لقد كنت مترددا كثيرا في كتابة خطابي هذا مثل الكثيرين من القراء, ولكن عندما يصل الإنسان إلي مرحلة اليأس وانعدام الوزن فلا مفر ولا عيب في أن يطلب النجدة والعون من الله سبحانه وتعالي, ثم من المخلصين امثالكم..
فأنا ياسيدي رجل تجاوزت الخمسين من العمر وما أسرع مرور السنوات متزوج ولي ثلاثة أبناء في الجامعة, ولو عدت بشريط الحياة سريعا حيث أجد زوجتي قد اخترتها بعقل اعتمادا علي مستوانا الاجتماعي المتقارب وعاطفة الحب النبيلة في سني الشباب الساحر, وهدفنا تكوين أسرة بسيطة متحابة ترتبط بأمشاج الود والرحمة.. كافحنا ببسالة حتي أن أحدا لم يساعدنا بمليم واحد, كنت أعمل ما يربو علي ست عشرة ساعة يوميا, وتنقلت من عمل إلي عمل إلي أن شاءت إرادة المولي بأن أعمل في الأراضي المقدسة.. ولم تمض سوي شهور قلائل حتي كانت زوجتي معي ومعي ابنتي الوحيدة, ورزقت بابنة وابن في الغربة.. وحين وصلوا إلي سن الدراسة.. توصلنا إلي قرار مؤداه أن زوجتي والأولاد يقيمون بمصر ونتبادل الزيارات بحيث لا يمر وقت طويل دورن أن نتلاقي.. ونظرا للتكاليف الباهظة من جراء تلك الزيارات مع احتياجهم للمساعدة دراسيا ومع وجود الدروس الخصوصية أيضا شاء ربي أن أقرر الرحيل لمصر رغم معارضة رؤسائي في العمل ـ جزاهم الله خير الجزاء ـ قلت( أجمع أولادي حولي) ومعي زوجة تدبر لنا الأمور, ولا بأس يوم عسل وآخر بصل وترعي هذا وتشجع ذاك إلي أن نصل بأولادنا إلي بر الأمان
.. وأرجو منكم وضع عدة خطوط تحت أجمع حولي أولادي.. وبدأت رحلة الاستقرار بمصر.. وإذا بزوجتي قد انضمت إلي إحدي الطرق الدينية المعروفة وقد أخذت العهد من أختها.. فالانضمام إلي طريقة دينية شيء محمود( لا سمح الله لا أعارض فيه).. وإن كان طريق الجنة مفتوحا أيضا لمن لا ينتمي إلي طريقة.. ولكن وجدت أن زوجتي بشكل منتظم يوم الخميس اسبوعيا تسافر مع ابنتي الكبري, حيث إن الشيخ اختار مكان القاء محاضراته علي بعد نحو أربعين كيلو مترا خارج القاهرة, وتيسيرا علي الناس فقد سير باصات من أماكن عدة للذهاب إليه.. وطبعا إزاء هذا الوضع الذي لم أتعوده فقد خيرتها بين الحياة معي والذهاب إلي هناك, بدون تردد قالت أختار الطريقة.. وكنت حليما لأقصي درجة.. إن أولادي سيكونون ضحايا بأي كلمة يمكن نطقها أو تصرف عصبي مثلما يفعل الكثيرون.. هذا يا سيدي منذ سبع سنوات.. ومضت الحياة.. جزء صاف وكثير عكر, ولكن مازال الولاء الذي لا يخيب للطريقة والذي انحصر في شيخها الذي هو من أولياء الله الصالحين ومن نسل رسوله الكريم.. وإذا باليوم يصبح يومين, ولا بأس إلي خمسة أيام ولا بأس أيضا من الذهاب بعد الخروج من العمل, والحضور صباحا
إلي العمل مثلما الآن حال كتابتي لهذا الخطاب.. وامتد الأمر إلي أني لا أري ابنتي الكبري إلا في المنام, وها هي الصغري تسير علي نفس الطريق..
