تابعت في الفترة الأخيرة تعدد الخطابات المنشورة بالبريد التي تطرح موضوع الجحود وعدم الوفاء بين الزوجين وأعتقد أن حكايتي جديرة بأن تروي في هذا السياق.
أنا مهندس ورجل أعمال في الرابعة والخمسين من عمري الآن ومنذ طفولتي تربطني وأمي وأبي رحمه الله علاقة خاصة وحب متبادل مع أحد أخوالي ـ رحمه الله ـ وزوجته لدرجة أنه عندما رزقه الله بمولودة خطبها لي والدي وقرأ فاتحتها وهي مازالت في اللفة وأنا في التاسعة وسط فرحتنا وسرورنا جميعا, ومع مرور الزمن كان كل منا يري الآخر برؤية خاصة تزداد توثقا علي مر السنين, حتي أنها وهي طفلة تشاجرت مع قريبة داعبتها بأنها ستلد بنتا لتزوجني منها, وكنت أنا أرعاها رعاية خاصة باعتبارها خطيبتي وستكون عروسي عندما يأتي الأوان, وفي أعياد الميلاد كنا نتبادل هدايا ذهبية تأكيدا لهذه العلاقة, وبعد وفاة والدي رحمه الله ظللت وفيا للفاتحة التي قرأها مع خالي ومتمسكا بها رغم ما كنت ألقاه أحيانا من سخرية أقراني في العمر, وعندما بلغت هي السادسة عشرة أسرت والدتها لأختي بأنها ترغب في تزويجها صغيرة وأن الخطاب قد بدأوا يطرقون بابهم, فتحدثت مع عروسي التي أبدت الموافقة فخطبتها من والدها وتزوجنا بعد عام عندما أنهت الثانوية العامة بتفوق وبمجموع كبير, وكنت في هذا الوقت أعمل بإحدي دول الخليج, وعرضت عليها أن تنتسب لإحدي الكليات وتسافر معي, أو تدرس
دراسة خفيفة بالجامعة الأمريكية, إلا أن والدها طلب مني أن أسمح لها بدخول كلية الطب التي هي أمله وأملها, وقد كان لهم ما طلبوا, وستظهر الأيام أن هذا أول أخطائي, وكانت تأتي لزيارتي في الإجازة الصيفية, وآخذ أنا إجازتي في الشتاء لأقضيها معها في مصر, ورزقنا الله في هذه الفترة بابنتنا الجميلة, ولم أطق صبرا علي البقاء بعيدا عن أسرتي فقطعت فترة عملي بالخليج وعدت إلي مصر لأبقي بقربهم وربما كان هذا ثاني أخطائي, وغني عن الشرح أن زوجة تحمل أعباء بيت وزوج وطفلة وفي الوقت نفسه تدرس بكلية الطب تحتاج إلي فهم وتعاون وإنكار ذات من زوجها وتسخير لوقته وجهده وأعصابه وماله لتستطيع تحقيق ذلك, وقد كنت لها مثال الزوج المحب الراعي المتفهم طوال دراستها مما أتاح لها التفوق في هذه الدراسة, وأظهرت الأيام أن هذا كان استمرارا لمسلسل الأخطاء وقد كان خالي وزوجته يبشراني دائما بأن زوجتي ستعوضني بكل ما فعلته معها عندما تتخرج, ومرت فترة الدراسة بحلوها ومرها لتنتهي بتخرجها بتفوق واختيارها ضمن جهاز التدريس بالكلية, ولم أشأ أن أقف أمام طموحها ومستقبلها وكان الله قد رزقنا بابننا الثاني فوقفت خلفها أساندها بكل ما أملك لتحصل علي
