سيدي.. كلما قرأت في بريد الجمعة رسالة من رجل يتحدث فيها عن حقه في الزواج الثاني, لان زوجته سيئة الطباع او لرغبته في تجديد شبابه وحياته مع فتاة صغيرة, متذرعا مرة بان هذا هو شرع الله, ومرة اخري شفقة علي النساء بعد ان تزايدت أعدادهن وتأخر سن الزواج. كلما قرأت او سمعت هذه الكلمات اتحسس حالي واتساءل وماذا عن حقي انا وحق امثالي من النساء؟ أليس لنا حق في ان نلحق بما تبقي من حياتنا لنعوض الايام السوداء التي عشناها مع امثال هؤلاء الرجال؟
أنا سيدة عمري55 عاما تزوجت منذ30 عاما من رجل كانت تتمناه اي فتاة في مثل عمري, فهو شاب في وظيفة مرموقة, محدد مستقبله سلفا, تمتاز بالانضباط والدقة والطاعة, كان وقتها يكبرني بعشرة اعوام وكنت مبهورة بزيه واناقته حتي انني في فترة الخطوبة كنت احب الخروج معه بزيه الرسمي لأري الاعجاب والاحترام في عيون الاخرين.
مرت شهور قليلة, وتزوجنا في عرس مبهر حضره شخصيات مهمة, ليلة شعرت فيها بأني اسعد نساء الارض وعاهدت الله علي ان اسعد هذا الرجل وأعيش في خدمته وعلي طاعته كما اسعدني وأرضي احساسي كفتاة اختارها من بين كثيرات كن يتمنين شابا مثله.
كانت ليتنا الاولي في فندق كبير بعيدا عن الاهل والاصحاب, وكانت تلك الليلة هي البداية الحقيقية لاكتشاف شريك حياتي المقبلة, نعم لم اتوقف كثيرا امام تصرفاته يومها ولكني استعدت ما حدث يومها مرارا وتكرارا علي مدي الأعوام الثلاثين التي قضيتها معه.
فلم تغادر اذني اول جملة اسمعها من زوجي بعد ان أغلق علينا باب واحد.
توجه الي الفراش جلس علي طرفه مد إلي قدميه وقال لي في صيغة آمراة: قلعيني واخلعي هدومك صمت لحظات كي استوعب ما يقول طننت انه يداعبني او يمارس دور سي السيد معي ولكن قلبي انقبض وشعرت بخوف غريب عندما علا صوته وفيه رنة غضب: انت ما سمعتيش ولا ايه.. ذهبت بفستان زفافي وجلست تحت قدميه أخلع له حذاءه ثم ملابسه وفسرت الامر علي انه يريد ان يدبح لي القطة, من الليلة الاولي فقلت لنفسي ولما لا, القطة مذبوحة بداخلي منذ قبلته اول رجل في حياتي.
لا احب ان افيض في تفاصيل تلك الليلة لان كل ما حدث فيها يؤلمني نفسيا لكن يمكن اختصارها لك في جملة واحدة, جملة كانت هي القاسم المشترك في كل حياتي التي اتت بعد ذلك ليلة الاوامر.
فزوجي يمارس حياته في بيته كما يمارسها في عمله, الفرق الوحيد انه في عمله كما يصدر الاوامر يتلقاها وينفذها دون تفكير او نقاش اما في بيته فهو يصدر الاوامر فقط.
كلمته لاتنزل الارض ابدا, حتي هذه الجملة ظلم كبير لي, لاتوجد حتي فرصة للتساؤل هل تطلع كلمته او تنزل الارض فكلامه لايرد ولايناقش.
كنت اخشي قبل ان التقي به ان اتزوج رجلا بخيلا او قاسيا, خائنا او خانعا..
فمنحني الله رجلا له صفة تغيب دائما عن خيال البنات الرجل الآمر فما اصعب ان تعيش حياة كل ما فيها يبدأ بفعل امر.. ما أصعب ان تلغي شخصيتك ووجهة نظرك وتبتلع رأيك, وليس امامك قبول رأي الاخر فقط بل عليك أيضا ان تبدي إعجابك به.
