قصـتي قد لا تختلف في المضمون العام عن غيرها, ولكن تفاصيلها وظروفها في منتهي الغرابة. أنا سيدة في منتصف الثلاثنيات وزوجي كذلك, كنا معا في نفس الكلية وكان متفوقا ومتدينا ومن الطلبة اللامعين في الكلية علميا واجتماعيا.
ربطت بيننا قصة حب مبنية أولا علي إعجاب كل منا بعقلية والتزام الآخر, وتوجت بزواجنا بعد التخرج.
كانت ظروفنا متوسطة وكنا نكد ونكدح لنوفر من مرتباتنا لشراء ما ينقصنا من كماليات الحياة. كل هذا وحبنا يزيد وأنجبنا3 أطفال كانوا زهرة حياتنا. وبعد7 سنوات من زواجنا حصل زوجي علي عقد عمل بالخارج ففرحنا فرحا شديدا. سافر زوجي ثم تبعناه ببضعة أشهر قليلة. ثم اضطررت للعودة إلي مصر لامتحانات الأولاد بعد أقل من سنة. خلال الفترة التي قضيتها مع زوجي هناك بدأ يزيد تدينه والتزامه أكثر من ذي قبل. وأنا كذلك, وبدأ يقبل علي الدروس في المساجد ومشاهدة القنوات الدينية الفضائية, ومنذ سافرت وأنا أطالب زوجي بأن أذهب لأكون معه, وهو يماطل بحجج مختلفة, منها أن المدارس هناك غير مناسبة للأولاد, أو أن هناك مشاكل في عمله وقد يقيلوه أو يستقيل. وظل هكذا طوال سنة ونصف السنة نزل خلالها إلي مصر مرتين ـ اجازة ـ حتي أنهي عقده في هذا البلد. ثم أخذ يبحث عن عقد عمل آخر, وخلال وجوده في مصر كنت احس أنه تباعد عني وأنه لم يعد الكتاب المفتوح كما كان لي من قبل. وكان في أوقات لقاءاتنا الخاصة يخبرني بأني أحسن شيء حدث له في هذه الدنيا, وأنه لا يستطيع أن يستغني عني ويرجوني ألا أغضب منه مهما فعل, ويؤكد انه يحبني جدا. كنت ا
ستغرب هذا الكلام, خصوصا أن زوجي من النوع الذي لا يبوح بمشاعره وكنت آخذ عليه هذه النقطة دائما. في خلال هذه الفترة سافر إلي احدي الدول العربية لمدة بسيطة بحجة عمل مقابلة عمل, رغم انه كان قد حصل بالفعل علي عقد عمل في بلد آخر. ثم سافر للدولة التي حصل فيها علي عقد عمل وذهبنا اليه بعد فترة, كنت احس ساعتها أنه ضائق بنا ولا يحب صخب الأولاد ويضيق بمطالبنا, وعندما أساله عن سر التغير يقول إنه اعتاد المكوث وحده دون إزعاج أو ضجيج. طالبته بأن أسافر إلي مصر ويأتي هو في الإجازة, فلم يتردد في الموافقة, بل كان كأنه ينتظرها مني. يا سيدي أعجب أين ذهب حبنا؟ وهل الفلوس يمكن أن تغيره هكذا؟.
