أنا رجل أعمال عمري56 عاما.. علي مدي ثلاثين عاما وهبت حياتي للعمل, حتي أؤمن حياة كريمة لأسرتي الصغيرة المكونة من زوجتي وابني وابنتي. ونجحت في إنشاء مصنع يدر دخلا ساعدني علي تكوين ثروة لا بأس بها.
سارت حياتي هادئة مستقرة, تدعمني زوجتي مقدرة ما أعانيه من تعب وشقاء لأجلهم.. أدخلت إبني وابنتي مدارس فرنسية, وحرصت علي تنشئتهما علي احترام الكبير ومراعاة قيم مجتمعنا, وقبل كل ذلك الإخلاص في طاعة الله ومراعاة تعاليمه وأوامره ونواهيه.
واجهت في حياتي عثرات وأزمات نفسية, أدت إلي خلافات مع زوجتي, ولكني تحملت حتي تخرج ابني في كلية التجارة, وابنتي في كلية الآثار, بعدها أحسست أن من حقي أن أستريح قليلا, فاتخذت قراري بالزواج من أخري, لم أكن امر بحالة من المراهقة التي تصيب بعض الرجال بعد الخمسين, فأنا لم أتزوج بفتاة صغيرة, بل تزوجت بإمرأة فاضلة تصغرني بست سنوات, ولكني لا أريد الخوض في مبرراتي للزواج بأخري, احتراما لخصوصية علاقتي الأولي, ولا أريد الآن مناقشة مدي صحة هذا القرار من عدمه, لأنه ليس هو المشكلة التي تواجهني, وإن ساهم بشكل أو بآخر في تفاقمها.
فمنذ أربع سنوات, وبدون سابق إنذار وقع الزلزال الذي هز أركان حياتي واستقراري وأمني, فقد أخبرتني إبنتي أن شخصا ما يريد أن يحدد موعدا لمقابلتي بطلب يدها, ففرحت كثيرا كأي أب, وحددت له موعدا وانتظرته بكل شغف.
في الموعد المحدد, دخل علي رجل أسمر, يبدو من ملامحه أنه أكبر من ابنتي بعشر سنوات علي الأقل, يتشدق بـ لبانة في فمه, وقال لي بلهجة مستفزة لقد جئت حسب الموعد المحدد, حاولت أن أهرب من حالة الاستفزاز التي انتابتني, وقلت ربما الجوهر غير المظهر, سألته عن مؤهلاته وعمله وما يملكه ليؤسس حياة زوجية مستقرة, فاكتشفت أنه لا يحمل أي مؤهل دراسي, وكان يعمل مدربا مساعدا لكرة اليد أشبال بنات في أحد الأندية الكبيرة, ودخل هذه المهنة عن طريق والدته التي تعمل عاملة بغرفة خلع ملابس السيدات في هذا النادي.
صدمتني المعلومات التي يلقي بها في وجهي, وصدق حدسي الأول في أنه نصاب استدرج ابنتي بمشاعرها البريئة طمعا في ثروتي, فسألته: لو لك ابنة مثل ابنتي وتقدم لها عريس مثلك, هل كنت توافق عليه؟ فرد بكل برود: لأ طبعا وعارف إني مش عريس مناسب.
يمكن لأي أب أن يشعر بحجم الصدمة التي ألمت بي, هل هذا هو اختيار ابنتي, خريجة المدارس الفرنسية؟.. هل هذا هو الإنسان الذي أحبته وتريد أن تكمل حياتها معه؟ أعلنت غضبي في وجه ابنتي, وذهبت أجمع معلومات عن هذا العريس النصاب.. فماذا وجدت ياسيدي؟ وجدت نصابا كامل الأوصاف, عديم الضمير والأخلاق, تاريخه ملئ بالسواد, إعتدي علي فتاة من المتدربات بعد أن ألقي بخيوط الحب حولها, وعندما طالبته بالزواج كما وعدها, تملص من وعودها, فما كان منها إلا أن حاولت قتله وطعنته بسكين في صدره ولكن للأسف لم تقتله, وإن تركت علي صدره علامة تشهد بوزره إلي يوم القيامة,. لم يفق من فساده, ولم يع الدرس, فما أن برئ مما به, حتي لاحق فتاة أخري ابنة تاجر أخشاب كبير صاحب مركز اجتماعي مرموق, ترك قبل وفاته لها ثروة كبيرة, فأحبته وتزوجته, ليستولي بعد ذلك علي كل ثروتها, ويودعها مستشفي الأمراض العصبية والنفسية, طلقها بعد ذلك تاركا لها عاهة مستديمة وهو يضربها.
