بريد الاهرام - الاستاذ عبد الوهاب مطاوع
أريد أن أروي لك قصتي مع الزمن والحياة.. فلقد تعرفت بزوجتي في حفل زفاف شقيقتي.. رأيتها فلفت نظري إليها جمالها واعتدادها الواضح بنفسها وتعارفنا, وبعد فترة قصيرة تمت خطبتنا, وكنت وقتها مجندا بالقوات المسلحة.. وانهيت فترة تجنيدي وتزوجنا فلم يمض وقت قصير حتي بدأت الخلافات بيننا علي أتفه الأسباب واكتشفت أن ما ظننته اعتدادا بالنفس ليس في حقيقته سوي غرور شديد وتكبر أصيل في شخصيتها ولا علاج لهما, وكان من أمثلة خلافاتنا التي تقيم زوجتي الدنيا ولا تقعدها من أجلها انني كنت بعد مغادرتي لبيتي في طريقي الي عملي..أختلس بضع دقائق أتوجه خلالها الي مسكن أمي لرؤيتها واحتساء فنجان من القهوة معها.. وكانت أمي تسعدبهذه الزيارة القصيرة جدا لأنني أكبر أبنائها.. ولأنها تعيش وحيدة في مسكنها بعد رحيل أبي عن الحياة ومع ذلك فلقد كانت زوجتي تستشيط غضبا لزيارتي لها.. واضطررت لأن أتكتم هذه الزيارات عنها.. وأن أقوم بها في السر كأنني أرتكب فعلا شائنا ومع ذلك فقد كانت تعلم بها وتثير علي العواصف الهوجاء من أجلها, ومضت الأيام بنا وانجبنا طفلتنا الأولي واضطررت للعمل في الخارج بضع سنوات لاسعاد أسرتي الصغيرة, وحققت لزوجتي كل ما طلبته من أجهزة حديثة.. وأثاث جديد والانتقال الي شقة أفضل وكتبت كل شيء باسمها لأدخل الطمأنينة الي قلبها, ومرت السنوات ورجعت من غربتي.. وأصبح عدد الأبناء ثلاثة وضاع معظم مدخرات سنوات الغربة في شركات توظيف الأموال.. ولم يبق لي إلا دخلي من وظيفتي بالقطاع العام, وكبرت الابنة الكبري وتخرجت في كليتها وأصبحت شابة جميلة يتهافت عليها الخطاب, وكانت زوجتي ترغب في تزويجها في أسرع وقت فتقدم اليها مهندس شاب وسعدت زوجتي به وتمت الخطبة, لكنها ما إن تمت حتي بدأت تفتعل المشاكل معه لأتفه الأسباب.. حتي ضاق ذرعا بتكبرها وصلفها وانسحب ومن بعده تقدم لابنتي طيار شاب وتكررت معه نفس القصة بنفس تفاصيلها ث تقدم لها بعد ذلك طبيب ولم يكن حظه مع زوجتي أفضل من سابقيه فلقد سعدت به في البداية ثم لم تلبث أن افتعلت معه المشاكل لكي تطفشه كما حدث مع الآخرين.
الي أن جاء الخطيب الرابع عن طريق شقيقتي الصغري.. وطارت به زوجتي فرحا لأنه ميسور الحال ماديا وصاحب شركة واهتمت به اهتماما شديدا وتوثقت العلاقة بينهما حتي شعرت أنا الأب ببعض الغيرة لحميمية علاقة خطيب ابنتي بزوجتي, ومع ذلك فقد تعاليت علي هذه الغيرة طلبا لمصلحة ابنتي.. وأملا في ألا تسعي زوجتي الي تطفيشه كما حدث مع الشبان الثلاثة السابقين, وأسعدني ان لاحظت ان ابنتي قد أحبت هذا الخطيب وتمسكت به, وتم عقد قرانهما ونحن في قمة السعادة.. لكن عقد القران كان للأسف بداية النهاية لفترة العسل في علاقة زوجتي بخطيب ابنتها فقد دبت الخلافات كالعادة بينهما لغير سبب جوهري, وتمادت زوجتي كعادتها في اهانته عبر التليفون حتي أقسم الشاب ألا يدخل بيتنا مرة أخري بعد هذه الاهانة, وفشلت كل محاولاتنا لاصلاح الحال بينهما بسبب تمسك كل منهما بأنه لم يخطيء ورفضه الاعتذار للآخر, وفعل التكبر والغرور اللذان يحكمان شخصية زوجتي فعلهما فتحولت مشاعرها تجاه الخطيب الذي كانت تطير به فرحا الي كراهية شديدة, وحاولت تدمير علاقته بابنتي ومنعتها من