لا أدري من أين أبدأ, لم تأتني الجرأة من قبل لكي أكتب إليك إلا هذه اللحظة حيث وصل بي الألم إلي ذروته. فأنا ممن يعشقون هذا الباب ولكن لم أكن أعرف أنني سأكون واحدة ممن يكتبون إليك.
أعرف جيدا حكمك علي, ولا ألومك ولكني أحتاج إلي من يرشدني إلي وسيلة لعقاب النفس حتي تهدأ ويرتاح الضمير, وأنا علي ثقة بأنه لن يرتاح الضمير لأن عقاب الله ينتظرني ولكن لم أيأس من رحمة الله فإنه يغفر الذنوب.
أنا يا سيدي زوجة في الثلاثين من عمري تزوجت منذ تسع سنوات لم أكن أعرف معني الحب إلا في قصصي التي كنت أكتبها تمنيت أن أعيش قصة حب فعشتها علي الورق, فتربيتي منذ الصغر حرمت علي التعامل مع الرجال فتخرجت في الجامعة وأنا أتمني أن أقابل من يحبني وأحبه, ولكن خوفي من أسرتي جعلني ابتعد كل البعد عن الرجال فأنا رومانسية إلي أبعد درجة واجتماعية بشكل مفرط وذلك كلما أتيحت لي الفرصة, إلي أن تقدم لي شخص فيه صفات الزوج المناسب فوافقت علي الفور وأحببته قبل أن أراه لأني كنت في حالة من اللهفة حتي أفرغ كم الحب الذي بداخلي تجاه أي شخص ارتبط به, امتلأت أركان بيتي بهذا الحب ومرت السنون بي وأنا في حالة من السعادة لأنني شعرت بالاستقلال عن أسرتي التي كانت دائما تحجم علاقتي بالناس وتحرم تعاملي معهم..
ولم ينغص علي حياتي إلا أنني أكتشفت أن زوجي غير قادر علي الانجاب وهذه هي مشيئة الله, لم اعترض عليها وتعاملت مع هذه الأزمة في البداية بكل قوة وشجاعة ولم أشعر زوجي ولو للحظة بأني في حاجة إلي الإنجاب فتعلق بي كثيرا وكنت أنا كل حياته حيث لا يستطيع العيش بدوني ولكن يا سيدي الفاضل لم تدم هذه السعادة حيث بدأت الأفكار تراودني وبدأت أشعر بالوحدة كلما مرت سنة من عمري, إلي أن أتممت الخامسة والثلاثين من عمري شعرت بعدها بأني اقتربت من السن التي لا تستطيع فيه المرأة الانجاب, انقلب كياني وبدأت أفتعل المشكلات, كل هذا وأنا غير راضية عن نفسي وطلبت الطلاق أكثر من مرة ولكني سرعان ما أشعر بمدي احتياج زوجي إلي ولمعرفتي أن حياته ستهدم إذا انفصلنا, ولكن يا سيدي الوحدة كانت تدمر حياتي حيث إن زوجي يتغيب لساعات كثيرة عن البيت فبدأت أشغل نفسي بحفظ القرآن والذهاب لحضور دروس دينية, ولكن ذلك لم يكف, فشبح سن اليأس يطاردني وبدأت أعيش حياة غير حياتي تغيرت المفاهيم لدي بعدما كنت رمزا للهدوء والطاعة حتي بين زملائي في العمل. بدأت أعيش كمراهقة صغيرة.
وتعرفت علي شخص عن طريق المحمول بالمصادفة لا أعرفه ولا يعرفني فقد كان الاتصال عن طريق الخطأ ولكن بدأ الكلام بيننا يأخذ منحي آخر و.. أصبحنا لا نستطيع أن يمر يوم دون أن نتحدث مع بعضنا, تحدثت معه عن كل حياتي وهو أيضا حكي لي كل ظروفه وحياته فوجدت فيه من يشغل وحدتي وفراغي ولم أعد أفكر في شيء سوي الحديث معه, كان كلامه معي بمثابة المخدر الذي يسكن آلامي ووجدت نفسي أحبه كما أحبني والعجيب في الأمر أن حياتي بدأت تستقر مع زوجي فلم أعد أفكر في الانجاب
حيث جعلني هذا الرجل أفكر كيف أعيش اللحظات الجميلة فقط. ظلت علاقتنا شهورا عديدة علي التليفون وهو لم يرني حيث كان في بلد غير الذي أسكن به أصبح شيئا اساسيا في حياتي لا استطيع النوم إلا إذا تكلمت معه, ولكن كلما تعلقت به أقرر الابتعاد عنه, فكان عذابي يزداد يوما بعد يوم فخوفي من الله كان يلازمني في كل حين, ابتعدت عنه كثيرا ولكن سرعان ما أعود إليه بشوق أكثر من ذي قبل, كنت أصلي كثيرا وأدعو الله أن يباعد بيني وبينه, لكن ما استطعت حتي جاءت الفرصة للقائنا لم أكن أعرف ماذا أفعل شعرت بأن الأرض ترتجف من تحتي كأنني فتاة مراهقة تقابل محبوبها الذي غاب عنها طويلا وهو كذلك
لم يتمالك نفسه عندما رآني, تكررت لقاءاتنا وأخطأت معه ويعلم الله أني لم أكن أتصور أني في يوم من الأيام سأرتكب مثل هذا الذنب العظيم, لم أدرك مدي فظاعة هذا الجرم إلا بعدما ارتكبته, ولولا أن الله سترني لكنت طلبت أن يقام علي الحد حتي أشعر بأني تبت توبة نصوحا. أدعو الله أن يغفر لي هذا الذنب وأنا علي أمل أنه سبحانه وتعالي سيرحمني.