هكذا ـ سيدي ـ بدأت حياتي واستمرت ولاني كنت صغيرة وتجاربي محدودة كتمت سر حياتي ولم اخبر به احدا من اهلي, ورضيت بالحصار الذي فرضه علي.. منعني من العمل علي الرغم من اني احمل مؤهلا علميا في تخصص مطلوب.. وحدد لي الصديقات اللاتي يجب أن أتحدث إليهن أو ألتقي بهن, وإن كان حريصا علي عدم خروجي بمفردي, خاصة الأيام التي كان يغيب فيها أسابيع بحكم وظيفته, وعندما يعود يفتح لي محكمة, من اتصل بي, وبمن اتصلت, ومن زارني من أهلي وحول ماذا كان الحديث؟.. لا يمكن أن تتخيل أنه لم يكن يعطني الفرصة حتي أقول له وحشتني, بل كان يبادرني:وحشتك طبعا.
سيدي.. لا تتصور أنني أرسم صورة بغيضة لزوجي, انتقاما منه أو غضبا عليه, إنها الحقيقة التي تحملتها وحدي سنوات طويلة مع أبنائي, وعندما استفزتني رسائل الرجال الباحثين عن حياة جديدة, كتبت حتي لا أنفجر.
وحتي لا أطيل عليك, وتسرقني التفاصيل المتشابهة, سأصل معك إلي النتائج, لقد أنجبنا ثلاثة من الأبناء تتراوح أعمارهم الآن ما بين24 و28 عاما, ابنتان وولد.
ما عانيته مع زوجي, عاناه أبناؤنا.. فرض علي البنتين الحجاب منذ أن كان عمرهما9 سنوات, صور لهما أن الذئاب تنتظرهما في الخارج, حرمهما من ممارستة طفولتهما, حدد لهما ـ كما فعل معي ـ صديقاتهما, بعد عمل تحريات عن أسرهن. أما ابني آخر العنقود, فكان يشحذه للمستقبل يصب في أذنيه مفاهيم غريبة:إنت راجل, والرجل كلمته ماتنزلش الأرض, الست عقلها ناقص, وضلعها أعوج لا يستقيم إلا بالقهر.. كنت أحاول من ناحيتي أن أنقذ ما يمكن انقاذه.. استغل فرص سفره في عمله.. لأحتضن أطفالي, وأدير معهم حوارات تقنعهم بأهمية احترام الرأي الآخر, وأن الحياة ليست غابة, وأن الإنسان منا يتعلم كي يتفادي السيئين, ويستطيع اختيار الأفضل في حياته.
عانيت كثيرا لأصلح ما يفسده, ودفعت أثمانا باهظة لما أفعله, فكان يهينني ويتوعدني كلما سأل ابننا عما أقوله لهم في غيابه, بعد أن جعله مخبرا علينا, فيجمعهم مرة أخري ليسفه من آرائي, ويعيدهم إلي حظيرته.
وحتي لا تتهمني بالتخاذل والسلبية, غضبت خوفا علي أبنائي, وتركت له البيت لعله يرتدع أو يراجع نفسه, فما كان منه إلا مزيد من الاستبداد, ومنعني من رؤية أبنائي أو الاتصال بهم, ولم يسمح لي بالعودة إلا بعد أن اعتذرت له أمام أسرتي وأملي علي إعلان ندمي وتوبتي عما اقترفت في حقه.
عشت في هذا السجن متحملة سياط السجان من أجل أبنائي, وكان هو كلما ترقي في عمله, ازداد غرورا وبطشا.
ويبدو أن الإنسان منا عندما يعترض علي ما هو فيه ولا يرضي به, يبتليه بما هو أشد وأقسي, ليبدو الماضي الأليم, نعيما مقيما مع هو آت.. فقد خرج زوجي من الخدمة, ليصبح مثل الأسد الجريح ـ أتذكر الآن فقط, أحمد زكي وميرفت أمين في فيلم زوجة رجل مهم ـ جعلنا بديلا عن عمله, رفض أن يعمل في وظيفة أخري, جلس معنا يعد علينا الانفاس والكلمات, حتي أصيب أبنائي بالاكتئاب, وأصبحت أدخل عليهم غرفهم, لأجدهم في حالة بكاء عنيف.
