* انا سيده من احدي دول الخليج, زوجي الراحل كان من كبار رجال الاعمال في تلك الدوله.. توفاه الله منذ نحو10 سنوات, وترك لي ثلاثه من الابناء, وهم غير ابنائه من زوجه اخري.
رحل زوجي وترك لنا والحمد لله علي نعمه التي لاتحصي ثروه كبيره تتمثل في العديد من المشروعات التجاريه والتوكيلات, غير ما لدينا من رصيد مالي في البنوك.
كان زوجي رحمه الله رجلا صالحا, تقيا, حنونا, عركته الحياه, بعد ان عاني الكثير في بداياته, فلم يرب ابناءنا علي الرفاهيه والتدليل, بل كان يقسو عليهم احيانا, حتي يطمئن عليهم في المستقبل من عواصف الايام, لاننا كنا نري بعيوننا ماذا يفعل ابناء الاثرياء في بلداننا.. فاصر علي تعليم الابناء, واشراكهم في اداره اعماله. وعندما اشتد به المرض, وايقن ببصيرته وايمانه انه في طريقه الي لقاء رب العالمين, حرص علي توزيع ثروته علي ابنائه بالعدل, وترك بعض الشركات باسماء ابنائي الثلاثه, حتي يضمن تواصل جسور الموده والمحبه, ولا يباعد بينهم لانشغال كل بمشروعاته.
تزوج ابني الاكبر في حياه والده وانجب لنا اول حفيدين في العائله, وتحمل مسئوليتنا المعنويه والماديه, وكان ومازال بارك الله فيه وحفظه امتدادا لابيه, فاحتوي بحنان شقيقته التي لم يات بعد نصيبها في الزواج علي الرغم من انها تجاوزت الثلاثين بقليل, وهذا التاخير ليس لعيب فيها او لعدم تقدم العرسان, ولكن لانها صاحبه عقليه خاصه, اكملت تعليمها في الخارج, وترفض الزواج بدون حب او اقتناع بان من يريدها لايطمع في ثروتها وانه يري مواطن الجمال في عقلها قبل وجهها. والحمد لله هي لاتشعر باي ازمه لتاخر زواجها, فهي انسانه متحققه تشرف علي عملها بنفسها, كما ان لديها موهبه خاصه تحرص علي تنميتها وتعد الان للحصول علي الدكتوراه في هذا المجال.
اعرف ان البعض سيتساءل بعد هذه المقدمه الطويله: اين الازمه واين المشكله؟
ابني الاصغر, اخر العنقود, هو الالم الكبير في حياه اسرتنا.. هو الذي سرق سعادتنا, وحرمني من النوم, واصابني بالمرض, حزنا عليه وشوقا اليه.
عندما توفي زوجي كان ابني يقارب العشرين عاما, ويدرس بالجامعه في بريطانيا.. كان هو الاكثر تالما واحساسا باليتم, لذا التففنا جميعا حوله, وحرصنا علي الاهتمام به حتي يتجاوز هذه المحنه الكبيره.
كانت هذه الاجواء كافيه لان يحاول ابني الهروب الي اصدقائه دون ممانعه منا, فاصبح كثير السهر, وبدا علي سلوكه بعض التصرفات التي ماكان يمكن قبولها في الظروف العاديه, وليتنا ما قبلنا, لقد اخطانا في تساهلنا معه, حتي اصبح صعبا علينا ان نعيده الي حضن العائله مره اخري.
لم يعد ابني الوحيد يستقر في بلدنا الا قليلا, يسافر كثيرا, ينفق ببذخ, يدخل في علاقات نسائيه لا تناسب قيمنا الدينيه ولا اخلاق عائلتنا.
حاولت كثيرا مع شقيقه وشقيقته دون جدوي.. ولم نجد امامنا بعد تخرجه في الجامعه الا تزويجه من فتاه قريبهلنا, استشعرنا اعجابه بها, وقلنا ان هذا الزواج سيكون عاصما له.. واستبشرنا خيرا بالسعاده التي بدت عليه, ومكوثه لاوقات طويله مع عروسه, ولكن هذا الوضع لم يدم طويلا, فعاد مره اخري الي سيرته الاولي, كل ليله سهر وسفر ونساء, حتي ان حمل زوجته لم يغير فيه شيئا ولم يعده الي رشده, وفيما نحن غارقون في حزننا عليه فوجئنا بكارثه كبري لم نتوقعها!
