياة‏,‏ وخيال طفل يخشي من كل شيء حوله‏,‏ يخاف عبور الطريق‏,‏ ويهاب النوم حتي لا يري كابوسا يعرفه جيدا‏.‏

كل أملي في الحياة أن تكتب عن أبي في الصفحة التي قرأها وأحبها دوما‏..‏ اكتب عن رجل بسيط أحب دون مقابل‏..‏

هذا كل ما يمكن أن تفعله من أجل إنسانة محطمة‏,‏ تكتب عن أبيها وسوف تكون هذه أول فرحة تدخل قلبها بعد موت أبيها الذي لم يمنحها آخر فرصة كي تقول له بحبك يابابا‏.‏


سيدتي ‏:‏ لقد انغرست كلماتك كمخالب القط في روحي‏..‏ وكأني أري نفسي في المرآة‏,‏ وأسمع صوت أبنائي في رسالتك‏..‏ فأغلبنا هذا الأب‏,‏ الذي تسرقه الحياة وتفاصيلها‏,‏ فيجد نفسه في حرب مع لقمة العيش‏,‏ يصارع في الشارع وفي العمل‏,‏ ثم يعود إلي بيته منهكا‏,‏ محملا بفزع خفي علي الأبناء ومستقبلهم‏,‏ قلقا من شبح الموت الذي قد يختطفه تاركا أبناءه يتامي‏,‏ فتشتد قسوته عليهم‏,‏ عسي أن تزيدهم نار القسوة قوة‏,‏ دون أن ندري أننا بذلك نحاصر حدائق الحب في قلوبهم الصغيرة‏,‏ ونمنع الثمار الناضجة من السقوط بين أيدينا‏.‏

أعادت لي رسالتك صورة أبي الذي مات وحيدا وأغلب أبنائه علي سفر‏,‏ كان يشبه أباك في كثير من التفاصيل‏..‏ وكنا نشبهك أنا وأخوتي في نفس الإحساس به‏,‏ عندما كبرت فهمت أن أبي كان ضعيفا‏,‏ خائفا‏,‏ ولكنه يخفي الاحساس بالخوف والضعف خلف الصوت العالي والابتعاد‏..‏ وفي اللحظة التي كنت أرصد في عينيه هذا الضعف الحزين‏,‏ أفر من أمامه مثلما تفر الكلمات‏..‏ كنت أتمني مثلك أن يعيش قليلا كي أسمع منه‏,‏ أسأله‏,‏ أو حتي أقول له إني أحبه‏,‏ ولكنها الأقدار‏.‏ أب واحد خير من عشرة معلمين هكذا قال جان جاك روسو وهكذا تعلمت بعد تعدد المعلمين في حياتي وغياب أبي‏.‏ وعاهدت نفسي ألا أكون مثل أبي مع أبنائي‏,‏ ولكن رسالتك أعادتني إلي الواقع‏,‏ أسير علي نفس الدرب‏,‏ وكثيرون من حولي هم نفس الأب‏,‏ يغفلون أن السعادة هي اللمة مع الأبناء‏,‏ وأن الحنان والحوار العائلي أهم من الهدايا واللعب والحرص علي توفير كل ما يطلبه الأبناء‏,‏ فالصغار ــ ياعزيزتي ــ لايعرفون ما الذي يجب أن يحصلوا عليه من الآباء‏,‏ ولكن الآباء يعرفون ما الذي يجب أن يقدموه للأبناء وإن لم يفعلوا‏.‏ نعاهد أنفسنا كثيرا علي ألا نكرر الأخطاء ولكننا بسذاجة وجهل نستسلم لطاحونة الحياة‏,‏ ف

ننسي أو نتناسي‏,‏ ونري في الحب والاحتواء كلاما نظريا لا يحقق رغبات الصغار‏,‏ حتي تصدمنا كلمات بريئة صادقة مثل التي جاءت في رسالتك‏,‏ لنكتشف أننا لانحتكر الحكمة لمجرد أننا كبار في العمر‏.‏

قد يؤلمك ياصغيرتي أنك فهمت متأخرا أن والدك منحك كرمة عنب‏,‏ ولم تستطيعي أن تقدمي له عنقودا واحدا‏,‏ ولكن الحياة لم تنته‏,‏ ومازال لديك متسع لتمنحيه المزيد من عناقيد العنب‏,‏ لن أقول لك ــ كما طلبت ــ كلاما أنت تعرفينه‏,‏ ولن أقول إن عملك الصالح سيصب في رصيده عند الله سبحانه وتعالي‏,‏ ولكن سأدعوك إلي الحديث عن والدك الراحل‏,‏ الذي استراح بعد طول عناء في مقره الأخير ناعما بثواب حسن تربيتكم‏,‏ تحدثي عن حبك له مع أشقائك‏,‏ فسري لهم لماذا كان يزأر كالأسد لكنه أبدا لن يلتهم صغاره‏..‏ فالمؤلم أن نعيش ولا نفهم سر القسوة التي قد نراها ممن نحب‏,‏ ولكن عندما نفهمها تتحول إلي أنهار من الحب ستفيض عليك وعلي أسرتك الصغيرة وعلي أبنائك في المستقبل‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

الخروج من الدوامة ... قصص حقيقيه



من بريد الكاتب الراحل‏:‏ عبدالوهاب مطاوع

انا رجل في الخامسة والاربعين من عمري أعمل بالتربية والتعليم منذ‏15‏ عاما تزوجت وأنا مدرس بمن أصبحت الآن أما لابنائي وبناتي‏,‏ كما أصبحت الآن ايضا مدرسة وقد شاءت ارادة الله لي أن أتزوج دون تفكير عميق ومع ذلك فلقد كنت راضيا عن زوجتي وسعيدا بها منذ ارتبطت بها لكني اكتشفت للاسف ومع بداية حياتنا الزوجية أنها ليست راضية وأنني كما صرحت لي بلا مواربة لست فارس أحلامها لكن ظروفها الصعبة هي التي اضطرتها للزواج مني‏.‏

ولعلك يا سيدي تسألني الآن ولماذا قبلت الاستمرار معها‏,‏ وقد صارحتك منذ البداية بأنك لست فارس احلامها‏,‏ وأقول لك وأين كانت لي القدرة النفسية علي اعلان فشل زواجي بمن تزوجتها منذ الأيام الأولي ونحن نتزوج كما نعرف بشق الأنفس ونخجل من الفشل ونشعر كأن الناس جميعا قد اطلعوا علي أسرار غرفة نومنا وعلموا أن زوجتي قد تزوجتني وهي كارهة وأنها لم تشعر نحوي بالحب ولا بالرضا‏,‏ إنه إحساس مرير وقاتل للرجل ان يشعر منذ اليوم الأول بان زوجته لا ترغبه ولم تكن تريده‏,‏ لكن ظروفا اقوي منها هي التي اجبرتها علي الزواج منه ولقد تجرعت هذا لاحساس المؤلم من البداية وبدأ مسلسل الانفصام العاطفي الذي يحطم الزوج مهما كانت قوته ويصيبه بالضغط والسكر وتصلب الشرايين ويؤدي الي القتل المعنوي وهو أشد من قتل الجسد وتحملت كل ذلك خاصة بعد مجيء أول الأبناء حفاظا علي عش الزوجية من الانهيار‏,‏ واستعنت بالمسكنات المعنوية وبعض الكلام الطيب وبعض التنازلات علي تحمل ابداعات النكد الزوجي من زوجة تنكد علي زوجها لكي ينطق بكلمة الطلاق وفي دوامة هذا النكد الدائم يصبح الرجل ذليلا امام زوجته ولا يملك إلا أن يقول في مواجهته كل مرة إنا لله وإنا اليه راجعون‏.‏

ثم استيقظت اخيرا من دوامة النكد هذه وعرفت ان عش الزوجية الذي يقوم علي المسكنات لا يصمد للعواصف وان صحة الجسد تنهار سريعا أمام زوجة مشمئزة من زوجها فلقد كنت في كامل صحتي ومع ذلك كانت زوجتي دائمة النفور مني ولاتبدي شوقها ابدا لي وكان نفورها مني لاسباب مادية لان قلة المال تخلق لديها حالة من اليأس والاكتئاب ناسية ان الحياة الزوجية يسر وعسر وانه ينبغي للزوجة دائما ان تتمسك بالأمل في المستقبل الأفضل لكي تمضي السفينة الي بر الأمان‏..‏

وزوجتي لم تفعل ذلك معي ولم تتحمل ظروف البداية ولم تدفعني للأمل في المستقبل ولم تهون علي الصعاب‏,‏ وانما كانت دائمة الاشمئزاز مني والنفور بسبب ظروفي المادية الصعبة والآن ياسيدي وبعد‏15‏ عاما من الزواج فلقد تحسنت احوالي المادية والحمدلله وترقيت في عملي وزاد مرتبي وتضاعف دخلي وتوافرت لي امكانيات الحياة المادية المقبولة‏..‏ فأعلنت زوجتي الآن فقط رضاها عني لأول مرة ولكن هذا الاعلان جاء متأخرا كثيرا عن موعده لانني كنت قد تغيرت تماما ايضا‏..‏ وليست هي وحدها‏,‏ وأصبحت مشمئزا منها كما كانت هي بالنسبة لي طول السنوات الماضية‏,‏ وهي الآن تشعر بالخجل من أن يحدث الطلاق بيننا بعد كل هذه السنوات وتريدني كما اتصور واجهة لها فقط‏,‏

أما قلبها فمع فارس اخر ولقد قرأت ان الطلاق المعلن خير من الطلاق غير المعلن الذي يتمثل في الانفصام العاطفي بين الزوجين فهل هذا صحيح وبماذا تنصحني ان افعل‏,‏ هل أقبل بعد خراب مالطة رضاها عني الآن؟ أم أقول لها إن الآوان قد فات وأبدأ حياة جديدة مع إنسانة أخري تقدس الحياة الزوجية‏..‏ وتعرف أنها شركة بين الزوجين في العسر واليسر وليست في اليسر وحده كما فعلت زوجتي معي‏,‏ إنني احتاج الي زوجة أخري أعيش معها مرحلة حسن الختام فهل تؤيدني في ذلك؟

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:
‏ بعض الأزواج والزوجات يبدأون حياتهم الزوجية وكأنهم مساقون بقوة خفية الي أقدار لم يرغبوها لانفسهم لكنهم بالرغم من ذلك يمضون اليها ويستكملون خطواتها ويبدأون صفحتها الأولي مع شركائهم بنفسية من لا يحزنه الفشل ولا يسعده النجاح ومن ينظر في استعلاء نفسي غريب الي شريكه في التجربة كأنما يقول له من اللحظة الأولي إنك لم تكن لتحظي بمثل هذا الشرف لولا ظروفي القاسية التي اضطرتني للقبول بك‏,‏ أو لولا تحطم احلامي السابقة في الحب والسعادة مع من كان جديرا حقا بان اشاركه حياته‏,‏ ومثل هذه النفسية لا يمكن ان تثمر علاقة زوجية سليمة بين الطرفين إذ لابد أن يجد الطرف الراغب فيها في انجاح التجربة نفسه مسوقا لتقديم القرابين بصفة دائمة للطرف الفاتر في همته‏..‏ وفي عاطفته تجاه شريك الحياة فتترسخ الأوضاع الخاطئة في العلاقة الزوجية منذ البداية وتصبح مهمة احد طرفيها هي تقديم التنازلات وتقريب القرابين‏..‏

وتصبح مهمة الطرف الآخر تقبل هذه القرابين في ترفع وفتور وكأنها حق من حقوقه يتفضل علي الآخر بقبولها منه‏,‏ ولا يجد فيها ما يستحق ان يشكره عليه‏,‏ ولا عجب في ذلك من وجهة نظره لأن الآلهة في الاساطير الاغريقية لاتشكر من يعبدونها وانما تكتفي فقط باعفاء من ترضي عنه من بعض سخطها وغضبها ولفترة مؤقتة بأثر هذا القربان نفسه ومداه‏,‏ في حين أن الله جل شأنه الذي لا يحتاج الي عبادة من يعبدونه يشكر عباده الصالحين‏,‏ كما في الآية الكريمة‏:‏ إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم أي شاكر لمن يتطوع خيرا من عباده‏.‏

فتمضي العلاقة الزوجية بين الطرفين واحدهما مقهور برغبته في استمرار الحياة مع الطرف الآخر لاسباب مختلفة اهمها الابناء والاخر فاتر الهمة والروح وفاقد الحماس لكل الأشياء‏..‏ الي ان يتقدم العمر بالطرفين بعض الشئ وتجري تحت الجسور مياه كثيرة‏..‏ فيتحرر المقهور من بعض قهره ويفقد المفتون بنفسه بعض مقومات فتنته وغروره‏,‏ فيجد الطرفان نفسيهما تدريجيا وقد تبادلا الادوار والمشاعر والدوافع ويجد الإله المعبود نفسه مضطرا لبذل الجهد لكي يجتذب اليه عابده السابق‏..‏ ويشعر الطرف المقهور بانتصاره علي ضعفه وأغلال قهره القديم فلا يجد في نفسه اية رغبة لبذل المزيد من القرابين‏,‏ ولا يسعد حتي بتبدل مشاعر معبوده السابقة تجاهه ولا باستعداده الآن لان يتقبله ويعلن رضاه عنه‏!‏

هكذا تمضي أمور الحياة في بعض الأحيان فعلا يا صديقي ولا غرابة في ذلك لان الاستجداء الطويل للاشياء يفقد الانسان البهجة بنوالها بعد ان بذل من نفسه ومن كرامته لكي ينالها ما يفقدها كل قيمتها ومعناها لديه‏,‏ ولان الأشياء التي تجئ ايضا بعد فوات الآوان لا تبهج الانسان بقدر ما تثير تأملاته وأشجانه وربما ايضا أساه علي ما ضاع من زهرة العمر وهو يترقبها ويأمل فيها‏..‏ ولهذا كله‏..‏ فإنني أفهم مشاعرك جيدا يا صديقي وأرثي لك‏,‏ واذا كنت تقول لي انها تريدك الآن مجرد واجهة عائلية محترمة لها لكن قلبها مع فارس اخر فإني لا استطيع أن اطالبك بأن تسعد برضائها عنك أو تضرب صفحا علي كل ما كان من أمرها معك خاصة اذا كانت حكاية القلب المسروق منها مازالت قائمة حتي الان

وليست مجرد ظنون من جانبك بسبب تاريخها الطويل في الفصام العاطفي معك‏,‏ نعم لا استطيع أن اطالبك بذلك لكني سوف أطالبك فقط بألا يدفع أبناؤك ثمن حمقها وفتور عاطفتها وقبولها الزواج منك وهي لا تراك فارس احلامها بغير ان تغلب نفسك طويلا علي محاولة القبول بهذه الأوضاع الجديدة بعد تحسنها بعض الشئ بالنسبة لك فاذا عجزت عن احتمال الحياة مع زوجتك من أجل هؤلاء الأنباء الصغار ومع تغير احواله ا معك ورغبتها الجديدة في انجاح الزواج والحفاظ علي الاسرة فلا لوم عليك اذا اكتفيت بما تجرعت وتطلعت لحياة أفضل واسعد مع غيرها مع تأكيدي لك في الوقت نفسه ان هذه الحياة الجديدة لن تكون خالية من الاكدار والاحزان بسبب افتقاد ابنائك لك وساهم لانهيار الاسرة التي كانت تظلهم بظلالها‏.‏

أما اذا كنت من ذوي النفوس الكبار وآثرت ان تعفي اطفالك الصغار من تحمل تبعات اخطاء زوجتك معك في السنوات الماضية‏,‏ وفضلت أن تواصل العطاء لهم حتي النهاية‏..‏ وراودت نفسك علي الصفح والنسيان وقبول ما قد بدأت زوجتك تقدمه إليك من عطاء عاطفي شحيح بعد فوات الآوان فان الله شاكر عليم‏..‏ والسلام‏!‏

الهرم المقلوب‏! ‏... قصص حقيقيه


انا سيده شابه اقترب من الثلاثين من عمري جميله كما يقولون وعلي درجه عاليه من التعليم والثقافه وحاصله علي الماجستير في احد التخصصات النظريه المهمه ومتزوجه من شاب وسيم عمره‏35‏ عاما يعمل عملا مرموقا بهيئه استثماريه مصريه اجنبيه وممتاز خلقا وعلما‏,‏ ولدينا طفلان صغيران ودخلي من وظيفتي كبير ودخله من عمله اكبر ونحن نعيش حياه ميسوره لانحتاج فيها لشئ‏..‏ وفي منتهي السعاده منذ تزوجنا قبل سبع سنوات ومنذ نحو السنه بدات الاحظ علي زوجي تغيرا غريبا يبدو معه دائما شاردا وواجما وذاهلا عنا

وسالته عن اسباب تغيره مرارا وتكرارا دون ان اظفر منه باجابه شافيه‏,‏ وشعرت باحساس الزوجه بان في الامر شيئا كبيرا يتناقض مع شخصيته كزوج مثالي منذ ان عرفته‏,‏ فضغطت عليه ذات ليله ورحت استجوبه طوال الليل لاعرف ما يخفيه عني فاذا به يحكي لي انه يحب امراه اخري ويريد ان يتزوجها وبلغ تاثره قمته فانسابت دموعه بغزاره ودفن وجهه في صدري وراح ينهنه بالبكاء كالطفل الصغير‏!‏ ونزل علي الخبر كالصاعقه واحترت بين صدمتي فيه كزوجه وامراه وبين اشفاقي عليه مما اراه منه من ارتجاف وبكاء ودموع كالمطر‏!.‏

وقررت في تلك اللحظه ان انحي القلب جانبا لفتره موقته وان استخدم العقل معه لكي اعرف ابعاد هذه الكارثه غير المتوقعه وسالته عن هذه المراه الاخري وهل هي انسه ام مطلقه‏,‏ فاذا به يضاعف من دهشتي وذهولي بقوله لي انها ارمله توفي عنها زوجها منذ خمس سنوات‏,‏ وان المشكله التي يواجهها هي انها ترفض الزواج منه‏!.‏

