أعلم أن رسالتي قد لاتري النور بين آلاف الرسائل التي تصل إلي بريدك, ولكن ادعو الله أن أجد لديكم بابا مفتوحا بعد أن سدت أمامي معظم الأبواب عدا باب رحمة ربي, الذي ادعوه ليل نهار في أن يساعدني علي أن أجد الحل الصحيح.
باختصار أنا ابنة متوسطة بين أخوة أكبر وأصغر, ومن عائلة ميسورة الحال. الأم سيدة عظيمة تفرغت لرعايتنا, وابي يعمل جاهدا لتوفير متطلبات الحياة, والحمد لله نجح الاثنان في المهمة وتخرجت أنا واخواتي من الجامعة, وشغل كل منا عملا مناسبا يفخر به, وتقدمنا في المناصب, تزوجت أختي واستقرت وتلاها أخي الأكبر ثم أخي الأوسط..
مشكلتي ليست غريبة علي بريدكم الموقر فهي مشكلة معظم بنات جيلي, ألا وهي تقدم سن الزواج, أنا الآن عمري قارب الثلاثين عاما وقد أعجب بي صديق لأخي, وفي نفس الوقت قريب زوجة أخي, وهو شاب ممتاز من جميع النواحي, كان ينظر إلي دائما علي اني أخت صديقه فقط, في الوقت الذي كان يتقدم لخطبة فتاة اختارتها له والدته, وبعد أشهر قليلة تنتهي الخطبة لاكتشافه عدم توافقه مع الفتاة وانها ليست من يريد أن يكمل معها حياته, وتكرر هذا الموقف أكثر من مرة, وفي كل مرة تكون والدته هي التي تختارالعروس وهي التي تلح عليه أن يتقدم للخطبة حتي تفرح به, وهي التي تعبت طوال سنوات عمرها كي تربيه هو وأخاه الوحيد حين مات والدهما وتذكره كم شقيت وتغربت كي تؤمن له ولأخيه مستقبلا ممتازا وانها ترملت ولم تفكر في الزواج, بل في العمل والعمل فقط.
وفي كل مرة كان يذهب ليخطب فتاة كنا نتحدث كأصدقاء ويأخذ رأيي وندردش في أمور عادية جدا, إلي أن صارحني بأنه يحبني, وانه عندما كنا نتحدث كان يعجب بآرائي المتفتحة وعقلي الراجح وشخصيتي الملتزمة, وانني الفتاة التي يتمني أن يكمل معها حياته ولايري أي مانع من أن يحدث أخي,ويفاتحه في الموضوع, وهو صديق العمر, إلا أنه فضل أن يأخذ مباركة أمه أولا ثم يفاتحه, ولكن لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن.. فعندما فاتح والدته في هذا الموضوع متخيلا أنه لا مانع لديها, فهي تريد أن تراه سعيدا وقد اختار فتاة أحلامه ولايبقي غير خطوات بسيطة حتي يكتمل الحلم, فوجئ برفضها وثورتها العارمة وغضبها الشديد حين علمت سني, حيث أنني أكبر منه بعدة شهور وأني تخطيت السن المناسبة للزواج والتي هي في اعتقادها ما بين العشرين, والثلاثة والعشرين عاما, وغير ذلك فهي لا تصلح, تخيل ياسيدي السبب الغريب وغير المنطقي, والذي حتي الآن لا أستطيع فهمه, وهي السيدة العملية التي تشغل منصبا مرموقا خارج مصر, والتي لديها من الثقافة والنضج ما يكفيان لتخرج بسبب أكثر إقناعا من هذا السبب..
وظلت تذكره بأنها ترملت وتعبت وشقيت عليه هو وأخيه حتي تراهما رجالا لا يعصيان لها أمرا, وكأنها تملكتهما, وليس كفاحها شيئا عاديا تقوم به أي أم عادية, وأن هذه هي رسالة الأم أن تتعب وتشقي من أجل أبنائها, وأن عصيانه لها صدمها وأنها الآن فهمت لماذا لم تكتمل خطبته لأي من الفتيات اللائي تقدم لهن حتي وصلت بتفكيرها انني ولابد سحرت له وعملت له عملا!!!