استيقظنا فجرا علي رنين الهاتف لينبئنا بان ولدي الحبيب اصيب في حادث تصادم. لن اخوض في تفاصيل ما حدث لنا, وكيف هرولنا جميعا الي المستشفي, لنجده في حاله سيئه, بعد انقلاب سيارته وهو في حاله سكر واضحه.. بكينا دما وتوسلنا الي الله ان ينجيه, اخبرنا الاطباء بخطوره الوضع ونصحونا بضروره سفره فورا الي الخارج بعد ان بترت ساقه, وتحطم عموده الفقري, فاعددنا طائره طبيه خاصه وسافرنا معه جميعا الي المانيا.
كان الله رحيما بابني وبنا, عام كامل من الجراحات القاسيه, وعيناي لاتغفلان لحظه عنه وهو يئن, يستغفر الله, يعتذر لنا عن اخطائه وما سببه لنا, عاد ابني الي الحياه ببعض الاجهزه الصناعيه, ورغبه صادقه في التوبه, معبرا عن ندمه الشديد علي كل ما ارتكبه من معاص.
حمدت الله كثيرا علي لطفه في قضائه وقدره, واقمنا الولائم ابتهاجا بعوده ابني سالما الي بيته والي زوجته وابنه.
سارت الحياه بنا سعيده هانئه, بدا ابني يتابع شركاته, ويجلس مع اسرته الصغيره, ولايغادرنا الا الي الصلاه, فقد تبدل حاله, ولم يعد يترك فرضا الا ويوديه في المسجد. وبدا يظهر في حياته نوع جديد من الاصدقاء, رجال متدينون من اصحاب اللحي. لم اغضب من ترددهم الكثير علي البيت, بل كنت اري فيهم امانا حتي لايعود الي اصدقاء فتره السقوط. ولكن ما ازعجني ثم افزعني, هو شخص واحد من اصدقائه, لاحظت انه منبهر به, يتحدث عنه كثيرا وعن خاله الرجل الصالح صاحب الكرامات. لايستطيع ان يرفض له طلبا, وياخذ كلامه وكانه منزل من السماء. وحدث ما خشيت منه.. فوجئت بانه اشتري له سياره ثمنها يقترب من150 الف دولار, كما بدا يمنحه اموالا بلاحساب, وعندما واجهته وشقيقه الاكبر, قال لنا: المال مايساوي عندي شيئا, ولو قبل لمنحته مالي كله ولكنه يعف وانا الذي اصر علي منحه هذه الهدايا لتيسر له الدعوه في سبيل الله.
لم يقف الامر عند هذا الحد, بل وصل الي غياب ابني عن البيت بالاسابيع, بحجه السفر مع هذا الرجل وخاله الي بعض البلدان باسم الدعوه الي الله, بعد ان فشلت في الحوار معه, دعوت كبار العائله وجلسنا معه, ففوجئنا بانغلاق عقله, لم يسمع لنا, اخبرنا ان المال ماله واذا ضغطنا عليه فسيترك لنا البيت ولن نراه مره اخري. دعوت الله ان يزيح عنا هذه الغمه ويرفع عنا البلاء. وبدانا نسال عن صديقه وعن خاله, فعرفنا ان الاخير ساحر شرير, يستعين بالجان حتي يسخر الناس لخدمته. وهنا شعرنا بالخطر الذي يحيق بنا.
نصحنا البعض بالتفاوض مع هذا الرجل ومنحه بعض المال حتي يبتعد عنا, فاتفقت مع ابنتي علي ان نفعل ذلك بعيدا عن ابني الاكبر لانه لايومن بهذه الاشياء.