وفي مرة من مرات إجازاته كان متوترا جدا ودائم الشجار معي رغم أنه من النوع الهاديء, عندما سألته عما به وسر هذا التغيير الحاد, كان يقول لي نفس الكلام الذي كان يقوله من قبل, وأنه يخاف أن يأتي يوم ننفصل فيه بالطلاق لأنه عاني هذه المشكلة مع والديه لفترة قبل أن يعودا لبعضهما. وفي مرة من هذه المرات ألححت عليه أن يخبرني بما يضايقه ويصارحني إذا كان يعاني أي مشكلة لنحلها معا, ففوجئت به ينهار ويبكي لأول مرة امامي, ويقول أخاف أن تكرهيني وتتركيني فازددت قلقا وألححت عليه أن يخبرني بماذا حدث؟ فإذا به يفجر امامي قنبلة لم اتوقعها ابدا. قال إنه في المرة الأولي التي تركته في البلد العربي الأول كان يدعو الموظفين العاملين معه من آسيا غير المسلمين إلي الإسلام لما علمه من عظيم ثواب الدعوة إلي الله, وانه بفضل الله قد استجابت منهم موظفة وأسلمت, وكانت فرحته كبيرة بأن علي يده اسلم شخص وأنقذ من النار. المشكلة ان اهل هذه الفتاة كانوا من المتشددين, عندما أخبرتهم بإسلامها اشتكوا للخارجية بانهم في هذا البلد أجبروها علي الإسلام, وترك ديانتها, فبعثت السفارة لمحل العمل بإنهاء عقدها وترحيلها لبلدها. تأزم زوجي جدا وأحس
انه السبب في إنهاء عقدها ومما زاد المشكلة أنها حاولت الانتحار, وأنقذها في المستشفي. وقالت لزوجي إنها إن ذهبت إلي أهلها فسيقتلونها إن لم ترتد عن دينها. وأشاروا علي زوجي في العمل أن الحل الوحيد لكيلا يرحلوها إلي أهلها أن تتزوج. فصلي زوجي صلاة استخارة لكي يفاتحها في هذا الموضوع حتي جاءت له والدته في المنام, وقالت له تزوجها فأخبرها ففرحت فرحا شديدا, وسألته عني فقال إنه طالما يفعل شيئا يبتغي به وجه الله وإنقاذ نفس مؤمنة فلن يضيع الله أسرته أبدا, ووعدها بأنه طالما هي مسلمة ملتزمة, فلن يتخلي عنها أبدا. واتفق معها علي أن زواجهما لن يكون معلنا للعاملين في نفس الشركة حتي لا يجرح شعوري. وكان يقابلها كل أسبوع في يوم الإجازة دون أن يعرف أحد. وكان زواجا رسميا, بناء عليه بعث رؤساؤه في العمل إلي السفارة انها تزوجت وأنها باقية في البلد لأنها مسلمة برغبتها.
وعندما علم أهلها بذلك بعثوا إليها لا يريدون أن يروها مرة أخري وألا تتصل بهم أبدا. وبذلك اصبح زوجي هو كل اهلها وتعلقت به جدا وأحبته وكانت بالنسبة له كالعبد يأمرها فتطيع دون تفكير. وطالبها بعدم الإنجاب حتي لا ينهوا عقدها في هذا البلد تبعا للقانون. وبعد انتهاء عقدها حصل زوجي لها علي عقد عمل في بلد آخر ووعدها. بأنه سيزورها شهرا أو شهرين في السنة في هذا البلد ـ كانت مرة منها تلك التي قال إنه ذاهب لمقابلة عمل في هذا البلد ـ وأخبرني أنه لما تزوجها أحس بنعمة الله عليه أنه رزقه بي للفرق الشاسع في العقل والطباع, وأني افضل منها في كل شيء تماما. نسيت ان اقول لك يا سيدي انه في خلال السنوات الثلاث التي أخفي عني هذا الموضوع كان كلما تأتي سيرة الزواج الثاني يدافع عنه بشدة, ويقول إنه ليس معني أن الرجل يتزوج بأخري انه لا يحب زوجته, وأن هناك ظروفا تستدعي أن يتزوج الرجل دون أن يكون هناك عيب في زوجته, وكنت أرد عليه بانه إذا أراد أن يتزوج فليفعل ولكن يطلقني أولا, وهذا ما كان يجعله يتردد كثيرا في إخباري. وأخبرني أنه يعتبر إذا كانت هناك امراة كاملة فهي أنا, رجاني ألا اتركه ولا أهدم أسرتنا التي يحبها, وأن كل
تصرفاته السابقة من ضيقه بوجودنا معه ورغبته في السفر وحده كان للهروب مني, إذ كان لا يستطيع مواجهتي وهو يخفي عني هذا الموضوع, وأنه حاول أكثر من مرة أن يطلقها فهددته بالانتحار, وكانت تبكي بالأيام حتي تختفي عيناها. وانها كالطفلة جسما وعقلا ولا تستطيع أن تتصرف في أي شيء, وتنتظر حتي يأتي لها كل6 أشهر لقضاء مصالحها, من تجديد جواز السفر وعقد العمل, حتي شراء ما تحتاج إليه وأنه ضاق بهذه المسئولية المضنية وبالمصاريف الباهظة التي يتكبدها للذهاب اليها كل ستة أشهر في البلد الاخر, ولا يعرف كيف سينتهي هذا الموضوع, وأنه يتمني أن تطلب هي الطلاق لا أن يطلقها هو, فتنتحر أو ترجع إلي أهلها فيردونها عن دينها ويتحمل هو ذنب ذلك ويضيع مجهوده وتضحيته التي ضحاها من أجل ثباتها علي الإسلام. ويطالبني كذلك بأن أتحمل معه وأني سأوجر علي تثبيتي مسلمة علي الإسلام وكل انسان لابد له من ابتلاء, وأن هذا ابتلاؤنا. نسيت أن اخبرك أني مستقلة ماديا عن زوجي ولن يضيرني انفصالي عنه ماديا.