اقسم بالله انني أتعجب أن هناك أناسا تفكر بهذه العقلية العجيبة خاصة هي المتعلمة المثقفة صاحبة الشهادات العالية.
وبالطبع بدأت المعركة التي تخيلتها هي, بأن ابنها يتمرد عليها وانني قد غسلت له عقله ومحيت تفكيره وسيطرت عليه وانني طامعة فيما لديه من امكانيات.. هذا إلي جانب ان هذه الخطبة لو فرض وتمت ولم تنجح فهي تهدد أمن واستقرار بيت قريبته لأنها متزوجة من أخي, وهذه علاقات متشابكة ومتداخلة قد تتأثر بها العائلتان إلي آخره من الكلام العجيب والجارح الذي وصلني عن طريق زوجة أخي والتي للعلم لم تحكي لأخي أي شئ خوفا من تأثير علاقته بها حين يعلم أن قريبتها ووالدة صديق عمره ترفضني كزوجة لابنها..
وهددت بأنه لو أكمل المشوار فسيكمله بمفرده دون أي مساعدة مادية أو معنوية منها, متخيلة أن هذا سيرجعه عن تفكيره, ولكنها فوجئت أنه مازال مصرا وبشدة.
تطورت الأمور وأصر هو علي أنه يريدني وأصرت هي علي الرفض, متعللة بأنه يعصاها ويغضبها, حتي أنه لجأ إلي دار الإفتاء ليأخذ منها الرأي السديد والذي أقر أن زواجه مني رغم عدم موافقة أمه ليس فيه عصيان لها وأنه بلغ سن الرشد ويستطيع أن يزوج نفسه بنفسه..
لم تفلح محاولاته معها ولا محاولات كل الأطراف التي تدخلت كي تغير رأيها, حتي وصل الأمر إلي أنها تشاجرت مع الجميع وزادت اصرارا علي الرفض, حتي انها انهارت في مناقشة من المناقشات واتهمته بأنها لوحدث لها شيء فسيكون بسببي وسبب إصراره علي عصيانها, وبالطبع أنا أعرف كل ذلك, وقلبي يتمزق من الحزن, وأتساءل لماذا وهي التي لاتعرفني عن قرب ولكن تعرف أخي والبيت الذي خرج منه والتربية التي تربي عليها؟
وهل خطئي أنني لست بنت العشرين؟ وهل ذنبي أنه يريدني وأنا أريده؟
ماذا أفعل ياسيدي؟؟ لا أريد أن أبدأ حياتي بخلافات قوية كهذه, وفي الوقت نفسه فكر هو في أن يأتيني بمفرده, ولكن أعلم جيدا رأي أبي في هذا الموضوع, فأبي لن يرتضي بأن يزوجني دون موافقة والدة العريس, ولن يلقي بي في زيجة بدايتها رفض لابنته, وأنا لا أعرف هل أستطيع أن أخطو مثل هذه الخطوة وادخل في معركة لإثبات انني جديرة بهذا الرجل, واني لست طامعة, ولست سيئة كما تتصور والدته؟
ماذا أفعل ولا أحد يعلم كل ما يجري من عائلتي حتي الآن, وليست لدي الشجاعة أن أخبر والدتي بهذا الرفض المهين لابنتها. لا أستطيع أن أضع أسرتي في هذا الموقف.
سافرت والدة حبيبي حاملة معها حلمنا الجميل وحطمت قلبينا وحولت أيامنا إلي كابوس مفزع, هو منهار تماما من إصرار والدته علي الرفض, وأنا أذبل وأنا أظلم دون ذنب جنيته, والأيام تمر طويلة والليالي تمر ثقيلة وأنا أنتظر فرج ربي.
