أنا سيدة في الأربعين من عمري.. لدي أربعة أبناء, كلهم في الجامعة الآن.
كان زوجي رجلا طيبا بمعني الكلمة, تزوجته بعد قصة حب وعشت معه في البداية أجمل أيام عمري, لكنه انشغل عني بعمله وطموحاته التي لاتنتهي, فلم يكن هناك وقت للحب بعد الزواج.
لكن لابد أن أعترف لك أنه كان يحاول إسعادي بشتي الطرق فهو لم يحملني مسئولية شيء وبرغم إنشغاله الشديد في عمله إلا انه كان يوفر لي وللأولاد كل أسباب الراحة والهناء ماعدا ماكنت افتقده كثيرا وهو الحب الرومانسي.
لم يكن لدي زوجي وقت لهذا الحب فكنت أشغل نفسي بكتابة الشعر والقصص وأفرغ الكبت الذي أعاني منه في الكتابة, فأنا امرأة رومانسية جدا, يمتليء قلبي بالحب بما يكفي الدنيا كلها.. لكني كنت أشعر بأن الحب الذي أخنقه بداخلي يكاد يقتلني وكنت أعرف جيدا أن زوجي يحبني وأنا أحبه, لكنه لايمنحني هذا الشعور إلا بمقدار بسيط جدا..
كنت لزوجي الزوجة والحبيبة والأم والصديقة وهو أيضا لم يكن يعرف غيري في حياته ولم تدخل أي امرأة أخري قلبه, كان يقول لي أنت زوجة بكل الزوجات, المثني والثلاث والرباع, ويصف لي كيف يرتاح معي, وكيف أني ذات أنوثة غير عادية ولكنه فقط لايجد وقتا ليسمعني الكلام الحلو الذي أحتاج إلي سماعه.
ومرت السنوات.. الأولاد يكبرون وزوجي يزداد انشغالا علي انشغاله وبدأت الكوابيس تطاردني.. كنت أحلم بأنه مات ودخل رجل آخر حياتي يشبع حاجتي إلي الحب, وكنت أصحو من نومي فزعة, فيصمم زوجي علي أن يعرف مابي وبماذا حلمت.. وفي مرة حكيت له هذا الكابوس المتكرر, فقال لي إنه يحلم هو أيضا بأنه سيموت دون أن يفرح بأولادنا ولذلك يضاعف عمله حتي يؤمن لنا مستقبلا كريما من بعده.. والغريبة أنه مرض بعد فترة قصيرة بمرض خطير أودي بحياته.
اسودت الدنيا في وجهي.. كنت في السابعة والثلاثين من عمري فترملت مبكرا وأصبحت أحمل مسئولية البيت.. افتقدت الراحة والارتكان إلي رجل قوي حمل عني كل المسئولية طوال حياتنا معا. أصبحت أشعر بالوحدة وبأن برد الدنيا في جسدي.. إلي أن أصبت بمرض جعلني أتردد علي الأطباء المختصين بدون فائدة حتي قابلت طبيبا طيب القلب وحنونا أخذ بيدي وكأنه ملاك نزل من السماء, كان يداوم علي السؤال عني والاهتمام بحالتي فكنت كلما رأيته أحسست أن قلبي يرتجف وكنت ياسيدي أراه بحكم الجيرة كل يوم فهو يسكن في نفس الشارع الذي أسكن فيه.
لا أدري ماذا حدث ولكني وجدت نفسي مشدودة إليه.. أنتظر اللحظة التي يهل فيها علي ويركن سيارته وينزل منها إلي بيته بفارغ الصبر.. ينتفض قلبي وتطفو البهجة علي ذاتي ثم سرعان ما أفيق علي الحقيقة, سيذهب هو إلي زوجته وأولاده وأظل أنا وحيدة في الشرفة أتجرع حزني ووحدتي بدونه!
مرت الشهور.. مر أكثر من عام وأنا أتعذب بحبي له, حتي ذهبت مرة إليه في عيادته للكشف علي فوجدته ينظر إلي بحنان ويتحدث معي بتودد لم أعهده فيه فأحسست انه عرف كم أحبه وانه يبادلني نفس الشعور, في اليوم التالي اتصلت به وقلت له: أريد أن أراك لأني منهارة. وفي عيادته لاحظ كم أنا منكسره فطلب مني ألا أنكسر هكذا أبدا لأي سبب من الأسباب وأخذ يدي واحتضنها فارتميت في صدره أبكي.. اعترفت له أنني أحبه وأتعذب بحبه فقال لي انه هو أيضا يحبني منذ زرته أول مرة.
وتواعدنا علي الحب طول العمر ووعدني ألا يتركني أبدا فهو لايستطيع أن يبتعد عني.. وتكررت لقاءاتنا وكلما التقيت به أغيب من السعادة علي صدره وأقول له: أنا لا أريد من الدنيا شيئا أكثر من هذا يكفيني حنانك وحبك.
