أحلام الفتي المدلل ... قصص حقيقيه



المشكلة التي سأعرضها لا تتعلق بي ولكن بأخي الأصغر الذي يبلغ من العمر‏25‏ عاما‏.‏ نشأنا هو وأخي الأكبر وأنا في أسرة متوسطة الحال بإحدي المحافظات الريفية‏.‏ وربانا والدي ذو الوظيفة المرموقة علي مكارم الأخلاق والقيم النبيلة والتدين باعتدال‏.‏ ولكن حياتنا كانت منغلقة إلي حد كبير مما أدي الي قلة خبرتنا الاجتماعية‏.‏ وبعد وفاة والدي لم يترك لنا سوي ما يعين كلا منا علي الحياة بكرامة ويساعده علي الزواج‏.‏ واضطرتني ظروف العمل والزواج الي الاقامة بالقاهرة وتحمل أخي الأكبر مسئولية العائلة بمفرده لأن أخي الصغير المدلل لم يعتد علي تحمل أي مسئوليات‏.‏


والغريب ان هذا الصغير المدلل تولد لديه عبر السنوات شعور هائل بالنقمة علي المجتمع وسخط شديد علي كل أوضاع البلد‏.‏ ولا أعلم تماما السبب الحقيقي وراء ذلك‏,‏ ولكن ربما يكون بسبب بعض الصعاب والضغوط التي تعرض لها حتي حصل علي وظيفة مناسبة وإن كانت ظروفا عادية يتعرض لها كل الشباب‏.‏ كما أنه شديد الاهتمام بالمظهر ويختار أصدقاءه بناء علي مستواهم الاجتماعي والمادي ونفوذهم العائلي‏.‏



باختصار كان أخي دائما كالجواد الجامح داخل أسرتنا‏,‏ الا أننا لم نشعر بأن هناك مشكلة تستحق منا التدخل لتقويم سلوكه‏,‏ حتي وجدنا أنفسنا أخيرا في مأزق يهدد مستقبل أخي ولا نعرف سبيلا للخروج منه‏.‏


وتبدأ الحكاية بتعرف أخي علي فتاة أمريكية عن طريق الانترنت‏,‏ ثم اصراره علي الزواج بها وإليك التفاصيل‏:‏


كان أحد أصدقاء أخي علي الشبكة حين وجد فتاة تسأل عن معلومات عن الاسلام وتريد شخصا يجيد الانجليزية لاجابتها‏,‏ فاستعان بأخي الذي كان في زيارته‏,‏ وانتهت الدردشة بتبادل عناوين البريد الاليكتروني الخاصة بكل منهما‏.‏ وكانت البداية لأحاديث طويلة عبر الانترنت استمرت لسبعة أشهر حتي كتابة هذه الرسالة‏.‏ ووفقا لروايته فإن الحوارات تطورت من الامور العامة الي الأمور الشخصية حتي ألم كل منهما بظروف الآخر‏,‏ وعرفت كل شيء عن ظروفنا‏,‏ وعندما عرض عليها أخي الزواج وافقت علي الفور وأبدت اعجابها بكل ما عرفته عن أسرتنا‏.‏


ومن المفترض أنها انسانة ملتزمة وفقا لمعايير الثقافة الأمريكية وتقول انه ليس لديها تجارب سابقة‏,‏ وتعمل في مجال العقارات وراتبها‏60‏ ألف دولار سنويا‏,‏ ومن مميزات عائلتها ان والديها مازالا مرتبطين‏!.‏


وتعرفت والدتها علي أخي عبر الشبكة أيضا طبعا‏,‏ وأبدت تحفظها علي الموافقة علي الزواج حتي يقيم أخي فترة في أمريكا والتعرف عليه خاصة أن انطباعهم سييء عن العرب والمسلمين بعد الأحداث العالمية الأخيرة‏.‏


وأخي متمسك بها علي حد تعبيره لاعجابه الشديد بثقافتها وعقليتها المتفتحة وأهم من كل ذلك تفهمها الكامل لعدم رغبته في الانجاب حتي لا يأتي بأبناء يعانون في هذه الدنيا‏.‏ تطورت الأمور الي الحد الذي اتفقا علي كل شيء دون استشارتنا‏,‏ عرضت عليه النزول الي مصر لمقابلته والتعرف علي عائلته والبقاء لمدة شهر ليتسني لنا معرفة نمط حياتها عن قرب علي ان يقوم بالمثل في وقت لاحق‏.‏


