{ أنا رجل في الأربعينيات من عمري.. متزوج منذ15 عاما, ولدي طفلان هما كل حياتي.. كنت أعيش سعيدا هانئا, بعملي الناجح, وزوجتي الرقيقة الملائكية حتي أسابيع قليلة مضت, ثم تحول كل شيء في أيامي إلي النقيض وأصبحت أتعس البشر.
مشكلتي, أو مأساتي بدأت منذ شهرين, عندما كنت جالسا مع أصدقائي بالنادي, وبيننا مهندس كمبيوتر, وحكي لنا أنه اكتشف أن أولاده يدخلون علي المواقع الإباحية علي الإنترنت, بعد أن وضع برنامجا علي الجهاز يرصد ويسجل المواقع التي يدخل عليها أبناؤه, والمحادثات التي يجرونها, وهذا البرنامج ساعده علي كشف مايفعلونه, ومكنه من إنقاذهم.. وبدأ كل منا يدلي بدلوه حول تصرفات أبناء هذا الزمان, وأننا مهما فعلنا لتربيتهم التربية الصحيحة, فإن هناك عوامل أخري تتدخل في التربية, ونعجز عن محاصرتها.
وكان رأيي أن التربية السليمة المبنية علي الدين الصحيح, والصداقة بين الوالدين والأبناء هي خير عاصم. واستشهدت علي ذلك بعلاقتي مع ابني المتفوقين في الدراسة والرياضة, وكيف أنني أعاملهما كرجلين, وأسمح لهما بطرح أي أسئلة لأرد عليهما أنا وزوجتي في إطار أخلاقي وديني حتي أجنبهما أي معلومات خاطئة, واعترفت لهما بأن زوجتي تلعب الدور الأكبر في رعاية ابني, وتتابعهما في النادي كما في البيت, وتكافئهما علي التزامهما بالصلاة في مواقيتها. ويومها أنهيت كلامي برفضي لفكرة التلصص علي الأبناء, خوفا من اكتشافهما هذه المراقبة, فينكسر جدار الثقة بيننا.
إنصرفت مقتنعا بما قلته, وإن كان بداخلي صوت آخر من خاف سلم ومن يدريني ألا يتأثر ابن لي بصديقه, أو يدخل علي واحد من هذه المواقع بطريق الخطأ, فينجرف بعيدا عن رقابتي وعن عيون زوجتي.
في الصباح, اتصلت بصديقي وطلبت منه أن يعد لي نسخة من هذا البرنامج, ومررت عليه بعد الظهر في عمله وأخذتها منه. وقررت ألا أخبر زوجتي حتي لا أثير قلقها علي الأبناء, أو تخطيء فتخبرهما بما فعلت فيغضبا مني أو يتحايلا علي البرنامج, فهما في سن حرجة, قد تدفعهما إلي المغامرة والتحدي.
في المساء, انتظرت حتي نام الجميع, وجلست أمام جهاز الكمبيوتر وحملت البرنامج عليه, ونمت قرير العين.
نسيت أو تناسيت الموضوع لعدة أيام, ثم قررت أن أطل علي الجهاز حتي يطمئن قلبي, ولكن الأقدار كانت تخبيء لي ما سيدمر هنائي ويحزن قلبي. الصدمة ياسيدي, أن ابني لم يدخلا إلي هذه المواقع ولم يرتكبا إثما, لكنها, زوجتي المصون هي التي كانت تفعل ما لم أصدقه حتي الآن.
زوجتي ذات المركز المرموق, الطاهرة, العفيفة, الملتزمة, أم أبنائي, كانت تتحدث عبر النت مع رجل آخر.. ليست دردشة, ولا صداقة.. تقول له إنها تحبه, ولاتطيق زوجها ـ الذي هو أنا ـ وهو الآخر كان يعبر لها عن حبه. لم أصدق نفسي, فقدت صوابي.. لماذا, متي, ومع من؟
سيدي.. لست زوجا تقليديا, لا أسمعها الكلمات الجميلة, أو أهمل مشاعرها, أو أقصر في التزاماتي تجاهها.
كانت تقول إني زوج مثالي, وإنها سعيدة وهانئة معي, بل كانت تخشي علي من النساء, وعلي حياتنا المستقرة من الحسد.
لماذا سؤال طرحته علي نفسي مئات المرات, فتشت عن اجابة ولم أجد.. ليس لديها فراغ حتي تبحث عن ملئه, فعملها ومسئولية الابنين وهما علي أعتاب مرحلة الشباب, لا يتركان فرصة للاحساس بالملل والفراغ. ولست قاسيا أو غائبا حتي تستبدل بي آخر, حتي لو عبر النت.