ووجدتني ارفع راسه بعيدا عني بعنف واصرخ فيه كيف يجرو علي ان يقول لي ذلك‏,‏ وماذا يجد في هذه المراه ولا يجده لدي وهل هي جميله الي هذا الحد الذي يفقد معه عقله ويبكي ويولول من اجلها كالصغار‏,‏ فاذا به يجيبني بانه يحبها بجنون ولا يستطيع الاستغناء عنها‏..‏ ويحبني ايضا بجنون ولا يستطيع الابتعاد عني‏..‏ وان بعده عن احدانا لن يمثل له سوي الموت‏.‏

ثم ينتحب ويولول ويضرب راسه بالحائط حتي اشفقت عليه من ان يوذي نفسه وامسكت براسه لامنعه مما يفعل وانا في اعماقي اتمني ان اكسرها‏.‏
وربت علي كتفه وحاولت ان اتماسك بقدر المستطاع وسالته عن عمرها فاذا به يجيبني بانها في الخمسين من العمر‏!‏

ولم استطع الاحتمال اكثر من ذلك امراه في الخمسين من العمر؟ وتحب رجلا في الخامسه والثلاثين ويحبها حتي يبكي من حبها كالاطفال ويعرض عليها الزواج فترفضه برغم انه متزوج وله طفلان؟

ماذا جري في الدنيا وماذا جري لعقول بعض الرجال والنساء ياسيدي؟

لقد قررت ان اري غريمتي لاعرف ماذا بها مما لايتوافر في حتي سلبت زوجي عقله ورشده الي هذا الحد‏,‏ وذهبت الي تلك الهيئه الاستثماريه التي تعمل بها هذه السيده مديره لاحدي اداراتها ورايتها بدون ان اكلمها او اتحدث معها فرايت امامي امراه ناضجه بها مسحه من جمال قديم انيقه للغايه وشخصيتها قويه وصارمه ولاتفارق الابتسامه شفتيها‏..‏ وسمعت صوتها فوجدتها تصطنع الانوثه الحاره الجذابه‏..‏ وخرجت من الهيئه والدموع هذه المره في عيني انا واشعر شعورا قويا بان هذه المراه سوف تدمر بيتي وتستولي علي زوجي‏.‏

هذه هي مشكلتي ياسيدي‏..‏ ولقد جرت العاده وحكم الطبيعه ان يكون الرجل اكبر من المراه‏,‏ اما ان تكون المراه اكبر من الرجل بخمسه عشر عاما وتتابي عليه وتتدلل فمبلغ علمي في ذلك انه ليس سوي اسلوب جديد للسحب والجرجره النسائيه‏,‏ ولقد وقع زوجي في الفخ واطبقت عليه شباكه‏,‏ وليس اماسي الان سوي طريقين لاثالث لهما‏,‏ الاول هو ان الفظ هذا الزوج الضعيف التافه واعيش لاربي الطفلين وحدي معتمده في ذلك علي نفسي‏,‏ مع ملاحظه ان زوجي هذا لايعاني من اي مشاكل او اسباب تدعوه او تبرر له الوقوع في هذه الكارثه لا من ناحيه اسرته الصغيره وهي زوجته وطفلاه‏,‏ ولا من ناحيه تنشئته الاسريه حيث نشا في بيئه صالحه وتربي تربيه دينيه مثاليه وابواه يعرفان ربهما جيدا ولم يفرقا بين الابناء في تعاملهما معهم‏,‏ وقد دمعت عينا والدته حين شكوت لها مما اعانيه ورجتني الا اتخلي عنه وان اساعده حتي يجتاز هذه المحنه بسلام‏,‏ ولقد حرصت علي ان اذكر لك ذلك لكيلا تعتقد ان زوجي هذا يعاني من عقده اوديب وانه لهذا السبب قد اتجه بمشاعره الي سيده تكبره كثيرا في السن‏.‏

والطريق الثاني هو ان اقبل بما يفعله زوجي واسلم بالواقع المرير وهو انه يحب تلك المراه بجنون كما يدعي ثم امعانا في الحفاظ علي بيتي فقد يصبح من واجبي انا ان اذهب الي تلك المراه وانحني علي يديها وقدميها باكيه ومتوسله اليها ان تتزوج زوجي‏,‏ لكي يهدا ويستريح ويستعيد نفسه‏,‏ فبماذا تنصحني ان افعل ياسيدي وهل تري ان هناك حلا اخر؟

ولكاتبه هذه الرساله اقول‏:‏


لا يتمثل الوضع المقلوب فقط في ان يقع شاب في الخامسه والثلاثين من عمره في هوي امراه في الخمسين من عمرها فيبكي وينتحب ويضرب راسه في الحائط من وطاه حبها ورفضها للاقتران به‏,‏ ولا فقط في ان يقدم علي ذلك وهو زوج لشابه جميله لاينكر عليها شيئا واب لطفلين بريئين ورب لاسره صغيره سعيده‏,‏ وانما ايضا وهو الاغرب من كل ذلك ان يفجر هذا الزوج الشاب المشكله ويعترف بها لزوجته وهو يبكي وينتحب ثم يكتفي بذلك وكانما قد ازاح عن صدره حجرا ثقيلا ثم لا يفعل بعد ذلك شيئا ايجابيا لحل هذه المشكله وانقاذ نفسه وزوجته واسرته من تداعياتها‏,‏ وكانما قد اكتفي بتصدير المشكله الي زوجته او باقتسامها معها ثم واصل حيرته وتمزقه وتخبطه بغير ان يبذل اي جهد لمغالبه نفسه او ردها عن غيها الي ان يبرا من هذا الغزو العاطفي الذي دهمه فافقده رشده وثباته‏,‏ وبدون حتي ان يحسم تردده وتمزقه وحيرته بين المراتين اللتين تتنازعان قلبه ويزعم انه يحب كلتيهما بجنون‏!‏

ان هذا هو الوضع المقلوب حقا وصدقا ولانك تستطيع ان تقلب هرما لكنك لاتستطيع ان تجلس عليه والا انهار بك الي احد الجوانب كما يقول لنا الرئيس الامريكي الاسبق ريتشارد نيكسون‏,‏ فان زوجك ياسيدتي لايستطيع ان يجلس علي هذه الهرم المقلوب طويلا كما يريد الان ان يفعل حتي ولو كان يخدع نفسه ويتصور انه يستطيع الجلوس فوقه بزعمه لك انه يحب هذه المراه الاخري بجنون ولا يستطيع البعد عنها ويحبك انت كذلك بجنون ولا يستطيع البعد عنك والا كان الموت‏!‏

اننا اذا كنا نعترف بالضعف البشري ونسلم به ونرجو لصاحبه الا يطول استسلامه له حتي لاتكون الخسائر فادحه‏,‏ فاننا لانستطيع في نفس الوقت ان نعترف لمن يعانيه بحقه في لي الحقائق وتلبيس الحق بالباطل بهدف ان يفوز بكل شئ‏,‏ وحكايه حبه الجنوني لكل من زوجته وهذه المراه نوع اخر من قلب الحقائق والجمع بين الاضداد لكي تتماشي في النهايه مع هوي النفس الضعيفه ورغائبها‏.‏

وليس من الغريب ان يضعف الانسان ذات مره فلقد خلق الانسان ضعيفا امام اهوائه ورغائبه‏,‏ لكن الغريب حقا هو ان يستسلم لهذا الضعف بلا ايه مقاومه من جانبه ولا ايه محاوله لرد النفس عن اهوائها‏.‏

والنفس راغبه اذا رغبتها
واذا ترد الي قليل تقنع

وهذا صحيح ومعروف للجميع فلو ترك كل انسان لنفسه لما افلتت من يده متعه واحده من متع القلب والنفس بغير ان يطلبها ويري نفسه جديرا بنيلها مهما كان اثر ذلك علي غيره‏,‏ ولقد جبل الانسان علي ان يطلب لنفسه دائما الحد الاقصي من الاشياء‏,‏ ولولا روادع الدين والضمير والمسئوليه والواجب الانساني العام والاستعداد الاخلاقي لوضع سعاده الاخرين في الاعتبار حين يطلب الانسان سعادته لما حال بين النفس وبين ما ترغبه حائل ولتحولت الدنيا الي غابه‏,‏ ترتع فيها الوحوش الادميه وتتصارع حول شهواتها ورغباتها واهوائها‏,‏

ولو ترك زوجك نفسه لاهوائها لما ارضاه شئ سوي ان تسلمي له بحقه في ان يحب هذه المراه الاخري بجنون وسوي ان تتنازل هي فتقبل الارتباط به وهو زوج واب برغم وضعه العائلي‏,‏ وبرغم فارق السن بينهما وان تسعدي انت بهذا الارتباط السعيد وتظلي بالنسبه له نفس الزوجه وشريكه الحياه ونفس الام لاطفاله‏,‏ ولم لا؟ وهذا هو الوضع الامثل والافضل بالنسبه له‏,‏ لكنه لان الانسان لايستطيع الجلوس علي الهرم المقلوب دائما فان زوجك مطالب بان يعين نفسه علي الشفاء

من هذه اللفحه التي زلزلت كيانه واستسلم لها بضعفه وعجزه عن المقاومه ونكوصه عن بذل الجهد الضروري لمغالبه هوي النفس وتحمل العناء المستحق في سبيل ذلك‏,‏ فان لم يرغب في تحمل هذا العناء فليعترف بالحقائق التي لاسبيل لانكارها‏..‏ وليحسم امره واختياره بين زوجته وبين من تتابي عليه وترفض القبول به ربما احتراما لوضعها العائلي والاجتماعي‏..‏ وربما تعففا عن اغتصاب زوج لاخري واب لاطفال‏..‏ وربما ايضا استشعارا لفارق السن الكبير بينهما وخجلا منه فاذا كان عاجزا عن الحسم والاختيار فليطلب منك اعانته علي اجتياز محنته واعدا اياك بتعويضك عما عرضك له من الام في قادم الايام‏,‏ اما ان يطلب منك فقط القبول بالامر الواقع مع استمراره فيه ودون ان يخطو ايه خطوه لمقاومته والنجاه منه فليس ذلك من العدل او الحق في شئ‏.‏

لقد قال الكاتب المسرحي الامريكي تنيسي وليامز في روايه خريف امراه امريكيه ان اسوا ما في الحب بين شاب صغير وامراه تكبره في السن انه لامكان للكرامه فيه‏.‏

ولقد فهم الجميع عن حق من هذه الكلمه الحكيمه ان المراه حين تحب شابا اصغر منها في السن فانها قد تبذل غالبا كرامتها للاحتفاظ به‏,‏ لكن قصه زوجك مع هذه السيده تضيف الي معاني هذه العباره معني جديدا ربما لم يخطر بذهن كاتبها وهو ان الشاب ايضا قد يبذل كرامته في حب امراه تكبره في السن اذا ابتلي بحبها وكان ضعيفا لايقاوم ضعفه معها وكان احساسها هي بفارق العمر والوضع الاجتماعي عاليا‏,‏ اما الطريقان اللذان تقولين انه ليس امامك طريق ثالث سواهما‏,‏ فالحق ان هناك دائما الي جوارهما ذلك الطريق الثالث الذي ينتهجه راغبا او مضطرا من لايريد ان يهدم عشه ويبدد امان اطفاله وهو طريق الجهاد لاسترداد شريك الحياه التائه في بحر الظلمات والعوده به سالما بعد العناء الي شاطئ الامان‏,‏ويتطلب اختيار هذا الطريق الا يسلم الطرف المتضرر لشريك الحياه بالامر الواقع الذي يريد فرضه عليه وان يظل علي رفضه النفسي له مع استمرار جهوده ومحاولاته لانقاذ شريك الحياه من نفسه ومن اهوائه والتعامل معه خلال ذلك برفق الامهات وحكمتهن الي ان يستعيد رشده ويكتشف خطر الهاويه التي يمضي اليها مع اشعاره دائما بان لكل اختيار ثمنه في النهايه وتبعاته‏,‏ وانه اذا اختار هوي النفس وحده فليوطن هذه النفس ايضا علي انها سوف تفقد الامان والاستقرار اللذين كانت تتمتع بها في ظلال زوجه محبه واطفال ابرياء

ذلك انه اذا كان لايستطيع احد ارغامه علي اختيار شريكه الحياه وسعاده اطفاله دون هوي في نفسه فان احدا في نفس الوقت لايستطيع ارغام هذه الشريكه علي ان تعترف له بحقه في الجمع بين الحسنيين والتمتع بكل متع القلب والعقل والاستقرار‏,‏ اذا هو اختار الطريق الاخر وامعن في السير فيه الي ما لا نهايه‏,‏ ومهمها تبذل شريكه الحياه من جهد او عناء في سبيل ذلك فان نبل الغايه التي يسعي اليها يبرر له هذا العناء ويهونه عليه‏..‏ ومع ان النجاح ليس مضمون النتائج في كل الاحوال فان احتمال النجاح يسبغ علي الكفاح نبلا خاصا ويجعله جديرا بما نبذله من جهد لتحقيقه حتي ولم يكلل كفاحنا في النهايه ببلوغ الغايه كما يقول لنا عالم النفس وليم جيمس‏.‏

وايه غايه ياسيدتي تستحق الكفاح من اجلها انبل من انقاذ طفلين من التمزق بين ابوين منفصلين ومن التعاسه وافتقاد الامان؟‏.‏

مفتاح الحياة ... قصص حقيقيه



أنا سيدة لم أتجاوز بعد منتصف الثلاثينيات‏,‏ عندي أشياء كثيرة يحسدني عليها الناس‏..‏ عندي البيت الأنيق‏,‏ السيارات الفارهة‏,‏ المال‏,‏ والأبناء ولكني أشعر بأني أتعس البشر‏,‏ أعيش في سجن قضبانه من ذهب‏,‏ وباب الخروج أمامي ولا أستطيع الحركة‏,‏ علي الرغم من أني دخلت بكامل إرادتي‏,‏ تلك الإرادة التي تهزمني الآن‏,‏ وترفض أن تأخذ بيدي نحو الهروب إلي الحياة‏.‏


وحتي لاتصبح الكلمات مثل المعادلات الحسابية المعقدة‏,‏ سأعود إلي البداية‏,‏ كنت مثل كثير من بنات مصر‏..‏ نشأت في أسرة تنتمي إلي الطبقة المتوسطة‏..‏ والدي موظف كبير في إحدي محافظات الدلتا‏,‏ والدتي جامعية‏,‏ ولي شقيقان أكبر مني‏,‏ وهذا يعني أني كنت مدللة من كل أفراد الأسرة‏..‏ لا أتذكر أي معاناة في سنوات طفولتي وصباي‏,‏ سوي تلك الأشياء الصغيرة‏,‏ مثل الخلاف حول ملابسي‏,‏ أو تدخل شقيقي بمراقبتي‏,‏ أو فرض سيطرتهم الذكورية‏,‏ وكان والدي دائما ماينصفني عليهما‏,‏ وعلي أمي أيضا‏,‏ لأنها كانت تري أنه يدللني أكثر مما يجب‏,‏ وكانت أكثر قسوة منه‏,‏ ولكني كنت لا ألتفت إلي تعليماتها‏,‏ بحجة أن والدي سمح لي بأن أفعل ما أشاء‏.‏



تلك الحرية التي تعاملت معها باستهتار‏,‏ مع أن والدي كان يراها ثقة في‏,‏ هي التي دفعتني وأنا في السنة الأولي بالجامعة إلي الدخول في علاقة عاطفية مع شاب غير مناسب بالمرة‏,‏ لا في مستواه الثقافي ولا المادي‏,‏ ولكني رأيت بعقلي وقتها أن هذا هو الحب‏,‏ فأخلصت له‏,‏ وتماديت في علاقتي معه‏,‏ علي الرغم من اعتراض كل أفراد أسرتي بمن فيهم أبي‏,‏ وعندما رضخوا لرغبتي في الزواج منه‏,‏ وطلبت منه أن يتقدم لخطبتي اختفي تماما‏,‏ بعدما سرق من عمري أحلي خمس سنوات‏.‏


خرجت من تلك التجربة محطمة تماما‏,‏ فاقدة الثقة في كل الرجال‏,‏ وحاولت نسيان ما أنا فيه بالسهر كل ليلة‏.‏ دون الالتفات إلي استجداءات أبي أو قسوة أمي‏,‏ بعدما انشغل شقيقاي‏,‏ كل بحياته الخاصة‏.‏


وفي أيام تمردي وانطلاقي شاءت الصدفة أن تجمعني برجل خليجي‏,‏ وسيم‏,‏ ثري‏,‏ يكبرني بنحو‏15‏ عاما‏..‏ كان حنونا إلي أقصي حد‏,‏ سمع مني حكايتي‏,‏ استوعبني‏,‏ وأحاطني بكل مشاعر الحب والاهتمام‏,‏ حتي بدأت أنسي معه طعنة الغدر التي تلقيتها‏,‏ ومع أنه متزوج من سيدة ببلده وله منها ثلاثة أبناء‏,‏ إلا أنه عرض علي الزواج‏,‏ ودون أي تفكير‏,‏ أعلنت موافقتي‏,‏ ولكني طلبت منه ألا يخبر أسرتي بأنه متزوج‏.‏


تقدم هذا الرجل إلي والدي طالبا يدي‏,‏ وقوبل بالرفض الشديد‏,‏ لأنه من بلد آخر‏,‏ وبسبب فارق العمر‏.‏ وأمام إصراري الشديد‏,‏ رضخ والدي لرغبتي علي ألا أسافر معه‏,‏ ويشتري لي شقة في القاهرة أقيم فيها‏,‏ ويزورني كل شهر‏.‏ تزوجنا وعشت أحلي أيام حياتي‏,‏ كل أسبوع في بلد مختلف‏,‏ مرة في أوروبا وأخري في أمريكا‏,‏ حتي كنت أسافر إليه‏,‏ ألتقيه في مدينة ترانزيت‏,‏ أقضي معه‏24‏ ساعة ثم أعود إلي مصر‏,‏ لأنتظر المغامرة الجديدة‏.‏