وسارع أخي وعرض عليها الاقامة مع أمي في منزل الأسرة وهي شقة واسعة أنيقة‏,‏ علي أن ينتقل هو وأخي الأكبر للاقامة في شقة أخري معه كانت مقرا لعمل والدي‏.‏ لم نعرف بهذا الاتفاق أنا وأخي الا بعد مدة طويلة‏,‏ أما والدتي فكانت تعرف منذ أشهر ورغم تحفظها الشديد لم تعلن موقفا محددا‏,‏ مما جعل أخي يمضي قدما حتي حددت فتاته موعدا للقدوم الي القاهرة في أول الشهر الحالي‏.‏


الآن يا سيدي‏..‏ ألا تري معي أن أخي يتصرف في مستقبله بسذاجة تامة؟

حين أخبرتني أمي شعرت بصدمة شديدة لأن أخي الذي نشأ علي احترام العادات وأداء الفروض الدينية علي استعداد للارتباط بفتاة مجهولة تختلف عنه في العادات والتقاليد والدين والثقافة وكل شيء‏,‏ بانيا حكمه علي حوار ودردشة عن طريق الانترنت قد يتخللها الكثير من الخيال والأكاذيب‏,‏ فهل يمكن بناء حياة أسرية سليمة رغم كل هذه الاختلافات؟ وهل يكفي شهر للتعرف علي الفتاة بشكل سليم؟


تناقشنا كثيرا معه‏,‏ واشترك معنا في محاولات اقناعه الكثير من أفراد العائلة والحكماء من المعارف ولكن بلا فائدة‏,‏ ولكننا جميعا نتفق علي انه لا يصح احضارها الي المنزل‏,‏ لأن وجود فتاة أجنبية في منزل أسرة كل أبنائها من الذكور سيثير الأقاويل ويسيء الي سمعتنا‏,‏ خاصة انه ينوي التنقل معها بحرية والسفر معها إلي القاهرة ليستقر‏.‏


وأنا لا أعلم سر تمسكه بها بالرغم من أنها تكبره بعامين وبدينة وليست جميلة علي الاطلاق‏.‏ كما أخشي أن تقنعه بالهجر بالرغم من أنها تبدي موافقتها علي الاقامة بالقاهرة‏,‏ الا أنه من السهل التأثير علي أخي خاصة انه كما ذكرت في البداية كاره لأوضاع بلده‏.‏


وقبل ساعات قليلة من كتابة هذه الرسالة علمت ان السفارة الأمريكية أرسلت اليه لتجري معه مقابلة تمهيدا للحصول علي الفيزا اذا أراد‏,‏ وهذا بعد أن أرسلت فتاته الي السفارة‏.‏ وهذا الأمر يجعلني أرتاب في أشياء كثيرة ويلقي بشبهات حول هذا الموضوع‏.‏ سيدي أنا خائف بشدة علي أخي الذي أراه مندفعا مغمض العين الي تجربة محفوفة بالمخاطر دون أن يملك شيئا لانقاذه‏.‏ وصار خط دفاعنا الأول والأخير بعد أن بدأ العد التنازلي لمجيئها ان نبعدها عن منزل الأسرة‏,‏ كيف نتصرف في هذا الأمر خاصة أن هذه القضية أصبحت منتشرة هذه الأيام بين الشباب؟

*‏ سـيدي‏..‏ أتفق معك ومع كل الحكماء من أسرتك ومن خارجها‏,‏ علي عدم الترحيب بالزواج الذي يكون طرفه شخصا مختلفا في الجنسية والديانة والثقافة والعادات والتقاليد‏,‏ وأعتقد أني لست في حاجة الي التذكير بالمشكلات التي تنشأ عن مثل هذا الزواج‏,‏ سواء كانت خاصة بتفاصيل الحياة من انعدام لغة الحوار أو التواصل الذي قد يؤدي الي الطلاق‏,‏ وهذا حل يسير أمام مشكلات أخري تتعلق بتربية الأبناء وديانتهم وتشتتهم بين ثقافتين مختلفتين‏.‏