خرج من هذه الزيجة, ليصطاد فريسة جديدة, امرأة مطلقة لديها طفلة صغيرة, ظل معها حتي استنفد كل ما معها من أموال وأمعن في تعذيب طفلتها, وفي الوقت الذي قررت فيه السعي إلي الطلاق, فوجئت بأنها حامل في توءم, وحكي لي والد تلك المرأة التعيسة أنه فكر في نزع أنبوب الأوكسجين عن الطفلين وهما في الحضانة حتي لايبقي ما يذكره بهذا الرجل, ولكن قلبه لم يطاوعه وخشي انتقام الله سبحانه وتعالي, وطلقت منه بعد ذلك قضائيا بعد مناورات عديدة, وهذه المرأة ترفض رؤية طفليها حتي لايكون لها أي صلة بهذا الرجل.
سيدي, أعرف أني أطلت في سرد جرائم هذا الرجل, ولكن هذا قليل مما عرفته من نصب وسرقة.
كدت أفقد عقلي مما سمعت, فأنا كأي أب أتمني حياة كريمة لابنتي الوحيدة, أخبرتها برأيي ومكثت شهرين أعدد لها مساوئه وأنه غير جدير بها, وانها ستحب غيره وستعرف كم كان اختيارها سيئا, واعتقدت أني قد نجحت في إقناعها إلي أن جاءني الرد الصدمة.
تسلل الشيطان إلي عقل ابنتي وأقنعها بالهرب من منزلنا لتتزوج منه سرا, تزوجته في منطقة الدرب الأحمر بدون وجود أي شخص من عائلتها وبشاهدين لا تعرفهما.. لقد استغل الشيطان الأزمة التي في البيت بسبب زواجي بأخري, وحب ابنتي الشديد لي وتعلقها بي, فأقنعها بأني لا أحبها وبحثت عن سعادتي علي حسابها وحساب والدتها, وأني طالما تزوجت بدون علمهم فعليها أن تفعل مثلي طالما أني مثلها الأعلي.. تزوجت بدون ولي, وذهبت معه إلي شقة متواضعة في منطقة شعبية لتربي له طفلتين من امرأة أخري.
ليت الأمر توقف عند هذا الحد ياسيدي.. فعندما حاولت إنقاذ ابنتي مما وقعت فيه, فوجئت بها تحرر لي محاضر في أقسام الشرطة وتتهمني باطلاق النار عليها, ووصل الأمر بها إلي الاتصال بي لسبي بأقذع الشتائم.. هل هذه هي ابنتي التي احتضنتها وهي صغيرة؟.. هي التي نطقت إسمي حرفا حرفا, هي التي هجرني النوم طوال عمرها وأنا قلق عليها من المرض والطريق والهواء؟ ابنتي تقول لي سأقطعك إربا بالسكين؟!
مرارة لاتغادر حلقي, مرارة ازدادت مع ما حدث بعد ذلك, لقد نجح زوجها الشيطان في التسلل إلي بيتي, حرض زوجتي علي أن ترفع ضدي دعوي تطليق, بعد أن أوشكنا علي تجاوز الأزمة ووضعنا معا سيناريو لاستعادة ابنتنا.
اكتملت المأساة بعد ذلك بابني الكبير, ذراعي اليمني في كل أعمالي, ابني الذي اشتريت له سيارة مرسيدس, وشقة ثمنها مليون جنيه, تركني هو الآخر فجأة بعد أن صور له شيطان الإنس أني سأطرد أمه من الشقة إذا حصلت علي الطلاق من المحكمة, فانقلب علي هو الآخر, يتصل بي ليسبني, ويشيع من حولي اتهامات باطلة لدي أصدقائي من رجال الأعمال.. باعني وبعدها باع سيارته, أتمزق وأنا أراه يعاني ماديا, أدعوه للعودة والتوبة, فيتمرد علي ويواصل سبابه.
سيدي.. لقد حكيت لك باختصار, ولست مضطرا للكذب أو الادعاء, فما اختصرته من المأساة تفاصيل لا تعني الكثير.. لقد أدليت بحكايتي وأنا ألملم أشيائي, أوقفت نشاطي رسميا وأستعد حاليا لعرض مصنعي للبيع وأفكر في السفر بعيدا, فقد أعياني المرض, وأصبت بجلطة في المخ.. أتألم كل يوم, مرة عليهما وأخري منهما.. كنت أتمني أن يعيشا في خير أبيهما, ويشعرا كم أخطآ في حقي, وعصا أوامر ربهما في طاعة الأب وإكرامه, فأدعو عليهما وأخشي أن يستجيب الله لدعائي, فأطلب منه ــ سبحانه وتعالي ــ هدايتهما وإنارة بصيرتهما لعلهما يرجعان عن خطئهما, لنجمع شمل الأسرة من جديد, فأنا لا أرغب في تطليق أمهما, ولا أتمني لهم المعاناة في الحياة, ولكني لا أقبل بوجود مثل هذا الشيطان بيننا بعد ما فعله بأسرتي وبأسر غيرنا.
