سنوات وسنوات وأنا أتابع بريد الجمعة وفكرت مرارا وتكرارا أن أكتب إليك لتشاركني الرأي أنت وقراء البريد, وكانت هذه الحالة تنتابني عندما أمر بمشكلة احتار فيها وحدي, فليس لدي أحد استشيره أو يساعدني في اتخاذ قراراتي, وأيضا عندما أمر ببعض التخلف والغباءات التي توارثناها تحت مسمي عادات اجتماعية, وهي عادات بالية.
أما الآن فقد أصبحت هناك ضرورة ملحة للكتابة إليك حتي لا يكون هناك ضحايا غيري وبناتي. بعد تخرجي في الكلية مباشرة تزوجت زواج صالونات, وبه كل مواصفات الجودة التي تتمناها كل فتاة من دين وأخلاق وطيبة وعائلة وحب وعمل مرموق.
وبعد الزواج بفترة قصيرة جدا اكتشفت ما لا يمكن أن يتوقعه أحد, فهو شخص يعيش بصورة أمام الناس أما الحقيقة فهي شيء آخر.
كانت صدمة بالنسبة لي سرعان ما أفقت منها وكلي إصرار وحماس علي تغييره والحفاظ علي بيتي ورزقنا بالمولود الأول, وكنت أعتقد أن هذا الأمر من الاسباب التي ستغيره لكن بلا فائدة, وصارحت من حولي من أهلي بمصيبتي, واعترض الجميع علي فكرة الطلاق بسبب نظرة المجتمع, وهذا الكلام الغبي, وايضا لانه كان مثاليا أمام الجميع, وباءت كل محاولاتي بالفشل مع أهلي, فلم أجد أمامي سوي التركيز في تربية الابنتين فقد رزقت بالثانية التي كنت حاولت التخلص منها في فترة الحمل حتي لا أظلم مخلوقا آخر وتعيش في هذا الجو, واستمرت حياتي معه تمثيلا ورفض هو الطلاق لأني وقتها كنت بروازا اجتماعيا كان حريصا جدا عليه وليس من أجل أي شيء آخر, وانقطعت علاقتنا نهائيا فيما عدا امام الناس فكان يجيد تمثيل هذا الدور جدا, أما أنا فاعتزلت الدنيا, وتملكني الاكتئاب والمرض والحزن المستمر, فما ذنبي وماذنب البنتين. واصبحت أعامل الجميع باسلوب غبي حتي ابتعد عني اقرب الناس, وزاد هذا الوضع صعوبة في حل مشكلتي وخسرت
الكل وكسب هو كل من حولنا, كأننا كنا في معركة ومرت السنون هو يعيش حياته كما شاء, سعيدا منتشيا, وأنا ازداد مرضا وخسارة وكل هذا يتم في صمت حرصا مني علي نفسية البنتين, وزاد إلحاحي عليه في ان يتزوج شرعا حتي لو عن طريقي حتي أتخلص من ذنب عدم معاشرته ويبتعد عني لكنه رفض خوفا من كلام الناس وانه ليس لديه مشكلة لكي يتزوج.
وجاءت لحظة وانفجر بركان السنين وصممت علي الطلاق, وكأنه طوق نجاة وسبب للتخلص من كل هذا العذاب, ضاربة عرض الحائط بكلام الناس والمجتمع, وكان هذا الخبر مفاجأة للجميع واختلفت الاقاويل وانتشرت الشائعات السيئة ضدي, وكأن الفساد انتهي من العالم, وكل البشر اصبحوا ملائكة إلا طلاقي من هذا الوديع البريء, وبالرغم من كل ما قيل عني فلم اتفوه بكلمة واحدة عن الأسباب الحقيقية لكراهيتي له, وحرصا علي اسم البنتين وأن تلصق بهما سلوكيات ابيهما, وايضا نفسي صعبت علي جدا, وأنا امتلك مواصفات يحسدني عليها الكثيرون هل اذكر أن زوجي ترك كل هذا وبحث عن القاع؟ ولم يطاوعني لساني علي أن أبوح بما كان زوجي عليه إلا لخالتي بعد أن تخلت أمي عني.
