أكتب إليك قصتي آملة أن يكون اعترافي هذا سببا في غفران بعض ما ارتكبته من ذنوب في حق أعز شخص لدي, وهو ابني الوحيد, فهو ليس ابني فقط بل هو حبيبي وأخي وصديقي في نفس الوقت, ومع كل هذا الحب إلا أنني كنت السبب المباشر في شقائه وتعاسته, فأنا طبيبة تزوجت منذ خمسة وثلاثين عاما من أحد أقاربي ورزقنا الله بإبني هذا وبنتين وسار بنا قارب الحياة هادئا أحيانا وجامحا غير مستقر كثيرا بسبب عنادي وعصبيتي وشخصيتي المسيطرة, وهذا أول اعترافاتي التي ربما أعترف بها لكم ولنفسي لأول مرة, ولقد أدي عدم استقرار حياتي مع زوجي وسفره الدائم ليدير أعماله إلي تعلقي بأبنائي خاصة ابني الذي اعتبرته الرجل الوحيد في حياتي.. والتحق ابني بكلية الشرطة وكانت سعادتي يوم تخرجه تفوق أي نجاح حققته وأي لحظة سعادة عشتها.. وبدأ ابني يخرج إلي الحياة العملية ولم يؤرقني سوي أنه كان دائم السفر بحكم عمله, وكانت فرحتي يوم مجيئه في الاجازات تفوق فرحة أي فتاة مراهقة بلقاء حبيبها, وبدأ الأقارب يحدثونني عن أن ابني وصل إلي سن الزواج وانني لابد من أن أبحث له عن عروسة فبدأت ابحث ومن داخلي أتمني ألا أجد أبدا الفتاة التي يستحقها ابني, وكنت كلما عرض علي
أحد الأقارب والأصدقاء فتاة رحت أتحجج بأعذار واهية, فهذه تبدو جريئة, وهذه أشعر بأنها عصبية, وهذه غير جميلة وهذه وهذه.. إلي أن تعرفت ذات يوم علي ابنه إحدي زميلاتي في دار تحفيظ القرآن!! وعلي غير العادة لا أدري لماذا ارتاح لها قلبي وعرضت الموضوع علي زوجي وابني وبنتي وتم الانسجام بين الأسرتين وسار كل شيء علي ما يرام, وتمت الخطبة وبعدها بدأت أشعر بأنني كنت مخدرة, فقد انتبهت انني لم أبق المرأة الوحيدة في حياة ابني فقد أصبحت تشاركني فيه امرأة أخري يدللها ويضحك معها ويضع يده في يدها, بل ويتحدث معها طويلا بصوت منخفض في التليفون, لقد أصبحت هناك امرأة أخري تشاركه أسراره وأحلامه وطموحاته, ومن هنا بدأ يجن جنوني ورحت أختلق المشاكل وأحاول استفزاز مشاعر خطيبة ابني وأحاول بشتي الطرق أن أجعلها تقع في أخطاء لا تقصدها, وأمام محاولات ابني وزوجي وبنتي بل والفتاة نفسها لاسترضائي هدأت الأمور قليلا, واستغل الجميع الفرصة وتم عقد القران وبدأ التجهيز للزفاف, ولكن لم تستمر فترة الهدوء طويلا فراحت نيران الغيرة بداخلي تشتعل ثانية وفشلت محاولات الجميع لاطفائها بل علي العكس, كان دفاع ابني عن فتاته لا يزيدني إلا قسوة وظلما, وكان في تصريح ابني لي بأنه يحبها وأنه تعلق بها لمرور أكثر من عامين علي علاقتهما سببا كافيا لي لأن أنعتها بأقذر الشتائم هي وأهلها, علي الرغم من صبرهم كثيرا علي كلماتي وتصرفاتي ولقد وصلت بي الأمور إلي انني خيرت ابني بيني وبينها وقلت له انني لن أرضي عنه أبدا إذا تمم زواجه منها, بل والأكثر انني هددت زوجي بين استمرار حياتي معه وبين زواج ابننا من هذه الفتاة, وأمام كل هذا لم يملك ابني سوي أن يستجيب لرغبتي وبالفعل حدث الطلاق ولن أنسي أبدا ما حييت دموع الفتاة يوم الطلاق ولايزال يرن في أذني دعاء والدتها علي فهي لم تسب ولم تلعن بل فقط قالت لي