أكتب إليك, لعلهما يقرآن, ولعل قلبيهما يرقان, ويتذكران كيف رعيتهما وأعتنيت بهما حتي كبرا وتخرجا في الجامعات, واليوم ينفضان من حولي, وماتبقي في الحياة قصير قصير..
سيدي.. ليس أمامي إلا تصديق كل ما جاء في رسالتك, فإذا كان صدقا, فإني أحس بكل آلامك وعذاباتك, فمن غرائب الدنيا التي لاتتوقف عجائبها أن بعض أبنائنا هم أعداء لنا.. ولكن دعني قبل أن أتحدث إلي ابنك وابنتك وأمهما, أطرح عليك أسئلة تستوقفني وتستعصي علي إجاباتها: إذا كنت قد أحسنت تربية إبنيك, فما الذي حدث لهما فجأة لينقلبا هذا المنقلب السيئ؟.. وإذا سلمنا بأن ابنتك إنجرفت خلف مشاعرها تجاه هذا الشيطان, فما الذي يدفع ابنك إلي التضحية بما يرفل فيه من نعيم معك, مستمتعا بثروتك, لينضم إلي معسكر الأشرار, مغردا خارج سربه, لمجرد معلومات كاذبة وصلت إليه؟.. وكيف لابنتك المتعلمة ابنة المدارس الفرنسية أن تنجرف وتتزوج بمثل هذا الشيطان وهي تمسك بيديها كل مساوئه, نعم الحب أعمي ولكنه يستعيد بصره بعد الزواج, فهل مازالت عمياء أم أن من تعاشره ساحر؟!
أيا كانت الاجابات, وحتي لو كان هناك في حياتك ما يعاقبك الله عليه, أو كان ابتلاء من الله سبحانه وتعالي, فلا يوجد في الدين أو في الأخلاق ما يبيح لولديك أن يفعلا ما قاما به تجاهك.. ولا أعرف ولا أفهم من أين أتتهما هذه القسوة وهذه المعصية فيأتيان بأكبر الكبائر كما قال رسولنا الكريم: ألا أدلكم عل أكبر الكبائر؟ قالوا: بلي يارسول الله. قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وهل بعد هذا عقوق. إن الله جل شأنه أمرنا في كتابه الحكيم: وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا, شرك به سبحانه وتعالي ولم يأمر بالخروج عليهما أو زجرهما وإنما مصاحبتهما بالمعروف, فكيف يكون حالكما والله ـ عز وجل ـ لم يفعل؟
أيها الابن المارق عد إلي رشدك واسمع قول نبينا الكريم فأنت ومالك لأبيك, فلا تذهب إلي الكفر بإرادتك فمن رغب عن أبيه فهو كفر صدق رسول الله. قد يخطئ الأب, يقسو, يغضب, يزأر مثل الأسد لكنه لا يلتهم صغيره أبدا, تغفو كل القلوب حولك إلا قلبه, فلا تفقد هذا القلب ولا تجعله يغضب فيرفع وجهه إلي السماء لأنه لو فعل ستكون دعوته مستجابة.
وأقول لشقيقتك: من أين جاءتك هذه القسوة ياصغيرة, حتي لو اندفعت خلف قلبك, كيف تجرأت علي سباب والدك, لقد تألمت وبكيت عندما قرأت تلك الرسالة التي بين يدي والدك, تلك اليدان اللتان حملتاك صغيرة وضمتاك إلي صدره, وأتت إليك باللعب والحلوي.. تسبين أباك وتهددينه بالقتل, لماذا؟ لأنه اعترض علي زوج يراه لايليق بك.. هل تنعمين الآن راضية عن نفسك مع مثل هذا الزوج, كنت أتمني أن يمنعك من التجاوز مع والدك ليبرهن أنه رجل بمعني الكلمة, ولكن تصرفاتك تكشف عن دوره في الإساءة إليك وإلي أقرب الناس إليك.
أما الأم, فقد ألتمس لها العذر في غضبها لأن زوجها بعد كل هذه السنوات ذهب وتزوج بأخري سرا, ولكنه في النهاية لم يرتكب إثما, نعم أخطأ في حقك, وعليك أن تقبلي الاستمرار أو ترفضي, ولكن ليس من حقك أن تعيني ابنيك علي معصيته والتطاول عليه, وتزيدي من الشرخ الذي أصاب جدار العائلة التي كانت سعيدة.
أيتها الأسرة التي كانت يوما سعيدة, إن الحياة منفي قصير, والعاقل هو الذي لايقضيها في عراك ويمتلئ قلبه بالشر تجاه من كان يحب, الأمل باق, مادام العقل موجودا, واليد اللينة تقود الفيل بشعرة, فهل تجتمعون وتبادرون بالمحبة وبطلب المغفرة والعفو من الله سبحانه وتعالي, فهو الغفور الرحيم, وقد يرفع غضبه عنكم ويصل ما انفصل ويعود الحب إليكم بدلا من كل هذا العذاب.. وإلي لقاء بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.