وبعد الطلاق تحسنت صحتي وعاد إلي شبابي وحيويتي وكأني بعثت من جديد, علي الرغم من كثرة الشائعات التي لم اهتم بها مثل اني شريرة وسيئة الخلق, وتركت هذا الملاك الطاهر وقاطعتني أمي طبعا لاني لم انفذ تعليماتها واستمر معه واعتبره ميتا أو مريضا.
لكني بعد الطلاق عملت والحمد لله بالرغم من أني في البداية كنت أعاني المرار كله في عملي من اثر الشائعات التي, اطلقت علي وتقدم لي شخص ممتاز وله نفس صفاتي في حبه للقراءة والعلم وناجح في عمله وتزوجنا, بالرغم من سعادتنا معا إلا أن الناس لم تتركنا في حالنا وكأني فعلا سيئة أو محتاجة أحلف علي المصحف أني بريئة.
كل من يعرفه يقول له أن زوجتك تركت زوجها الطيب المسكين, وتغيرت معاملته لي بعد الكلام معي وهجره للبيت, وعندما صممت علي معرفة سبب هذا التغيير المفاجئ اعترف بأن السبب كلام الناس مع علمه الشديد ببرائتي.
وعندما سمعت منه كلمة برائتي طار عقلي وجن جنوني برائتي من ماذا؟ من سنين عمري التي ضاعت من ظلم وقع علي من ظالمي, ومن أمي ومن الناس كلها؟ برائتي من خيال مريض لناس تافهة ولم ينتبه أحد أن هناك إنسانة سحبت منها الحياة وقال لها الجميع روحي موتي بسبب كتمانك لبلاوي زوجك وبسبب انك محترمة وبسبب المجتمع المريض.
مع أنني ممكن أكون مثل كثير من الزوجات ولا أطلب الطلاق ولا أمرض ولكن أخونه واعيش حياتي.
وكان عمر هذا الزواج الثاني شهرين ولم أحزن عليه فهو واحد مثل كل الناس يصدق الشائعات, وبالرغم من كل ما حدث لي إلا أنني متماسكة, ولكن يزداد نفوري من هؤلاء البشر وتزداد كراهيتي لهم ورفضي لتقاليد نحن المنشئون لها ونحن المصدقون بها ونحن المعانون منها ولم تنزل في كتابه العزيز ولا سنة نبيه, والغريب اني منطلقة ولدي الجديد والناجح دائما بالرغم من كل ما مررت به, وحواري دائم مع الله واشعر بأنه رفيقي في كل خطواتي ليس حزنا وألما كما سبق لكن هدوءا ورضا وسعادة حتي كدت احسد نفسي واتساءل أكيد أن بي شيئا خطأ لان المفروض ان ألعن الناس والدنيا, ولكني أقوم بكل واجباتي وانفاقي علي البنتين لأنه طبعا لاينفق مليما, واتعامل مع أهلي بمنطق صلة الرحم فقط بالرغم من احساسهم بالذنب الآن لكن جاء متأخرا وفي وقت لا احتاج إليه, واتعامل في عملي في أضيق الحدود ولا مانع من الشراسة احيانا حتي لايتجرأ من تسول له نفسه.
واصبحت حياتي مركزة في أعمالي والاهتمام بالبنتين وعلي أعلي مستوي من العلم والالتزام, ومن الله علينا بالدفء والود بيننا والبيت الهادئ الصالح الذي يفتقده كثير من الازواج الذن يعيشون معا امام المجتمع ويصرخون من فساد الذرية.
وإليك أهم ما في الموضوع: تمت خطبة البنت الأولي وهي الآن مازالت بالدراسة, وكان الوالد وأهله سعداء بنا سعادة الدنيا ولم أخف عنهم شيئا, كنت واضحة جدا لكن فجأة انقطع الاتصال بنا وأقنعت ابنتي أن تحاول هي الاتصال به لعل المانع خير.