وخلال هذه الفترة لا بأس من طلب الطلاق.. تضعك في موقف أسوأ لتختار السييء وترضي به وتحمد الله عليه.. الموقف اليهودي في مفاوضاتها مع العرب, وهاهي يا أستاذي العزيز قد تركت المنزل منذ اكثر من شهر, كذلك أيضا بعد طلبها الطلاق ـ وذهبت للإقامة في شقة جعلني الله سببا في وجودها وإنفاق آلاف الجنيهات عليها ـ ورغم وجود الطرق القانونية لإحضارها ورغم المخالفة الدينية الجسيمة التي ترتكبها الآن, إلا أنني لا أحب أسلوب العيش بالقوة والقهر, وبعد مرور تلك الفترة فلا أحس إلا بفقد أولادي فهو ما يؤلمني حقا, فالبنت الكبري ياسيدي أصبح ولاؤها للشيخ أكثر من أبيها علاوة علي إقامتها بشكل دائم هناك, إلا إذا دعت الضرورة الملحة للمجيء.. الابنة الصغري والمتعثرة في دراستها حائرة بين أبويها والابن أيضا بين أمه تارة وأبيه أخري, ولم يفتح كتابا حتي الآن.. لم لا؟ فدور الأم أخطر كثيرا وأهم من دور الأب, هي المحور الذي تلتف حوله الأسرة.. وقد آثرت الهروب, وحتي تكتمل الصورة يا سيدي من جوانبها, فحينما حضرت للاستقرار بالقاهرة لم أجدها مثلما تركتها, فالوظائف أصبحت منعدمة وتحت ضغط المتطلبات المعيشية أضطررت إلي إنفاق كل ما ادخرته.. من علاج, وتعليم من دروس ومدارس, مأكل, ملبس. وزوجتي تروج أن سبب المشكلة هو عجزي عن الانفاق علي بيتي.. مع أن الزوجة الصالحة تتحمل مع زوجها إلي آخر المشوار, فهي معركة غلاء المعيشة التي تطحن ملايين البشر مثلنا.. وزوجتي تعلم تماما أين اتجه الإنفاق؟ ربما أساهم بجزء يسير جدا مقارنة بالماضي إلا أن الزوجة المدبرة تتحري كل الصعاب لتصل بقارب منزلها إلي بر الأمان.. أوليس من الأجدي أن توفر مصاريف رحلاتها المكوكية إلي كعبتها وإقامة أولادي هناك؟ ولو قلت ذلك أكون قد دخلت في خطوط حمراء غير مسموح بها..
يا سيدي.. إنني اكتب رسالتي تلك والبيت خال من سكانه.. وإني لأتساءل: هل تهدم أسرة وتشتت بين مكانين بسبب تلك الأشياء الغريبة؟ طريقة دينية أو مصروف قليل؟ أو ما شابه.. فالطرق الدينية تبني ولا تخرب, وتضع أو تغرس القيم الفاضلة بين أفراد المجتمع وأساسها الأسرة.. ولكن هل من المنطق أن يكون ولاء ابنتي للشيخ أكثر من ولائها لأبيها؟ وهل من المنطق أن تترك السيدة زوجتي عملها وبيتها لتقيم هناك حيث الدار؟. وهل من المنطق أن تجلس ابنتي هناك كقاعدة ووجودها بمنزلها هو الاستثناء؟ وهل يحتمل شيخهم أن يبتعد أبناؤه عنه ويعيش بتلك المرارة التي أعيش بها؟. ياسيدي إن أي عالم صغيرا كان أو كبيرا أحمله فوق رأسي ولكن لا ضرر ولا ضرار.. وهل أتحدث عن مدي تقديس السيدة زوجتي لشيخها.. وضع عدة خطوط تحت كلمة تقديس تلك, ولن استفيض في ذلك وأقول ياسيدي لا زوجة مثل زوجتي.. إن رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه قال: إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت وقال أيضا: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة وقال
أيضا: لا تشد الرحال إلا الي ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصي. وفي حديث آخر والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وقد جعلني الله سببا في أن تشد زوجتي الرحال في الزمان والمكان الحقيقيين, حيث الحج والعمرة مرات عدة.. ألا تتذكر زوجتي الفاضلة رحلة عشرتها الطويلة ورحلتها الروحانية في ساحات المسجد النبوي والمسجد الحرام؟
وفي ختام رسالتي ياسيدي.. فقد انتقلت من غربة هناك إلي غربة هنا, وبدلا من أن أصل في تلك السن إلي الراحة أجدني مطالبا بتحمل الصفعات ومشاق سن العشرينيات, ولكني راض كل الرضا بما يقسمه الله لي.. وسبحانه أشكره في الضراء كما في السراء وهذه هي الحياة.. وفي الختام أقول إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب صدق الله العظيم.