الماجستير ثم الدكتوراه, وسافرت أكثر من مرة للتدريب بالخارج أو لدورات أو مؤتمرات, ورغبت في عمل ماجستير آخر للتخصص الدقيق, وكنت أيضا خلفهما باذلا الجهد والوقت والمال من أجلها ومؤجلا تحقيق بشري خالي وزوجته تعويضا لي عن ذلك إلي أن تحقق طموحها, ليستمر مسلسل أخطائي, وفي هذه الأثناء واجهت أعمالي بعض المشكلات نتيجة غدر شريكتي الذي كنت أثق فيه ثقة عمياء, مما ضيع علي حصيلة شقاء وعمل السنين وانكسرت لأبدأ من جديد, ورغم كل هذا فعندما طلبت مني أن تفتتح عيادة وقفت بجانبها وساعدتها مرة أخري لتحقيق رغبتها, وكانت دائما ما تقول لي أفضل استثمار هو الاستثمار في العلم, فاستثمر مالك في, ولظروف رغبتها في تجديد شقتنا اضطررنا للاقامة مع والدتي ـ وهي عمتها ـ لبعض الوقت تشاجرت خلاله مع والدتي ووضعتني في موقف محرج, فالضيفة قاطعت صاحبة البيت ولا تكلمها ومع ذلك مستمرة في الضيافة, وتوفي خالي الحبيب فجأة بعد مرض قصير, ووصلت ابنتي الي سن الزواج وطلبها من ارتضيته أنا وأمها وهو شاب علي دين وخلق, وبرغم الظروف المالية السيئة التي كنت أمر بها, فقد كنت قادرا علي تجهيز ابنتي الحبيبة بجهاز مماثل لما تجهزت به مثيلاتها,
إلا أن زوجتي رغبت في اشياء لم تكن في قدرتي, فقررت أن تسافر لاستكمال جهاز البنت, فجمعت أولادي أمامها وقلت لهم إن موقف والدتهم الذي تقف فيه بجانبي لا يصدر إلا عن ست أصيلة من بيت كريم وتستحق أن نقبل يدها عرفانا صباحا ومساء, ورغم حدوث بعض الخلافات بيننا في الفترة الأخيرة إلا أنها سافرت والعلاقة بيننا علي خير ما يكون.
ولكني كنت مخطئا مرة أخري فقد كان سفرها لكي تبدأ مرحلة جديدة هي مرحلة الدولار والمرسيدس, وبدأت لغتها تتغير معي وبدأت تتذكر من الأحداث القديم والحديث وتفتعل الخلافات وتضع العراقيل أمام سفري لها وتنزل الي بيت والدتها عندما تأتي الي مصر, وأنا صابر عليها وأحاول استرضاءها لمحاولة إنقاذ ماتبقي من عمر كامل يمتد طوال ثلاثين عاما بدأته معها وأنا شاب في الخامسة والعشرين وهي طفلة في السادسة عشرة, وانتهينا منه وأنا كهل في الرابعة والخمسين كان لي دور لا يجحده عاقل فيما وصلت هي اليه, ورغم ذلك أصرت علي الطلاق بالذوق وإلا فالخلع, لقد استثمرت فيها عمري وشبابي ووقتي واعصابي ومالي.. ولكني لم أحصد في النهاية سوي الحنضل والحصرم والجحود والحسرة والمرارة.
إن تحججها بأن أمي عملت وأختي سوت ليست حججا قوية ولا تصمد أمام أي منطق جاد, خاصة وانهما لا يقيمان معها, وقد حدث أكثر من ذلك بكثير بين زوجات وأهل أزواجهم ولم يكن أبدا مبررا للطلاق, فقد كانت مباراة بين جانبين لم يكن يسعني الاشتراك فيها أو الانحياز لأي منهما, بغض النظر عن الطرف المخطيء من وجهة نظري.
ورغم مواقفي طوال حياتي مع والدتها وإخوتها الا أنني لم أجد بينهم من يحاول أن يثنيها عن موقفها الذي لا يبتعد تفسيره عن الجحود وعدم الوفاء بل وخيانة العشرة لقد كنت أتوقع أن يكون دور والدتها بناء ولكنني وجدتها أكثر منها إصرارا علي الإطاحة باستقرار هذه الأسرة, لدرجة أنها لم تكتف بتهديدي برفع قضية وإنما ضاقت بها الدنيا فلم تجد سوي نسيبي حما ابنتي لتحمله رسالة لي إما يطلق بالذوق وإما الخلع ومن اتهمتني بالخضوع لسلطة أمي استغلت سيطرتها هي علي الجميع لتجعلهم يتناسون أني ابن عمتهم وأخوهم الأكبر لسنوات طويلة ويقاطعونني ويرضخون لرغبتها في عدم الإصلاح.