وكان السبب الذي سمعته من خطيبها أن أمها مطلقة, وتركت أباها وسمعتها سيئة. وتحولت البنت من هدوء وطيبة ورقة إلي شراسة وحدة بالرغم من تبريري لكل سلوكيات ابيها, فلم ألق عليه بلوم ابدا ودائما اذكره بالخير ليس من أجله فهو لا يستحق, لكن من أجل أن أربي نفسا طيبة لا تحمل إلا الخير والحب. وفعلا هما في منتهي الطيبة والأخلاق, ولكن هذه أول صفعة من الناس لبنت برئية مازالت لا تقوي علي القهر أو الظلم, وأنا لم أكن أحكي لهما أي شيء مما يحزنني أو يصيبني حتي لا أسود الحياة في عيونهما.
وأصبحت ابنتي تلومني باستمرار لماذا لم تتركيه ـ تقصد أباها ـ من أول يوم وتعيشي في الشارع بدون أهل, وزاد إقبالها علي الدراسة والتعلم والبحث عن اساليب الالتحاق بالجامعات الأمريكية وانواع العلوم الحديثة المطلوبة دوليا وصداقات الأعمال علي النت, واصبحت تتعامل مع كلمة المصريين كأنها وباء وجرب يجب التخلص منه بأسرع وقت, ومنطقها في ذلك أن التخلف لم ينته ابدا, ونظل نشغل أنفسنا بأمور الغير, وعلي مبدأ مافيش دخان من غير نار جعل حياتنا كلها دخانا بدون أي نار. وانها لن تنتظر من الناس ان تتغير وتصبح ملائكة ولن تضيع عمرها في انتظار رضاهم, واصبحت تذكر الفاظا غريبة علي حياتنا مثل كله بالجزمة فانفجر انا واختها ضحكا حتي نخفف الموقف, والحمد لله محاولاتنا معها كانت ناجحة وأعدنا إليها الكثير من شخصيتها لأن الاساس لديها صاف وبداخلها سلام قوي, خاصة انها الحمد لله لم تكن تعرف هذا الخاطب ولم تتعلق به لكن ما جرحها الظلم الذي اتهمنا به.
سيدي: بعد أن سمعت قصتي وكانت مختصرة ويشهد الله علي انها أقل بكثير عن الواقع, فلو حكيت لك أشياء مررت بها فسوف تنهال دموعك مع انك رجل وقوي ومتماسك لكن اللي فات مات ولا داعي لتذكر ما ليس له فائدة, ولذلك ارجو أن تكثف التوعية في بابك وتتحدث كثيرا عن علاج الأمراض البالية في المجتمع مثل الشائعات والنظرة للمطلقة والارملة وابناء المساجين ومعاملة اللقطاء لان بظلم هذه الفئة نربي بيننا وحوشا ينهشون أي خير أو سلام, ولن ألومهم, وليس كل من وقع عليه ظلم يكون مثل ابنتي وجدت من يحتويها ويهتم بها وينير المستقبل امامها ويبشرها بالخير والأمل القريب حتي هدأت بسرعة واستفادت من الموقف, واصبحت جيدة التخطيط والإعداد للمستقبل, بأن تكون قوية بالعلم والقرب من الله وان هذا كله ابتلاء منه سبحانه وتعالي جعله في ميزان حسناتنا جميعا.
وربنا يجعل قلمك سببا لجلب الخير ومنع الشر وهذا مانستطيع عمله.