ذهبت إليه, جلست تحت قدميه, رجوته, أن يعفو عنا, فنحن نحبه وليس لنا إلا هو, ولكن كيف يمكن لمثل هذه الكلمات أن تؤثر فيه, وهو مقتنع كل الاقتناع أنه أفضل زوج وأروع أب, ولولاه ما كان حالنا هكذا.
ليس لدي أي رغبة في ذكر محاسن زوجي, بزعم الموضوعية, فلتذهب كل المحاسن ـ من عينة أنه كريم وخدوم و..و إلي الجحيم, أمام ما عانيته وأبنائي, فنحن وحدنا نحس به.
سيدي.. تخرجت ابنتاي من الجامعة, وتزوجتا بعد معاناة, وبعد رفض العديد من العرسان بسبب تعنته, ومنذ زواجهما وهما لا يحبان زيارتنا ويشعران بانهما عائدتان إلي السجن.. نحن نذهب إليهما, وأشعر بنظرات الشماتة في عيونهما وهما يرصدان انكسار ابيهما بفعل الزمن, ولأنهما خرجا من تحت سيطرته.
أما ابني الصغير, فقد انهي جامعته منذ عامين وأعد عدته, واقتنص أول فرصة للهروب وسافر خارج مصر.
وحدي أنا وهو, الأسد المنكسر, وجها لوجه, أتلذذ وأنا أراه وحيدا, لا أجلس معه إلا نادرا, أعد له الطعام ولا أتناوله معه.. أنام في غرفة منفصلة, ولا أشعر بأي تعاطف تجاهه.. بل وحتي أكون صادقة يحاصرني كثيرا إحساسي بالكره له ولأيامي ولعمري الذي ضاع في سجن هذا الرجل.
فكرة واحدة تحاصرني, منذ أن لمست في الكثير من الرسائل التي تنشرها, أن أنانية الرجل واحدة, تختلف الأساليب وتلتقي في الهدف.. أسأل نفسي وأحرضها: ما الذي يبقيني مع هذا الرجل؟.. لماذا لا أجعله يعيش وحيدا يتجرع من كأس العذاب الذي أذاقه لنا؟... أليس من حقي أن أطلب الطلاق أو أهجره أو حتي أخلعه, حتي أعيش ما تبقي لي من عمر هانئة هادئة, بعد أن ضحيت كثيرا من أجل أبنائي؟.. أم أنني وقتها سأكون في نظر الرجال, امرأة جاحدة, تخلت عن رجلها بعد أن أدي رسالته, وذهبت لأبحث عن حقي في الحياة, بعد كل ماضاع؟.
سيدي.. إن المرارة والغضب والانتقام تحاصرني.. ولا أعرف كيف الطريق إلي السلام النفسي والرضا.. فهل لديك ما تقوله لي؟!.
سيدتي.. أجد نفسي في حيرة وأنا أمام ثلاثين عاما من العذاب والألم, وكأني أري تاريخ حياة عائلة من ثقب ضيق لبيت بلا نوافذ ولا أبواب.
هل هو الغضب الذي يشتغل فجأة بداخلنا فيلتهم كل عود أخضر, ويعمي أبصارنا عن لحظات سعادة في حياتنا, أم أن العمر كله كان دمعة كبيرة؟
هل يجب علي أن أقبل ما قلته, ومن زاوية الرؤية التي اخترتها, كي أناقش معك رحلة حياة امتدت كل هذا العمر, وشارك في صياغتها أكثر من خمسة أفراد؟... أم ستقبلين أن أطل معك من زاوية رؤية مختلفة؟
زاوية تبدأ منذ اختيارك لشريك حياتك, هذا الشاب اليافع, ذوالمنصب والزي المبهر, ولم يشغلك أو يلتفت إليه الأهل عند قبوله, هو السؤال عن تدينه وتقواه, فإذا أحبك أكرمك, وإذا أبغضك لم يظلمك.. كذلك يغفل الكثيرون السؤال عن السلوك الشخصي والثقافة الاجتماعية لهذا الزوج المحتمل, فينبهر الجميع بالشكليات البراقة, يجري خلفها, متغاضيا عن باقي جوانب الصورة.