مر عامان علي زواجنا‏,‏ كنت فيهما أميرة متوجة‏,‏ حتي حدث ماقلب حياتنا‏.‏


لم أحك لك أننا اتقفنا علي عدم الإنجاب‏,‏ والحقيقة أني لم ألتزم بهذا الاتفاق عمدا‏,‏ فقد أحببته وتمنيت منه طفلا‏,‏ وآلمني إحساسي بالأمومة‏,‏ فتركت نفسي حتي أصبحت حاملا‏,‏ وأخبرته‏,‏ فجن جنونه‏,‏ وانقلب علي وهددني بالطلاق‏,‏ وخاصمني‏.‏ غاب عني شهورا‏,‏ كانت جحيما بالنسبة لي‏..‏ هل أضحي بحلم الأمومة‏,‏ وأقتل ابني بيدي أم أضحي بسعادتي واستقراري؟ فاخترت الثانية‏,‏ وكأن الله استجاب لدعائي‏..‏ فوجئت به أمامي في بيتنا‏,‏ يقبل رأسي‏,‏ ويؤكد لي أنه لن يضحي بي أبدا وأنه سيكون سعيدا بابني بشرط واحد‏,‏ أن أذهب لأقيم معه في وطنه‏,‏ فهو يريد أن ينشأ ابنه مع أشقائه‏,‏ وفي البيئة التي يراها مناسبة له‏.‏


أمام حنانه وتصديقي له‏,‏ وافقت‏,‏ وأقنعت أسرتي بقبول هذا الوضع‏,‏ وسافرت‏.‏ أسكن قصرا هائلا‏,‏ به ما لاعين رأت‏,‏ آمر فأطاع‏,‏ ولكن هنائي لم يستمر طويلا‏,‏ فقد عرفت زوجته الأولي بأمر زواجه مني‏,‏ وبأني انتقلت للإقامة في نفس المدينة‏,‏ ومن لحظتها أعلنت علي الحرب‏.‏


مكالمات طوال الليل‏,‏ سباب وتهديد ورعب‏,‏ خاصة في تلك الأيام التي كان يسافر فيها إلي الخارج‏..‏ دمرت أعصابي‏,‏ وبدأت لا أنام إلا بالمهدئات‏.‏ وكلما حكيت له مايحدث يطالبني بالصبر والاحتمال‏.‏ أنجبت طفلي في هذه الأجواء‏,‏ بعدها طلب زوجي مني أن أعد أوراقي للحصول علي جنسية بلاده‏,‏ فوافقت‏,‏ علما بأني تنازلت عن جنسية وطني لأن هذا شرط للحصول علي الجنسية‏.‏


اعتقدت أني عندما أفعل ذلك‏,‏ سيقربني أكثر منه‏,‏ ويضمن لي مزيدا من الاستقرار‏.‏ ولكن بعدها زادت تحرشات زوجته الأولي بي‏,‏ وبدأت تحدث لي أشياء عديدة‏,‏ فسرها من حولي بأنها أعمال سفلية‏.‏ المهم أصبت بأمراض غيرمفهومة‏,‏ مما استدعي سفري للعلاج في أوروبا دون جدوي‏,‏ فطلبت منه أن يسمح لي بالبقاء قليلا مع أسرتي‏..‏ عدت إليهم واعترفت لهم ـ لأول مرة ـ بحكاية زوجته الأولي‏,‏ فقاطعتني والدتي‏,‏ وقالت إني أستحق كل مايحدث لي‏,‏ أما أبي فكان مضطرا للوقوف بجانبي خاصة مع تدهور حالتي الصحية‏.‏


مرت شهور‏,‏ واصطحبني زوجي مرة أخري إلي قصره المنيف‏,‏ ولكن حالتي الصحية والنفسية ازدادت سوءا‏,‏ وانعكس هذا الوضع علي طفلي‏.‏


حار الأطباء في حالتي‏,‏ واحتجزت في مستشفي للأمراض النفسية في باريس عدة شهور‏,‏ حتي بدأت أتعافي‏.‏ فرجوت زوجي أن يسمح لي بالعودة للحياة في القاهرة‏,‏ وبإلحاح مني وافق علي ذلك‏,‏ فاشتري لي فيلا رائعة‏,‏ أثثتها كما أحلم‏,‏ وأحاطني بالخدم‏,‏ اختارهم بنفسه حتي يكونوا رقباء علي‏.‏


وبدأت أحيا حياة طبيعية‏,‏ واعتقدت أن الحزن مل مني ورحل‏,‏ وأن السعادة صالحتني مرة أخري‏,‏ نعم زوجته ظلت تطاردني‏,‏ إلا أني كنت أحس بالأمان‏,‏ فأنا في وطني‏,‏ حتي لو لم أكن أحمل الجنسية‏.‏ ولكن يبدو أني كنت واهمة‏.‏ فقد لاحظت أن زوجي بدأ يغيب عني طويلا‏,‏ ولم يعد يلاحقني بالمكالمات كما كان يفعل‏.‏ حاولت استعادته بكل الطرق‏,‏ ولكني فشلت‏..‏ فبدأت في التفتيش خلفه لاكتشف ياسيدي‏,‏ أن زوجي‏,‏ وبعد‏7‏ سنوات زواج‏,‏ أغلبها قضيتها في العذاب بسببه‏,‏ تزوج من ثالثة‏..‏ فعل معها مثلما فعل معي تماما‏..‏ اشتري لها بيتا في بلدها‏,‏ وأصبح يذهب إليها بدلا مني‏.‏


فقدت صوابي‏,‏ اتصلت به‏,‏ صرخت في وجهه‏..‏ لماذا فعلت بي ذلك ؟ قال لي بكل هدوء‏,‏ إنني التي اخترت الابتعاد عنه‏,‏ وأصبحت لا أفكر إلا في نفسي‏,‏ وهو لم يرتكب إثما‏,‏ وإنما أتي حلالا‏.‏ فقلت له إني لن أعيش معه بعد اليوم وطلبت منه الطلاق‏,‏ فرد علي بأنه سيأتي لمناقشة هذا الموضوع‏.‏


تركني معذبة أسابيع حتي أتي‏..‏ أتي بوجه بارد‏,‏ ملامحه كالسكين‏,‏ لا أعرف لماذا خفت منه‏,‏ كرهته‏,‏ لا لم أكرهه‏,‏ بل مات حبي له في لحظة واحدة‏.‏


قال لي سأعرض عليك عدة حلول وعليك الاختيار‏,‏ إذا أردت الطلاق‏,‏ عليك أن تأتي بابني لتعيشي معه في بلدي‏,‏ أو تتركيه لي إذا أردت البقاء هنا‏,‏ أو تستمري هكذا بلا طلاق وليس لك شأن بي‏,‏ إذا أردتني سأكون معك كلما سنحت لي الظروف‏,‏ وإذا لم تحبي رؤيتي فلك هذا‏,‏ وسوف أستمر في توفير الحياة الكريمة لك ولابننا‏.‏


لم أستغرق وقتا طويلا في التفكير‏,‏ اخترت الحل الأخير‏,‏ فلن أذهب مرة أخري إلي بلده‏,‏ ولن أضحي بابني‏..‏ ثمن باهظ دفعته لاختياري ولكن‏,‏ مرت أعوام ثلاثة‏..‏ وأنا هكذا أمام الناس متزوجة‏,‏ أعيش في فيلتي مع ابني‏,‏ بدون جنسية بلدي‏,‏ وأحمل جنسية وطن لم أنتم إليه ولا أعرفه ولم أعد أحبه‏.‏


يتسرب العمر من بين يدي‏,‏ أشعر باحتياج انساني لمن يمكنه أن يشاركني أيامي‏,‏ ولا أستطيع حتي التفكير في ذلك‏..‏ علاقتي بأهلي مازالت سيئة‏..‏ أحس أني في دائرة مغلقة‏,‏ أنام بمهدئات وأصحو عليها‏..‏ علاقتي بابني متوترة‏,‏ أنظر إليه أحيانا علي أنه سبب ما أعانيه‏..‏ عندما أتخيل أن حياتي ستستمر هكذا حتي النهاية يصيبني الفزع فأهرع إلي مهدئاتي لتختطفني إلي عالم لا أعرفه ولا أفكر خلاله‏..‏ فهل ياتري لايوجد أمل في العودة إلي الحياة؟‏!‏

{{‏ سيــــدتي‏..‏ كثير منا يضيع حياته وهو يحاول الخروج من الباب المغلق‏,‏ فيضربه بقدمه‏,‏ وجسده‏,‏ ورأسه حتي يتحطم‏,‏ وعندما ينهار ويصبح عاجزا عن الحركة يكتشف أنه لو استخدم المفتاح‏,‏ لأنفتح الباب بكل يسر وسهولة‏.‏ إن حياتنا لن تتغير إذا ظللنا ننظر إليها من الزاوية الواحدة الضيقة المؤلمة‏,‏ فإذا أردنا التغيير‏,‏ علينا أن نغير أولا من موضع الرؤية لعلنا نري ماغاب عنا‏.‏


أراك تتلمسين ماضيك‏,‏ دون أن تحاولي التوقف أمامه‏,‏ فدعينا نقف نحن أمامه لأن فيه الكثير من الدروس‏..‏ فالبنت المدللة ـ التي كنت عليها يوما ـ صورة متكررة في بيوتنا‏,‏ صراع الأبوين علي أسلوب تربية البنت‏,‏ الأب يدلل والأم تقسو أو العكس‏,‏ أحدهما يفعل ذلك بدعوي الثقة‏,‏ والآخر بدعوي أن البنت لابد أن ينكسر لها ضلع‏,‏ علي الرغم من أن أسلوب التربية ـ للولد أو البنت ـ يجب أن يقوم علي مجموعة من القواعد تستند إلي الدين والأخلاق‏.‏ أقول هذا لأن والدك هو الذي ساعدك علي الحب الخاطئ منذ البداية‏.‏


الحبيب الذي غدر بك‏,‏ لم يجعلك تقفين لتراجعي نفسك‏,‏ ولتسأليها عن الثقة التي منحت إياها ماذا فعلت بها؟‏..‏ وكيف تركك والدك لحياة اللهو والنسيان‏,‏ لتذهبي بقدميك إلي تجربة أخري غير محسوبة‏,‏ بدأت باحتياج لنسيان الطعنة‏,‏ فقبلت أن تطعني أنت امرأة أخري‏,‏ وتزوجت زوجها سرا‏..‏ زوج يبحث عن مغامرة شرعية‏,‏ عن إثارة في حياته‏,‏ من البداية هو لايريد تكوين أسرة‏,‏ بل يريد عشيقة شرعية‏,‏ يلاقيها في المطارات وغرف النوم‏,‏ ولكن الزواج لم يشرع لمثل هذه العلاقات‏.‏ وعندما فوجيء بك حاملا وكان لديه بعض المسئولية‏,‏ انتقم منك وجردك من جنسيتك‏,‏ ثم تركك لقمة سائغة لزوجته الأولي تكفيرا عن خطئه بزواجه منك‏.‏


ولأنك دائما تفضلين الهروب‏,‏ كان المرض هو الحل‏,‏ وبالتالي يظل العلاج مؤقتا‏,‏ لأنك لم تستأصلي الداء‏,‏ ولم تحاولي تطوير العلاقة الزوجية ووضعها في إطارها الصحيح‏..‏ كلها حلول مؤقتة‏,‏ آخرها عودتك مع طفلك إلي وطنك منزوعة الجنسية‏..‏ ولأن المغامرة انتهت لدي زوجك‏,‏ كان عليه أن يبحث عن أخري‏,‏ وكان عليك أن تتجرعي نفس الكأس التي أذقتيها للأولي‏.‏


لقد مات الحب في قلبك وهذه ليست كارثة‏,‏ فالحب مثل الإنسان له عمر‏,‏ يحتاج إلي أشياء عديدة كي يحيا‏,‏ ولايحتاج إلي مقدمات حتي يموت‏.‏


الكارثة الحقيقية ألا تواجهي واقعك‏,‏ عليك أن تختاري‏,,‏ حتي لو كان اختيارا مؤلما‏..‏ لقد حاولت كثيرا أن تأخذي ماليس لك‏,‏ فدفعت الثمن‏,‏ وليس أمامك إلا اختيار ماهو متاح‏..‏ أنت الآن في بيت رائع‏,‏ معك ابنك وامكاناتك المادية جيدة‏,‏ فهل الحياة لاتكون جميلة إلا بوجود رجل؟


الإجابة قطعا لا‏,‏ فالجمال حولك في أشياء عديدة‏,‏ المهم أن تتلفتي حولك وتخرجي من حصار الفكرة الواحدة التي تسكنك‏,‏ اقتربي من أهلك مرة ثانية‏,‏ اهتمي بابنك‏,‏ استمتعي بالقراءة‏,‏ بالسينما‏,‏ بالعبادة‏,‏ بالأصدقاء‏,‏ بمساعدة المحتاجين‏,‏ بالدراسة‏.‏ أشياء كثيرة يمكنك أن تفعليها لتخرجي من سجنك الذي أدمنته‏..‏ فأنت حبيسة رجل‏,‏ وحبيسة نفسك‏..‏ ضعي مفتاح الحياة في باب الخروج بمحبة وثقة ورضا‏,‏ وتأكدي من أنك سترين في الخارج أشياء أخري جميلة يمكن أن تمنح حياتك بهجة وسعادة‏..‏ وإلي لقاء قريب بإذن الله‏.‏

معني السعادة ... قصص حقيقيه




{‏ قد تكون رسالتي مستفزة لقراء بريد الجمعة أو لضيوفه‏,‏ لأنه بمفهوم الرسائل المنشورة التي أقرؤها‏,‏ لاتوجد لدي مشكلة‏,‏ فلا أحتاج إلي مساعدة من أحد‏,‏ بل كثيرون هم الذين يسألونني المساعدة‏..‏ ولا ينقصني شئ والحمد لله‏,‏ ولم أرتكب معصية أندم عليها‏,‏ وأريد أن أغتسل أو أغسل ضميري بالاعتراف‏,‏ كل مشكلتي في الحياة أني لا ولم أعرف طريقا للسعادة‏.‏ لدي كل مقوماتها ولكنها تخاصمني وتهرب مني‏,‏ فلم أشعر أبدا بالشبع‏,‏ بالرضا‏,‏ بالبهجة‏.‏


هل أبدأ معك بما انتهيت إليه‏,‏ أم أبدأ بما ولدت عليه؟



لاتغيب عن ذاكرتي صورة بيتنا الريفي الصغير في إحدي قري مصر‏..‏ ثلاث حجرات تؤوينا‏,‏ ثمانية أفراد‏,‏ أبي وأمي في غرفة‏,‏ وستة من الأبناء مكدسين في حجرتين ضيقتين علي أسرة من الجريد‏.‏ لم يكن ترتيبي الثالث في العائلة‏,‏ يعني أي شئ‏,‏ فالابنة الكبري مثل آخر العنقود تماما‏,‏ لا تدليل للأصغر ولا مسئولية علي الأكبر‏,‏ كلنا سواسية‏,‏ نلقي نفس المعاملة من القسوة والإهمال‏..‏ لم تكن قسوة متعمدة كما لم يكن الإهمال‏..‏ إنها صعوبة حياة الفقراء‏,‏ أب يعمل في مهنة حقيرة‏,‏ يجمع قروشا عديدة‏,‏ يعود بها منهكا كل مساء‏,‏ لايطيق كلمة في البيت‏,‏ لايجرؤ أحد منا علي طلب شئ‏,‏ وإلا كان جزاؤه الصراخ والضرب‏..‏


أما أمي فكانت مثل أغلب الأمهات الفقيرات في الريف‏,‏ مدبرة جدا‏,‏ تساعد علي المعيشة بتربية الطيور في صحن البيت‏,‏ تبيع البيض‏,‏ وتحتفظ بالنقود لوقت عوزة كما كانت تردد‏.‏


لم يكن من حقي أن أحلم مثل أقراني في المدرسة‏..‏ كنت أخجل من ملابسي ومن حذائي الممزق‏,‏ فأنأي بنفسي بعيدا عن أبناء الأكابر‏..‏ لم يكن والدي حريصا في حياته علي شئ‏,‏ مثل حرصه علي إلحاقنا بالمدارس‏.‏ لايقبل أن يفشل أحدنا أو لا يتفوق‏,‏ كان يردد علي مسامعنا كل لحظة‏:‏ أحسن لي يقولوا إبني مات ولا يقولوا إنه سقط في الامتحان‏.‏ بهذا المعني‏,‏ كان لابد أن ننجح خوفا وليس رغبة في التفوق‏,‏ التضحية الأولي في مشروع أبي كانت بأختي الكبري‏,‏ فعلي الرغم من نجاحها بمجموع كبير في الشهادة الإعدادية‏,‏ ألحقها بدبلوم التجارة وزوجها لأول طارق من البلدة حتي يتخفف من عبئها‏,‏ لأنه يري أن البنت في النهاية لبيت زوجها‏.‏ وحتي لا أطيل‏,‏ التحقنا جميعا بالجامعة إلا شقيقا واحدا دخل معهد المعلمين وأصبح مدرسا في المدرسة الابتدائية‏.‏


أستوعب الآن مقدار الجهد والتعب الذي عاناه أبي‏,‏ ولكني مازلت أشعر تجاهه بغضب ما‏,‏ بخجل ما‏,‏ ربما لفقره‏,‏ ربما لقسوته؟ لا أدري‏.‏


المهم التحقت بإحدي الكليات‏,‏ وأحببت زميلة لي وبادلتني الحب‏,‏ واتفقنا علي الزواج بعد التخرج‏,‏ ولكن عندما ذهبت لطلب يدها‏,‏ رفضني والدها بعنف وقسوة عندما عرف بوضعي الاجتماعي‏...‏ كانت هذه المرة الأخيرة التي أتحدث فيها بصراحة عن وظيفة والدي ـ رحمه الله‏..‏ بعد تأديتي الخدمة العسكرية‏,‏ في بداية الثمانينيات انتهزت أول فرصة وسافرت إلي العراق‏,‏ عملت في كل شئ‏,‏ في المقاهي‏,‏ بيع أشرطة الكاسيت‏,‏ عامل معماري‏,‏ شاركت في الجيش العراقي في أثناء حربه ضد إيران‏,‏ كنت أرسل نقودا كثيرة لأسرتي‏,‏ ورجوت والدي أن يتوقف عن العمل‏,‏ ويشتري أرضا زراعية وأراضي بناء‏,‏ واستجاب لي‏,‏ ولكن القدر لم يمهله حتي يستمتع بالراحة‏,‏ توفاه الله وأنا بعيد عنه‏.‏ أحس بألم شديد كلما تذكرت إحساسي يوم معرفتي بوفاته‏..‏ لن أقول إني كنت سعيدا‏,‏ الحقيقة أحسست براحة‏,‏ لأن هذا الرجل الفقير ــ الذي حرمتني وظيفته من الزواج بمن أحببتها ــ قد رحل‏.‏