** سيدتي.. أحييك علي موقفك من ابنتك ونجاحك في إعادتها إلي نفسها, نعم مجتمعاتنا تعاني من عيوب خطيرة, عيوب تعكس فكرا قبليا تجسده فوضي في الشارع, وعدم احترام العمل أو الوقت, وخصوصية الآخرين فنقتحم حياتهم, ونصنع حولهم الشائعات منبهرين بالمظاهر والادعاءات الكاذبة, مخالفين ما أمرنا به الله سبحانه وتعالي والديانات السماوية جميعا من عدم اغتياب الآخرين أو قذفهم بما ليس فيهم بالظن السوء: ولو تحسس كل واحد منا رأسه أو فتش في بيته ما جرؤ علي اتهام الآخرين أو تلويثهم.
نعم ياسيدتي, مجتمعنا تحكمه أفكار ذكورية قاسية, فعندما تطلق المرأة لابد أن العيب فيها فيصعب زواجها, وان حدث فعليها أن تقدم الكثير من التنازلات, اما المطلق فله ألف عذر وأمامه ألف عروس, وللاسف هذا الفكر ترضعه المرأة لاطفالها منذ الصغر, وها هي السيدة والدتك أول من ادانتك وقاطعتك لانك أخذت قرارك متأخرا بالطلاق, فلو كل امرأة ايقنت أن زوجها لن ينصلح حاله متماديا في سوئه, واثقا من عدم إقدام زوجته علي الطلاق فاصرت علي الطلاق لتردد كثير من الازواج في طغيانهم ولراجعوا أنفسهم.
سيدتي.. أبدو منحازا لك تماما, لأني استوعب ما جاء في رسالتك لانه علي الرغم من ارتفاع نسب الطلاق في مجتمعاتنا العربية إلا أن هناك بيوتا قائمة علي خواء تنتشر فيها الخيانة والعنف وانحراف الابناء.
ما فعلته ياسيدتي, هو عين الصواب, الذي جاء ـ كما قلت لك ـ متأخرا, فالزواج هو السكن والمودة والمحبة والرحمة, ولم يشرع أبدا للشقاء والعذاب وسلامتك النفسية من سلامة ابنائك, فأي حياة تلك التي يحيط بها العذاب من كل صوب؟ وأي زواج ذلك التي تظل فيه الزوجة باكية متألمة لا لشيء إلا لخوفها من كلام الناس.
ما يستحق النقاش هو ما طرحته في نهاية رسالتك, لماذا اصبح المجتمع قاسيا مع الفئات المستضعفة؟ لماذا يهرب شاب من فتاة مثل ابنتك لان امها مطلقة؟ وهل لو كانت خائنة أو سليطة اللسان خلف الابواب المغلقة لاصبحت عروسا مناسبة؟
لماذا نمارس سطوتنا وبطشنا علي قلوب صغيرة, علي ابناء لم يرتكبوا إثما وكل جريمتهم هي خطايا آبائهم أو أمهاتهم؟.
إنها قضية شائكة لا يمكن مناقشتها في هذه المساحة, وإنما تستحق ان تظل مطروحة دائما للحوار حتي ننجو بمجتمعنا الذي نعيش فيه من عيوبه وخطاياه.. وإلي لقاء بإذن الله.
أما الآن فقد أصبحت هناك ضرورة ملحة للكتابة إليك حتي لا يكون هناك ضحايا غيري وبناتي. بعد تخرجي في الكلية مباشرة تزوجت زواج صالونات, وبه كل مواصفات الجودة التي تتمناها كل فتاة من دين وأخلاق وطيبة وعائلة وحب وعمل مرموق.
وبعد الزواج بفترة قصيرة جدا اكتشفت ما لا يمكن أن يتوقعه أحد, فهو شخص يعيش بصورة أمام الناس أما الحقيقة فهي شيء آخر.