لقائه أو الاتصال به ولو عن طريق التليفون, ورفضت ابنتي ان تستسلم هذه المرة لرغبة أمها في تدمير علاقتها بخطيبها الرابع فنشبت الخلافات الحادة بينها وبين أمها.. واستمرت الخلافات دون بادرة أمل في تقارب وجهات النظر ووصلت الي حد الضرب والاهانة من جانب الأم لابنتها, واستقطبت زوجتي ابنتها التي تكرر صورة أمها في طباعها واخلاقها الي جانبها فانضمت اليها ضد شقيقتها.. ووقفت أنا بجوار الجانب الضعيف في الخلاف وهو ابنتي, ورأيت حسما للنزاع الفصل بينها, وبين أمها لبعض الوقت فاصطحبتها للاقامة لدي خالها حتي تهدأ النفوس. وأقامت ابنتي في هذا المنفي لمدة شهر ثم شعرت بالحنين الي أمها فرجعت الي بيتها وعدت أنا ذات يوم الي البيت ووجدتها فيه تتحادث مع أمها فسعدت بذلك وأملت خيرا ورحبت بابنتي وقلت لها إنها قد أنارت بيتها بعودتها اليه.. فاذا بزوجتي تقول لي أمامها في جفاء انها مجرد ضيفة وسوف تعود من حيث أتت, وامتقع وجه ابنتي حين سمعت ذلك.. وغضبت أنا وقلت لزوجتي ان ابنتي لن تخرج من بيتي.. فاذا بها تجيبني بأنها لن تخرج منه وحدها وانما وأنا أيضا معها! ونشبت بيننا مشاجرة عنيفة انتهت بخروجي أنا وابنتي من البيت, واقامتنا لدي حماتي علي أمل ان تنقشع الغمة وتستعيد زوجتي رشدها.. لكن هيهات أن يحدث ذلك فلقد طالت ضيافتي أنا وابنتي لدي جدتها ستة أشهر كاملة.. وانتهي خطيبها خلال هذه الفترة من اعداد عش الزوجية, وتحدد يوم الزفاف في نوفمبر الماضي.. لكن زوجتي كانت تغلي بالغضب لذلك وتقسم بأنها سوف تحرم ابنتها وخطيبها من فرحتهما في هذا اليوم, وقبل اسبوع واحدمن موعد الزفاف توجهت زوجتي مع شقيقها الي بيت والدتهما حيث تقيم ابنتي, واصطحباها بالقوة وهي بقميص نومها الي سيارة الخال وسط توسلات الجيران لهما أن يرحماها ويدعاها لشأنها واركباها سيارة الخال بالضرب والاهانة وعادا بها الي مسكن الأم, وهناك انهالت عليها الأم ضربا بخرطوم المياه وهي تتوعدها بأنها ستشعل فيها النار وهي نائمة لكيلا تتزوج الواد بتاعها هذا!
وعلمت بما حدث وأنا في عملي فغضبت غضبا شديدا وتوجهت الي منزلي وأنا أحمل السلاح لادافع به عن ابنتي, فمنعني الجيران من الصعود الي مسكني وقالوا لي ان المسكن خال من سكانه والجميع الآن في المستشفي القريب لأن ابنتي قد سقطت من شرفة الدور الرابع الذي نقيم به! وطار صوابي حين سمعت ذلك وتوجهت للمستشفي فوجدت ابنتي في حالة خطيرة والدماء تنزف منها, فما ان رأتني حتي بكت وقبلت يدي وهي تطلب مني أن آخذ لها بحقها ممن آذوها ثم راحت في غيبوبة وتم نقل ابنتي الي مستشفي آخر خاص وتبين انها اصيبت بكسر في الحوض والكوع وقصبة الساق والكاحل, كما اصيبت أيضا بتفتيت في الطحال من شدة الضرب, وأمام وكيل النيابة قالت ابنتي انها القت بنفسها من الدور الرابع... لكي تنقذ أمها من أية مسئولية ولم تشر الي مسئولية أمها وخالها عن دفعها الي ذلك بما ارتكباه معها من ضرب واهانة.., والآن فقد انعم الله بالشفاء علي ابنتي من الاصابات التي لحقت بها.. ونحن نستعد الآن لاتمام زفافها الي عريسها الشهم ذي الأصل النبيل, الذي تألم غاية الألم لما تعرضت له خطيبته من ايذاء لتمسكها به ووقف الي جوارها في محنتها واقسم ليعوضنها عن كل ما لقيت من أجله من أذي واضطهاد..