سيدي.. قضيت ليلتي في غرفة المكتب, لا أطيق الدخول إليها في غرفة نومي, لا أعرف ماذا يجب أن أفعل.. توضأت وصليت الفجر وبكيت طويلا فاسترحت قليلا, وحسمت أمري بألا أخبرها الآن بشيء, وقررت مراقبة الكمبيوتر لمدة أسبوعين, لعل هناك خطأ ما.. لعلها مغامرة طارئة.
بعد الأسبوعين, لم يتغير شيء, زوجتي تخونني مع رجل آخر عبر النت, لم يكن هناك في الحوارات المسجلة ماينبيء بأن بينهما لقاءات, وإن لم يكن فيها ماينبيء بعكس ذلك.
زوجتي التي قضيت معها15 عاما من عمري, كاذبة, ممثلة, شيطانة وليست ملاكا كما كنت أظن.
انتهزت فرصة غياب ابنينا عن البيت, وواجهتها بخيانتها, فانتفضت وغضبت كذبا, وعندما استمعت إلي التسجيلات, بكت وادعت الانهيار, وأقسمت بأغلظ الايمان أنها كانت غلطة لن تتكرر, وساقت لي مبررات واهية لم تؤثر في ولم أقبلها. فقلت لها ان علاقتنا انتهت وأني سأحضر المأذون في الصباح حتي ينتهي الأمر في هدوء حتي لا يعرف الولدان فندمر مستقبلهما, فتقبلت قراري راضخة واجمة.
في الصباح, كنت أستعد للخروج لاحضار المأذون, فوجئت بالولدين يطلبان مني أن أوصلهما إلي المدرسة لمعرفة النتيجة, وعند باب المدرسة وجدنا زملاءهما يهنئونهما بحصولهما علي المركز الأول. وسط فرحة الولدين وتهليلهما, غرقت في التفكير, كيف لي أن أسرق فرحتهما؟.. وهل سيحافظان علي تفوقهما بعد تطليقي أمها؟.. وماذا سأقول لهما عن سبب الطلاق؟
عدت معهما إلي المنزل, احتضنتهما زوجتي وبكت, اعتقدا أنها دموع الفرح.
لا أعرف لماذا فعلت ذلك, دخلت معها إلي غرفة النوم, وقلت لها إني لن أطلقها من أجل الولدين, وإن كان حبها قد مات في قلبي إلي الأبد.
سيدي.. لا أعرف كيف أصف لك شعوري منذ ذلك اليوم.. تغيرت تماما, لم أعد أضحك في البيت أو في العمل.. أصبحت أكره رؤية وجهي في المرآة حتي لا أري ذلك الجبان الذي ضحي بكرامته من أجل ولديه.
حتي ولداي أصبحت لا أطيق النظر إليهما, أشعر بأنهما نقطة ضعفي, وسبب هواني وذلي.
كل ليلة أدعو الله أن تموت زوجتي لتزيح عني هذا الكابوس.. فهي بالنسبة لي ميتة.. أخشي علي ابني من مواجهة الحقيقة, وفي الوقت نفسه أشعر بأني أصبت بأمراض نفسية وأحتاج إلي طبيب, لأني في حاجة إلي عودة إحساسي باحترامي لنفسي, وعودة مشاعري الطبيعية تجاه أبني.
هل كان قراري صائبا؟.. هل أخطأت؟.. أسئلة كثيرة تحاصرني ولا أعرف لها اجابة.. فهل أجد لديك ولدي أصدقاء بريد الجمعة مايساعدني علي تجاوز هذه المحنة؟!
{ سيدي.. أقدر جيدا احساسك بالصدمة, فما أقسي تلك اللحظة التي نكتشف فيها أن سعادتنا التي عشناها سنوات كانت وهما, وأن الذين أحببناهم واعتقدنا أنهم يحبوننا, لا يستحقوا حبنا.