لقد شاب شعري وأنا أري وأراقب الغريب من أحوال هذه الدنيا وأتعلم منه, ولكني لم أتوقع أن أنتقل من مقاعد المتفرجين الي وسط خشبة المسرح لأكون ضحية عملية نصب أو نشل سرق فيها شبابي وحياتي ومالي لأترك وحيدا في هذه السن التي كنت أنتظر فيها المكافأة عن كل ما بذلته معها طوال ثلاثين عاما لقد تكررت حكايتنا من قبل لأربعة من معارفي وطليقة أحدهم استاذ طب ايضا ولكن كانت زوجاتهم من أصول لاترقي الي أصل زوجتي وحسبها ونسبها, وتفسير ما حدث لي ولهم في رأيي أنها ومثيلاتها لم تصلن الي هذا الإصرار إلا لاعتقادهن بأنهن قد ضيعن الكثير من حياتهن في الدراسة والمذاكرة, والآن وقد وصلن لمرحلة الدولار والمرسيدس فمن حقهن تعويض ما فات, ولن يكون الزوج المستهلك هو الشريك المناسب لهذه المرحلة, ونسين دوره فيما وصلن إليه, وأنه أيضا قد ضيع كل حياته معها, لقد كنا فيما مضي يتكرر علينا النموذج المعكوس لهذه القصة أي الرجل الجاحد الذي كان عندما تعطيه الدنيا يتنكر لشريكته في الكفاح ويبحث عن زوجة جديدة تناسب المرحلة الجديدة ويبدو أن القيم المادية التي سادت العصر, ودعوي المساواة بين النساء والرجال وحصول المرأة علي حقوقها ومنها حق الخلع قد أفرزت لنا نموذج المرأة الجاحدة التي تمسك بسيف الخلع لتقطع أواصر العشرة وتهدر حياة كانت طوالها هي الطرف الآخذ, ولكنها استغنت.. فانتبهوا أيها السادة, وانتبهوا يا كتاب الدراما لهذا النموذج الدرامي الجديد.
في الحديث الشريف سند إصدار قانون الخلع, رد الرسول الي الزوج المخلوع حديقته عندما رغبت الزوجة في الخلع, فمن يدلني كيف ترد علي ضالتي عمري وشبابي وأعصابي وجهدي ووقتي.. وآخرها وأقل الخسائر مالي وما أهدرته عليها مما يزيد عن الحق الشرعي للزوجة طوال الرحلة من الثانوية العامة الي الأستاذة الدكتورة بكلية الطب.
* سيدي.. وأنت في نهاية رحلة30 عاما, تنظر خلفك لتكتشف كم الأخطاء التي ارتكبتها في حق نفسك, وليتك توقفت مبكرا منذ بداية الطريق أو حتي في منتصفه, ولكن يبدو أن هناك أسبابا أخري لم تذكرها في رسالتك, جعلتك تتغافل عمدا عن أخطائك, ولكنك أفقت من غفوتك الطويلة لتطالب بشبابك الضائع وجهدك ووقتك وأعصابك, ولكن تلك أشياء لا تشتري ولا تحصل عليها بحكم خلع أو تعويض.