واني لأكتب لك هذه الرسالة لكي تكون عبرة لبعض الأمهات المتكبرات المستبدات بأبنائهن لكي يعرفن ان القسوة والغرور والتكبر لاتفيد ولا عائد لها الا خروج الأبناء علي طاعتهن بعد أن يعجزوا عن استمرار الاحتمال الي النهاية واحسب انك تشاركني الرأي في ذلك.. والسلام..
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
من المؤسف حقا أن تتدهور العلاقة الانسانية بين أم وابنتها الي هذا الحضيض الذي تحاول معه الأم فرض ارادتها علي الابنة بالقهر النفسي والايذاء البدني حتي لتضطر الفتاة الي القاء نفسها من شرفة بيتها تخلصا من هذا الإيلام.
نعم من المؤسف حقا أن تتدهور العلاقة بينهما الي هذا الدرك, ويضاعف من الأسف ان أسبابه ليست أسبابا نبيلة تتعلق برؤية الأم لما فيه خير ابنتها ومصلحتها واشفاقها عليها من الارتباط برجل تري انه لن يكون الشخص الأمين الذي يرعاها ويحفظ أمانتها ويحقق لها سعادتها.. حتي ولو اختلفت معها الابنة والأب في هذه الرؤية, وانما ترجع أسباب هذا التدهور لاعتبارات أنانية تتعلق بالأم نفسها.. وما تراه هي ماسا بكرامتها من وجهة نظرها, وهو رفض هذا الخطيب الاعتذار لها عما لا يري نفسه مخطئا فيه.. والي تعامل كل منهما مع الآخر بشخصيته التي تتسم بالاعتداد بالنفس, والندية!
فاذا كنا لانعرف الكثير عن شخصية هذا الخطيب لكي نحكم له أو عليه,فإن ما تقوله أنت عن زوجتك يرجح ـ اذا كان صادقا ـ أن تكون هي المسئولة عن الجانب الأعظم من أسباب سوء العلاقة بينهما, استطرادا لصلفها وغرورها ورغبتها الظاهرة في تطويع الجميع لارادتها, واستطرادا أيضا لتاريخها مع الخطاب السابقين الذين ترحب بهم في البداية ثم لا تلبث ان تنقلب عليهم وتفتعل أسباب الخلاف معهم الي أن يولوا الادبار ناجين بأنفسهم من هذا العناء.
والانسان تاريخ وليس موقفا عابرا نحكم به عليه, وتاريخ زوجتك مع خطاب ابنتها السابقين يرجح للأسف أن تكون هي المسئولة هذه المرة أيضا عن تدمير علاقتها بالخطيب الأخير, ونحن لانستريح بالفعل لسوء العلاقة بين الأم وخطيب ابنتها, أيا كان الجانب الذي يتحمل المسئولية عن تدهورها, لما لذلك من آثار سلبية تنعكس بالضرورة علي علاقة الخطيبين ثم الزوجين في المستقبل, ونطلب دائما من الخطيب أن يحرص علي اقامة علاقة طبيعية حميمة وعادلة مع أم فتاته لكي تكون عونا له في حياته المستقبلية وليس العكس. لكن ذلك لايعني علي الناحية الأخري أن يقبل أي خطيب باهانات الأم له, أو بمحاولتها قهر ارادته وضمه الي شبكة الخاضعين لارادتها وتكبرها وغرورها, والإ تنمرت الأم له وانقلبت عليه ودمرت علاقته بابنتها كما حاولت زوجتك ان تفعل ومضت في هذا السبيل شوطا داميا كاد يودي بحياة ابنتها نفسها.. ذلك ان لكل انسان كرامته الشخصية التي يحق له الا يفرط فيها أو يقبل عليها ما لا يقبله الحر لنفسه حتي ولو كان عاشقا متيما للابنة. والحق ان التكبر والعناد وصلابة الرأي.. وتوهم احتكار الحق دون الجميع هو الآفة الأساسية التي صنعت هذه المشكلة منذ البداية بين الأم وخطيب ابنتها ثم بينها وبين ابنتها فيما بعد حين رفضت الانصياع لرغبة أمها في التخلي عن خطيبها الرابع. ولقد كنت أحار أحيانا في فهم سر هذا التلازم الدائم بين التكبر والعناد وصلابة الرأي والتمسك به الي النهاية حتي ولو أدي بصاحبه وبالجميع الي الخراب الي أن قرأت ذات يوم نصيحة الامام محمد الباقر لابنه الامام جعفر الصادق وهو يحذره من الكبر فيقول له: ما دخل قلب امريء شيء من التكبر إلا نقص من عقله بمثل ما دخله!
