الخروج من الدوامة ... قصص حقيقيه



من بريد الكاتب الراحل‏:‏ عبدالوهاب مطاوع

انا رجل في الخامسة والاربعين من عمري أعمل بالتربية والتعليم منذ‏15‏ عاما تزوجت وأنا مدرس بمن أصبحت الآن أما لابنائي وبناتي‏,‏ كما أصبحت الآن ايضا مدرسة وقد شاءت ارادة الله لي أن أتزوج دون تفكير عميق ومع ذلك فلقد كنت راضيا عن زوجتي وسعيدا بها منذ ارتبطت بها لكني اكتشفت للاسف ومع بداية حياتنا الزوجية أنها ليست راضية وأنني كما صرحت لي بلا مواربة لست فارس أحلامها لكن ظروفها الصعبة هي التي اضطرتها للزواج مني‏.‏

ولعلك يا سيدي تسألني الآن ولماذا قبلت الاستمرار معها‏,‏ وقد صارحتك منذ البداية بأنك لست فارس احلامها‏,‏ وأقول لك وأين كانت لي القدرة النفسية علي اعلان فشل زواجي بمن تزوجتها منذ الأيام الأولي ونحن نتزوج كما نعرف بشق الأنفس ونخجل من الفشل ونشعر كأن الناس جميعا قد اطلعوا علي أسرار غرفة نومنا وعلموا أن زوجتي قد تزوجتني وهي كارهة وأنها لم تشعر نحوي بالحب ولا بالرضا‏,‏ إنه إحساس مرير وقاتل للرجل ان يشعر منذ اليوم الأول بان زوجته لا ترغبه ولم تكن تريده‏,‏ لكن ظروفا اقوي منها هي التي اجبرتها علي الزواج منه ولقد تجرعت هذا لاحساس المؤلم من البداية وبدأ مسلسل الانفصام العاطفي الذي يحطم الزوج مهما كانت قوته ويصيبه بالضغط والسكر وتصلب الشرايين ويؤدي الي القتل المعنوي وهو أشد من قتل الجسد وتحملت كل ذلك خاصة بعد مجيء أول الأبناء حفاظا علي عش الزوجية من الانهيار‏,‏ واستعنت بالمسكنات المعنوية وبعض الكلام الطيب وبعض التنازلات علي تحمل ابداعات النكد الزوجي من زوجة تنكد علي زوجها لكي ينطق بكلمة الطلاق وفي دوامة هذا النكد الدائم يصبح الرجل ذليلا امام زوجته ولا يملك إلا أن يقول في مواجهته كل مرة إنا لله وإنا اليه راجعون‏.‏

ثم استيقظت اخيرا من دوامة النكد هذه وعرفت ان عش الزوجية الذي يقوم علي المسكنات لا يصمد للعواصف وان صحة الجسد تنهار سريعا أمام زوجة مشمئزة من زوجها فلقد كنت في كامل صحتي ومع ذلك كانت زوجتي دائمة النفور مني ولاتبدي شوقها ابدا لي وكان نفورها مني لاسباب مادية لان قلة المال تخلق لديها حالة من اليأس والاكتئاب ناسية ان الحياة الزوجية يسر وعسر وانه ينبغي للزوجة دائما ان تتمسك بالأمل في المستقبل الأفضل لكي تمضي السفينة الي بر الأمان‏..‏

وزوجتي لم تفعل ذلك معي ولم تتحمل ظروف البداية ولم تدفعني للأمل في المستقبل ولم تهون علي الصعاب‏,‏ وانما كانت دائمة الاشمئزاز مني والنفور بسبب ظروفي المادية الصعبة والآن ياسيدي وبعد‏15‏ عاما من الزواج فلقد تحسنت احوالي المادية والحمدلله وترقيت في عملي وزاد مرتبي وتضاعف دخلي وتوافرت لي امكانيات الحياة المادية المقبولة‏..‏ فأعلنت زوجتي الآن فقط رضاها عني لأول مرة ولكن هذا الاعلان جاء متأخرا كثيرا عن موعده لانني كنت قد تغيرت تماما ايضا‏..‏ وليست هي وحدها‏,‏ وأصبحت مشمئزا منها كما كانت هي بالنسبة لي طول السنوات الماضية‏,‏ وهي الآن تشعر بالخجل من أن يحدث الطلاق بيننا بعد كل هذه السنوات وتريدني كما اتصور واجهة لها فقط‏,‏

أما قلبها فمع فارس اخر ولقد قرأت ان الطلاق المعلن خير من الطلاق غير المعلن الذي يتمثل في الانفصام العاطفي بين الزوجين فهل هذا صحيح وبماذا تنصحني ان افعل‏,‏ هل أقبل بعد خراب مالطة رضاها عني الآن؟ أم أقول لها إن الآوان قد فات وأبدأ حياة جديدة مع إنسانة أخري تقدس الحياة الزوجية‏..‏ وتعرف أنها شركة بين الزوجين في العسر واليسر وليست في اليسر وحده كما فعلت زوجتي معي‏,‏ إنني احتاج الي زوجة أخري أعيش معها مرحلة حسن الختام فهل تؤيدني في ذلك؟

ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:
‏ بعض الأزواج والزوجات يبدأون حياتهم الزوجية وكأنهم مساقون بقوة خفية الي أقدار لم يرغبوها لانفسهم لكنهم بالرغم من ذلك يمضون اليها ويستكملون خطواتها ويبدأون صفحتها الأولي مع شركائهم بنفسية من لا يحزنه الفشل ولا يسعده النجاح ومن ينظر في استعلاء نفسي غريب الي شريكه في التجربة كأنما يقول له من اللحظة الأولي إنك لم تكن لتحظي بمثل هذا الشرف لولا ظروفي القاسية التي اضطرتني للقبول بك‏,‏ أو لولا تحطم احلامي السابقة في الحب والسعادة مع من كان جديرا حقا بان اشاركه حياته‏,‏ ومثل هذه النفسية لا يمكن ان تثمر علاقة زوجية سليمة بين الطرفين إذ لابد أن يجد الطرف الراغب فيها في انجاح التجربة نفسه مسوقا لتقديم القرابين بصفة دائمة للطرف الفاتر في همته‏..‏ وفي عاطفته تجاه شريك الحياة فتترسخ الأوضاع الخاطئة في العلاقة الزوجية منذ البداية وتصبح مهمة احد طرفيها هي تقديم التنازلات وتقريب القرابين‏..‏

وتصبح مهمة الطرف الآخر تقبل هذه القرابين في ترفع وفتور وكأنها حق من حقوقه يتفضل علي الآخر بقبولها منه‏,‏ ولا يجد فيها ما يستحق ان يشكره عليه‏,‏ ولا عجب في ذلك من وجهة نظره لأن الآلهة في الاساطير الاغريقية لاتشكر من يعبدونها وانما تكتفي فقط باعفاء من ترضي عنه من بعض سخطها وغضبها ولفترة مؤقتة بأثر هذا القربان نفسه ومداه‏,‏ في حين أن الله جل شأنه الذي لا يحتاج الي عبادة من يعبدونه يشكر عباده الصالحين‏,‏ كما في الآية الكريمة‏:‏ إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم أي شاكر لمن يتطوع خيرا من عباده‏.‏

فتمضي العلاقة الزوجية بين الطرفين واحدهما مقهور برغبته في استمرار الحياة مع الطرف الآخر لاسباب مختلفة اهمها الابناء والاخر فاتر الهمة والروح وفاقد الحماس لكل الأشياء‏..‏ الي ان يتقدم العمر بالطرفين بعض الشئ وتجري تحت الجسور مياه كثيرة‏..‏ فيتحرر المقهور من بعض قهره ويفقد المفتون بنفسه بعض مقومات فتنته وغروره‏,‏ فيجد الطرفان نفسيهما تدريجيا وقد تبادلا الادوار والمشاعر والدوافع ويجد الإله المعبود نفسه مضطرا لبذل الجهد لكي يجتذب اليه عابده السابق‏..‏ ويشعر الطرف المقهور بانتصاره علي ضعفه وأغلال قهره القديم فلا يجد في نفسه اية رغبة لبذل المزيد من القرابين‏,‏ ولا يسعد حتي بتبدل مشاعر معبوده السابقة تجاهه ولا باستعداده الآن لان يتقبله ويعلن رضاه عنه‏!‏

هكذا تمضي أمور الحياة في بعض الأحيان فعلا يا صديقي ولا غرابة في ذلك لان الاستجداء الطويل للاشياء يفقد الانسان البهجة بنوالها بعد ان بذل من نفسه ومن كرامته لكي ينالها ما يفقدها كل قيمتها ومعناها لديه‏,‏ ولان الأشياء التي تجئ ايضا بعد فوات الآوان لا تبهج الانسان بقدر ما تثير تأملاته وأشجانه وربما ايضا أساه علي ما ضاع من زهرة العمر وهو يترقبها ويأمل فيها‏..‏ ولهذا كله‏..‏ فإنني أفهم مشاعرك جيدا يا صديقي وأرثي لك‏,‏ واذا كنت تقول لي انها تريدك الآن مجرد واجهة عائلية محترمة لها لكن قلبها مع فارس اخر فإني لا استطيع أن اطالبك بأن تسعد برضائها عنك أو تضرب صفحا علي كل ما كان من أمرها معك خاصة اذا كانت حكاية القلب المسروق منها مازالت قائمة حتي الان

وليست مجرد ظنون من جانبك بسبب تاريخها الطويل في الفصام العاطفي معك‏,‏ نعم لا استطيع أن اطالبك بذلك لكني سوف أطالبك فقط بألا يدفع أبناؤك ثمن حمقها وفتور عاطفتها وقبولها الزواج منك وهي لا تراك فارس احلامها بغير ان تغلب نفسك طويلا علي محاولة القبول بهذه الأوضاع الجديدة بعد تحسنها بعض الشئ بالنسبة لك فاذا عجزت عن احتمال الحياة مع زوجتك من أجل هؤلاء الأنباء الصغار ومع تغير احواله ا معك ورغبتها الجديدة في انجاح الزواج والحفاظ علي الاسرة فلا لوم عليك اذا اكتفيت بما تجرعت وتطلعت لحياة أفضل واسعد مع غيرها مع تأكيدي لك في الوقت نفسه ان هذه الحياة الجديدة لن تكون خالية من الاكدار والاحزان بسبب افتقاد ابنائك لك وساهم لانهيار الاسرة التي كانت تظلهم بظلالها‏.‏

أما اذا كنت من ذوي النفوس الكبار وآثرت ان تعفي اطفالك الصغار من تحمل تبعات اخطاء زوجتك معك في السنوات الماضية‏,‏ وفضلت أن تواصل العطاء لهم حتي النهاية‏..‏ وراودت نفسك علي الصفح والنسيان وقبول ما قد بدأت زوجتك تقدمه إليك من عطاء عاطفي شحيح بعد فوات الآوان فان الله شاكر عليم‏..‏ والسلام‏!‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.