تلك الرؤية الضيقة لاختيارك في بداية العمر, هي التي تجعلني قلقا في قبول رؤيتك القاسية والمؤلمة لزوجك ووالد أبنائك, وهذا لا يعني وجود احتمالية صدق روايتك, ومع هذا الاحتمال سأقول لزوجك وكل زوج وأب يعتقد أنه يحتكر الحكمة والمعرفة, ولا يثق في أن المرأة شريك حقيقي, وأن النبي صلي الله عليه وسلم كان يشاور أصحابه, وهو الصادق الأمين المنزه عن الهوي, ومرة أخري أكرر أن تخويف الأبناء وعزلهم عن الحياة يعرض مستقبلهم للخطر, ويفقدهم ثقتهم في أنفسهم, ومقدرتهم علي المواجهة.. فالأولاد بحاجة إلي نماذج أكثر منهم إلي تقاد ومنظرين.. والحكمة العربية تقول: أكرم أسرتك فهي العدة عند الشدة, وأعلم أن من يخلع ثوبه يمت من البرد.
إن مثل هذا الزوج الذي نقل عمله إلي بيته, وأساء إلي زوجته منذ الليلة الأولي وكسر نفسها لم يسمع قول سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء خيرا وكما كانت جذور حياته مع أسرته مرة جاءت ثمارها أيضا مرة.. فما جدوي الحياة إذن؟.
لا أريد أن أزيد في الحديث عن زوجك, لأن ما ذكرته في رسالتك, كاف لإيقاظ أي غافل أو مستبد مع أهله, وأنت ياسيدتي, تحملت الكثير, وقبلت الاستمرار في هذه الحياة القاسية, وأنا لست من أنصار قبول العذاب من أجل حماية الأبناء, لأنك تلمسين حجم الضرر الذي وقع علي أبنائك الذين خرجوا للحياة بنفوس مرهقة مشوشة ومشاعر غير طبيعية تجاه الاسرة وتجاه المجتمع.. هذه النتيجة ساهمت فيها أنت مع زوجك, بإنجابك ثلاث مرات, دون أن تسألي عن مصير ومستقبل هؤلاء الابناء, أو تسألي لماذا تواصلين غرس جذور العائلة في أرض مالحة؟
ولكن مثل هذا الكلام لن يجدي الآن.. أنت الآن في حالة غضب شديد ويحاصرك التفكير في الانتقام.. لذلك اقترح عليك ألا تقدمي علي أي خطوة وأنت تحت تأثير الغضب, تخلصي منه أولا, لأن الغضب ريح قوية تطفئ مصباح العقل.. والمثل التركي يقول: الدم لايغسل بالدم, بل بالماء.. ولذة الانتقام لن تحقق لك السعادة, فهي لاتدوم سوي لحظة, أم الرضا الذي يوفره العفو فيدوم إلي الأبد.
سيدتي.. لا أحرضك علي اتخاذ قرار أراه مناسبا, بل أدعوك إلي تطهير روحك من هذه الأحاسيس الغاضبة أولا وبعدها افعلي ما شئت, وتذكري ان الشجرة لاتحجب ظلها حتي عن الحطاب.. ولغاندي العظيم قول رائع: إذا قابلت الإساءة بالإساءة, فمتي تنتهي الإساءة.
فإذا تطهرت روحك, وشعرت بصفاء نفسي, واحتسبت ما تحملته عند الله متذكرة أن مازاد الله عبدا بعفو إلا عزا, فعليك بعدها أن ترصدي زوجك, هل تغير, هل ندم علي اسلوبه معكم, هل هناك أمل في أن يكون شريكك فيما تبقي من عمري؟.. إذا جاءتك الاجابات واضحة ومريحة, فعليك قبول الاستمرار فيما بدأته ودفعت ثمنه, أما إذا وجدت غير ذلك فلك أن تختاري ما ترين فيه سعادتك.. وإلي لقاء بإذن الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.