فالتكبر بهذا المفهوم نقصان في العقل والحكمة والقدرة علي الاستيعاب السليم للامور. وعلي الناحية الأخري فإن التواضع والمرونة والاستعداد للاقتناع بما في آراء الآخرين من كلمة وصواب والتنازل عن الرأي الخاطيء من أجل ذلك, هوفي واقع الأمر اضافة الي العقل واطلاق لقدراته علي أن يعين الانسان علي تجنب المشاكل التي لا مبرر لها مع الآخرين وعلي قيادة سفينته في بحر الحياة بمهارة وبغير ان تصطدم بالجنادل والصخور.
ولقد ساهم في تصاعد الأمور بين زوجتك وخطيب ابنتها, أن خطيب ابنتك يتسم في تصوري بشيء من الاعتداد بالنفس يستمده غالبا من اعتزازه بأوضاعه المالية الميسورة.. أو ربما يكون سمة أصيلة في شخصيته منذ البداية ولهذا فلقد بدأت العلاقة بينهما حميمة ووثيقة في البداية وخلال فترة المجاملات والتنازلات البسيطة بين الطرفين طلبا لقبول الطرف الآخر.. ثم لم تلبث شخصية كل منهما ان عبرت عن نفسها بوضوح بعد التآلف والاعتياد,فكان الصدام وتطاول زوجتك عليه بالاهانة ورغبتها في فرض ارادتها عليه كما تفرضها علي الجميع, ولم يجد الرجل في نفسه ما يدفعه الي قبول الاهانة و التسلط فاستمسك بعدم الاعتذار اليهاواستمسكت زوجتك بعدم الاعتذار اليه عما يري هو وتري أنت انها اخطأت في حقه فيه, لان الحق دائما حكر عليها وفي جانبها علي الدوام كما تؤمن هي, فكان الابتعاد, وضاعف من التصاعد ان ابنتها قد خرجت هذه المرة علي ارادتها ورغبت في استكمال مشروع الارتباط به حتي ولو لم يعتذر لأمها.. وأيدتها أنت في ذلك بعد ان خشيت علي مستقبل ابنتك من رهن سعادتها وزواجها برؤية زوجتك وحدها للأمور وتقلب مشاعرها تجاه من يتقدمون لخطبتها.. فحلت الكراهية الشديدة لخطيب الابنة في قلب أمها محل الترحيب به والعلاقة الحميمة معه في البداية, ولا عجب في ذلك وجمال الدين الافغاني يقول لنا ان الأكفاء في الزمن الواحد والمكان الواحد لا يكونون غالبا أصدقاء! وزوجتك وخطيب ابنتها كفئان الي حد ما في الاعتداد بالنفس, وان كان ذلك مضاعفا في شخصية زوجتك كما تروي عنها.. غير ان ذلك كله لا يبرر أبدا ان تشن زوجتك هذه الحرب الضارية ضد ابنتها لمنع زواجها من خطيب طارت هي نفسها فرحا به في البداية ثم كرهته بشدة بعد ذلك لرفضه الاعتذار لها, ولا يبرر أبدا ايذاءها لابنتها معنويا وبدنيا وطردها من رحمتها لكي تتزوج من تقدم اليها في بيت أسرتها ولقي القبول من الجميع في البداية, وهي وحيدة ومنبوذة من أمها وبعض أهلها لغير سبب سوي العناد والتكبر وصلابة الرأي والتمسك به الي ما لا نهاية..
واذا كان الأمر كذلك أفلا من سبيل لتقريب وجهات النظر بين هذه الأم وهذا الخطيب حتي ولو تنازل احدهما أو كلاهما بعض الشيء عن اعتزازه بنفسه لكيلا يحرما هذه الفتاة من حقها العادل في أن تتزوج تحت أنظار أبويها.. وبغير أن يكدر عليها بعض سعادتها احساسها بالوحدة والنبذ من جانب هذه الأم العنيدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.