حضن الحبيب ... قصص حقيقيه




أنا سيدة قضيت حياتي كلها أحرث البحر وأحصد الملح‏,‏ تتناقلني دوامات الحياة واليوم وقفت أمام ربي أتهجد وأقر له بأنني قد هزمتني الدنيا‏,‏ جردتني من كل مقومات الحياة‏.‏ اليوم وقفت علي شاطئ الحياة لا أملك أي شئ يعينني علي استكمال المشوار ـ فلانقود‏,‏ ولاعمل‏,‏ ولا وضع اجتماعي‏,‏ لاملابس جيدة تعكس شخصيتي وتعزز كياني‏,‏ لا أصدقاء‏,‏ لاجيران لا أمل في غد‏,‏ كل ماسوف يجول بخاطرك سأقول لك لا‏,‏ إلا من قدر كبير من إيماني بربي وحب لايزيده حرماني من الدنيا إلا وصلا وقوة‏.‏
نشأت في أسرة فقيرة تجرعت مرارة الفقر وسنوات كنت أستيقظ من نومي لا أدري أأبحث عن رغيف يسد جوعي‏,‏ أم عن أم تعمل علي تربيتي‏,‏ أم عن أب دائم السفر بلا هدف‏,‏ أم عن أخوة تزوجوا قبل أن أبدأ مشوار حياتي‏,‏ عملت بشهادة متوسطة في عدة أماكن فمازادني العمل إلا إحساسا بالحرمان ورغبة في تحسين أوضاعي‏.‏

جاءتني فرصة عمل في إحدي الدول العربية فقلت جاء الفرج ويالا خيبة الرجاء حينما تمني الدنيا ولاتعطي‏.‏ كانت بعد حرب الخليج مباشرة وكانت المرتبات قليلة جدا والشركات متعثرة ولايمنحون العمالة الوافدة رواتبهم إلا كل عام‏,‏ أو كل عام ونصف فكنت أقضي الأسابيع بلا طعام ولا شراب‏,‏ صدقني كنت لا أجد الماء لأروي ظمئي‏,‏ بالأيام صبرت وتحملت كلما تذكرت أنني مررت بما هو أمر من ذلك‏.‏ ضاع من عمري‏7‏ سنوات عدت بعدها وكل ماأملكه هو ثمن شقة متواضعة في المنطقة التي أسكن بها‏.‏

بدأت رحلة البحث عن عمل من جديد وكأنني أبدأ من الصفر ورزقت بفرصة عمل بشركة بترول ويالا خيبة الأمل حينما تمني الدنيا ولا تعطي وضعني حظي العثر مع مدير عام يهوي إذلال البشر وسحقهم تعطيه الدنيا كل مالديها ويحرم الناس الهواء الذي يتنفسونه‏.‏ عملت بالشركة كعاملة مؤقتة وشتان الفرق بين المعينين والمؤقتين في هذا القطاع العملاق فضاع من عمري‏6‏ سنوات أخري في انتظار معجزة السماء تأتي ليتم تعييني وأعبر جسور الضيق والفقر فإذا بشيطان يصطاد في الماء العكر يعلم مدي احتياجي للعمل ويبدأ يسمعني كلمات الحب والهيام

ونسيت أن أخبرك أنني خلال تلك الفترة كنت قد تعرفت علي شاب لايملك من الدنيا سوي وظيفة بسيطة‏,‏ بمرتب بسيط‏,‏ وتزوجنا في هذه الشقة وأنجبنا طفلا يعاني تشوها في قدميه ويحتاج إلي رعاية طبية وعمليتين جراحيتين وبناء علي هذه الظروف الجديدة حاولت أن أعين في الشركة فقامت الدنيا ولم تقعد وهذا الشيطان نسي أنني زوجة وأنني أم وبدأ يطالبني بأشياء غريبة وإلا يحرض علي هذا المدير حتي اضطررت لترك العمل في أصعب الأوقات وبعد‏6‏ سنوات‏.‏

جلست في بيتي وقلت أرعي طفلي وربما أراد الله ذلك حتي أزيد عنايتي به أكثر‏,‏ طبعا ستقول لي هدأت العواصف وبعدت عن دوامات البحر‏,‏ سأقول لك للمرة الثالثة يالا خيبة الرجاء فقد زاد العبء المادي وقلت الموارد فإذا بالزوج الذي ضحيت من أجله بالرخيص والغالي والذي تركت عملي حفظا علي كرامته وعرضه‏,‏ وتحملت معه أصعب الظروف التي لو ذكرتها فلن يصدقني أحد‏,‏ إذا به يتخلي عني في محنتي ويتركني ألقاها وحدي وكأنها غلطتي وعلي تحملها فدخله قليل وكان مرتبي هو الذي يتم بنا الشهر ولايعود علي منه شيء‏,‏ نسيت أنني أمرأة لها زينتها‏,‏ فامتنعت عن شراء الزينة والعطور والملابس والأحذية‏,‏ وكل ما أحتاج إليه أثناء عملي‏,‏ لتعبر السفينة إلي بر الأمان