كانت صدمة بالنسبة لي سرعان ما أفقت منها وكلي إصرار وحماس علي تغييره والحفاظ علي بيتي ورزقنا بالمولود الأول, وكنت أعتقد أن هذا الأمر من الاسباب التي ستغيره لكن بلا فائدة, وصارحت من حولي من أهلي بمصيبتي, واعترض الجميع علي فكرة الطلاق بسبب نظرة المجتمع, وهذا الكلام الغبي, وايضا لانه كان مثاليا أمام الجميع, وباءت كل محاولاتي بالفشل مع أهلي, فلم أجد أمامي سوي التركيز في تربية الابنتين فقد رزقت بالثانية التي كنت حاولت التخلص منها في فترة الحمل حتي لا أظلم مخلوقا آخر وتعيش في هذا الجو, واستمرت حياتي معه تمثيلا ورفض هو الطلاق لأني وقتها كنت بروازا اجتماعيا كان حريصا جدا عليه وليس من أجل أي شيء آخر, وانقطعت علاقتنا نهائيا فيما عدا امام الناس فكان يجيد تمثيل هذا الدور جدا, أما أنا فاعتزلت الدنيا, وتملكني الاكتئاب والمرض والحزن المستمر, فما ذنبي وماذنب البنتين. واصبحت أعامل الجميع باسلوب غبي حتي ابتعد عني اقرب الناس, وزاد هذا الوضع صعوبة في حل مشكلتي وخسرت
الكل وكسب هو كل من حولنا, كأننا كنا في معركة ومرت السنون هو يعيش حياته كما شاء, سعيدا منتشيا, وأنا ازداد مرضا وخسارة وكل هذا يتم في صمت حرصا مني علي نفسية البنتين, وزاد إلحاحي عليه في ان يتزوج شرعا حتي لو عن طريقي حتي أتخلص من ذنب عدم معاشرته ويبتعد عني لكنه رفض خوفا من كلام الناس وانه ليس لديه مشكلة لكي يتزوج.
وجاءت لحظة وانفجر بركان السنين وصممت علي الطلاق, وكأنه طوق نجاة وسبب للتخلص من كل هذا العذاب, ضاربة عرض الحائط بكلام الناس والمجتمع, وكان هذا الخبر مفاجأة للجميع واختلفت الاقاويل وانتشرت الشائعات السيئة ضدي, وكأن الفساد انتهي من العالم, وكل البشر اصبحوا ملائكة إلا طلاقي من هذا الوديع البريء, وبالرغم من كل ما قيل عني فلم اتفوه بكلمة واحدة عن الأسباب الحقيقية لكراهيتي له, وحرصا علي اسم البنتين وأن تلصق بهما سلوكيات ابيهما, وايضا نفسي صعبت علي جدا, وأنا امتلك مواصفات يحسدني عليها الكثيرون هل اذكر أن زوجي ترك كل هذا وبحث عن القاع؟ ولم يطاوعني لساني علي أن أبوح بما كان زوجي عليه إلا لخالتي بعد أن تخلت أمي عني.
وبعد الطلاق تحسنت صحتي وعاد إلي شبابي وحيويتي وكأني بعثت من جديد, علي الرغم من كثرة الشائعات التي لم اهتم بها مثل اني شريرة وسيئة الخلق, وتركت هذا الملاك الطاهر وقاطعتني أمي طبعا لاني لم انفذ تعليماتها واستمر معه واعتبره ميتا أو مريضا.
لكني بعد الطلاق عملت والحمد لله بالرغم من أني في البداية كنت أعاني المرار كله في عملي من اثر الشائعات التي, اطلقت علي وتقدم لي شخص ممتاز وله نفس صفاتي في حبه للقراءة والعلم وناجح في عمله وتزوجنا, بالرغم من سعادتنا معا إلا أن الناس لم تتركنا في حالنا وكأني فعلا سيئة أو محتاجة أحلف علي المصحف أني بريئة.
كل من يعرفه يقول له أن زوجتك تركت زوجها الطيب المسكين, وتغيرت معاملته لي بعد الكلام معي وهجره للبيت, وعندما صممت علي معرفة سبب هذا التغيير المفاجئ اعترف بأن السبب كلام الناس مع علمه الشديد ببرائتي.