سيدي.. أخشي أن يكون تهاونك وتفريطك في حقوقك كرجل مسئول عن هذه الأسرة, سببا في جنوح زوجتك, وتأثيرها السلبي علي أبنائك. فعندما تتحدث عن هذه الطريقة التي تصفها بأنها دينية تقول إنها شيء محمود ولا أعارض فيه, لا يا سيدي; طريقة تدفع زوجة وابنتها إلي التمرد علي الزوج والأب, ليست شيئا محمودا, وكان عليك أن تعارضه منذ البداية, ولو كان شيخ هذه الطريقة صالحا لذكر زوجتك بقول الله سبحانه وتعالي في كتابه العزيز الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم, فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ولذكرها أيضا بأن صلاة المرأة في بيتها مفضل علي صلاتها في المسجد. فما بالها وهي تعصي زوجها, وتهجر بيتها وتسافر بدون إذنه لتستمع لشيخ الطريقة الذي لا أعرف إذا كان من الصالحين أم المدعين.
وقد كان مقبولا قديما شد الرحال إلي العلماء من أجل الاستزادة بعلمهم, أما الآن فالعلماء يطلون علينا كل ساعة في محطات التليفزيون المختلفة, فما سر ارتحال زوجتك الغريب الذي يدفعها إلي السفر والمبيت خارج بيتها بعيدا عن زوجها وأبنائها.. وهل تعرف يا سيدي أين تبيت زوجتك وأبنتك الآن؟
كان يمكنني تفهم سر جنوح زوجتك, إذا أغرتك الغربة, أو استعذبت فكرة البقاء بعيدا عن أسرتك بزعم جمع أكبر قدر من المال لتأمينهم, ولكن تصرفك كان حكيما عندما سعيت لجمع أبنائك حولك, ولكن للأسف خيبت زوجتك رجاك وهزت عرش البيت الهادئ بمزاعم مختلفة.
ودعني أقول لزوجتك إن من يشتري قفصا إنما يريد عصفورا, وأنت إذا كنت تذهبين إلي شيخ الطريقة سعيا إلي الجنة, فإن الطريق إلي الجنة يبدأ من بيتك, بطاعة زوجك ومشاركته في الضراء كما شاركته في السراء.. طريقك إلي الجنة يبدأ برعاية أبنائك وتنشئتهم تنشئة صالحة في جو صحي بين أب وأم متفاهمين, ورسولنا الكريم( صلي الله عليه وسلم) هو القائل ما استفاد المؤمن ـ بعد تقوي الله عز وجل ـ خيرا له من زوجة صالحة: ان أمرها أطاعته, وإن نظر إليها سرته, وإن أقسم عليها أبرته, وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله.
اذهبي إلي شيخك واسأليه عن حالك ومعصيتك لزوجك, واستعدادك لتدمير أسرة والانفصال عن زوجك من أجل ألا تنقطعي عن زيارته, فإذ لم ينهك عن فعلك, ولم يأمرك بالعودة إلي بيتك, فثقي وقتها في أنه غير أمين علي الدعوة ولا يستحق أن يكون شيخا أو عالما, لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, لا في معصية شيخ الطريقة.
سيدي.. انذر زوجتك للمرة الأخيرة, فإن لم ترتدع ولم تعد لرشدها, لا تتردد, طلقها, حفاظا علي ما تبقي لديك من إنسانيتك, وإنقاذا لأبنائك من هذا المناخ السييء, فأنت تري بنفسك ماحدث لهم في ظل حرصك علي عدم تدمير استقرار الأسرة, فأين الأسرة, وأين الاستقرار؟.. قد يكون هذا هو الاختيار الصعب, لكن البقاء علي هذه الصورة هو الأصعب, وإن لم تر زوجتك نعم الله التي كانت فيها وهي مغمضة العينين, فلن تراها لو فتحتهما.. وإلي لقاء بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.