أريدك أن تدلني علي الطريق, فأنا أحبه حقا وأريده وأراه رجلا يستحق الوقوف أمام الكون من أجله.. وهو يحبني ويعدني بأنه لن يتنازل عن حلمه بأن أكون زوجته وأم أولاده.. فما العمل؟ أرجوك أن تقول لها كلمات قد تؤثر فيها وتعلم أنها تقف في وجه سعادة اثنين لا ذنب لهما.
أرجو ألا تكون قاسيا في ردك, فأنا عانيت من القسوة مرارا وأملي في رحمة ربي وحكمة ردودك التي شجعتني علي أن أكتب إليك..
{ عزيزتي.. للأسف, تفكير هذه الأم المتعلمةالمثقفة, هو تفكير الكثيرين في مجتمعاتنا بإدانة البنت عندما يتأخر بها سن الزواج, وكأنها مسئولة عن هذا التأخير, في حين ينسي كل فرد في المجتمع أن هذه مشكلة عامة نتيجة لظروف عديدة ليس من بينها أبدا البنت نفسها, لذا لم يعد غريبا أن تتزوج البنت عند سن الثلاثين أو أكثر دون أن يدينها ذلك أو ينتقص من قدرها.
واسأل هذه الأم المتعلمة المثقفة التي أفنت عمرها ــ ولها كل التقدير والاحترام والطاعة علي تضحياتها ــ ماذا لو كانت لديك ابنة في مثل ظروف هذه الفتاة, ووقفت منها أم شاب تحبه ويحبها نفس موقفك الآن؟ لا أعتقد أن اجابتك ستتوافق أبدا مع موقفك القاسي المنقاد إلي فكر جماعي غير ناضج.
سيدتي الأم, نجحت في تربية ابنك, ولك عليه كل الطاعة, ولكن في أمر الزواج, عليك النصح وإبداء الرأي, فإذا رأيت منه تمسكا عن نضج ووعي وحب, فليس أمامك إلا احترام رغبته ومساعدته في تحقيقها. فلكل إنسان بالغ راشد, حق إختيار حياته ومن يشاركه فيها, وسيجني ثمار إختياره بالسعادة أو الشقاء, لقد ارتبط ابنك من قبل وفشلت خطبته, فلا تحرميه من سعادته, ولاتدفعيه إلي عصيانك وهو الابن البار الحريص علي إرضائك, وها هي دار الافتاء تؤيده فيما يريد أن يذهب إليه, فلماذا تشقيه وتعذبي نفسك, لمجرد تحقيق إرادتك, أتمني أن تراجعي نفسك, وتحتضني ابنك وفتاته, وتباركي هذا الزواج, بدلا من أن تندمي قبل فوات الأوان. لقد عشت حياتك باختيارك, وليس من حق الآباء, أن يفرضوا علي أبنائهم أن يعيشوا حياتهم بنفس اسلوبهم وبطريقة تفكيرهم, فالانسان يعيش مرة واحدة ولن يستطيع مهما فعل أن يعيش مرتين بالسطو علي حياة أبنائه, إلا من خلال دعمهم وحبهم وطاعتهم ودعائهم لآبائهم.
أما أنت يا عزيزتي الشابة الصغيرة, فتمسكي بموقفك, ولا تتراجعي عنه, ولا تخذلي هذا الشاب, ولاتشعري بأي هوان, فعمرك طبيعي وليس عارا عليك وعلي أسرتك, فاتحي والديك في الموضوع بكل هدوء وأخبريهما بموقفك الواضح بأنك لن تتزوجي إلا هذا الشاب المتمسك بك إلي آخر مدي, وأتمني أن يتفهم والدك, ولايكون وجها آخر لوالدة تلك الشاب فيظلمكما هو الآخر. وأتمني قبل ذلك أن تأتي الموافقة من والدة العريس لتدخل السعادة إلي كل القلوب المحبة. ومبروك مقدما وإلي اللقاء بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.