وعندما سمعت منه كلمة برائتي طار عقلي وجن جنوني برائتي من ماذا؟ من سنين عمري التي ضاعت من ظلم وقع علي من ظالمي, ومن أمي ومن الناس كلها؟ برائتي من خيال مريض لناس تافهة ولم ينتبه أحد أن هناك إنسانة سحبت منها الحياة وقال لها الجميع روحي موتي بسبب كتمانك لبلاوي زوجك وبسبب انك محترمة وبسبب المجتمع المريض.
مع أنني ممكن أكون مثل كثير من الزوجات ولا أطلب الطلاق ولا أمرض ولكن أخونه واعيش حياتي.
وكان عمر هذا الزواج الثاني شهرين ولم أحزن عليه فهو واحد مثل كل الناس يصدق الشائعات, وبالرغم من كل ما حدث لي إلا أنني متماسكة, ولكن يزداد نفوري من هؤلاء البشر وتزداد كراهيتي لهم ورفضي لتقاليد نحن المنشئون لها ونحن المصدقون بها ونحن المعانون منها ولم تنزل في كتابه العزيز ولا سنة نبيه, والغريب اني منطلقة ولدي الجديد والناجح دائما بالرغم من كل ما مررت به, وحواري دائم مع الله واشعر بأنه رفيقي في كل خطواتي ليس حزنا وألما كما سبق لكن هدوءا ورضا وسعادة حتي كدت احسد نفسي واتساءل أكيد أن بي شيئا خطأ لان المفروض ان ألعن الناس والدنيا, ولكني أقوم بكل واجباتي وانفاقي علي البنتين لأنه طبعا لاينفق مليما, واتعامل مع أهلي بمنطق صلة الرحم فقط بالرغم من احساسهم بالذنب الآن لكن جاء متأخرا وفي وقت لا احتاج إليه, واتعامل في عملي في أضيق الحدود ولا مانع من الشراسة احيانا حتي لايتجرأ من تسول له نفسه.
واصبحت حياتي مركزة في أعمالي والاهتمام بالبنتين وعلي أعلي مستوي من العلم والالتزام, ومن الله علينا بالدفء والود بيننا والبيت الهادئ الصالح الذي يفتقده كثير من الازواج الذن يعيشون معا امام المجتمع ويصرخون من فساد الذرية.
وإليك أهم ما في الموضوع: تمت خطبة البنت الأولي وهي الآن مازالت بالدراسة, وكان الوالد وأهله سعداء بنا سعادة الدنيا ولم أخف عنهم شيئا, كنت واضحة جدا لكن فجأة انقطع الاتصال بنا وأقنعت ابنتي أن تحاول هي الاتصال به لعل المانع خير.
وكان السبب الذي سمعته من خطيبها أن أمها مطلقة, وتركت أباها وسمعتها سيئة. وتحولت البنت من هدوء وطيبة ورقة إلي شراسة وحدة بالرغم من تبريري لكل سلوكيات ابيها, فلم ألق عليه بلوم ابدا ودائما اذكره بالخير ليس من أجله فهو لا يستحق, لكن من أجل أن أربي نفسا طيبة لا تحمل إلا الخير والحب. وفعلا هما في منتهي الطيبة والأخلاق, ولكن هذه أول صفعة من الناس لبنت برئية مازالت لا تقوي علي القهر أو الظلم, وأنا لم أكن أحكي لهما أي شيء مما يحزنني أو يصيبني حتي لا أسود الحياة في عيونهما.
