تبدو رسالتي اليك مختلفه كثيرا عن نوعيه القضايا والمشكلات التي يتناولها هذا الباب ولكني اخترت ان ارسل اليك لمعرفتي بان بريد الجمعه يقروه الملايين من هذا الشعب, وما اتحدث عنه شديد الحساسيه ويحتاج الي عقول متفتحه وقلوب تحب هذا الوطن وتخشي عليه, بعد ان اصبح الخطر عليه من ابنائه وليس من اعدائه المعروفين.
سيدي انا شاب مسيحي من شبرا عمري يقترب من الثلاثين عشت ايام الطفوله والصبا بين زملائي واصدقائي في المدرسه والشارع وانا لا اشعر اني غريب او خائف, تعلمت ان الدين لله ومصر للجميع لم يبتعد عني اصدقائي وجيراني المسلمون لاني مسيحي ولم اشعر يوما ان علي عدم الاندماج معهم لانهم مسلمون.
نعم انا مسيحي واومن بديانتي واودي فروضي ولكن جزءا من تكويني اسلامي احترم هذا الدين وامارس طقوسه بدون تفكير فانا اسمع الاذان كل يوم خمس مرات واسمع القران في المسجد وفي التليفزيون, اشارك في جنازات المسلمين, واذهب الي مقابرهم, واحضر عزاءهم, اسعد باعيادهم, واشاركهم فيها.
لي اصدقاء مسلمون كان اهلي يدفعونني لمصادقتهم لانهم ملتزمون بفروض دينهم, في حين كانوا يحذرونني من بعض اصدقائي المسيحيين لانهم غير ملتزمين.
نشات في هذه الاجواء يا سيدي لا اعرف الا المحبه ولم اجن الا المحبه ولكن منذ سنوات قريبه بدا هذا الاحساس يتسرب من نفسي بعد ان كثرت الخلافات والازمات بين المسلمين والمسيحيين, واصبحت بطلا رئيسيا علي صفحات الصحف فبدات استشعر الاحتقان في القلوب, تغيرت نظرات من حولي مسلمين ومسيحيين لا استثني احدا ولا اريد ان اخوض في تفاصيل ستقود في النهايه الي مزيد من البعد وانا لا اسعي من رسالتي الا الي عوده المحبه.
كل شيء يدعو الي الانعزال, حوارات الاصدقاء مملوءه بالمراره, وتبادل الاتهامات, واصبحت حكايه ولد احب بنتا, كل علي ديانه مختلفه دافعا لاشعال النيران, واشتباك الاهالي, وتدخل الشرطه, بل وصلت الامور الي حد القتل, ولم يعد غريبا ان نسمع عن اقباط المهجر واقباط الداخل والهجوم علي الكنائس, الاضطهاد, وغيرها من الكلمات والافعال التي لم تكن موجوده من قبل, وكاننا شعبان نتصارع علي وطن كان يجمعنا تحت مظلته وحمايته.كل هذا يحدث ولكنه لم يدخل الي قلبي الخوف, نعم تسلل الي الحزن والقلق, ولكن شيئا ما كان يطمئنني بان الله محبه ومحبته ستجمع ابناء هذا الوطن وستعيد اليهم وعيهم, ويفيقون من الطريق المظلم الذي يسيرون فيه, الي ان وقع شيء امام عيني, سرب الخوف الي قلبي وجعلني استشعر خطرا كبيرا يستحق منا جميعا ان نذهب الي كلمه عاقله تجمع ولاتفرق.
سيدي.. منذ ايام كنت استقل المترو في طريقي الي محطه مبارك, وفي محطه الدمرداش كان يجلس رجل ملتح يفتح المصحف, ويقرا بصوت مرتفع وعلي الرغم من انني اري هذا السلوك غير متحضر وفيه تعد علي الاخرين بعيدا عن ديانتهم, ويشبه في نظري من يمسك بالموبايل ويتحدث في امور خاصه بصوت مرتفع, فارضا الحوار علي الجميع في مواصله عامه, الا انني اعتدت هذا المشهد في وسائل المواصلات, فلم يعد يثير انتباهي واراه سلوكا عاما للمصريين, يبالغون في اظهار تدينهم بدون ان نري انعكاسا لما يقوله هذا الدين علي سلوكياتهم.
بينما كان الرجل مستغرقا في قراءه القران بصوت مرتفع فوجئنا جميعا بشاب يرفع صوت هاتفه المحمول بترانيم كنسيه.. شاب مسيحي, اراد بغباء ان يعبر عن رفضه لفكره فرض ما يسمعه بدون استئذان, وربما اراد ان يقول هو الاخر من حقي كمواطن ان اسمع ما اريد.
هنا بدات الهمهمات تعلو في العربه, وبدات اصوات الاعتراض فسارع الرجل الملتحي بالتوقف عن قراءه القران, فصرخ احد الواقفين فيه اكمل القراءه هل تتوقف من اجل هذا ال... كلمه من الشاب وكلمه من هنا, بدات معركه من السباب ومحاوله الاعتداء بين كل الاطراف, اصابني الشلل ولم اتحرك من مكاني وتسرب الي خوف شديد لم اشعر به من قبل.