أرجو ألا تصفني بصفات سيئة‏,‏ فأنا أكتب لك حتي أستريح‏.‏


عدت إلي مصر في النصف الثاني من الثمانينيات‏,‏ معي ثروة لا بأس بها‏,‏ بعت الأرض التي اشتراها لي والدي بأضعاف أضعاف ثمنها‏.‏ واشتريت شقة فاخرة بالمحافظة التي أنتمي إليها‏,‏ وافتتحت مكتبا أمارس من خلاله عملي‏.‏ أمسكت بأصابعي مفاتيح النجاح والثروة‏,‏ بعض المال وكثير من المظاهر‏,‏ سيارة فارهة‏,‏ ملابس أنيقة‏,‏ ثقة في النفس ــ حتي لو كانت مدعاة ــ تفتح لك كل الأبواب المغلقة‏,‏ اشتريت أرضا وعقارات وبعت‏,‏ حتي أصبحت أحد الأسماء المعروفة في محافظتي‏.‏


وقتها قررت أن أتزوج‏,‏ ذهبت إلي أسرة عريقة‏,‏ عرضت مالدي‏,‏ فلم يسألني أحد عن وظيقة والدي‏,‏ واكتفوا بأنه رحل عن الحياة‏..‏ تزوجت من فتاة جميلة تصغرني بأكثر من عشر سنوات‏,‏ كانت ومازالت نعم الزوجة‏,‏ ولكني لم أحبها يوما‏,‏ بل علي العكس أبغضها أحيانا‏,‏ وأسخر من أسرتها‏,‏ وأتهمها كثيرا بأن أهلها الأثرياء دللوها وأفسدوها‏.‏


الآن ياسيدي أنا متزوج منذ سنوات‏,‏ رزقني الله بولدين جميلين‏,‏ علاقتي سطحية بأشقائي‏,‏ فهم في مستوي أقل مني‏,‏ يظهرون في حياتي عندما يحتاجون مني شيئا وبالتحديد نقود‏,‏ أمنحهم ما يريدون‏,‏ ولكني لست حريصا علي التواصل معهم‏.‏


ستسألني‏:‏ وأين أمك؟‏..‏ رحلت أمي منذ شهور قليلة‏..‏ هي الإنسانة الوحيدة التي تعذبني‏..‏ جافيتها طويلا‏,‏ حرصت علي ألا تظهر في حفل زفافي‏,‏ لم أدعها يوما لزيارتي في البيت‏,‏ خشية أن يظهر أصلي المتواضع أمام زوجتي‏,‏ أو أمام المجتمع الجديد الذي أنتمي إليه‏.‏ نعم أرسلتها لأداء فريضة الحج وكنت أمنحها مبلغا ماليا كبيرا كل شهر‏,‏ وبنيت لها بيتا رائعا في قريتنا‏,‏ ولكني أخجل منها‏.‏


مات أبي‏,‏ وماتت أمي‏,‏ أصبحت ثريا‏,‏ متزوج من إمرأة جميلة من أسرة عريقة‏,‏ لدي الأبناء والوظيفة المرموقة‏,‏ ولكني لست سعيدا‏,‏ بل قل أعيش تعاسة لا تنتهي‏,‏ قلبي دائما منقبض وحزين‏,‏ لا أحب رؤية وجهي في المرآة‏,‏ يراودني من وقت لآخر إحساس غريب لا أفهمه بالشوق إلي بيتنا القديم‏,‏ إلي السرير الجريد والطبلية‏..‏ لم أكن وقتها سعيدا‏.‏ والآن لست سعيدا ولا أعرف إلي متي ستظل حياتي هكذا؟‏!‏

{‏ سيدي‏..‏ هل تريد أن أبدأ معك من بداية حياتك أم من تلك النقطة أو التساؤل الذي طرحته‏:‏ أين السعادة؟‏.‏ سعادتك التي لم تعثر عليها وأنت فقير‏,‏ غاضب‏,‏ ناقم علي والديك لأنهما فقيران‏..‏ وسعادتك التي لم ترها وأنت تملك كل ما افتقدته صغيرا‏.‏ لقد أيقنت بنفسك أن أموالك الكثيرة‏,‏ ومصاهرتك لأسرة عريقة‏,‏ سيارتك الفارهة‏,‏ وابتعادك عن كل ما يذكرك بفقرك‏,‏ كل هذا لم يجعلك تحس بطعم السعادة ولا تعرف لها طريقا‏,‏ ولن تعرف إذا وقفت في مكانك‏,‏ تنظر من نفس الزاوية لتري ما تريد أن يكون ماثلا بين يديك‏,‏ لأنك باختصار شديد تقف في زاوية مظلمة داخل ذاتك‏,‏ ولن تتحرك خطوة إلا إذا تصالحت أولا مع نفسك وأنرت ما بداخلك حتي تري ما حولك‏.‏

دفعتني رسالتك دفعا للبحث عن معني ومفهوم للسعادة‏,‏ واكتشفت أنها هي ذلك الشعور المريح الذي يغمرك عندما تدخل البهجة إلي قلوب الآخرين‏,‏ اكتشفت أيضا أنها في التقوي‏,‏ العطاء‏,‏ الرضا‏,‏ الفضيلة‏,‏ الاستقامة‏,‏ وراحة الضمير‏.‏


أين أنت سيدي من كل هؤلاء‏,‏ إن أنانيتك جعلتك تفكر منذ صغرك في نفسك فقط‏,‏ تفرغت لإدانة والدك الغني بأولاده‏,‏ المكافح‏,‏ الذي لم يك لصا‏,‏ أو متسولا‏,‏ وإنما كان عاملا غني النفس آمن بأن من كان له أبناء لا يمكن أن يبقي فقيرا طويلا‏,‏ ولكنك ــ وأنت كبير وناضج ــ لم تخجل ولم تتردد في وصف وظيفته بـ الحقيرة‏,‏ وظيفته التي أوصلتك لما أنت فيه‏,‏ وأدخلت أشقاءك الجامعة‏,‏ وما كان أسهل عليه أن يطلقكم في الشوارع تعملون وتتسولون‏,‏ لقد آمن والدك بمقولة العالم الجليل ابن حزم الأندلسي نقطة الماء المستمرة تحفر عمق الصخرة‏,‏ فظل يعمل حتي تخرجتم وسافرتم وأثريتم وصاهرتم الأثرياء‏.‏

سيدي‏,‏ ليس من الطبيعي أن أغضب في ردي عليك‏,‏ ولكن رسالتك إستفزت شيئا في نفسي‏,‏ ربما رحيل والديك دون أن يلقيا منك التكريم الواجب لهما‏,‏ ربما لو كانا أحياء‏,‏ لطلبت منك أن تجلس تحت أقدامهما تقبلها وتطلب منهما العفو والسماح عن كل ما دار ويدور في نفسك حتي الآن‏.‏ فلا الفقر يستطيع إذلال النفوس القوية‏,‏ ولا الثروة تستطيع أن ترفع النفوس الدنيئة‏.‏


سيدي‏..‏ نحن نحتقر أشياء كثيرة لكيلا نحتقر أنفسنا‏,‏ فعليك أن تعترف أولا بأن ما تكبر أحد إلا لنقص وجده في نفسه‏,‏ وأنت تعاني من هذا الشعور بالنقص‏,‏ ولن تشفي منه‏,‏ إلا إذا أعدت الحق لوالدك‏,‏ قدر ما فعله لك‏,‏ أفخر به‏,‏ إحك كفاحه ونضاله ومعاناته لزوجتك ولأبنائك ولأصدقائك‏,‏ فكلما ارتفع الشريف تواضع‏,‏ وكلما ارتفع الوضيع تكبر‏.‏

سيدي‏..‏ أتلمس بداخلك عذاب الضمير‏,‏ ولكنك تأبي المواجهة والاعتراف‏,‏ واجه ذاتك حتي لا تفقد زوجتك وابنيك وقبلهما نفسك‏,‏ تصدق لوالديك‏,‏ وارع أشقاءك‏,‏ وتذكر قول رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم‏:‏ بر أمك وأباك ثم أختك وأخاك ثم أدناك فأدناك‏.‏

فثروتك الحقيقية لن تكون إلا في نفسك‏,‏ تصالح مع ماضيك فليس فيه ما يخجل‏,‏ وعد إلي الله‏,‏ لأني أراك بعيدا عنه‏,‏ فلم تذكره مرة واحدة في رسالتك‏,‏ أزح الغشاوة من علي قلبك‏,‏ فتسمو روحك‏,‏ وتتلمس السعادة التي تشتاق إليها‏,‏ وهي بين يديك ولكنك لاتري‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

شبكه العنكبوت ... قصص حقيقيه




*‏ انا سيده من احدي دول الخليج‏,‏ زوجي الراحل كان من كبار رجال الاعمال في تلك الدوله‏..‏ توفاه الله منذ نحو‏10‏ سنوات‏,‏ وترك لي ثلاثه من الابناء‏,‏ وهم غير ابنائه من زوجه اخري‏.‏


رحل زوجي وترك لنا والحمد لله علي نعمه التي لاتحصي ثروه كبيره تتمثل في العديد من المشروعات التجاريه والتوكيلات‏,‏ غير ما لدينا من رصيد مالي في البنوك‏.‏



كان زوجي رحمه الله رجلا صالحا‏,‏ تقيا‏,‏ حنونا‏,‏ عركته الحياه‏,‏ بعد ان عاني الكثير في بداياته‏,‏ فلم يرب ابناءنا علي الرفاهيه والتدليل‏,‏ بل كان يقسو عليهم احيانا‏,‏ حتي يطمئن عليهم في المستقبل من عواصف الايام‏,‏ لاننا كنا نري بعيوننا ماذا يفعل ابناء الاثرياء في بلداننا‏..‏ فاصر علي تعليم الابناء‏,‏ واشراكهم في اداره اعماله‏.‏ وعندما اشتد به المرض‏,‏ وايقن ببصيرته وايمانه انه في طريقه الي لقاء رب العالمين‏,‏ حرص علي توزيع ثروته علي ابنائه بالعدل‏,‏ وترك بعض الشركات باسماء ابنائي الثلاثه‏,‏ حتي يضمن تواصل جسور الموده والمحبه‏,‏ ولا يباعد بينهم لانشغال كل بمشروعاته‏.‏


تزوج ابني الاكبر في حياه والده وانجب لنا اول حفيدين في العائله‏,‏ وتحمل مسئوليتنا المعنويه والماديه‏,‏ وكان ومازال بارك الله فيه وحفظه امتدادا لابيه‏,‏ فاحتوي بحنان شقيقته التي لم يات بعد نصيبها في الزواج علي الرغم من انها تجاوزت الثلاثين بقليل‏,‏ وهذا التاخير ليس لعيب فيها او لعدم تقدم العرسان‏,‏ ولكن لانها صاحبه عقليه خاصه‏,‏ اكملت تعليمها في الخارج‏,‏ وترفض الزواج بدون حب او اقتناع بان من يريدها لايطمع في ثروتها وانه يري مواطن الجمال في عقلها قبل وجهها‏.‏ والحمد لله هي لاتشعر باي ازمه لتاخر زواجها‏,‏ فهي انسانه متحققه تشرف علي عملها بنفسها‏,‏ كما ان لديها موهبه خاصه تحرص علي تنميتها وتعد الان للحصول علي الدكتوراه في هذا المجال‏.‏


اعرف ان البعض سيتساءل بعد هذه المقدمه الطويله‏:‏ اين الازمه واين المشكله؟

ابني الاصغر‏,‏ اخر العنقود‏,‏ هو الالم الكبير في حياه اسرتنا‏..‏ هو الذي سرق سعادتنا‏,‏ وحرمني من النوم‏,‏ واصابني بالمرض‏,‏ حزنا عليه وشوقا اليه‏.‏


عندما توفي زوجي كان ابني يقارب العشرين عاما‏,‏ ويدرس بالجامعه في بريطانيا‏..‏ كان هو الاكثر تالما واحساسا باليتم‏,‏ لذا التففنا جميعا حوله‏,‏ وحرصنا علي الاهتمام به حتي يتجاوز هذه المحنه الكبيره‏.‏

كانت هذه الاجواء كافيه لان يحاول ابني الهروب الي اصدقائه دون ممانعه منا‏,‏ فاصبح كثير السهر‏,‏ وبدا علي سلوكه بعض التصرفات التي ماكان يمكن قبولها في الظروف العاديه‏,‏ وليتنا ما قبلنا‏,‏ لقد اخطانا في تساهلنا معه‏,‏ حتي اصبح صعبا علينا ان نعيده الي حضن العائله مره اخري‏.‏


لم يعد ابني الوحيد يستقر في بلدنا الا قليلا‏,‏ يسافر كثيرا‏,‏ ينفق ببذخ‏,‏ يدخل في علاقات نسائيه لا تناسب قيمنا الدينيه ولا اخلاق عائلتنا‏.‏


حاولت كثيرا مع شقيقه وشقيقته دون جدوي‏..‏ ولم نجد امامنا بعد تخرجه في الجامعه الا تزويجه من فتاه قريبهلنا‏,‏ استشعرنا اعجابه بها‏,‏ وقلنا ان هذا الزواج سيكون عاصما له‏..‏ واستبشرنا خيرا بالسعاده التي بدت عليه‏,‏ ومكوثه لاوقات طويله مع عروسه‏,‏ ولكن هذا الوضع لم يدم طويلا‏,‏ فعاد مره اخري الي سيرته الاولي‏,‏ كل ليله سهر وسفر ونساء‏,‏ حتي ان حمل زوجته لم يغير فيه شيئا ولم يعده الي رشده‏,‏ وفيما نحن غارقون في حزننا عليه فوجئنا بكارثه كبري لم نتوقعها‏!‏


استيقظنا فجرا علي رنين الهاتف لينبئنا بان ولدي الحبيب اصيب في حادث تصادم‏.‏ لن اخوض في تفاصيل ما حدث لنا‏,‏ وكيف هرولنا جميعا الي المستشفي‏,‏ لنجده في حاله سيئه‏,‏ بعد انقلاب سيارته وهو في حاله سكر واضحه‏..‏ بكينا دما وتوسلنا الي الله ان ينجيه‏,‏ اخبرنا الاطباء بخطوره الوضع ونصحونا بضروره سفره فورا الي الخارج بعد ان بترت ساقه‏,‏ وتحطم عموده الفقري‏,‏ فاعددنا طائره طبيه خاصه وسافرنا معه جميعا الي المانيا‏.‏


كان الله رحيما بابني وبنا‏,‏ عام كامل من الجراحات القاسيه‏,‏ وعيناي لاتغفلان لحظه عنه وهو يئن‏,‏ يستغفر الله‏,‏ يعتذر لنا عن اخطائه وما سببه لنا‏,‏ عاد ابني الي الحياه ببعض الاجهزه الصناعيه‏,‏ ورغبه صادقه في التوبه‏,‏ معبرا عن ندمه الشديد علي كل ما ارتكبه من معاص‏.‏


حمدت الله كثيرا علي لطفه في قضائه وقدره‏,‏ واقمنا الولائم ابتهاجا بعوده ابني سالما الي بيته والي زوجته وابنه‏.‏


سارت الحياه بنا سعيده هانئه‏,‏ بدا ابني يتابع شركاته‏,‏ ويجلس مع اسرته الصغيره‏,‏ ولايغادرنا الا الي الصلاه‏,‏ فقد تبدل حاله‏,‏ ولم يعد يترك فرضا الا ويوديه في المسجد‏.‏ وبدا يظهر في حياته نوع جديد من الاصدقاء‏,‏ رجال متدينون من اصحاب اللحي‏.‏ لم اغضب من ترددهم الكثير علي البيت‏,‏ بل كنت اري فيهم امانا حتي لايعود الي اصدقاء فتره السقوط‏.‏ ولكن ما ازعجني ثم افزعني‏,‏ هو شخص واحد من اصدقائه‏,‏ لاحظت انه منبهر به‏,‏ يتحدث عنه كثيرا وعن خاله الرجل الصالح صاحب الكرامات‏.‏ لايستطيع ان يرفض له طلبا‏,‏ وياخذ كلامه وكانه منزل من السماء‏.‏ وحدث ما خشيت منه‏..‏ فوجئت بانه اشتري له سياره ثمنها يقترب من‏150‏ الف دولار‏,‏ كما بدا يمنحه اموالا بلاحساب‏,‏ وعندما واجهته وشقيقه الاكبر‏,‏ قال لنا‏:‏ المال مايساوي عندي شيئا‏,‏ ولو قبل لمنحته مالي كله ولكنه يعف وانا الذي اصر علي منحه هذه الهدايا لتيسر له الدعوه في سبيل الله‏.‏


لم يقف الامر عند هذا الحد‏,‏ بل وصل الي غياب ابني عن البيت بالاسابيع‏,‏ بحجه السفر مع هذا الرجل وخاله الي بعض البلدان باسم الدعوه الي الله‏,‏ بعد ان فشلت في الحوار معه‏,‏ دعوت كبار العائله وجلسنا معه‏,‏ ففوجئنا بانغلاق عقله‏,‏ لم يسمع لنا‏,‏ اخبرنا ان المال ماله واذا ضغطنا عليه فسيترك لنا البيت ولن نراه مره اخري‏.‏ دعوت الله ان يزيح عنا هذه الغمه ويرفع عنا البلاء‏.‏ وبدانا نسال عن صديقه وعن خاله‏,‏ فعرفنا ان الاخير ساحر شرير‏,‏ يستعين بالجان حتي يسخر الناس لخدمته‏.‏ وهنا شعرنا بالخطر الذي يحيق بنا‏.‏


نصحنا البعض بالتفاوض مع هذا الرجل ومنحه بعض المال حتي يبتعد عنا‏,‏ فاتفقت مع ابنتي علي ان نفعل ذلك بعيدا عن ابني الاكبر لانه لايومن بهذه الاشياء‏.‏


حددنا موعدا معه دون اخبار ابني الاصغر‏,‏ وواجهناه بما عرفناه عنه‏,‏ وكانت المفاجاه انه لم ينكر‏,‏ بل هددنا بتدميرنا اذا حاولنا ان نبعده عنه‏,‏ وقال لابنتي‏:‏ لقد عملت لك عملا ولن تتزوجي الا اذا اردت انا‏.‏