لا أتصور كيف للإنسان الذي أحببته أن يجرحني بكل هذه القسوة رغم أني باعترافه لم اقصر معه في أي شيء ويخدعني كل هذه السنين باسم الدين, فهل الدين يبيح الغش والخداع, ماذا افعل يا سيدي, لا استطيع أن أتحمل زوجي الذي احبه بين ذراعي إمرأة أخري؟ وما ذنبي أن أتحمل ذلك وأنا لم اجرحه يوما؟ فماذا افعل؟ هو يعرض علي أن يعطيني أي شيء أريده حتي أمواله علي ألا اتركه لأنه كما يقول لا يستطيع العيش بدوني وأني عماد حياته وأهم شيء فيها.
* سيدتي.. أقدر مشاعرك الغاضبة, وألتمس لك الأعذار في الاحساس بالإهانة, فما أصعب علي الانسان من اكتشاف أنه كان مخدوعا لسنوات من أقرب الناس إليه. ولكن لو جنبنا غضبك مؤقتا ـ فالغضب مثل النار يأكل بعضها بعضا ثم تخمد ـ وقررنا أن ننظر إلي الواقع بهدوء فسنجد أمامنا خيارين, الأول أن زوجك كاذب, وأنه تزوج بتلك المرأة لرغبة فيها أو لأسباب أخري غير نجاحه في اعتناقها الإسلام, وأنه يحميها من نفسها وأهلها.
في هذه الحالة فعل الجائز شرعا, بأن تزوج بأخري, فالحلال يؤتي منه المستطاع, وأن يفعل ذلك خيرا من ارتكاب معصية.
وفي هذه الحالة من حقك أيضا إذا كنت تستشعرين الضرر, ولا تطيقين الحياة معه, وتتحملين عواقب الانفصال, أن تطلبي الطلاق.
أما الاحتمال الثاني ـ وهو الأرجح ـ أن زوجك صادق فيما قص عليك, بدليل بكائه بين يديك ـ وتحمله الغياب عنها طويلا, ولو كان مولعا ومغرما بها ما استطاع تحمل الغياب عنها كل هذه الشهور, فلو نظرنا إلي الواقع من هذه الزاوية, ألا تتسامحين معه قليلا, وتلتمسين له بعض المبررات, خاصة أنك وقتها لن تشعرين بأنه فضل عليك امرأة أخري, أو أنك موضع مقارنة معها, وحتي تستريحي لهذه النقطة احتسبي تصديقك له عند الله سبحانه وتعالي وعليه أن يتحمل وزره لوكان كاذبا.
سيدتي.. إن البحث في الفضائل يقضي علي الضغائن, وما حملته سطور رسالتك يكشف عن جوانب إيجابية كثيرة في علاقتكما, وبينكما ثلاثة من الأطفال, وشراكة طيبة فيها كفاح وتحد, كل هذا في مواجهة زيجة لو صدق الزوج في روايته, لن يكتب لها الاستمرار, واستمرارها لن ينعكس علي حياتكما.. فلا تكدري صفو حياتك, فكم من عواصف تهز الأغصان ولا تقتلع الأشجار, وشجرة عائلتك أبقي وتستحق منك تحمل نوائب الأيام. وإلي لقاء بإذن الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.