أنا فتاة كبيرة في السن ولن اذكر سني لأن ليس هذا هو المهم, ان المهم هو أن أفضفض لك عن مدي معاناة فتاة مثلي وحيدة لا ونيس ولا جليس, وأنا متأكدة أن كل بنت في مثل ظروفي سوف تشعر بكل كلمة أكتبها, ولا أريد منك سوي ان تخفف عني ببعض الكلمات التي قد تريحني.
ان الوحدة والفراغ( العاطفي) الكبير الذي اعيشه يجعل ايامي تمر كالسنين بلا هدف, نعم بلا هدف, لان الهدف الاسمي لكل فتاة هو ان تعيش من أجل رجل تشعر معه بالأنوثة والرغبة في الحياة.. ان تكون سعادتها من سعادته, تفضفض له, يشعر بها, يلبي رغباتها العاطفية والاجتماعية, أن تعيش لطفل يقول لها احلي كلمة( ماما), صدقني ياسيدي.. من الممكن طبعا ان تقول لي ليس هذه هي السعادة الحقيقية وليس هذا هو كل هدف الفتاة.. واقول لك نعم ليست هذه هي كل السعادة الحقيقية, وانما هذه هي أساسيات السعادة, فقل لي بالله عليك اي سعادة ستشعر بها الفتاة مهما عملت في مجال مرموق ومهما بلغت قيمتها الاجتماعية ومهما ومهما؟ وكل ذلك بلا اشباع عاطفي ان الزواج والاستقرار العاطفي هما اللذان يمهدان طريق الحياة, فالفتاة بلا استقرار تكون مشتتة متوترة مخنوقة ليس عندها ثقة بنفسها ولو أظهرت غير ذلك, سيدي ـ آسفة علي اسلوبي غير المرتب في الكلام ولكن هذا يعكس مابداخلي من اضطرابات نفسية شديدة امر بها ولايعلم بها احد حتي الاهل.
سأبدأ اتكلم عن نفسي واعذرني لكثرة كلامي فأنا حقيقة لا اجد من يسمعني, خاصة عند الحديث في هذا الموضوع( العيب), فانا أبدو أمام كل الناس إنسانة جميلة مثقفة لبقة, ذات مكانة اجتماعية مرموقة, اعمل في مجال ولله الحمد موفقة فيه واحفظ بعضا من القرآن الكريم الذي هو سلوتي في هذه الدنيا, ويحسبني كل الناس انسانة طبيعية, ولكن أنا امام نفسي غير ذلك, والله انني امام نفسي انسانة ضعيفة متوترة قلقة خائفة محرومة محرومة, أنا ساعات اخلو بنفسي وابكي بحرقة إلي أن تجف دموعي ولا احد يشعر بي.
سيدي انني بحاجة شديدة لرجل يسمعني, يحبني يخاف علي, يحميني, اشعر معه بانني انثي فهذا المعني تناسيته من زمان.. نعم تناسيت انني انثي, فبحكم انني اعيش مع اخواني الذكور لا آخذ راحتي في لبسي اثناء الحر الشديد, فأكون محتاجة فعلا ان البس شيئا قصيرا أو تكشف ذراعي ولكن لا استطيع إلا أن البس اللبس العادي الذي اكون مخنوقة به, وليس من حقي ان أستمتع بلبس يريحني..
بحرقة شديدة اقول لك إنني في زهرة عمري, عندما كان عندي امل في الزواج, جهزت نفسي من مجاميعه من حيث الملابس وأشياء المطبخ والستائر وغيرها من الأشياء التي تجهز بها اغلب البنات نفسها الي ان يأتي النصيب.. و.. ان هذه الاشياء التي( اشيلها) في غرفتي قد أصبحت كالاشباح التي تخيفني, وكلما نظرت اليها أقول لنفسي ياتري لو كتب لي ربي انني لن اتزوج هل ستبقي هذه الأشياء تذكرني بذلك الامر؟
ناهيك عن انني اموت في الأطفال ونفسي يكون لي طفل ويقول لي الكلمة التي احبها من قلبي, واحترق عندما اسمع اي طفل يقولها, سيدي أليس من حقي أن أتزين وأتدلع علي رجل يحبني وأحبه؟ اليس من حقي ان أشبع عاطفتي كأي فتاة طبيعية في الوجود؟ أليس من حقي ان تكون لي مملكتي الصغيرة الجميلة التي تكون تحت تصرفي؟ أليس من حقي ان ارعي طفلا واربيه علي القيم الفاضلة؟ انا اعرف جيدا ان الزواج ليس بهذه الصورة المثالية التي ارسمها, ولكنني كأي انسان نفسي اعيش تجربة الزواج بحلوها ومرها لان هذا حقي.