وبعد أن تركت عملي أصبح يخفي عني حقيقة مرتبه‏,‏ ويعطيني مالايفي احتياجات صغيري ويتركني في البيت وحدي ويتوجه مع زملائه إلي المقاهي ويحيا حياته بطريقة طبيعية وأنا أجلس في البيت أنعي عمري الذي ضاع سنوات تلو سنوات وشبابي الذي ذبل وكياني الذي إنهار فأصبحت مسخا لإنسان‏..‏ أصابني الاكتئاب ثم الأرق حتي أنني الآن أصبحت أصل الليل بالنهار أنام ساعتين أو ثلاثا في الأربع والعشرين ساعة وفعلا كما قلت لك قمت لأصلي الليل بين يدي ربي وفي سجودي قلت له إلهي وسيدي ومولاي هزمتني الدنيا فأعد الكرة عليها ياذا الجلال والإكرام‏...‏

ماذا تعتقد أن تكون مكافأة ربي لي علي هذا الصبر الطويل؟‏!‏ هل ستقول لي وجدت عملا؟‏!‏ أنا حتي هذه اللحظة أخرج للبحث عن عمل ليس معي سوي جنيهات بسيطة قد لاتفي بعودتي للبيت‏.‏

هل ستقول لي شفي صغيري أو انصلح حال زوجي أو أخذ الله بثأري ممن ظلموني وقطعوا عيشي‏.‏ أم وجدت كنزا أو خاتم سليمان ؟ سأقول لك أفضل من ذلك كله لقد كافأني ربي بما هو خير من الدنيا وماعليها كافأني ربي برؤيا لحبيبي المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)..‏ رؤيا طويلة واضحة حدثني فيها كثيرا ثم ضمني لصدره الشريف ضمة والله ماعلي الدنيا خير منها‏..‏

أرسلت لك برسالتي أولا لأتحدث مع أحد وأشعر أن هناك من يسمعني‏,‏ وثانيا لأخبرك وأخبر قراءك الأعزاء وأعلن علي الملأ أن الله لا يضيع أجر المحسنين‏,‏ وأنه من ترك لله خيرا عوضه الله خيرا منه‏,‏ تمسكوا بدين الله وحب رسوله ولاتنتظروا الجزاء في الدنيا وكلما ضاقت بكم قفوا بين يديه في الليل‏,‏ تضرعوا‏,‏ تذللون غبروا جباهكم بين يدي رحمته‏,‏ فوالذي نفسي بيده ستهون عليكم الدنيا كما هانت علي وسوف تتمنون لو زادكم بلاء حينما تتيقنون أن الله إن أحب عبدا ابتلاه‏.‏

لن أقول لك بماذا تنصحني فقد عرفت الطريق ولكنني أستحلفك بالله أن توجه النصح لمن يغضبون وجه الله الكريم بالليل والنهار طلبا لدنيا زائلة إذا أضحكت يومها‏,‏ أبكت ليلها‏,‏ وللظالمين الذين رغم شدة الوعيد والتخويف من الظلم مازالوا يظلمون‏,‏ ويقطعون الأرزاق‏,‏ وقل لهم إياكم ودعوة المظلوم وإياكم وقطع عيش إنسان أعطاه الله الحق لأن ينظر إلي السماء ويقول حسبي الله ونعم الوكيل‏.‏


*‏ سيدتي‏..‏ من هن مثلك لسن في حاجة إلي كلمات مني أو من غيري‏,‏ فأنت وعلي الرغم من كل هذا الابتلاء‏,‏ ابتلاء بالفقر والمرض والعمل والزوج‏,‏ فإن شجرة صبرك الجميل استطاعت أن تضرب بجذورها المرة‏,‏ لتأتي بثمار شهية‏,‏ فيها بشارة بوعد الله الحق في كتابه الحكيم فاصبر إن وعد الله حق‏,‏ فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون‏.‏

وها أنت تستقبلين البشارة بقلب سليم‏,‏ وتفهمين مغزي حديث الرسول الكريم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وضمك لصدره الحنون‏..‏ هذه الرؤيا‏,‏ التي تطمئنك بأن الله معك‏,‏ وأن قسوة الأيام عليك ماهي إلا ثمن هناء قادم في الدنيا والآخرة‏,‏ وكما قال الشاعر جبران خليل جبران‏:‏ زرعت أوجاعي في حقل من التجلد‏,‏ فنبتت أفراحا‏.‏

الأزمة الحقيقية ياسيدتي‏,‏ في هؤلاء الذين ماتت ضمائرهم‏,‏ وأوغلوا في ظلمهم ولاتحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون‏,‏ إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار صدق الله العظيم‏.‏
فإذا كنت قد واجهت الظلم بالصبر‏,‏ وهربت من جحيم الخطيئة التي حاولوا دفعك إليها‏,‏ فإن هناك كثيرات لايعرفن طريق الصبر‏,‏ وقد يستسلمن لليأس تحت ضغط الحاجة والفقر‏,‏ معتقدات أنهن خارجات من رحمة الله التي وسعت كل شيء‏.‏ مثل هؤلاء أذكرهن بقول لمفكر عربي‏:‏
الظالم نادم وإن مدحه الناس‏,‏ والمظلوم سالم وإن ذمه الناس‏,‏ والقانع غني وإن جاع‏,‏ والحريص فقير وإن ملك‏.‏
لن أقول شيئا للظالمين الذي تتحدثين عنهم‏,‏ فرسالتك تكفي لإحياء القلوب الميتة‏,‏ ولكني أرجو أن تتصلي بي منتصف الأسبوع القادم لعلي أنجح في توفير فرصة عمل لم تطلبيها بإباء المخلصين من أمثالك‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.