ولكن لتسمح لي بالاختلاف معك في أسلوب مواجهة الأزمة مع شقيقك‏,‏ دعك من أن تصرفاته المندفعة وعدم تحمل المسئولية وسخطه علي بلده‏,‏ كلها نتائج للتدليل الزائد وعدم القسوة عليه في الصغر‏,‏ فهو مثل غيره من شباب هذه الأيام رأي العالم الآخر من خلال التكنولوجيا وتواصل معه‏,‏ وأصبح يقارن بين حياته وبين أقرانه في العالم المتقدم‏,‏ وهو مثل كثيرين غيره‏,‏ يري في الزواج وسيلة للتعبير عن رغبته في الانتماء الي هذا العالم الذي يراه ـ بأفقه وثقافته المحدودين ـ مثاليا‏.‏ الزواج هو قارب النجاة الأيسر‏,‏ بعد صعوبة الهجرة أو السفر‏.‏


مرة أخري ـ يا عزيزي ـ دعنا نتأمل الموقف بعين شقيقك‏,‏ هو أمام فتاة أمريكية‏,‏ تسأله عن الاسلام وتتأثر بكلماته‏,‏ وتبدي استعدادها للتضحية والمجيء اليه والبقاء بجواره‏,‏ ألهذا الحد هو مؤثر؟‏!‏


هو أيضا يراها محافظة‏,‏ بدليل أنها أخبرت أسرتها بعلاقتها به‏,‏ وأنها لم يسبق لها الدخول في علاقة عاطفية‏,‏ ولم يستوقفه أنها هي التي ستذهب اليه وتقبل أن تعيش في بيته ومع أسرته‏,‏ فهو يعجبه ما يناسب ثقافته الاجتماعية‏,‏ ولا يرفض ما يتناقض معها‏,‏ لأنه يتناسب وثقافتها وبيئتها‏.‏


مثل شقيقك في هذا الموقف‏,‏ لن يقبل نصحا أو نهيا‏,‏ بل هذا الرفض سيزيده عنادا وإصرارا علي موقفه حتي لو كلفه الأمر الخروج عليكم وتنفيذ ما يراه هو صحيحا‏.‏ لذلك أقترح أن تغيروا من استراتيجيتكم تجاهه‏,‏ بعيدا عن تخوفاتكم من فكرة التخابر التي تقلقكم‏,‏ فاستدعاء السفارة الأمريكية له أمر طبيعي‏,‏ لأن الأمر يتعلق بمواطنة أمريكية‏,‏ والمواطن في هذه البلاد له حقوق عديدة يحفظها له القانون‏.‏


أقترح عليكم أن ترحبوا بهذه الفتاة‏,‏ وتخبروه أنكم ستؤجلون حكمكم عليها حتي تروها وتنظروا كيف تعيش وتتكيف مع هذا المجتمع الغريب عنها‏.‏ مع تأكيد ثقتكم في نضجه ومقدرته علي الحكم الصائب‏.‏ وأفضل أن تسمحوا بإقامتها في بيت الأسرة‏,‏ مع انتقاله وشقيقه الي البيت الآخر‏,‏ حتي يكون كل ما يحدث أمام عيونكم‏.‏


دعه ليخوض تجربته بنفسه‏,‏ فإذا وجدتم اعوجاجا في سلوكها‏,‏ أو ترسخ لديكم الاحساس بالرفض‏,‏ فانقلوا اليه رأيكم برفق ومحبة‏,‏ فقد يستجيب لكم ويلتفت الي رؤيتكم عندما يثق في حرصكم عليه‏,‏ وأنكم لم تصادروا علي حقه في التجربة‏.‏


أما اذا رآها مناسبة له‏,‏ فدعوه يمارس حقه في الاختيار‏,‏ وعليه أن يتحمل تبعات اختياره‏,‏ وإن كان من الأفضل له ولتجربته أن يتم الزواج في بلده حتي تعتاد هي علي العادات والتقاليد التي ربي عليها‏.‏


ولا يفوتني في النهاية أن أذكر شقيقك ومن يفكرون مثله‏,‏ أن علاقات النت دائما ما تكون خادعة‏,‏ ولا يمكن لها أن تبني مشروعا كالزواج‏,‏ يحتاج الي بنيان قوي يواجه عواصف الأيام التي تهدم زيجات توافرت لها كل اشتراطات النجاح‏,‏ فما بالنا بمشروع قائم علي كلمات عبر الهواء‏,‏ يرسمه كل شخص علي هواه دون استناد الي ممارسة واحتكاك حقيقيين‏.‏


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.