ان الفتاة مهما بلغت قيمتها ياسيدي فهي بدون رجل حياتها تكون فارغة, انا أنقل لك هذه الصورة التي تعانيها الفتاة التي تأخرت سنها ولم تتزوج, بل تعاني اكثر من ذلك بكثير ولا أريد منك غير التخفيف عني ببعض كلماتك الحكيمة.
سـيدتي.. وهل يمكن للكلمات أيا كان عمقها أو حكمتها أن تزيح عنك بعض همك وحزنك؟.. ما أقسي علي الإنسان منا أن يغلق عينيه عن كل مايحياه, ويغرق في ألم واحد معتقدا أنه السعادة وربما لايكون, ولكنها الحياة التي تجعل من بحثنا عن السعادة طريقا إلي الحزن والشقاء. نعم ياعزيزتي, من حقك أن تحلمي بوطنك الخاص, بزوج ترتدين له فستان الزفاف, تصنعين مملكتك بيديك, تحملين, وتنجبين أطفالا, تمارسين حقك كأنثي وكأم.. أقول من حقك أن تحلمي ـ مثل أي فتاة ـ بكل هذه الأشياء, ولكن من قال لك إن البشر قادرون دائما علي الحصول علي حقوقهم, التي يعتقدون إنها أمنيات يتعذر علي المرء أن يبلغها إذا لم تساعده الأقدار, فالأقدار هي التي تحدد مايجب أن نحصل عليه, وقمة الإيمان هي الرضا بما قسمه الله. لن اقول لك ربما يكون في عدم زواجك خير, وإن كان هذا حقيقة, ولكن اعتقد أنك تعرفين الكثير من هذا الكلام بحكم تدينك وحرصك علي قراءة القرآن الكريم, لذا سألجأ إلي مثل عربي يعلمنا أن ما لا يمكننا تغييره ينبغي تحمله, يقول المثل إذا لم يحالفك الحظ فلن يسعك اللحاق به ولو كنت علي ظهر جواد.. نعم قد يسعي هو اليك في الوقت الذي يقدره الله سبحانه وتعالي لحكمة يعرفها وحده, وإلي أن يأذن الله ليس أمامك إلا الأمل الذي يخفف الدمعة التي يسقطها الحزن.. الأمل هو الذي سيجعلك تتقنين فن العيش مع نفسك, وفي تلك اللحظة التي تقبلين فيها الواقع سيهرب منك البؤس.. لكن كيف يمكنك تعلم هذا الفن؟
أولا تذكري شيئين, الأول هو ما قاله الشاعر والأديب جبران خليل جبران:
لم يسعد الناس إلا في تشوقهم
إلي المنيع فإن صاروا به فتروا
والثاني المثل الأوروبي الذي يقول الزواج قلعة محاصرة, من هو خارجها يود الدخول اليها, ومن هو داخلها يود الخروج منها هذا هو حالنا ياسيدتي, شئت أم أبيت, والأفضل أن تقبلي به حتي يأذن لك الله بدخول تلك القلعة, وحتي يحين ذلك لا أنصحك بالوقوف علي بابها, ولكن أدعوك إلي الخروج للحياة, ابحثي عن أوجه أخري للبهجة, مارسي بعضا من أمومتك المختزنة, توجهي إلي واحدة من دور الأيتام ـ ويمكنني مساعدتك في ذلك ـ اعطفي علي اطفال هم في حاجة إلي بعض حنانك واهتمامك, صدقيني ستشعرين بسعادة لم تعرفيها من قبل.. إن ألمك الحقيقي هو احساسك بأن أحدا لايحتاج إليك, فاصنعي دورك في الحياة بيديك وكلك رضا عن حالك, آملة في روح الله التي لاتغيب, وتذكري قوله في كتابه الحكيم: إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون وسيأتيك يوما من يطرق بابك سائلا عن زوجة صالحة مثلك, ووقتها أتمني أن أكون من المدعوين.. وإلي لقاء بإذن الله.