حسبي الله ونعم الوكيل ولأن الله يمهل ولا يهمل فلقد نلت عقابي سريعا فقد هجرني ابني الذي كنت أظن أن زواجه قد يبعدني عنه, طلب نقله إلي محافظة بعيدة ورحت شهورا لا أراه, وفشلت كل محاولاتي معه في أن يري عروسا أخري وقال انه لن ينسي حبيبته وزوجته التي ظلمها وأنه لن يتزوج ثانية, بل أصبح شاردا دائما ويائسا وسمعته صدفة يتحدث مع أحد أصدقائه بأنه يتمني الموت ليخلص من سجني وانه يخشي عقاب الله. وبالنسبة لي فأنا لا أنام فالكوابيس تلاحقني وتأنيب الضمير لا يجعلني أشعر بأني سعيدة, ولقد علمت أن حبيبة ابني لم تخطب بعد فخططت لعمل صدفة معها لأري رد فعلها تجاهي, وكأن الله أراد أن أظل بقية حياتي نادمة علي ما فعلت, فقد قابلتني الفتاة بابتسامة صافية وتعاملت معي بكل أدب واحترام ولم تجرحني بكلمة ورأيت في عينيها دموعا لم تذرفها وحنينا لابني حاولت أن تخفيه.. والآن ياسيدي أنا أعلم أن حبيبة ابني من قراء بابك, وأنا أتمني منها الصفح والغفران لي وبأن تقنعها بأن توافق علي الرجوع إلي ابني الذي اشعر بأنني, الذي فقدته للأبد.. وفي النهاية أود أن أوجه كلمة لكل أم لديها ابن وحيد أن تتخلي عن أنانيتها وأن تتقي الله في أفعالها وتصرفاتها فكما تدين تدان.
* سيدتي.. رسالتك هي الوجه الآخر لرسالة الأسبوع الماضي أنا وحماتي أطراف وجدت السعادة متاحة أمام أياديها, فلم تفتش عن الشقاء الكامن في تفاصيل الفرح.. حماة تعرف حدودها وواجباتها فوهبت السعادة والأمان لزوجة ابنها, فبادلتها زوجة الإبن حبا بحب وعطفا وبنوة.
أما أنت, فقد تغلبت عليك أنانيتك ـ اغفري لي اللفظ ـ وشعرت بأن ابنك الذي تعودت أن يلعب كل الأدوار في ظل غياب والده الطويل, سيضيع من بين يديك, ولم يشفع لك أنك التي اخترت عروسه بنفسك, وسلمت بحسن خلقها ودينها, ولكنها النفس الأمارة بالسوء أحيانا, صورت لك أن ابنك سيضيع منك, فقررت تدمير هذه العلاقة, ولم تستمعي إلي صوت العقل, واعتقدت أنك بإبعاد هذه الفتاة سيعود إليك ابنك, وكأن شيئا لم يكن.
لا أريد الاستفاضة في رصد أخطائك فأنت تعرفينها جيدا, وليت كل أم لها ابن أو ابنة علي وشك الزواج أن تتجنب ما فعلته وتتعلم من الثمن الذي دفعته.
سيدتي.. دعيني قبل أن أتحدث إلي خطيبة ابنك, أن أدعوك انت إلي القيام بمبادرة أكثر إيجابية, بالتوجه إلي الفتاة وأسرتها, وتقديم لهم الاعتذار الكافي عما بدر منك وعليك أن تطلبي منهم العفو والسماح, وستجدين منهم ـ وهم كما قلت من أصل طيب ـ كل لين ورفق, وبعدها يمكنك أن تخبري ابنك بما حدث, لتعود المياه إلي حقول النفس مرة أخري فترويها عطفا ومحبة.
أما هذه الفتاة التي ظلمت وتحملت الكثير, فأقول لها, لو لم يكن هناك في حياتك شخص آخر, ومازال في قلبك حب لهذا الشاب, فاصحفي صفحا جميلا, فها أنت قد فهمت مبررات تصرفات أم حبيبك, وقرأت وسمعت اعترافها وندمها, ألا يكفي هذا لترفقي بها كوالدتك وتفتحي نوافذ السعادة في بيتين أظلمهما إحساس وتفكير خاطئان.. نتمني أن نسمع اخبارا سعيدة وأن نكون من المدعوين.. وإلي لقاء بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.