حددنا موعدا معه دون اخبار ابني الاصغر, وواجهناه بما عرفناه عنه, وكانت المفاجاه انه لم ينكر, بل هددنا بتدميرنا اذا حاولنا ان نبعده عنه, وقال لابنتي: لقد عملت لك عملا ولن تتزوجي الا اذا اردت انا.
بعدها, فوجئت بابني يعود الي البيت غاضبا, بعد ان اخبره باننا عرضنا عليه اموالا كي يبعد عنه, واخبرنا انه سيترك المنزل ولن يعود اليه ابدا, وعندما حاولت زوجته اثناءه عن ذلك, القي عليها يمين الطلاق, وخرج ولم يعد.
عرفنا بعد ذلك انه باع احدي شركاته, وانه ترك لصديقه وخاله كل السيارات التي لديه, واصبح يركب هو سياره صغيره.
لم يعد هو ابني الذي ربيته واحتضنته في صدري كل هذه السنوات, اغلق قلبه واذنيه, ولم يعد يرد علي مكالماتي.. وبين الفتره والاخري, يتصل بي خال صديقه ليهددني وابنتي بالدمار. ولا اخفي عنك بان اعراضا مرضيه غريبه تظهر علي ابنتي, لم نفهم لها سببا, وحار الاطباء في تبريرها. وبدانا في التردد علي من يدعون العلاج بالقران وفك الاعمال, ودخلنا في متاهه لم نستطع الخروج منها حتي الان.
سيدي.. لقد انقطعت اخبار ابني عنا, لايسال حتي عن صغيره, وفشل العلماء في بلدنا في اقناعه, وكلما استعنا بالمسئولين لانقاذه من براثن الدجالين الذين اختطفوه, افسد هو محاولاتنا.
لقد دحل الحزن بيتنا ولم يخرج منه منذ رحيل زوجي.. قلبي يئن كل دقيقه, اشتاق اليه, واخشي عليه.. اشفق علي حفيدي وعلي زوجته.. اخاف من هذا الشرير الذي يسيطر عليه بعد ان سرقه منا.. ولا اعرف طريقا لاعادته الينا.. فهل لديك نصيحه يمكن ان تنير لنا طريقا, تعجز عيوننا عن رويه اي بصيص للامل.. وهل يمكن لساحر يستعين بالجان ان يوذي بشرا مومنين بالله سبحانه وتعالي؟ وهل من الخطا او الحرام ان نستعين باخر لنتقي شره؟.. اعذرني وانا السيده المومنه اجد نفسي وابنتي في هذا الاختبار الصعب, حتي اختلطت علينا المفاهيم والروي ولم نعد نري ما هو الصواب والخطا.
{{ سيدتي.. هوني عليك, فما انت فيه ابتلاء كبير, يثير الارتباك, ويفجر الحزن في قلب ام تري ابنها وهو يضيع امام عينيها مرتين.. الاولي كاد يفقد فيها حياته بانغماسه في اللهو والانحراف, والثانيه عندما تطرف في الاتجاه الاخر, معتقدا عن جهل ان ما يفعله ابتغاء مرضاه الله, دون ان يعي حجم ومقدار المعاصي التي يرتكبها, والعار الذي يجلبه علي اهله ف الولد الجاهل يشين السلف ويهدم الشرف.
ان قصتك الطويله والتي اضطررت لاختصار بعضها لظروف المساحه لها بعدان, احدهما اجتماعي له علاقه باسلوب تعاملكم الخاطئ مع الابن بعد وفاه والده, والثاني يتعلق بالخرافه الشائعه في مجتمعاتنا. ففي الاسبوعين الماضيين عرضت من خلال بريد الجمعه صوره للتعامل الجاهل والخاطئ لنا في التعامل مع التكنولوجيا الحديثه, واكتشفت ان كثيرين منا يتعاملون مع النت علي انه وسيله لاقامه علاقات غير مشروعه بمبررات مختلفه واهيه. وها هي رسالتك تكشف عن وجه اخر لنفس المجتمعات التي مازالت غارقه ومستسلمه لخرافه الجن, تلك الخرافه التي تجعلنا نستسلم ونرفع الرايه الييضاء في وجه من يغتالون ايامنا واحلامنا.