ولكن يا سيدي الفاضل عذابي الأكبر هو عذاب ضميري بعدما فرطت في حق زوجي, أشعر في كل لحظة بأني لا أستحق العيش معه, ولذلك لا أطلب منك أن تقسو علي لأنه لا جدوي من القسوة, لأني لا استطيع أن أغمض عيني من شدة ما أنا فيه من العذاب. أريد يا سيدي أن أعاقب نفسي حتي أرد لهذا الزوج اعتباره ماذا أفعل بالله عليك ؟ هل أطلب الطلاق حتي أطرد من جنته التي فرطت فيها بعبثي واستهتاري أم أصارحه وأتركه يفعل بي ما يشاء؟ علما بأنني جربت الانتحار ولكن فشلت المحاولة, أرجوك لاأريد ردا عاديا تعدد فيه عيوبي فأنا أعرفها جيدا علي الرغم من أن الناس يشهدون لي بالالتزام والوداعة كلما تعاملت مع الآخرين بكل احترام وحب, أريد أن أصارحهم بأني لست كذلك وأنا لا استحق هذا الحب.. أرجوك يا سيدي هل الطلاق هو الحل الوحيد لعقاب النفس أم لا؟.
* سيدتي... لن أقسو عليك ولن أواجهك بعيوبك أو بخطيئتك, فرسالتك تكشف الحال الذي وصلت اليه من احساس بالذنب وعذاب الضمير الذي سرق هناءك واستقرارك, بعدما فرطت في سعادتك التي كانت سهلة ومتاحة بين يديك, واتكأت كذبا ووهما علي ما سميته سن اليأس لتعيشي كمراهقة صغيرة وتستسلمين لمغامرة محفوفة بالمخاطر من خلال مكالمة خاطئة تقودك في النهاية إلي وحل الخطيئة.
سيدتي... تعالي نؤجل الإجابة عن أسئلتك, حتي نفهم ما الذي يقود امرأة فاضلة ـ تؤدي فروضها وتحفظ القرآن وتحرص علي حضور الدروس الدينية ـ الي هذا الطريق المظلم.. هل هو فعلا إحساسك باليأس من الإنجاب, أم أنه الفراغ الذي تركه غياب زوجك الطويل عن البيت؟
إن خطيئتك بدأت ياسيدتي عندما قررت الاستمرار في علاقتك الزوجية مع رغبتك الملحة في الإنجاب, وإحساسك المفزع بالعمر, علي الرغم من انك لم تصلي بعد إلي ما اسميته سن اليأس, فمازال احتمال حملك وارد إذا أراد الله سبحانه وتعالي أن يرزقكما بالأبناء, فمن هم في مثل حالتك نساء ورجالا إما أن يقبلوا ويرضوا بما قسمه الله لهم, قانعين بالسعادة التي من بها عليهم, مخلصين لشريك الحياة, وإما أن يسعوا الي الطريق الثاني, بالانفصال بالمعروف دون إيذاء أو ضرر لشريكهم, بحثا عن فرصة مع شخص آخر.
ولو خير أي رجل, في مثل وضع زوجك, بين الانفصال عن حبيبته وشريكة حياته وبين أن تخونه, لاختار بلا تردد الخيار الأول.
ولكنك سيدتي ـ لم تدعي له خيارا, قبلت الاستمرار معه, وسمحت لنفسك بخيانته, وكأن هذا ثمن استمرارك معه, فعلاقتك بهذا الرجل لم تحل مشكلتك الأساسية وهي عدم الإنجاب, ولكن الحقيقة التي يجب عليك مواجهتها انك كنت ضعيفة الإيمان, فلم يملأ قلبك, وحاصرك الفراغ, وبدلا من أن تطلبي من زوجك الطيب مزيدا من الاهتمام أو البحث عن وقت أطول يجمعكما, استسلمت لمغامرة طارئة, ممنية نفسك بمكالمات دافئة يرعاها الشيطان, ويقودك خطوة خطوة الي طريق السقوط.
إن الله لم ينهانا عن الزنا, ولكنه سبحانه وتعالي نهانا عن الاقتراب منه, عن الابتعاد عن المقدمات التي تقود اليه, فنحن بشر يغلبنا الضعف, ولكن الشيطان يوحي إلينا بأنها مكالمات نشغل بها وقتنا, تمنعنا وتوهمنا بالشبع, فنؤكد لأنفسنا عشرات المرات, إن الأمور لن تزيد علي هذا الحد, ولا نفيق إلا ونحن غرقي في الخطيئة, انها لعبة الشيطان المتكررة منذ بدء الخليقة, هو لم ييأس, ونحن لم نتعلم الدرس من أبينا آدم وأمنا حواء.
لكل هذا ياسيدتي لن يهدأ قلبك ويرتاح ضميرك, إلا إذا تبت توبة صادقة, يتقبلها الله فيغفر لك ويتوب عليك مما أنت فيه.
أما عن زوجك فليس من الحكمة أبدا أن تعترفي له بما ارتكبت في حقه وحق نفسك, لقد سترك الله, فلا تهتكي سترك, ولا تفكري الا في إسعاد زوجك والرضا بما قسمه الله لك.
ولأننا بشر, قد تستقيم بك الحياة وتمر عليك الأيام, فتنسين كما ينسي البشر خطاياهم, ويعاودك الاحساس بالوحدة وبالعمر, وقتها لاتضعي نفسك فريسة للشيطان ولمغامرة أخري تحت أي مسمي, وسارعي بطلب الطلاق, واختاري الطريق الذي يناسبك دون إيذاء أو ألم لشريك حياتك الذي أحبك وأخلص لك ولم يكن له أي ذنب فيما حرمت منه.
غفر الله لك وهداك وتاب عليك بإذنه وحده الرحمن الرحيم التواب الغفور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.