سيدي.. لقد تسلمت زوجتك طفلة, دللتها, وأغدقت عليها حتي شبت وأينعت بين يديك, أي كنت شريكا في تربيتها وتكوين ملامح شخصيتها, حتي أزهر عمرها, سارعت بالزواج من صبية وعمرها لم يكمل18 عاما.. ولأن الحياة اختيارات, اخترت أن تتزوجها وتتركها في عز نضوجها, لتحقق أهدافك المادية, وهي تواصل تعليمها.. لم يكن مشروعكما مشروع بيت أو أسرة, فالبيوت لا تؤسس علي الأرض بل علي المرأة, وها هي المرأة وحيدة لا تعرف إلا تحقيق طموحها, وهو التفوق الدراسي, امرأة مع إيقاف التنفيذ. أنت بالنسبة لها مجرد ممول لمشروعها الجديد, تأتيك فقط في الإجازات, تحاول تعويض غيابك, وتغدق عليها أنت بالهدايا والأموال, ثم تعود مرة أخري ومعها طفلة, لتواصل زحفها الخاص نحو مستقبلها لا مستقبل الأسرة.
لم يكن عيبا ولا خطأ أن تسمح لزوجتك بمواصلة تعليمها, ولكن الخطأ أنك لم تلتفت إلي غياب مفهوم العائلة, إلي طموحها المتنامي, لم تطلب منها أن تقف لتلتقط أنفاسها وتستمتع أنت بقيادة قاطرة العائلة, فالمرأة كما قال برنارد شو: ظل الرجل عليها أن تتبعه لا أن تقوده.
لقد ساهمت يا عزيزي في أن تنفصل زوجتك عنك, وتنغلق علي طموحها بأنانية شديدة.
هل هي الطيبة التي دفعتك لتركها تسافر مرة أخري لتجهز ابنتك للزواج؟.. هل هو الطمع؟.. كيف تقبل في مثل هذا العمر, وبعد كل هذا التشتت أن تسافر وحدها مرة أخري, علي الرغم من أن الظروف لم تكن ضاغطة إلي هذا الحد؟.. هل اعتدت علي الوحدة, أم أن الحياة بينكما كانت صعبة؟!.
كلماتي ليس الهدف منها تبرئة زوجتك, ولكن فقط أردت أن تنظر إلي مواقفك السلبية من زاوية أخري, لنقر أولا بمسئوليتك فيما وصلت إليه حياتكما, وجعلت أم أولادك مغرضة في كل حياتها معك والمثل العربي يقول: من أحبك لغاية, أبغضك في النهاية.
أما زوجتك فأقول لها إن الحياة يومان, وإذا اعتقدت أن السعادة في اليوم الثاني لن تأتي إلا بهدم اليوم الأول الطويل, فلن يكون ذلك, ولن يهدأ لك بال لأن جراح الضمير لا تلتئم أبدا.. فأيا كانت رحلتك مع هذا الرجل, إلا أن هذه الرحلة لم تكن تسلمك إلي ما أنت فيه الآن إلا بدعمه ورعايته ومحبته لك, وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟.
إن ملامح شخصيتك كما رسمها زوجك تحدد تركيبة امرأة أنانية تعيش لذاتها, ناكرة للجميل, ونكران الجميل خيانة للشرف والأمانة. فهل أنت هكذا؟
لم أفهم كيف لا يوجد في العائلة حكم عدل من أهلك وأهله, وكيف يوافقك أهلك وابناكما علي تصرفك مع زوجك, إن الظالم نادم وإن مدحه الناس والمظلوم سالم وإن ذمه الناس.
سيدتي.. إن ثلاثين عاما من الحياة, فيها سعادة وشقاء وأبناء, وأحلام وتضحيات, تستحق منك وقفة أخيرة لتسألي نفسك: هل هذا الرجل يستحق منك ذلك؟.. وهل ستجدين السعادة بعيدا عنه؟.. هل سيكون ابنك وابنتك في حال أفضل وأنتما منفصلان؟.
إن السعادة يا عزيزتي تولد من حب الغير, ويولد الشقاء من حب الذات, فجنبي ذاتك قليلا, ووسعي دائرة الرؤية حتي لا تكوني من الظالمين, وامنحي تلك العائلة فرصة أخيرة, لعلك تجدين بعضا من سعادة تظنين أنها مختبئة في سيارة مرسيدس ورصيد في البنك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.