احساس قاتل يصيب الرجل عندما يكتشف فجأة ودون مقدمات أن التي نامت في أحضانه سنوات, أسمعته حلو الكلام, أشادت برجولته وكرمه, وربت أبناءه خير تربية, تخونه مع رجل آخر, لا تعرفه, لم يجلس بجوارها وهي مريضة, لم يشاركها أيام الشقاء ولا الأحلام الصعبة.. لم يحضر معها أحلي لحظات عمرها, منذ لحظة زفافها وحتي انجابها, وفرحها بنجاح أبنائها. هل هناك امرأة عاقلة تضحي بكل هذا, أو تهدم كل حياتها في لحظة ضعف اشتاقت فيها إلي مغامرة, أو أحست بفراغ فملأته بخيانة الكترونية؟
سيدي.. لدي في بريدي, عشرات من مشاريع الخيانة الالكترونية, والحقيقة أن أغلب أبطالها من الرجال, نساء يشكون من أزواجهن بسبب علاقات غريبة عبر الانترنت, بعضها يقف عند حد التواصل عبر الشاشة, وبعضها يمتد إلي ما هو أكثر من ذلك, وهذا يعني أن جيل الآباء هو الذي يحتاج إلي رقابة لأنه لم يكن مؤهلا أو مستوعبا لهذه التكنولوجيا التي يجيد أبناؤنا استغلالها أفضل منا.
عودة إلي رسالتك المؤلمة أقول لك انني متوقف بدهشة أمام تصرف زوجتك, فإذا كانت سعيدة هانئة معك كما قلت, تحسد نفسها عليك وتراك زوجا مثاليا, فلماذا تخونك؟.. وكيف لامرأة صالحة تعلم أولادها الصلاة وحفظ القرآن, وتدفع بأبنائها إلي التفوق كل عام ترتكب مثل هذا الخطأ؟ تناقض يثير في نفسي الشك في تفاصيل حكايتك, وأخشي أن يكون هناك ما تخفيه في علاقتكما تحت تأثير الغضب, لأنه نار يخفي دخانها ما تأكله.
فإذا كنت مستريحا لما ذكرته في رسالتك, فدعني أذكرك بأن الزواج نصيب قد يكون رابحا أو خاسرا, ووقتها إما أن نكمل الرحلة, أو يذهب كل في طريقه, فلا يصم الرجل أو يسيء إليه أن زوجته خائنة, وكذلك المرأة مع الرجل الخائن. فهي ليست علي اسمك, مثل أمك أو أختك أو ابنتك لن تستطيع من جريمتها هربا, زوجة خائنة طلقتها, ولكن هل زوجتك خائنة؟.. وهل يمكن أن تصفح عنها وتغفر لها, أم أنك ستقضي حياتك في شك دائم؟
منذ سنوات بعيدة استعان بي زميل لمساعدته في تطليق زوجته بعد أن ضبطها تخونه مع جاره, واتفقا علي أن يأخذ هو الأبناء وتم الطلاق, وفرقتنا الأيام, وبعد أكثر من عشر سنوات التقيته وسألته عن أخباره, فقال انه رد زوجته مرة أخري, وبرر ذلك: بأنه هو الآخر كان يخونها, وأن ما حدث كان عدلا, وأن الله يغفر الذنوب جميعا, فلماذا نقسو نحن البشر ولا نقبل المغفرة؟
أقول لك تلك الحكاية لأذكرك بأن قدرات الإنسان متفاوتة من شخص لآخر, فما ترضي به, لا يقبله غيرك. وأنت لا تملك دليلا علي خيانة زوجتك, نعم ما فعلته خيانة, ولكن إذا أيقنت أنها لم تزد علي دردشة عبر النت فهل يمكنك أن تغفر لها وتمنح أسرتك فرصة جديدة؟.. إذا كانت اجابتك نعم, فاصفح صفحا جميلا, وابدأ من جديد دون أن تعذب نفسك أو تعذبها وتدمر ابنيك.
أما إذا لم تستطع لا يكلف الله نفسا إلا وسعها, فأنه هذا الأمر فورا ولا تجعله معلقا معذبا للجميع, فمثل هذه العلاقة مع احساسك المدمر لن يصيبك وحدك بالمرض النفسي, بل سيدمر أيضا ابنيك وأمهما.
سيدي.. البتر لعضو قد يكون فيه انقاذ لباقي الجسد. والاختيار مؤلم لكنه قد يكون الأنسب, وأنت الوحيد الأقدر علي الاختيار بين الحلين, ولن أذكرك بأن تحرص علي تجنيب ابنيكما تلك التفاصيل المؤلمة, فقد تنجو أنت وهي وتبدآن من جديد, أما هما فقد يحيل هذا الشرخ مستقبلهما إلي جحيم. واعتقد أنك ـ بما فعلت وضحيت من أجلهما ـ لن تقبل بذلك أبدا, وتذكر أن من ستر عبدا في الدنيا ستره الله يوم القيامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.