بعدها‏,‏ فوجئت بابني يعود الي البيت غاضبا‏,‏ بعد ان اخبره باننا عرضنا عليه اموالا كي يبعد عنه‏,‏ واخبرنا انه سيترك المنزل ولن يعود اليه ابدا‏,‏ وعندما حاولت زوجته اثناءه عن ذلك‏,‏ القي عليها يمين الطلاق‏,‏ وخرج ولم يعد‏.‏


عرفنا بعد ذلك انه باع احدي شركاته‏,‏ وانه ترك لصديقه وخاله كل السيارات التي لديه‏,‏ واصبح يركب هو سياره صغيره‏.‏


لم يعد هو ابني الذي ربيته واحتضنته في صدري كل هذه السنوات‏,‏ اغلق قلبه واذنيه‏,‏ ولم يعد يرد علي مكالماتي‏..‏ وبين الفتره والاخري‏,‏ يتصل بي خال صديقه ليهددني وابنتي بالدمار‏.‏ ولا اخفي عنك بان اعراضا مرضيه غريبه تظهر علي ابنتي‏,‏ لم نفهم لها سببا‏,‏ وحار الاطباء في تبريرها‏.‏ وبدانا في التردد علي من يدعون العلاج بالقران وفك الاعمال‏,‏ ودخلنا في متاهه لم نستطع الخروج منها حتي الان‏.‏


سيدي‏..‏ لقد انقطعت اخبار ابني عنا‏,‏ لايسال حتي عن صغيره‏,‏ وفشل العلماء في بلدنا في اقناعه‏,‏ وكلما استعنا بالمسئولين لانقاذه من براثن الدجالين الذين اختطفوه‏,‏ افسد هو محاولاتنا‏.‏


لقد دحل الحزن بيتنا ولم يخرج منه منذ رحيل زوجي‏..‏ قلبي يئن كل دقيقه‏,‏ اشتاق اليه‏,‏ واخشي عليه‏..‏ اشفق علي حفيدي وعلي زوجته‏..‏ اخاف من هذا الشرير الذي يسيطر عليه بعد ان سرقه منا‏..‏ ولا اعرف طريقا لاعادته الينا‏..‏ فهل لديك نصيحه يمكن ان تنير لنا طريقا‏,‏ تعجز عيوننا عن رويه اي بصيص للامل‏..‏ وهل يمكن لساحر يستعين بالجان ان يوذي بشرا مومنين بالله سبحانه وتعالي؟ وهل من الخطا او الحرام ان نستعين باخر لنتقي شره؟‏..‏ اعذرني وانا السيده المومنه اجد نفسي وابنتي في هذا الاختبار الصعب‏,‏ حتي اختلطت علينا المفاهيم والروي ولم نعد نري ما هو الصواب والخطا‏.‏


{{‏ سيدتي‏..‏ هوني عليك‏,‏ فما انت فيه ابتلاء كبير‏,‏ يثير الارتباك‏,‏ ويفجر الحزن في قلب ام تري ابنها وهو يضيع امام عينيها مرتين‏..‏ الاولي كاد يفقد فيها حياته بانغماسه في اللهو والانحراف‏,‏ والثانيه عندما تطرف في الاتجاه الاخر‏,‏ معتقدا عن جهل ان ما يفعله ابتغاء مرضاه الله‏,‏ دون ان يعي حجم ومقدار المعاصي التي يرتكبها‏,‏ والعار الذي يجلبه علي اهله ف الولد الجاهل يشين السلف ويهدم الشرف‏.‏


ان قصتك الطويله والتي اضطررت لاختصار بعضها لظروف المساحه لها بعدان‏,‏ احدهما اجتماعي له علاقه باسلوب تعاملكم الخاطئ مع الابن بعد وفاه والده‏,‏ والثاني يتعلق بالخرافه الشائعه في مجتمعاتنا‏.‏ ففي الاسبوعين الماضيين عرضت من خلال بريد الجمعه صوره للتعامل الجاهل والخاطئ لنا في التعامل مع التكنولوجيا الحديثه‏,‏ واكتشفت ان كثيرين منا يتعاملون مع النت علي انه وسيله لاقامه علاقات غير مشروعه بمبررات مختلفه واهيه‏.‏ وها هي رسالتك تكشف عن وجه اخر لنفس المجتمعات التي مازالت غارقه ومستسلمه لخرافه الجن‏,‏ تلك الخرافه التي تجعلنا نستسلم ونرفع الرايه الييضاء في وجه من يغتالون ايامنا واحلامنا‏.‏


سيدتي‏..‏ لقد لاحظت منذ بدايه رسالتك غياب الابن الاكبر‏,‏ علي الرغم من قولك منذ وفاه زوجك انه لعب دور الاب‏,‏ ولم تلتفتي الي ان كل ما حل بكم حدث منذ غياب الاب‏.‏ ويبدو ان الابن الاكبر اختار دور الاب في رعايه الثروه وتنميتها واغفل دوره الرقابي في متابعه الابن الاصغر المهتز نفسيا بعد وفاه الاب‏,‏ وتفرغت انت لتدليله حتي تخففي من اثر صدمه موت الاب‏,‏ ولو تذكرت قول سيدنا علي بن ابي طالب‏:‏ يجب ان تشفق علي ولدك من اشفاقك عليه ما بالغت في تدليله‏,‏ ولنميت فيه احساس الرجوله والمسئوليه‏,‏ وما سمحت له بمرافقه اصدقاء السوء الذين احاطوه مثل شبكه العنكبوت ودفعوا به الي حافه الموت‏.‏


وها انتم مره اخري‏,‏ وبعد ان نجي الله ابنك مما الم به‏,‏ لم تلتفتوا الي اهميه احتوائه ومساعدته في الانتقال الي الحياه السويه‏,‏ بعد ان عاش سنوات في مستنقع الخطيئه‏.‏ لانه من الطبيعي‏,‏ بعدما واجه الموت‏,‏ ان يتجه الي الشاطئ الاخر من الانحراف‏,‏ الي التطرف الديني معتقدا ان هذا هو طريق النجاه‏,‏ فالتقطته شبكه اخري للعنكبوت من اصدقاء سوء لهم وجه اخر‏,‏ اقنعوه ان مفاتيح الجنه في اياديهم‏,‏ حتي ينهبوا ماله‏,‏ مستغلين غفلتكم وغيابكم‏,‏ وعندما افقتم كانت الكارثه قد حلت‏,‏ لان الابن الصغير فقد عقله او اغلقه والنبي محمد صلي الله عليه وسلم هو القائل‏:‏ لا دين لمن لا عقل له وفي ظل غياب الاثنين لن يستمع الابن الي اي صوت يذكره بواجب طاعتك وحسن معاملتك وحقوق زوجته وابنه‏.‏

في مثل هذا الموقف ليس امامك الان الا الصبر والتضرع الي الله ان يرفع هذه الغمه‏,‏ ولا تجعلي طيور الحزن التي تحلق فوق راسك‏,‏ تعشش في شعرك حفاظا علي افراد اسرتك‏,‏ ولاتحزني علي المال الذي يحصل عليه هولاء الاشرار من ابنك‏,‏ الاهم من ذلك هو عودته اليكم سالما‏,‏ فلا تمنحيهم فرصه استغلالكم لمزيد من ابتزازه‏,‏ واتمني ان يكون للابن الاكبر دور اكثر تاثيرا في المرحله القادمه‏,‏ بان يتقرب الي شقيقه‏,‏ ويبدي له اقتناعا بما يقول ويطلب منه مصاحبته في الخير الذي يفعله‏,‏ لعله ينجح فيما فشلتم فيه‏.‏

اما عن اسئلتك الاخري الحائره ولانها تتعلق بعلوم شرعيه فقد طرحتها علي الداعيه الاسلامي والعالم الازهري الشيخ خالد الجندي فقال‏:‏ انا اومن بالسحر ولا اومن بتاثيره‏.‏ فهو اشبه ما يكون بالمنام الذي تحصل فيه علي اموال وذهب وحدائق‏,‏ ولكن كله خيال لا اساس له من الصحه‏,‏ والدليل من القران الكريم‏,‏ قال تعالي‏:‏ فاذا حبالهم وعصيهم يخيل اليه من سحرهم انها تسعي اي ان السحر محض خيال‏.‏ اما ان هذا الرجل يسخر جنا ليحصل من ابنك علي المال‏,‏ فكان الايسر عليه ان يجعل الجن ياتي له بما شاء من مال وذهب‏,‏ وما اجهد نفسه مع بشر مثله‏,‏ ولكن تذكري ان خيوط العنكبوت ضعيفه لاتحاصر الا من هم اضعف منها‏.‏

سيدتي‏..‏ ان عقل الانسان كالمظله لا يعمل الا اذا انفتح‏,‏ فافتحي عقلك وقلبك واستدعي ايمانك الراسخ بالله‏,‏ حتي لا يخيل لابنتك مقدره هذا الرجل علي ايذائها فتفقديها هي الاخري‏,‏ اعانك الله علي كل هذا البلاء واعاد اليك ابنك مره اخري حتي تعود السعاده اليكم جميعا‏..‏ والي لقاء باذن الله‏.‏

الصــــــدمة ... قصص حقيقيه



{‏ أنا رجل في الأربعينيات من عمري‏..‏ متزوج منذ‏15‏ عاما‏,‏ ولدي طفلان هما كل حياتي‏..‏ كنت أعيش سعيدا هانئا‏,‏ بعملي الناجح‏,‏ وزوجتي الرقيقة الملائكية حتي أسابيع قليلة مضت‏,‏ ثم تحول كل شيء في أيامي إلي النقيض وأصبحت أتعس البشر‏.‏

مشكلتي‏,‏ أو مأساتي بدأت منذ شهرين‏,‏ عندما كنت جالسا مع أصدقائي بالنادي‏,‏ وبيننا مهندس كمبيوتر‏,‏ وحكي لنا أنه اكتشف أن أولاده يدخلون علي المواقع الإباحية علي الإنترنت‏,‏ بعد أن وضع برنامجا علي الجهاز يرصد ويسجل المواقع التي يدخل عليها أبناؤه‏,‏ والمحادثات التي يجرونها‏,‏ وهذا البرنامج ساعده علي كشف مايفعلونه‏,‏ ومكنه من إنقاذهم‏..‏ وبدأ كل منا يدلي بدلوه حول تصرفات أبناء هذا الزمان‏,‏ وأننا مهما فعلنا لتربيتهم التربية الصحيحة‏,‏ فإن هناك عوامل أخري تتدخل في التربية‏,‏ ونعجز عن محاصرتها‏.‏


وكان رأيي أن التربية السليمة المبنية علي الدين الصحيح‏,‏ والصداقة بين الوالدين والأبناء هي خير عاصم‏.‏ واستشهدت علي ذلك بعلاقتي مع ابني المتفوقين في الدراسة والرياضة‏,‏ وكيف أنني أعاملهما كرجلين‏,‏ وأسمح لهما بطرح أي أسئلة لأرد عليهما أنا وزوجتي في إطار أخلاقي وديني حتي أجنبهما أي معلومات خاطئة‏,‏ واعترفت لهما بأن زوجتي تلعب الدور الأكبر في رعاية ابني‏,‏ وتتابعهما في النادي كما في البيت‏,‏ وتكافئهما علي التزامهما بالصلاة في مواقيتها‏.‏ ويومها أنهيت كلامي برفضي لفكرة التلصص علي الأبناء‏,‏ خوفا من اكتشافهما هذه المراقبة‏,‏ فينكسر جدار الثقة بيننا‏.‏

إنصرفت مقتنعا بما قلته‏,‏ وإن كان بداخلي صوت آخر من خاف سلم ومن يدريني ألا يتأثر ابن لي بصديقه‏,‏ أو يدخل علي واحد من هذه المواقع بطريق الخطأ‏,‏ فينجرف بعيدا عن رقابتي وعن عيون زوجتي‏.‏

في الصباح‏,‏ اتصلت بصديقي وطلبت منه أن يعد لي نسخة من هذا البرنامج‏,‏ ومررت عليه بعد الظهر في عمله وأخذتها منه‏.‏ وقررت ألا أخبر زوجتي حتي لا أثير قلقها علي الأبناء‏,‏ أو تخطيء فتخبرهما بما فعلت فيغضبا مني أو يتحايلا علي البرنامج‏,‏ فهما في سن حرجة‏,‏ قد تدفعهما إلي المغامرة والتحدي‏.‏

في المساء‏,‏ انتظرت حتي نام الجميع‏,‏ وجلست أمام جهاز الكمبيوتر وحملت البرنامج عليه‏,‏ ونمت قرير العين‏.‏

نسيت أو تناسيت الموضوع لعدة أيام‏,‏ ثم قررت أن أطل علي الجهاز حتي يطمئن قلبي‏,‏ ولكن الأقدار كانت تخبيء لي ما سيدمر هنائي ويحزن قلبي‏.‏ الصدمة ياسيدي‏,‏ أن ابني لم يدخلا إلي هذه المواقع ولم يرتكبا إثما‏,‏ لكنها‏,‏ زوجتي المصون هي التي كانت تفعل ما لم أصدقه حتي الآن‏.‏

زوجتي ذات المركز المرموق‏,‏ الطاهرة‏,‏ العفيفة‏,‏ الملتزمة‏,‏ أم أبنائي‏,‏ كانت تتحدث عبر النت مع رجل آخر‏..‏ ليست دردشة‏,‏ ولا صداقة‏..‏ تقول له إنها تحبه‏,‏ ولاتطيق زوجها ـ الذي هو أنا ـ وهو الآخر كان يعبر لها عن حبه‏.‏ لم أصدق نفسي‏,‏ فقدت صوابي‏..‏ لماذا‏,‏ متي‏,‏ ومع من؟

سيدي‏..‏ لست زوجا تقليديا‏,‏ لا أسمعها الكلمات الجميلة‏,‏ أو أهمل مشاعرها‏,‏ أو أقصر في التزاماتي تجاهها‏.‏

كانت تقول إني زوج مثالي‏,‏ وإنها سعيدة وهانئة معي‏,‏ بل كانت تخشي علي من النساء‏,‏ وعلي حياتنا المستقرة من الحسد‏.‏

لماذا سؤال طرحته علي نفسي مئات المرات‏,‏ فتشت عن اجابة ولم أجد‏..‏ ليس لديها فراغ حتي تبحث عن ملئه‏,‏ فعملها ومسئولية الابنين وهما علي أعتاب مرحلة الشباب‏,‏ لا يتركان فرصة للاحساس بالملل والفراغ‏.‏ ولست قاسيا أو غائبا حتي تستبدل بي آخر‏,‏ حتي لو عبر النت‏.‏

سيدي‏..‏ قضيت ليلتي في غرفة المكتب‏,‏ لا أطيق الدخول إليها في غرفة نومي‏,‏ لا أعرف ماذا يجب أن أفعل‏..‏ توضأت وصليت الفجر وبكيت طويلا فاسترحت قليلا‏,‏ وحسمت أمري بألا أخبرها الآن بشيء‏,‏ وقررت مراقبة الكمبيوتر لمدة أسبوعين‏,‏ لعل هناك خطأ ما‏..‏ لعلها مغامرة طارئة‏.‏

بعد الأسبوعين‏,‏ لم يتغير شيء‏,‏ زوجتي تخونني مع رجل آخر عبر النت‏,‏ لم يكن هناك في الحوارات المسجلة ماينبيء بأن بينهما لقاءات‏,‏ وإن لم يكن فيها ماينبيء بعكس ذلك‏.‏

زوجتي التي قضيت معها‏15‏ عاما من عمري‏,‏ كاذبة‏,‏ ممثلة‏,‏ شيطانة وليست ملاكا كما كنت أظن‏.‏

انتهزت فرصة غياب ابنينا عن البيت‏,‏ وواجهتها بخيانتها‏,‏ فانتفضت وغضبت كذبا‏,‏ وعندما استمعت إلي التسجيلات‏,‏ بكت وادعت الانهيار‏,‏ وأقسمت بأغلظ الايمان أنها كانت غلطة لن تتكرر‏,‏ وساقت لي مبررات واهية لم تؤثر في ولم أقبلها‏.‏ فقلت لها ان علاقتنا انتهت وأني سأحضر المأذون في الصباح حتي ينتهي الأمر في هدوء حتي لا يعرف الولدان فندمر مستقبلهما‏,‏ فتقبلت قراري راضخة واجمة‏.‏


في الصباح‏,‏ كنت أستعد للخروج لاحضار المأذون‏,‏ فوجئت بالولدين يطلبان مني أن أوصلهما إلي المدرسة لمعرفة النتيجة‏,‏ وعند باب المدرسة وجدنا زملاءهما يهنئونهما بحصولهما علي المركز الأول‏.‏ وسط فرحة الولدين وتهليلهما‏,‏ غرقت في التفكير‏,‏ كيف لي أن أسرق فرحتهما؟‏..‏ وهل سيحافظان علي تفوقهما بعد تطليقي أمها؟‏..‏ وماذا سأقول لهما عن سبب الطلاق؟

عدت معهما إلي المنزل‏,‏ احتضنتهما زوجتي وبكت‏,‏ اعتقدا أنها دموع الفرح‏.‏

لا أعرف لماذا فعلت ذلك‏,‏ دخلت معها إلي غرفة النوم‏,‏ وقلت لها إني لن أطلقها من أجل الولدين‏,‏ وإن كان حبها قد مات في قلبي إلي الأبد‏.‏

سيدي‏..‏ لا أعرف كيف أصف لك شعوري منذ ذلك اليوم‏..‏ تغيرت تماما‏,‏ لم أعد أضحك في البيت أو في العمل‏..‏ أصبحت أكره رؤية وجهي في المرآة حتي لا أري ذلك الجبان الذي ضحي بكرامته من أجل ولديه‏.‏

حتي ولداي أصبحت لا أطيق النظر إليهما‏,‏ أشعر بأنهما نقطة ضعفي‏,‏ وسبب هواني وذلي‏.‏

كل ليلة أدعو الله أن تموت زوجتي لتزيح عني هذا الكابوس‏..‏ فهي بالنسبة لي ميتة‏..‏ أخشي علي ابني من مواجهة الحقيقة‏,‏ وفي الوقت نفسه أشعر بأني أصبت بأمراض نفسية وأحتاج إلي طبيب‏,‏ لأني في حاجة إلي عودة إحساسي باحترامي لنفسي‏,‏ وعودة مشاعري الطبيعية تجاه أبني‏.‏