سيدتي.. لقد لاحظت منذ بدايه رسالتك غياب الابن الاكبر, علي الرغم من قولك منذ وفاه زوجك انه لعب دور الاب, ولم تلتفتي الي ان كل ما حل بكم حدث منذ غياب الاب. ويبدو ان الابن الاكبر اختار دور الاب في رعايه الثروه وتنميتها واغفل دوره الرقابي في متابعه الابن الاصغر المهتز نفسيا بعد وفاه الاب, وتفرغت انت لتدليله حتي تخففي من اثر صدمه موت الاب, ولو تذكرت قول سيدنا علي بن ابي طالب: يجب ان تشفق علي ولدك من اشفاقك عليه ما بالغت في تدليله, ولنميت فيه احساس الرجوله والمسئوليه, وما سمحت له بمرافقه اصدقاء السوء الذين احاطوه مثل شبكه العنكبوت ودفعوا به الي حافه الموت.
وها انتم مره اخري, وبعد ان نجي الله ابنك مما الم به, لم تلتفتوا الي اهميه احتوائه ومساعدته في الانتقال الي الحياه السويه, بعد ان عاش سنوات في مستنقع الخطيئه. لانه من الطبيعي, بعدما واجه الموت, ان يتجه الي الشاطئ الاخر من الانحراف, الي التطرف الديني معتقدا ان هذا هو طريق النجاه, فالتقطته شبكه اخري للعنكبوت من اصدقاء سوء لهم وجه اخر, اقنعوه ان مفاتيح الجنه في اياديهم, حتي ينهبوا ماله, مستغلين غفلتكم وغيابكم, وعندما افقتم كانت الكارثه قد حلت, لان الابن الصغير فقد عقله او اغلقه والنبي محمد صلي الله عليه وسلم هو القائل: لا دين لمن لا عقل له وفي ظل غياب الاثنين لن يستمع الابن الي اي صوت يذكره بواجب طاعتك وحسن معاملتك وحقوق زوجته وابنه.
في مثل هذا الموقف ليس امامك الان الا الصبر والتضرع الي الله ان يرفع هذه الغمه, ولا تجعلي طيور الحزن التي تحلق فوق راسك, تعشش في شعرك حفاظا علي افراد اسرتك, ولاتحزني علي المال الذي يحصل عليه هولاء الاشرار من ابنك, الاهم من ذلك هو عودته اليكم سالما, فلا تمنحيهم فرصه استغلالكم لمزيد من ابتزازه, واتمني ان يكون للابن الاكبر دور اكثر تاثيرا في المرحله القادمه, بان يتقرب الي شقيقه, ويبدي له اقتناعا بما يقول ويطلب منه مصاحبته في الخير الذي يفعله, لعله ينجح فيما فشلتم فيه.
اما عن اسئلتك الاخري الحائره ولانها تتعلق بعلوم شرعيه فقد طرحتها علي الداعيه الاسلامي والعالم الازهري الشيخ خالد الجندي فقال: انا اومن بالسحر ولا اومن بتاثيره. فهو اشبه ما يكون بالمنام الذي تحصل فيه علي اموال وذهب وحدائق, ولكن كله خيال لا اساس له من الصحه, والدليل من القران الكريم, قال تعالي: فاذا حبالهم وعصيهم يخيل اليه من سحرهم انها تسعي اي ان السحر محض خيال. اما ان هذا الرجل يسخر جنا ليحصل من ابنك علي المال, فكان الايسر عليه ان يجعل الجن ياتي له بما شاء من مال وذهب, وما اجهد نفسه مع بشر مثله, ولكن تذكري ان خيوط العنكبوت ضعيفه لاتحاصر الا من هم اضعف منها.
سيدتي.. ان عقل الانسان كالمظله لا يعمل الا اذا انفتح, فافتحي عقلك وقلبك واستدعي ايمانك الراسخ بالله, حتي لا يخيل لابنتك مقدره هذا الرجل علي ايذائها فتفقديها هي الاخري, اعانك الله علي كل هذا البلاء واعاد اليك ابنك مره اخري حتي تعود السعاده اليكم جميعا.. والي لقاء باذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.