أما هو فقد أقسم لي علي انه سيعوضني عما عانيته في حياتي.. عشنا علي حلم أن يكبر أولادنا ونتزوج, وكنت أتساءل هل أنا أنانية لأنني لم أفكر في زوجته وشعورها إذا عرفت بقصة حبنا, ثم أعود وأتغافل عن السؤال وأقول أنا لم أقصد أن أضرها ولم أعرف انه متزوج قبل أن أهبه قلبي وكل كياني.
المشكلة ياسيدي انه يطلب مني الآن أن يخرج من حياتي لأنه اكتشف ان زواجنا مستحيل طالما بقيت زوجته معه.. لكنها لو توفيت ـ لاقدر الله ـ سيرتبط بي فورا.. أحيانا يكون صلبا في موقفه هذا وأحيانا يضعف ويحتضنني ويقول لي انه يحتاجني في حياته بشدة وفي كل الأحوال أري حبي في عينيه..
لا أعرف لماذا بعد كل هذا الحب يأتي الفراق؟ لماذا يحرمني القدر من الحب بهذه القسوة.. لماذا يظلمني حبيبي ويظلم نفسه؟ ماذا أفعل ياسيدي, لقد أصبحت أعاني من ارتفاع شديد في ضغط الدم لشدة حزني عليه.. أرجوك أن تخفف عني ولاتجرح مشاعري ساعدني علي تخطي حزني ولاتظلمني أو تظلمه, لعلي أجد في رأيك شفاء ودواء.. خاصة وأنا أشعر أنني سأموت قريبا.
* غريب أمر الإنسان منا, لايرضي أبدا, كثيرون يحلمون بدخول القلعة المحاصرة, والبعض يحلم بالخروج من هذه القلعة ـ أما الصنف الثالث فهو مثلك, كان يعيش في قلعة بها عوامل كثيرة للسعادة, ولكنه لم يكتف بها فظل يحلم بقلعة أخري, وعندما شاءت الأقدار أن تفتح الأبواب هام علي وجهه بحثا عن حلم خادع, فإذا ما فشل اتهم الأقدار بأنها تحرمه من السعادة!
هكذا أنت ياسيدتي, كنت تعيشين مع رجل أفني عمره سعيا لإسعادكم, وكان يغدق عليك بكلمات الحب, معتذرا برقة عن ضيق الوقت الذي لايسعفه كي يعبر لك عن عظيم حبه.
لم يرضك هذا الواقع الجميل, فهربت إلي الأحلام بحثا عن سعادة كاملة في خيالك فقط, جاهلة أن السعادة في حياتنا دائما منقوصة, وأننا نخطيء كثيرا عندما لانستمتع بالسعادة التي نحياها, معتقدين أنها تختبيء في مكان آخر تنتظر أن نختطفها.
لقد كنت مهيأة ياسيدتي للوقوع في الحب مع أول طارق, فحلمك يسكنك, نداهة في داخلك تجذبك نحو مجهول يطاردك في الحلم, صورة رومانسية سينمائية, قد تخيب إذا قررنا عمدا تحقيقها. مشاعرك التي أطلقتها إصطدمت بالطبيب بعد مرواغات إستمرت عاما كاملا.. وجدك في صدره منهارة, فأطل الحب الذي صنعته باللاوعي, إنها السعادة المجانية المؤقتة التي قدمتها له راضية, فلم يرفضها وعندما تحول الأمر إلي حديث عن الزواج, تحول الحب إلي تسويف ووعود بالزواج بعد تخرج الأبناء.. وتحول الحب إلي قيد, فقدت المغامرة كثيرا من فورتها وثورتها, واصطدمت بألم قادم, بمواجهة مع واقع في قلعة مستقرة مثل قلعتك السابقة, وهو لايريد الخروج منها, هو الآخر كان يريد استكمال سعادته دون أن يدفع أي ثمن, وعندما طالبته بالثمن, إختار الهرب.
ليس حبا ياسيدتي, فالحب لايعرف الظلام, وإذا أوجد مبررات لهذا الظلام, فإنه يصبح خداعا وزيفا.
لا أريد أن أصدمك في أحلام انقضت, ولكن عليك أن تستيقظي وتتنازلي عن أنانيتك, وتتذكري أن لك أبناء في حاجة إليك بعد رحيل والدهم الحنون. لا أقصد بذلك أنه لم يعد لك حق في الحياة والزواج, ولكن إفعلي ذلك فاتحة عينيك, لأن إغماضهما لن يأتي بذلك الفارس الذي لا يأتي إلا في الأحلام, فكل فارس يتحقق في الواقع, سيجعلك تبحثين عن آخر لايأتي أبدا إلا في الظلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.