هل كان قراري صائبا؟‏..‏ هل أخطأت؟‏..‏ أسئلة كثيرة تحاصرني ولا أعرف لها اجابة‏..‏ فهل أجد لديك ولدي أصدقاء بريد الجمعة مايساعدني علي تجاوز هذه المحنة؟‏!‏

{‏ سيدي‏..‏ أقدر جيدا احساسك بالصدمة‏,‏ فما أقسي تلك اللحظة التي نكتشف فيها أن سعادتنا التي عشناها سنوات كانت وهما‏,‏ وأن الذين أحببناهم واعتقدنا أنهم يحبوننا‏,‏ لا يستحقوا حبنا‏.‏

احساس قاتل يصيب الرجل عندما يكتشف فجأة ودون مقدمات أن التي نامت في أحضانه سنوات‏,‏ أسمعته حلو الكلام‏,‏ أشادت برجولته وكرمه‏,‏ وربت أبناءه خير تربية‏,‏ تخونه مع رجل آخر‏,‏ لا تعرفه‏,‏ لم يجلس بجوارها وهي مريضة‏,‏ لم يشاركها أيام الشقاء ولا الأحلام الصعبة‏..‏ لم يحضر معها أحلي لحظات عمرها‏,‏ منذ لحظة زفافها وحتي انجابها‏,‏ وفرحها بنجاح أبنائها‏.‏ هل هناك امرأة عاقلة تضحي بكل هذا‏,‏ أو تهدم كل حياتها في لحظة ضعف اشتاقت فيها إلي مغامرة‏,‏ أو أحست بفراغ فملأته بخيانة الكترونية؟

سيدي‏..‏ لدي في بريدي‏,‏ عشرات من مشاريع الخيانة الالكترونية‏,‏ والحقيقة أن أغلب أبطالها من الرجال‏,‏ نساء يشكون من أزواجهن بسبب علاقات غريبة عبر الانترنت‏,‏ بعضها يقف عند حد التواصل عبر الشاشة‏,‏ وبعضها يمتد إلي ما هو أكثر من ذلك‏,‏ وهذا يعني أن جيل الآباء هو الذي يحتاج إلي رقابة لأنه لم يكن مؤهلا أو مستوعبا لهذه التكنولوجيا التي يجيد أبناؤنا استغلالها أفضل منا‏.‏

عودة إلي رسالتك المؤلمة أقول لك انني متوقف بدهشة أمام تصرف زوجتك‏,‏ فإذا كانت سعيدة هانئة معك كما قلت‏,‏ تحسد نفسها عليك وتراك زوجا مثاليا‏,‏ فلماذا تخونك؟‏..‏ وكيف لامرأة صالحة تعلم أولادها الصلاة وحفظ القرآن‏,‏ وتدفع بأبنائها إلي التفوق كل عام ترتكب مثل هذا الخطأ؟ تناقض يثير في نفسي الشك في تفاصيل حكايتك‏,‏ وأخشي أن يكون هناك ما تخفيه في علاقتكما تحت تأثير الغضب‏,‏ لأنه نار يخفي دخانها ما تأكله‏.‏

فإذا كنت مستريحا لما ذكرته في رسالتك‏,‏ فدعني أذكرك بأن الزواج نصيب قد يكون رابحا أو خاسرا‏,‏ ووقتها إما أن نكمل الرحلة‏,‏ أو يذهب كل في طريقه‏,‏ فلا يصم الرجل أو يسيء إليه أن زوجته خائنة‏,‏ وكذلك المرأة مع الرجل الخائن‏.‏ فهي ليست علي اسمك‏,‏ مثل أمك أو أختك أو ابنتك لن تستطيع من جريمتها هربا‏,‏ زوجة خائنة طلقتها‏,‏ ولكن هل زوجتك خائنة؟‏..‏ وهل يمكن أن تصفح عنها وتغفر لها‏,‏ أم أنك ستقضي حياتك في شك دائم؟


منذ سنوات بعيدة استعان بي زميل لمساعدته في تطليق زوجته بعد أن ضبطها تخونه مع جاره‏,‏ واتفقا علي أن يأخذ هو الأبناء وتم الطلاق‏,‏ وفرقتنا الأيام‏,‏ وبعد أكثر من عشر سنوات التقيته وسألته عن أخباره‏,‏ فقال انه رد زوجته مرة أخري‏,‏ وبرر ذلك‏:‏ بأنه هو الآخر كان يخونها‏,‏ وأن ما حدث كان عدلا‏,‏ وأن الله يغفر الذنوب جميعا‏,‏ فلماذا نقسو نحن البشر ولا نقبل المغفرة؟

أقول لك تلك الحكاية لأذكرك بأن قدرات الإنسان متفاوتة من شخص لآخر‏,‏ فما ترضي به‏,‏ لا يقبله غيرك‏.‏ وأنت لا تملك دليلا علي خيانة زوجتك‏,‏ نعم ما فعلته خيانة‏,‏ ولكن إذا أيقنت أنها لم تزد علي دردشة عبر النت فهل يمكنك أن تغفر لها وتمنح أسرتك فرصة جديدة؟‏..‏ إذا كانت اجابتك نعم‏,‏ فاصفح صفحا جميلا‏,‏ وابدأ من جديد دون أن تعذب نفسك أو تعذبها وتدمر ابنيك‏.‏


أما إذا لم تستطع لا يكلف الله نفسا إلا وسعها‏,‏ فأنه هذا الأمر فورا ولا تجعله معلقا معذبا للجميع‏,‏ فمثل هذه العلاقة مع احساسك المدمر لن يصيبك وحدك بالمرض النفسي‏,‏ بل سيدمر أيضا ابنيك وأمهما‏.‏

سيدي‏..‏ البتر لعضو قد يكون فيه انقاذ لباقي الجسد‏.‏ والاختيار مؤلم لكنه قد يكون الأنسب‏,‏ وأنت الوحيد الأقدر علي الاختيار بين الحلين‏,‏ ولن أذكرك بأن تحرص علي تجنيب ابنيكما تلك التفاصيل المؤلمة‏,‏ فقد تنجو أنت وهي وتبدآن من جديد‏,‏ أما هما فقد يحيل هذا الشرخ مستقبلهما إلي جحيم‏.‏ واعتقد أنك ـ بما فعلت وضحيت من أجلهما ـ لن تقبل بذلك أبدا‏,‏ وتذكر أن من ستر عبدا في الدنيا ستره الله يوم القيامة‏.

بيت بلا نوافذ ... قصص حقيقيه



سيدي‏..‏ كلما قرأت في بريد الجمعة رسالة من رجل يتحدث فيها عن حقه في الزواج الثاني‏,‏ لان زوجته سيئة الطباع او لرغبته في تجديد شبابه وحياته مع فتاة صغيرة‏,‏ متذرعا مرة بان هذا هو شرع الله‏,‏ ومرة اخري شفقة علي النساء بعد ان تزايدت أعدادهن وتأخر سن الزواج‏.‏ كلما قرأت او سمعت هذه الكلمات اتحسس حالي واتساءل وماذا عن حقي انا وحق امثالي من النساء؟ أليس لنا حق في ان نلحق بما تبقي من حياتنا لنعوض الايام السوداء التي عشناها مع امثال هؤلاء الرجال؟


أنا سيدة عمري‏55‏ عاما تزوجت منذ‏30‏ عاما من رجل كانت تتمناه اي فتاة في مثل عمري‏,‏ فهو شاب في وظيفة مرموقة‏,‏ محدد مستقبله سلفا‏,‏ تمتاز بالانضباط والدقة والطاعة‏,‏ كان وقتها يكبرني بعشرة اعوام وكنت مبهورة بزيه واناقته حتي انني في فترة الخطوبة كنت احب الخروج معه بزيه الرسمي لأري الاعجاب والاحترام في عيون الاخرين‏.‏


مرت شهور قليلة‏,‏ وتزوجنا في عرس مبهر حضره شخصيات مهمة‏,‏ ليلة شعرت فيها بأني اسعد نساء الارض وعاهدت الله علي ان اسعد هذا الرجل وأعيش في خدمته وعلي طاعته كما اسعدني وأرضي احساسي كفتاة اختارها من بين كثيرات كن يتمنين شابا مثله‏.‏


كانت ليتنا الاولي في فندق كبير بعيدا عن الاهل والاصحاب‏,‏ وكانت تلك الليلة هي البداية الحقيقية لاكتشاف شريك حياتي المقبلة‏,‏ نعم لم اتوقف كثيرا امام تصرفاته يومها ولكني استعدت ما حدث يومها مرارا وتكرارا علي مدي الأعوام الثلاثين التي قضيتها معه‏.‏

فلم تغادر اذني اول جملة اسمعها من زوجي بعد ان أغلق علينا باب واحد‏.‏

توجه الي الفراش جلس علي طرفه مد إلي قدميه وقال لي في صيغة آمراة‏:‏ قلعيني واخلعي هدومك صمت لحظات كي استوعب ما يقول طننت انه يداعبني او يمارس دور سي السيد معي ولكن قلبي انقبض وشعرت بخوف غريب عندما علا صوته وفيه رنة غضب‏:‏ انت ما سمعتيش ولا ايه‏..‏ ذهبت بفستان زفافي وجلست تحت قدميه أخلع له حذاءه ثم ملابسه وفسرت الامر علي انه يريد ان يدبح لي القطة‏,‏ من الليلة الاولي فقلت لنفسي ولما لا‏,‏ القطة مذبوحة بداخلي منذ قبلته اول رجل في حياتي‏.‏


لا احب ان افيض في تفاصيل تلك الليلة لان كل ما حدث فيها يؤلمني نفسيا لكن يمكن اختصارها لك في جملة واحدة‏,‏ جملة كانت هي القاسم المشترك في كل حياتي التي اتت بعد ذلك ليلة الاوامر‏.‏


فزوجي يمارس حياته في بيته كما يمارسها في عمله‏,‏ الفرق الوحيد انه في عمله كما يصدر الاوامر يتلقاها وينفذها دون تفكير او نقاش اما في بيته فهو يصدر الاوامر فقط‏.‏


كلمته لاتنزل الارض ابدا‏,‏ حتي هذه الجملة ظلم كبير لي‏,‏ لاتوجد حتي فرصة للتساؤل هل تطلع كلمته او تنزل الارض فكلامه لايرد ولايناقش‏.‏

كنت اخشي قبل ان التقي به ان اتزوج رجلا بخيلا او قاسيا‏,‏ خائنا او خانعا‏..‏

فمنحني الله رجلا له صفة تغيب دائما عن خيال البنات الرجل الآمر فما اصعب ان تعيش حياة كل ما فيها يبدأ بفعل امر‏..‏ ما أصعب ان تلغي شخصيتك ووجهة نظرك وتبتلع رأيك‏,‏ وليس امامك قبول رأي الاخر فقط بل عليك أيضا ان تبدي إعجابك به‏.‏

هكذا ـ سيدي ـ بدأت حياتي واستمرت ولاني كنت صغيرة وتجاربي محدودة كتمت سر حياتي ولم اخبر به احدا من اهلي‏,‏ ورضيت بالحصار الذي فرضه علي‏..‏ منعني من العمل علي الرغم من اني احمل مؤهلا علميا في تخصص مطلوب‏..‏ وحدد لي الصديقات اللاتي يجب أن أتحدث إليهن أو ألتقي بهن‏,‏ وإن كان حريصا علي عدم خروجي بمفردي‏,‏ خاصة الأيام التي كان يغيب فيها أسابيع بحكم وظيفته‏,‏ وعندما يعود يفتح لي محكمة‏,‏ من اتصل بي‏,‏ وبمن اتصلت‏,‏ ومن زارني من أهلي وحول ماذا كان الحديث؟‏..‏ لا يمكن أن تتخيل أنه لم يكن يعطني الفرصة حتي أقول له وحشتني‏,‏ بل كان يبادرني‏:‏وحشتك طبعا‏.‏

سيدي‏..‏ لا تتصور أنني أرسم صورة بغيضة لزوجي‏,‏ انتقاما منه أو غضبا عليه‏,‏ إنها الحقيقة التي تحملتها وحدي سنوات طويلة مع أبنائي‏,‏ وعندما استفزتني رسائل الرجال الباحثين عن حياة جديدة‏,‏ كتبت حتي لا أنفجر‏.‏


وحتي لا أطيل عليك‏,‏ وتسرقني التفاصيل المتشابهة‏,‏ سأصل معك إلي النتائج‏,‏ لقد أنجبنا ثلاثة من الأبناء تتراوح أعمارهم الآن ما بين‏24‏ و‏28‏ عاما‏,‏ ابنتان وولد‏.‏


ما عانيته مع زوجي‏,‏ عاناه أبناؤنا‏..‏ فرض علي البنتين الحجاب منذ أن كان عمرهما‏9‏ سنوات‏,‏ صور لهما أن الذئاب تنتظرهما في الخارج‏,‏ حرمهما من ممارستة طفولتهما‏,‏ حدد لهما ـ كما فعل معي ـ صديقاتهما‏,‏ بعد عمل تحريات عن أسرهن‏.‏ أما ابني آخر العنقود‏,‏ فكان يشحذه للمستقبل يصب في أذنيه مفاهيم غريبة‏:‏إنت راجل‏,‏ والرجل كلمته ماتنزلش الأرض‏,‏ الست عقلها ناقص‏,‏ وضلعها أعوج لا يستقيم إلا بالقهر‏..‏ كنت أحاول من ناحيتي أن أنقذ ما يمكن انقاذه‏..‏ استغل فرص سفره في عمله‏..‏ لأحتضن أطفالي‏,‏ وأدير معهم حوارات تقنعهم بأهمية احترام الرأي الآخر‏,‏ وأن الحياة ليست غابة‏,‏ وأن الإنسان منا يتعلم كي يتفادي السيئين‏,‏ ويستطيع اختيار الأفضل في حياته‏.‏


عانيت كثيرا لأصلح ما يفسده‏,‏ ودفعت أثمانا باهظة لما أفعله‏,‏ فكان يهينني ويتوعدني كلما سأل ابننا عما أقوله لهم في غيابه‏,‏ بعد أن جعله مخبرا علينا‏,‏ فيجمعهم مرة أخري ليسفه من آرائي‏,‏ ويعيدهم إلي حظيرته‏.‏


وحتي لا تتهمني بالتخاذل والسلبية‏,‏ غضبت خوفا علي أبنائي‏,‏ وتركت له البيت لعله يرتدع أو يراجع نفسه‏,‏ فما كان منه إلا مزيد من الاستبداد‏,‏ ومنعني من رؤية أبنائي أو الاتصال بهم‏,‏ ولم يسمح لي بالعودة إلا بعد أن اعتذرت له أمام أسرتي وأملي علي إعلان ندمي وتوبتي عما اقترفت في حقه‏.‏


عشت في هذا السجن متحملة سياط السجان من أجل أبنائي‏,‏ وكان هو كلما ترقي في عمله‏,‏ ازداد غرورا وبطشا‏.‏


ويبدو أن الإنسان منا عندما يعترض علي ما هو فيه ولا يرضي به‏,‏ يبتليه بما هو أشد وأقسي‏,‏ ليبدو الماضي الأليم‏,‏ نعيما مقيما مع هو آت‏..‏ فقد خرج زوجي من الخدمة‏,‏ ليصبح مثل الأسد الجريح ـ أتذكر الآن فقط‏,‏ أحمد زكي وميرفت أمين في فيلم زوجة رجل مهم ـ جعلنا بديلا عن عمله‏,‏ رفض أن يعمل في وظيفة أخري‏,‏ جلس معنا يعد علينا الانفاس والكلمات‏,‏ حتي أصيب أبنائي بالاكتئاب‏,‏ وأصبحت أدخل عليهم غرفهم‏,‏ لأجدهم في حالة بكاء عنيف‏.‏

ذهبت إليه‏,‏ جلست تحت قدميه‏,‏ رجوته‏,‏ أن يعفو عنا‏,‏ فنحن نحبه وليس لنا إلا هو‏,‏ ولكن كيف يمكن لمثل هذه الكلمات أن تؤثر فيه‏,‏ وهو مقتنع كل الاقتناع أنه أفضل زوج وأروع أب‏,‏ ولولاه ما كان حالنا هكذا‏.‏


ليس لدي أي رغبة في ذكر محاسن زوجي‏,‏ بزعم الموضوعية‏,‏ فلتذهب كل المحاسن ـ من عينة أنه كريم وخدوم و‏..‏و إلي الجحيم‏,‏ أمام ما عانيته وأبنائي‏,‏ فنحن وحدنا نحس به‏.‏


سيدي‏..‏ تخرجت ابنتاي من الجامعة‏,‏ وتزوجتا بعد معاناة‏,‏ وبعد رفض العديد من العرسان بسبب تعنته‏,‏ ومنذ زواجهما وهما لا يحبان زيارتنا ويشعران بانهما عائدتان إلي السجن‏..‏ نحن نذهب إليهما‏,‏ وأشعر بنظرات الشماتة في عيونهما وهما يرصدان انكسار ابيهما بفعل الزمن‏,‏ ولأنهما خرجا من تحت سيطرته‏.‏


أما ابني الصغير‏,‏ فقد انهي جامعته منذ عامين وأعد عدته‏,‏ واقتنص أول فرصة للهروب وسافر خارج مصر‏.‏


وحدي أنا وهو‏,‏ الأسد المنكسر‏,‏ وجها لوجه‏,‏ أتلذذ وأنا أراه وحيدا‏,‏ لا أجلس معه إلا نادرا‏,‏ أعد له الطعام ولا أتناوله معه‏..‏ أنام في غرفة منفصلة‏,‏ ولا أشعر بأي تعاطف تجاهه‏..‏ بل وحتي أكون صادقة يحاصرني كثيرا إحساسي بالكره له ولأيامي ولعمري الذي ضاع في سجن هذا الرجل‏.‏


فكرة واحدة تحاصرني‏,‏ منذ أن لمست في الكثير من الرسائل التي تنشرها‏,‏ أن أنانية الرجل واحدة‏,‏ تختلف الأساليب وتلتقي في الهدف‏..‏ أسأل نفسي وأحرضها‏:‏ ما الذي يبقيني مع هذا الرجل؟‏..‏ لماذا لا أجعله يعيش وحيدا يتجرع من كأس العذاب الذي أذاقه لنا؟‏...‏ أليس من حقي أن أطلب الطلاق أو أهجره أو حتي أخلعه‏,‏ حتي أعيش ما تبقي لي من عمر هانئة هادئة‏,‏ بعد أن ضحيت كثيرا من أجل أبنائي؟‏..‏ أم أنني وقتها سأكون في نظر الرجال‏,‏ امرأة جاحدة‏,‏ تخلت عن رجلها بعد أن أدي رسالته‏,‏ وذهبت لأبحث عن حقي في الحياة‏,‏ بعد كل ماضاع؟‏.‏