المهم اكمل لك ما حدث, في مبادره طيبه تحرك الرجل الملتحي الي الشاب المسيحي ليعتذر له معترفا بانه اخطا في سلوكه, ولكن للاسف كان الشاب المسيحي في حاله صمم, وكانه لم يفهم تلك البادره الطيبه, فتملكته العصبيه والتعصب, فاهان الرجل وسبه فما كان من الاخير الا ان لكمه في وجهه, وبدات المعركه تشتعل من جديد, ولم ينقذ الموقف الا توقف المترو في المحطه التاليه, فسارع الناس بانزال الرجل المسلم ومنعوا الشاب المسيحي من الهبوط, وكان هذا هو الحل الاسلم والامثل في مثل هذا الموقف العصيب.
هبطت من المترو في ميدان التحرير واحسست بعدم الرغبه في اي شيء جلست علي مقهي ارمي بعيوني وانا ذاهل وحزين, حركه الناس الطيبين ابناء مصر, لا استطيع التفرقه بين المسلم والمسيحي كلنا في الهم كما في الفرح سواء.
ظللت اسال نفسي: ما الذي يحدث؟ ولماذا؟ ومن المستفيد منه؟ وكيف يمكن ان نعود الي ما كنا عليه؟ ومن الذي عليه ان يجمعنا مره اخري؟ كلها اسئله طاردتني ولم اجد لها اجابه, كل ما اعرفه اني مصري, وليس لي وطن اخر, ولست من اقليه تعيش في مصر, بل انا مواطن لي كل الحقوق, حتي لو حاول البعض بجهل تقليصها, اشتاق الي جلسه اصدقائي المسلمين بامان, بدون ان اري في عيونهم اتهامات او رفضا لي, ولا احب ان اسمع تحذيرات من ابناء ديني للابتعاد عن من احببتهم.
ولكني لا اعرف الطريق الي ذلك, فهل يمكن ان تنير هذا الطريق, او تدعو المسئولين من الطرفين لحوار بناء حقيقي, بدون صور المصافحات الباهته والقبلات البارده التي تطل علينا في الصحف والتليفزيون مع كل ازمه؟
*** سيدي.. اشكرك علي رسالتك الصادقه والكاشفه فالمجتمع الان يعيش حاله من الجهل والتعصب, لا اعتقد ان مبررها هو تزايد الايمان, انماهي نتيجه لازمات يعيشها المواطن المصري مسلما ومسيحيا ويعجز عن مواجهتها فيتجه ظاهريا الي التدين, والبحث عن نقاط ضعف ينفذ منها ويبدو قويا قادرا علي الانتصار فيما الحقيقه انه يدمر نفسه ويواصل هزائمه.
ما يحدث ليس تدينا, لان الله سبحانه وتعالي يقول في سوره المائده لتجدن اشد الناس عداوه للذين امنوا اليهود والذين اشركوا, ولتجدن اقربهم موده للذين امنوا الذين قالوا انا نصاري, ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا وانهم لايستكبرون( صدق الله العظيم) فالدين الاسلامي يغرس المحبه والموده, والرسول الكريم صلي الله عليه وسلم كان رفيقا بالكفار واليهود, والمسيح عيسي بن مريم عليه السلام يقول فاليحب بعضكم بعضا انها المحبه التي تدعو اليها كل الكتب السماويه والانبياء والرسل, والذين قلوبهم غلف هم الذين لايفهمون المعاني الساميه في الاديان, ولم يستسلموا الي الفطره التي ولدوا عليها.
القلب المحب يا سيدي يسع الدنيا, ولايضيق بالاخر ايا كان دينه او عقيدته, فلو اراد الخالق ان يجعل الناس جميعا تتبع دينا واحدا, لكان عليه امرا يسيرا, ولكن بعض الناس يعطون لانفسهم حقوقا هي لله وحده يهدي من يشاء ويضل من يشاء, ولكل ان يختار طريق وصوله الي الله.
ليست الازمه صراعا عقائدا وانما هي في احد اوجهها المتعدده غياب الفهم الحقيقي للدين وممارسه التدين كل يفسر حسب هواه, ويحاول ان يفرض وان يطبق ما فهمه واستوعبه علي الاخرين, ولو كان هذا المجتمع متدينا حقا, ما انتشر الفساد, وما تراجعت الامه, وماتخلفنا الي هذا الحد, الحقيقه ان التدين الان ظاهري فقط بدون ان يلمس قلوب الكثيرين.
الازمه الحقيقيه هي في الظروف الاقتصاديه الصعبه, في حاله الاحباط التي تعيشها قطاعات متعدده, مشكلات واعتصامات واضرابات في المصانع كما في هيئات التدريس, في القري والجزر كما هي في المدن.
اعتقد ان هذه الحاله من الاحباط والياس لفئات كثيره من المجتمع بمسلميه ومسيحييه هي التي منحت الفرصه لظهور هذه النتوءات علي وجه الوطن, الذي اصبحت مناعته ضعيفه وتحتاج الي مقويات عاجله.
ان ما حدث في المترو, وما حدث في اسنا وغيرها من النيران التي تشتعل لاسباب واهيه وتافهه جرس انذار, فقد تنجح الحكومه في حل المشكلات الاقتصاديه, وتحل مشكلات الاسكان, وترفع الظلم عن المظلومين, ولكن نيران الفتنه لو اشتعلت بين ابناء الوطن لن يستطيع احد ان يطفئها, لذا اتمني ان يكون هناك حوار صادق بين عقلاء هذه الامه بعيدا عن كاميرات الصحافه والتليفزيون لفهم ما يحدث وبحث كيفيه مواجهته, واعاده الوئام الي ابناء الوطن بدون تحديد ديانتهم, فسوف يذهب الجميع وتبقي مصر دائما هي وطن المحبين والي لقاء باذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.