سيدي‏..‏ إن المرارة والغضب والانتقام تحاصرني‏..‏ ولا أعرف كيف الطريق إلي السلام النفسي والرضا‏..‏ فهل لديك ما تقوله لي؟‏!.‏

‏ سيدتي‏..‏ أجد نفسي في حيرة وأنا أمام ثلاثين عاما من العذاب والألم‏,‏ وكأني أري تاريخ حياة عائلة من ثقب ضيق لبيت بلا نوافذ ولا أبواب‏.‏

هل هو الغضب الذي يشتغل فجأة بداخلنا فيلتهم كل عود أخضر‏,‏ ويعمي أبصارنا عن لحظات سعادة في حياتنا‏,‏ أم أن العمر كله كان دمعة كبيرة؟

هل يجب علي أن أقبل ما قلته‏,‏ ومن زاوية الرؤية التي اخترتها‏,‏ كي أناقش معك رحلة حياة امتدت كل هذا العمر‏,‏ وشارك في صياغتها أكثر من خمسة أفراد؟‏...‏ أم ستقبلين أن أطل معك من زاوية رؤية مختلفة؟

زاوية تبدأ منذ اختيارك لشريك حياتك‏,‏ هذا الشاب اليافع‏,‏ ذوالمنصب والزي المبهر‏,‏ ولم يشغلك أو يلتفت إليه الأهل عند قبوله‏,‏ هو السؤال عن تدينه وتقواه‏,‏ فإذا أحبك أكرمك‏,‏ وإذا أبغضك لم يظلمك‏..‏ كذلك يغفل الكثيرون السؤال عن السلوك الشخصي والثقافة الاجتماعية لهذا الزوج المحتمل‏,‏ فينبهر الجميع بالشكليات البراقة‏,‏ يجري خلفها‏,‏ متغاضيا عن باقي جوانب الصورة‏.‏


تلك الرؤية الضيقة لاختيارك في بداية العمر‏,‏ هي التي تجعلني قلقا في قبول رؤيتك القاسية والمؤلمة لزوجك ووالد أبنائك‏,‏ وهذا لا يعني وجود احتمالية صدق روايتك‏,‏ ومع هذا الاحتمال سأقول لزوجك وكل زوج وأب يعتقد أنه يحتكر الحكمة والمعرفة‏,‏ ولا يثق في أن المرأة شريك حقيقي‏,‏ وأن النبي صلي الله عليه وسلم كان يشاور أصحابه‏,‏ وهو الصادق الأمين المنزه عن الهوي‏,‏ ومرة أخري أكرر أن تخويف الأبناء وعزلهم عن الحياة يعرض مستقبلهم للخطر‏,‏ ويفقدهم ثقتهم في أنفسهم‏,‏ ومقدرتهم علي المواجهة‏..‏ فالأولاد بحاجة إلي نماذج أكثر منهم إلي تقاد ومنظرين‏..‏ والحكمة العربية تقول‏:‏ أكرم أسرتك فهي العدة عند الشدة‏,‏ وأعلم أن من يخلع ثوبه يمت من البرد‏.‏


إن مثل هذا الزوج الذي نقل عمله إلي بيته‏,‏ وأساء إلي زوجته منذ الليلة الأولي وكسر نفسها لم يسمع قول سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم‏:‏ استوصوا بالنساء خيرا وكما كانت جذور حياته مع أسرته مرة جاءت ثمارها أيضا مرة‏..‏ فما جدوي الحياة إذن؟‏.‏


لا أريد أن أزيد في الحديث عن زوجك‏,‏ لأن ما ذكرته في رسالتك‏,‏ كاف لإيقاظ أي غافل أو مستبد مع أهله‏,‏ وأنت ياسيدتي‏,‏ تحملت الكثير‏,‏ وقبلت الاستمرار في هذه الحياة القاسية‏,‏ وأنا لست من أنصار قبول العذاب من أجل حماية الأبناء‏,‏ لأنك تلمسين حجم الضرر الذي وقع علي أبنائك الذين خرجوا للحياة بنفوس مرهقة مشوشة ومشاعر غير طبيعية تجاه الاسرة وتجاه المجتمع‏..‏ هذه النتيجة ساهمت فيها أنت مع زوجك‏,‏ بإنجابك ثلاث مرات‏,‏ دون أن تسألي عن مصير ومستقبل هؤلاء الابناء‏,‏ أو تسألي لماذا تواصلين غرس جذور العائلة في أرض مالحة؟

ولكن مثل هذا الكلام لن يجدي الآن‏..‏ أنت الآن في حالة غضب شديد ويحاصرك التفكير في الانتقام‏..‏ لذلك اقترح عليك ألا تقدمي علي أي خطوة وأنت تحت تأثير الغضب‏,‏ تخلصي منه أولا‏,‏ لأن الغضب ريح قوية تطفئ مصباح العقل‏..‏ والمثل التركي يقول‏:‏ الدم لايغسل بالدم‏,‏ بل بالماء‏..‏ ولذة الانتقام لن تحقق لك السعادة‏,‏ فهي لاتدوم سوي لحظة‏,‏ أم الرضا الذي يوفره العفو فيدوم إلي الأبد‏.‏

سيدتي‏..‏ لا أحرضك علي اتخاذ قرار أراه مناسبا‏,‏ بل أدعوك إلي تطهير روحك من هذه الأحاسيس الغاضبة أولا وبعدها افعلي ما شئت‏,‏ وتذكري ان الشجرة لاتحجب ظلها حتي عن الحطاب‏..‏ ولغاندي العظيم قول رائع‏:‏ إذا قابلت الإساءة بالإساءة‏,‏ فمتي تنتهي الإساءة‏.‏


فإذا تطهرت روحك‏,‏ وشعرت بصفاء نفسي‏,‏ واحتسبت ما تحملته عند الله متذكرة أن مازاد الله عبدا بعفو إلا عزا‏,‏ فعليك بعدها أن ترصدي زوجك‏,‏ هل تغير‏,‏ هل ندم علي اسلوبه معكم‏,‏ هل هناك أمل في أن يكون شريكك فيما تبقي من عمري؟‏..‏ إذا جاءتك الاجابات واضحة ومريحة‏,‏ فعليك قبول الاستمرار فيما بدأته ودفعت ثمنه‏,‏ أما إذا وجدت غير ذلك فلك أن تختاري ما ترين فيه سعادتك‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏

جحـود امـرأة ... قصص حقيقيه



تابعت في الفترة الأخيرة تعدد الخطابات المنشورة بالبريد التي تطرح موضوع الجحود وعدم الوفاء بين الزوجين وأعتقد أن حكايتي جديرة بأن تروي في هذا السياق‏.‏


أنا مهندس ورجل أعمال في الرابعة والخمسين من عمري الآن ومنذ طفولتي تربطني وأمي وأبي رحمه الله علاقة خاصة وحب متبادل مع أحد أخوالي ـ رحمه الله ـ وزوجته لدرجة أنه عندما رزقه الله بمولودة خطبها لي والدي وقرأ فاتحتها وهي مازالت في اللفة وأنا في التاسعة وسط فرحتنا وسرورنا جميعا‏,‏ ومع مرور الزمن كان كل منا يري الآخر برؤية خاصة تزداد توثقا علي مر السنين‏,‏ حتي أنها وهي طفلة تشاجرت مع قريبة داعبتها بأنها ستلد بنتا لتزوجني منها‏,‏ وكنت أنا أرعاها رعاية خاصة باعتبارها خطيبتي وستكون عروسي عندما يأتي الأوان‏,‏ وفي أعياد الميلاد كنا نتبادل هدايا ذهبية تأكيدا لهذه العلاقة‏,‏ وبعد وفاة والدي رحمه الله ظللت وفيا للفاتحة التي قرأها مع خالي ومتمسكا بها رغم ما كنت ألقاه أحيانا من سخرية أقراني في العمر‏,‏ وعندما بلغت هي السادسة عشرة أسرت والدتها لأختي بأنها ترغب في تزويجها صغيرة وأن الخطاب قد بدأوا يطرقون بابهم‏,‏ فتحدثت مع عروسي التي أبدت الموافقة فخطبتها من والدها وتزوجنا بعد عام عندما أنهت الثانوية العامة بتفوق وبمجموع كبير‏,‏ وكنت في هذا الوقت أعمل بإحدي دول الخليج‏,‏ وعرضت عليها أن تنتسب لإحدي الكليات وتسافر معي‏,‏ أو تدرس


دراسة خفيفة بالجامعة الأمريكية‏,‏ إلا أن والدها طلب مني أن أسمح لها بدخول كلية الطب التي هي أمله وأملها‏,‏ وقد كان لهم ما طلبوا‏,‏ وستظهر الأيام أن هذا أول أخطائي‏,‏ وكانت تأتي لزيارتي في الإجازة الصيفية‏,‏ وآخذ أنا إجازتي في الشتاء لأقضيها معها في مصر‏,‏ ورزقنا الله في هذه الفترة بابنتنا الجميلة‏,‏ ولم أطق صبرا علي البقاء بعيدا عن أسرتي فقطعت فترة عملي بالخليج وعدت إلي مصر لأبقي بقربهم وربما كان هذا ثاني أخطائي‏,‏ وغني عن الشرح أن زوجة تحمل أعباء بيت وزوج وطفلة وفي الوقت نفسه تدرس بكلية الطب تحتاج إلي فهم وتعاون وإنكار ذات من زوجها وتسخير لوقته وجهده وأعصابه وماله لتستطيع تحقيق ذلك‏,‏ وقد كنت لها مثال الزوج المحب الراعي المتفهم طوال دراستها مما أتاح لها التفوق في هذه الدراسة‏,‏ وأظهرت الأيام أن هذا كان استمرارا لمسلسل الأخطاء وقد كان خالي وزوجته يبشراني دائما بأن زوجتي ستعوضني بكل ما فعلته معها عندما تتخرج‏,‏ ومرت فترة الدراسة بحلوها ومرها لتنتهي بتخرجها بتفوق واختيارها ضمن جهاز التدريس بالكلية‏,‏ ولم أشأ أن أقف أمام طموحها ومستقبلها وكان الله قد رزقنا بابننا الثاني فوقفت خلفها أساندها بكل ما أملك لتحصل علي

الماجستير ثم الدكتوراه‏,‏ وسافرت أكثر من مرة للتدريب بالخارج أو لدورات أو مؤتمرات‏,‏ ورغبت في عمل ماجستير آخر للتخصص الدقيق‏,‏ وكنت أيضا خلفهما باذلا الجهد والوقت والمال من أجلها ومؤجلا تحقيق بشري خالي وزوجته تعويضا لي عن ذلك إلي أن تحقق طموحها‏,‏ ليستمر مسلسل أخطائي‏,‏ وفي هذه الأثناء واجهت أعمالي بعض المشكلات نتيجة غدر شريكتي الذي كنت أثق فيه ثقة عمياء‏,‏ مما ضيع علي حصيلة شقاء وعمل السنين وانكسرت لأبدأ من جديد‏,‏ ورغم كل هذا فعندما طلبت مني أن تفتتح عيادة وقفت بجانبها وساعدتها مرة أخري لتحقيق رغبتها‏,‏ وكانت دائما ما تقول لي أفضل استثمار هو الاستثمار في العلم‏,‏ فاستثمر مالك في‏,‏ ولظروف رغبتها في تجديد شقتنا اضطررنا للاقامة مع والدتي ـ وهي عمتها ـ لبعض الوقت تشاجرت خلاله مع والدتي ووضعتني في موقف محرج‏,‏ فالضيفة قاطعت صاحبة البيت ولا تكلمها ومع ذلك مستمرة في الضيافة‏,‏ وتوفي خالي الحبيب فجأة بعد مرض قصير‏,‏ ووصلت ابنتي الي سن الزواج وطلبها من ارتضيته أنا وأمها وهو شاب علي دين وخلق‏,‏ وبرغم الظروف المالية السيئة التي كنت أمر بها‏,‏ فقد كنت قادرا علي تجهيز ابنتي الحبيبة بجهاز مماثل لما تجهزت به مثيلاتها‏,‏

إلا أن زوجتي رغبت في اشياء لم تكن في قدرتي‏,‏ فقررت أن تسافر لاستكمال جهاز البنت‏,‏ فجمعت أولادي أمامها وقلت لهم إن موقف والدتهم الذي تقف فيه بجانبي لا يصدر إلا عن ست أصيلة من بيت كريم وتستحق أن نقبل يدها عرفانا صباحا ومساء‏,‏ ورغم حدوث بعض الخلافات بيننا في الفترة الأخيرة إلا أنها سافرت والعلاقة بيننا علي خير ما يكون‏.‏


ولكني كنت مخطئا مرة أخري فقد كان سفرها لكي تبدأ مرحلة جديدة هي مرحلة الدولار والمرسيدس‏,‏ وبدأت لغتها تتغير معي وبدأت تتذكر من الأحداث القديم والحديث وتفتعل الخلافات وتضع العراقيل أمام سفري لها وتنزل الي بيت والدتها عندما تأتي الي مصر‏,‏ وأنا صابر عليها وأحاول استرضاءها لمحاولة إنقاذ ماتبقي من عمر كامل يمتد طوال ثلاثين عاما بدأته معها وأنا شاب في الخامسة والعشرين وهي طفلة في السادسة عشرة‏,‏ وانتهينا منه وأنا كهل في الرابعة والخمسين كان لي دور لا يجحده عاقل فيما وصلت هي اليه‏,‏ ورغم ذلك أصرت علي الطلاق بالذوق وإلا فالخلع‏,‏ لقد استثمرت فيها عمري وشبابي ووقتي واعصابي ومالي‏..‏ ولكني لم أحصد في النهاية سوي الحنضل والحصرم والجحود والحسرة والمرارة‏.‏


إن تحججها بأن أمي عملت وأختي سوت ليست حججا قوية ولا تصمد أمام أي منطق جاد‏,‏ خاصة وانهما لا يقيمان معها‏,‏ وقد حدث أكثر من ذلك بكثير بين زوجات وأهل أزواجهم ولم يكن أبدا مبررا للطلاق‏,‏ فقد كانت مباراة بين جانبين لم يكن يسعني الاشتراك فيها أو الانحياز لأي منهما‏,‏ بغض النظر عن الطرف المخطيء من وجهة نظري‏.‏


ورغم مواقفي طوال حياتي مع والدتها وإخوتها الا أنني لم أجد بينهم من يحاول أن يثنيها عن موقفها الذي لا يبتعد تفسيره عن الجحود وعدم الوفاء بل وخيانة العشرة لقد كنت أتوقع أن يكون دور والدتها بناء ولكنني وجدتها أكثر منها إصرارا علي الإطاحة باستقرار هذه الأسرة‏,‏ لدرجة أنها لم تكتف بتهديدي برفع قضية وإنما ضاقت بها الدنيا فلم تجد سوي نسيبي حما ابنتي لتحمله رسالة لي إما يطلق بالذوق وإما الخلع ومن اتهمتني بالخضوع لسلطة أمي استغلت سيطرتها هي علي الجميع لتجعلهم يتناسون أني ابن عمتهم وأخوهم الأكبر لسنوات طويلة ويقاطعونني ويرضخون لرغبتها في عدم الإصلاح‏.‏


لقد شاب شعري وأنا أري وأراقب الغريب من أحوال هذه الدنيا وأتعلم منه‏,‏ ولكني لم أتوقع أن أنتقل من مقاعد المتفرجين الي وسط خشبة المسرح لأكون ضحية عملية نصب أو نشل سرق فيها شبابي وحياتي ومالي لأترك وحيدا في هذه السن التي كنت أنتظر فيها المكافأة عن كل ما بذلته معها طوال ثلاثين عاما لقد تكررت حكايتنا من قبل لأربعة من معارفي وطليقة أحدهم استاذ طب ايضا ولكن كانت زوجاتهم من أصول لاترقي الي أصل زوجتي وحسبها ونسبها‏,‏ وتفسير ما حدث لي ولهم في رأيي أنها ومثيلاتها لم تصلن الي هذا الإصرار إلا لاعتقادهن بأنهن قد ضيعن الكثير من حياتهن في الدراسة والمذاكرة‏,‏ والآن وقد وصلن لمرحلة الدولار والمرسيدس فمن حقهن تعويض ما فات‏,‏ ولن يكون الزوج المستهلك هو الشريك المناسب لهذه المرحلة‏,‏ ونسين دوره فيما وصلن إليه‏,‏ وأنه أيضا قد ضيع كل حياته معها‏,‏ لقد كنا فيما مضي يتكرر علينا النموذج المعكوس لهذه القصة أي الرجل الجاحد الذي كان عندما تعطيه الدنيا يتنكر لشريكته في الكفاح ويبحث عن زوجة جديدة تناسب المرحلة الجديدة ويبدو أن القيم المادية التي سادت العصر‏,‏ ودعوي المساواة بين النساء والرجال وحصول المرأة علي حقوقها ومنها حق الخلع قد أفرزت لنا نموذج المرأة الجاحدة التي تمسك بسيف الخلع لتقطع أواصر العشرة وتهدر حياة كانت طوالها هي الطرف الآخذ‏,‏ ولكنها استغنت‏..‏ فانتبهوا أيها السادة‏,‏ وانتبهوا يا كتاب الدراما لهذا النموذج الدرامي الجديد‏.‏


في الحديث الشريف سند إصدار قانون الخلع‏,‏ رد الرسول الي الزوج المخلوع حديقته عندما رغبت الزوجة في الخلع‏,‏ فمن يدلني كيف ترد علي ضالتي عمري وشبابي وأعصابي وجهدي ووقتي‏..‏ وآخرها وأقل الخسائر مالي وما أهدرته عليها مما يزيد عن الحق الشرعي للزوجة طوال الرحلة من الثانوية العامة الي الأستاذة الدكتورة بكلية الطب‏.‏



*‏ سيدي‏..‏ وأنت في نهاية رحلة‏30‏ عاما‏,‏ تنظر خلفك لتكتشف كم الأخطاء التي ارتكبتها في حق نفسك‏,‏ وليتك توقفت مبكرا منذ بداية الطريق أو حتي في منتصفه‏,‏ ولكن يبدو أن هناك أسبابا أخري لم تذكرها في رسالتك‏,‏ جعلتك تتغافل عمدا عن أخطائك‏,‏ ولكنك أفقت من غفوتك الطويلة لتطالب بشبابك الضائع وجهدك ووقتك وأعصابك‏,‏ ولكن تلك أشياء لا تشتري ولا تحصل عليها بحكم خلع أو تعويض‏.‏


سيدي‏..‏ لقد تسلمت زوجتك طفلة‏,‏ دللتها‏,‏ وأغدقت عليها حتي شبت وأينعت بين يديك‏,‏ أي كنت شريكا في تربيتها وتكوين ملامح شخصيتها‏,‏ حتي أزهر عمرها‏,‏ سارعت بالزواج من صبية وعمرها لم يكمل‏18‏ عاما‏..‏ ولأن الحياة اختيارات‏,‏ اخترت أن تتزوجها وتتركها في عز نضوجها‏,‏ لتحقق أهدافك المادية‏,‏ وهي تواصل تعليمها‏..‏ لم يكن مشروعكما مشروع بيت أو أسرة‏,‏ فالبيوت لا تؤسس علي الأرض بل علي المرأة‏,‏ وها هي المرأة وحيدة لا تعرف إلا تحقيق طموحها‏,‏ وهو التفوق الدراسي‏,‏ امرأة مع إيقاف التنفيذ‏.‏ أنت بالنسبة لها مجرد ممول لمشروعها الجديد‏,‏ تأتيك فقط في الإجازات‏,‏ تحاول تعويض غيابك‏,‏ وتغدق عليها أنت بالهدايا والأموال‏,‏ ثم تعود مرة أخري ومعها طفلة‏,‏ لتواصل زحفها الخاص نحو مستقبلها لا مستقبل الأسرة‏.‏



لم يكن عيبا ولا خطأ أن تسمح لزوجتك بمواصلة تعليمها‏,‏ ولكن الخطأ أنك لم تلتفت إلي غياب مفهوم العائلة‏,‏ إلي طموحها المتنامي‏,‏ لم تطلب منها أن تقف لتلتقط أنفاسها وتستمتع أنت بقيادة قاطرة العائلة‏,‏ فالمرأة كما قال برنارد شو‏:‏ ظل الرجل عليها أن تتبعه لا أن تقوده‏.‏


لقد ساهمت يا عزيزي في أن تنفصل زوجتك عنك‏,‏ وتنغلق علي طموحها بأنانية شديدة‏.‏


هل هي الطيبة التي دفعتك لتركها تسافر مرة أخري لتجهز ابنتك للزواج؟‏..‏ هل هو الطمع؟‏..‏ كيف تقبل في مثل هذا العمر‏,‏ وبعد كل هذا التشتت أن تسافر وحدها مرة أخري‏,‏ علي الرغم من أن الظروف لم تكن ضاغطة إلي هذا الحد؟‏..‏ هل اعتدت علي الوحدة‏,‏ أم أن الحياة بينكما كانت صعبة؟‏!.‏


كلماتي ليس الهدف منها تبرئة زوجتك‏,‏ ولكن فقط أردت أن تنظر إلي مواقفك السلبية من زاوية أخري‏,‏ لنقر أولا بمسئوليتك فيما وصلت إليه حياتكما‏,‏ وجعلت أم أولادك مغرضة في كل حياتها معك والمثل العربي يقول‏:‏ من أحبك لغاية‏,‏ أبغضك في النهاية‏.‏


أما زوجتك فأقول لها إن الحياة يومان‏,‏ وإذا اعتقدت أن السعادة في اليوم الثاني لن تأتي إلا بهدم اليوم الأول الطويل‏,‏ فلن يكون ذلك‏,‏ ولن يهدأ لك بال لأن جراح الضمير لا تلتئم أبدا‏..‏ فأيا كانت رحلتك مع هذا الرجل‏,‏ إلا أن هذه الرحلة لم تكن تسلمك إلي ما أنت فيه الآن إلا بدعمه ورعايته ومحبته لك‏,‏ وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟‏.‏


إن ملامح شخصيتك كما رسمها زوجك تحدد تركيبة امرأة أنانية تعيش لذاتها‏,‏ ناكرة للجميل‏,‏ ونكران الجميل خيانة للشرف والأمانة‏.‏ فهل أنت هكذا؟


لم أفهم كيف لا يوجد في العائلة حكم عدل من أهلك وأهله‏,‏ وكيف يوافقك أهلك وابناكما علي تصرفك مع زوجك‏,‏ إن الظالم نادم وإن مدحه الناس والمظلوم سالم وإن ذمه الناس‏.‏


سيدتي‏..‏ إن ثلاثين عاما من الحياة‏,‏ فيها سعادة وشقاء وأبناء‏,‏ وأحلام وتضحيات‏,‏ تستحق منك وقفة أخيرة لتسألي نفسك‏:‏ هل هذا الرجل يستحق منك ذلك؟‏..‏ وهل ستجدين السعادة بعيدا عنه؟‏..‏ هل سيكون ابنك وابنتك في حال أفضل وأنتما منفصلان؟‏.‏


إن السعادة يا عزيزتي تولد من حب الغير‏,‏ ويولد الشقاء من حب الذات‏,‏ فجنبي ذاتك قليلا‏,‏ ووسعي دائرة الرؤية حتي لا تكوني من الظالمين‏,‏ وامنحي تلك العائلة فرصة أخيرة‏,‏ لعلك تجدين بعضا من سعادة تظنين أنها مختبئة في سيارة مرسيدس ورصيد في البنك‏.‏

أحلام الفتي المدلل ... قصص حقيقيه



المشكلة التي سأعرضها لا تتعلق بي ولكن بأخي الأصغر الذي يبلغ من العمر‏25‏ عاما‏.‏ نشأنا هو وأخي الأكبر وأنا في أسرة متوسطة الحال بإحدي المحافظات الريفية‏.‏ وربانا والدي ذو الوظيفة المرموقة علي مكارم الأخلاق والقيم النبيلة والتدين باعتدال‏.‏ ولكن حياتنا كانت منغلقة إلي حد كبير مما أدي الي قلة خبرتنا الاجتماعية‏.‏ وبعد وفاة والدي لم يترك لنا سوي ما يعين كلا منا علي الحياة بكرامة ويساعده علي الزواج‏.‏ واضطرتني ظروف العمل والزواج الي الاقامة بالقاهرة وتحمل أخي الأكبر مسئولية العائلة بمفرده لأن أخي الصغير المدلل لم يعتد علي تحمل أي مسئوليات‏.‏


والغريب ان هذا الصغير المدلل تولد لديه عبر السنوات شعور هائل بالنقمة علي المجتمع وسخط شديد علي كل أوضاع البلد‏.‏ ولا أعلم تماما السبب الحقيقي وراء ذلك‏,‏ ولكن ربما يكون بسبب بعض الصعاب والضغوط التي تعرض لها حتي حصل علي وظيفة مناسبة وإن كانت ظروفا عادية يتعرض لها كل الشباب‏.‏ كما أنه شديد الاهتمام بالمظهر ويختار أصدقاءه بناء علي مستواهم الاجتماعي والمادي ونفوذهم العائلي‏.‏



باختصار كان أخي دائما كالجواد الجامح داخل أسرتنا‏,‏ الا أننا لم نشعر بأن هناك مشكلة تستحق منا التدخل لتقويم سلوكه‏,‏ حتي وجدنا أنفسنا أخيرا في مأزق يهدد مستقبل أخي ولا نعرف سبيلا للخروج منه‏.‏


وتبدأ الحكاية بتعرف أخي علي فتاة أمريكية عن طريق الانترنت‏,‏ ثم اصراره علي الزواج بها وإليك التفاصيل‏:‏


كان أحد أصدقاء أخي علي الشبكة حين وجد فتاة تسأل عن معلومات عن الاسلام وتريد شخصا يجيد الانجليزية لاجابتها‏,‏ فاستعان بأخي الذي كان في زيارته‏,‏ وانتهت الدردشة بتبادل عناوين البريد الاليكتروني الخاصة بكل منهما‏.‏ وكانت البداية لأحاديث طويلة عبر الانترنت استمرت لسبعة أشهر حتي كتابة هذه الرسالة‏.‏ ووفقا لروايته فإن الحوارات تطورت من الامور العامة الي الأمور الشخصية حتي ألم كل منهما بظروف الآخر‏,‏ وعرفت كل شيء عن ظروفنا‏,‏ وعندما عرض عليها أخي الزواج وافقت علي الفور وأبدت اعجابها بكل ما عرفته عن أسرتنا‏.‏


ومن المفترض أنها انسانة ملتزمة وفقا لمعايير الثقافة الأمريكية وتقول انه ليس لديها تجارب سابقة‏,‏ وتعمل في مجال العقارات وراتبها‏60‏ ألف دولار سنويا‏,‏ ومن مميزات عائلتها ان والديها مازالا مرتبطين‏!.‏


وتعرفت والدتها علي أخي عبر الشبكة أيضا طبعا‏,‏ وأبدت تحفظها علي الموافقة علي الزواج حتي يقيم أخي فترة في أمريكا والتعرف عليه خاصة أن انطباعهم سييء عن العرب والمسلمين بعد الأحداث العالمية الأخيرة‏.‏


وأخي متمسك بها علي حد تعبيره لاعجابه الشديد بثقافتها وعقليتها المتفتحة وأهم من كل ذلك تفهمها الكامل لعدم رغبته في الانجاب حتي لا يأتي بأبناء يعانون في هذه الدنيا‏.‏ تطورت الأمور الي الحد الذي اتفقا علي كل شيء دون استشارتنا‏,‏ عرضت عليه النزول الي مصر لمقابلته والتعرف علي عائلته والبقاء لمدة شهر ليتسني لنا معرفة نمط حياتها عن قرب علي ان يقوم بالمثل في وقت لاحق‏.‏


وسارع أخي وعرض عليها الاقامة مع أمي في منزل الأسرة وهي شقة واسعة أنيقة‏,‏ علي أن ينتقل هو وأخي الأكبر للاقامة في شقة أخري معه كانت مقرا لعمل والدي‏.‏ لم نعرف بهذا الاتفاق أنا وأخي الا بعد مدة طويلة‏,‏ أما والدتي فكانت تعرف منذ أشهر ورغم تحفظها الشديد لم تعلن موقفا محددا‏,‏ مما جعل أخي يمضي قدما حتي حددت فتاته موعدا للقدوم الي القاهرة في أول الشهر الحالي‏.‏


الآن يا سيدي‏..‏ ألا تري معي أن أخي يتصرف في مستقبله بسذاجة تامة؟

حين أخبرتني أمي شعرت بصدمة شديدة لأن أخي الذي نشأ علي احترام العادات وأداء الفروض الدينية علي استعداد للارتباط بفتاة مجهولة تختلف عنه في العادات والتقاليد والدين والثقافة وكل شيء‏,‏ بانيا حكمه علي حوار ودردشة عن طريق الانترنت قد يتخللها الكثير من الخيال والأكاذيب‏,‏ فهل يمكن بناء حياة أسرية سليمة رغم كل هذه الاختلافات؟ وهل يكفي شهر للتعرف علي الفتاة بشكل سليم؟


تناقشنا كثيرا معه‏,‏ واشترك معنا في محاولات اقناعه الكثير من أفراد العائلة والحكماء من المعارف ولكن بلا فائدة‏,‏ ولكننا جميعا نتفق علي انه لا يصح احضارها الي المنزل‏,‏ لأن وجود فتاة أجنبية في منزل أسرة كل أبنائها من الذكور سيثير الأقاويل ويسيء الي سمعتنا‏,‏ خاصة انه ينوي التنقل معها بحرية والسفر معها إلي القاهرة ليستقر‏.‏


وأنا لا أعلم سر تمسكه بها بالرغم من أنها تكبره بعامين وبدينة وليست جميلة علي الاطلاق‏.‏ كما أخشي أن تقنعه بالهجر بالرغم من أنها تبدي موافقتها علي الاقامة بالقاهرة‏,‏ الا أنه من السهل التأثير علي أخي خاصة انه كما ذكرت في البداية كاره لأوضاع بلده‏.‏


وقبل ساعات قليلة من كتابة هذه الرسالة علمت ان السفارة الأمريكية أرسلت اليه لتجري معه مقابلة تمهيدا للحصول علي الفيزا اذا أراد‏,‏ وهذا بعد أن أرسلت فتاته الي السفارة‏.‏ وهذا الأمر يجعلني أرتاب في أشياء كثيرة ويلقي بشبهات حول هذا الموضوع‏.‏ سيدي أنا خائف بشدة علي أخي الذي أراه مندفعا مغمض العين الي تجربة محفوفة بالمخاطر دون أن يملك شيئا لانقاذه‏.‏ وصار خط دفاعنا الأول والأخير بعد أن بدأ العد التنازلي لمجيئها ان نبعدها عن منزل الأسرة‏,‏ كيف نتصرف في هذا الأمر خاصة أن هذه القضية أصبحت منتشرة هذه الأيام بين الشباب؟

*‏ سـيدي‏..‏ أتفق معك ومع كل الحكماء من أسرتك ومن خارجها‏,‏ علي عدم الترحيب بالزواج الذي يكون طرفه شخصا مختلفا في الجنسية والديانة والثقافة والعادات والتقاليد‏,‏ وأعتقد أني لست في حاجة الي التذكير بالمشكلات التي تنشأ عن مثل هذا الزواج‏,‏ سواء كانت خاصة بتفاصيل الحياة من انعدام لغة الحوار أو التواصل الذي قد يؤدي الي الطلاق‏,‏ وهذا حل يسير أمام مشكلات أخري تتعلق بتربية الأبناء وديانتهم وتشتتهم بين ثقافتين مختلفتين‏.‏


ولكن لتسمح لي بالاختلاف معك في أسلوب مواجهة الأزمة مع شقيقك‏,‏ دعك من أن تصرفاته المندفعة وعدم تحمل المسئولية وسخطه علي بلده‏,‏ كلها نتائج للتدليل الزائد وعدم القسوة عليه في الصغر‏,‏ فهو مثل غيره من شباب هذه الأيام رأي العالم الآخر من خلال التكنولوجيا وتواصل معه‏,‏ وأصبح يقارن بين حياته وبين أقرانه في العالم المتقدم‏,‏ وهو مثل كثيرين غيره‏,‏ يري في الزواج وسيلة للتعبير عن رغبته في الانتماء الي هذا العالم الذي يراه ـ بأفقه وثقافته المحدودين ـ مثاليا‏.‏ الزواج هو قارب النجاة الأيسر‏,‏ بعد صعوبة الهجرة أو السفر‏.‏


مرة أخري ـ يا عزيزي ـ دعنا نتأمل الموقف بعين شقيقك‏,‏ هو أمام فتاة أمريكية‏,‏ تسأله عن الاسلام وتتأثر بكلماته‏,‏ وتبدي استعدادها للتضحية والمجيء اليه والبقاء بجواره‏,‏ ألهذا الحد هو مؤثر؟‏!‏


هو أيضا يراها محافظة‏,‏ بدليل أنها أخبرت أسرتها بعلاقتها به‏,‏ وأنها لم يسبق لها الدخول في علاقة عاطفية‏,‏ ولم يستوقفه أنها هي التي ستذهب اليه وتقبل أن تعيش في بيته ومع أسرته‏,‏ فهو يعجبه ما يناسب ثقافته الاجتماعية‏,‏ ولا يرفض ما يتناقض معها‏,‏ لأنه يتناسب وثقافتها وبيئتها‏.‏


مثل شقيقك في هذا الموقف‏,‏ لن يقبل نصحا أو نهيا‏,‏ بل هذا الرفض سيزيده عنادا وإصرارا علي موقفه حتي لو كلفه الأمر الخروج عليكم وتنفيذ ما يراه هو صحيحا‏.‏ لذلك أقترح أن تغيروا من استراتيجيتكم تجاهه‏,‏ بعيدا عن تخوفاتكم من فكرة التخابر التي تقلقكم‏,‏ فاستدعاء السفارة الأمريكية له أمر طبيعي‏,‏ لأن الأمر يتعلق بمواطنة أمريكية‏,‏ والمواطن في هذه البلاد له حقوق عديدة يحفظها له القانون‏.‏


أقترح عليكم أن ترحبوا بهذه الفتاة‏,‏ وتخبروه أنكم ستؤجلون حكمكم عليها حتي تروها وتنظروا كيف تعيش وتتكيف مع هذا المجتمع الغريب عنها‏.‏ مع تأكيد ثقتكم في نضجه ومقدرته علي الحكم الصائب‏.‏ وأفضل أن تسمحوا بإقامتها في بيت الأسرة‏,‏ مع انتقاله وشقيقه الي البيت الآخر‏,‏ حتي يكون كل ما يحدث أمام عيونكم‏.‏


دعه ليخوض تجربته بنفسه‏,‏ فإذا وجدتم اعوجاجا في سلوكها‏,‏ أو ترسخ لديكم الاحساس بالرفض‏,‏ فانقلوا اليه رأيكم برفق ومحبة‏,‏ فقد يستجيب لكم ويلتفت الي رؤيتكم عندما يثق في حرصكم عليه‏,‏ وأنكم لم تصادروا علي حقه في التجربة‏.‏


أما اذا رآها مناسبة له‏,‏ فدعوه يمارس حقه في الاختيار‏,‏ وعليه أن يتحمل تبعات اختياره‏,‏ وإن كان من الأفضل له ولتجربته أن يتم الزواج في بلده حتي تعتاد هي علي العادات والتقاليد التي ربي عليها‏.‏


ولا يفوتني في النهاية أن أذكر شقيقك ومن يفكرون مثله‏,‏ أن علاقات النت دائما ما تكون خادعة‏,‏ ولا يمكن لها أن تبني مشروعا كالزواج‏,‏ يحتاج الي بنيان قوي يواجه عواصف الأيام التي تهدم زيجات توافرت لها كل اشتراطات النجاح‏,‏ فما بالنا بمشروع قائم علي كلمات عبر الهواء‏,‏ يرسمه كل شخص علي هواه دون استناد الي ممارسة واحتكاك حقيقيين‏.‏