وأصبحت ابنتي تلومني باستمرار لماذا لم تتركيه ـ تقصد أباها ـ من أول يوم وتعيشي في الشارع بدون أهل, وزاد إقبالها علي الدراسة والتعلم والبحث عن اساليب الالتحاق بالجامعات الأمريكية وانواع العلوم الحديثة المطلوبة دوليا وصداقات الأعمال علي النت, واصبحت تتعامل مع كلمة المصريين كأنها وباء وجرب يجب التخلص منه بأسرع وقت, ومنطقها في ذلك أن التخلف لم ينته ابدا, ونظل نشغل أنفسنا بأمور الغير, وعلي مبدأ مافيش دخان من غير نار جعل حياتنا كلها دخانا بدون أي نار. وانها لن تنتظر من الناس ان تتغير وتصبح ملائكة ولن تضيع عمرها في انتظار رضاهم, واصبحت تذكر الفاظا غريبة علي حياتنا مثل كله بالجزمة فانفجر انا واختها ضحكا حتي نخفف الموقف, والحمد لله محاولاتنا معها كانت ناجحة وأعدنا إليها الكثير من شخصيتها لأن الاساس لديها صاف وبداخلها سلام قوي, خاصة انها الحمد لله لم تكن تعرف هذا الخاطب ولم تتعلق به لكن ما جرحها الظلم الذي اتهمنا به.
سيدي: بعد أن سمعت قصتي وكانت مختصرة ويشهد الله علي انها أقل بكثير عن الواقع, فلو حكيت لك أشياء مررت بها فسوف تنهال دموعك مع انك رجل وقوي ومتماسك لكن اللي فات مات ولا داعي لتذكر ما ليس له فائدة, ولذلك ارجو أن تكثف التوعية في بابك وتتحدث كثيرا عن علاج الأمراض البالية في المجتمع مثل الشائعات والنظرة للمطلقة والارملة وابناء المساجين ومعاملة اللقطاء لان بظلم هذه الفئة نربي بيننا وحوشا ينهشون أي خير أو سلام, ولن ألومهم, وليس كل من وقع عليه ظلم يكون مثل ابنتي وجدت من يحتويها ويهتم بها وينير المستقبل امامها ويبشرها بالخير والأمل القريب حتي هدأت بسرعة واستفادت من الموقف, واصبحت جيدة التخطيط والإعداد للمستقبل, بأن تكون قوية بالعلم والقرب من الله وان هذا كله ابتلاء منه سبحانه وتعالي جعله في ميزان حسناتنا جميعا.
وربنا يجعل قلمك سببا لجلب الخير ومنع الشر وهذا مانستطيع عمله.
** سيدتي.. أحييك علي موقفك من ابنتك ونجاحك في إعادتها إلي نفسها, نعم مجتمعاتنا تعاني من عيوب خطيرة, عيوب تعكس فكرا قبليا تجسده فوضي في الشارع, وعدم احترام العمل أو الوقت, وخصوصية الآخرين فنقتحم حياتهم, ونصنع حولهم الشائعات منبهرين بالمظاهر والادعاءات الكاذبة, مخالفين ما أمرنا به الله سبحانه وتعالي والديانات السماوية جميعا من عدم اغتياب الآخرين أو قذفهم بما ليس فيهم بالظن السوء: ولو تحسس كل واحد منا رأسه أو فتش في بيته ما جرؤ علي اتهام الآخرين أو تلويثهم.
نعم ياسيدتي, مجتمعنا تحكمه أفكار ذكورية قاسية, فعندما تطلق المرأة لابد أن العيب فيها فيصعب زواجها, وان حدث فعليها أن تقدم الكثير من التنازلات, اما المطلق فله ألف عذر وأمامه ألف عروس, وللاسف هذا الفكر ترضعه المرأة لاطفالها منذ الصغر, وها هي السيدة والدتك أول من ادانتك وقاطعتك لانك أخذت قرارك متأخرا بالطلاق, فلو كل امرأة ايقنت أن زوجها لن ينصلح حاله متماديا في سوئه, واثقا من عدم إقدام زوجته علي الطلاق فاصرت علي الطلاق لتردد كثير من الازواج في طغيانهم ولراجعوا أنفسهم.
سيدتي.. أبدو منحازا لك تماما, لأني استوعب ما جاء في رسالتك لانه علي الرغم من ارتفاع نسب الطلاق في مجتمعاتنا العربية إلا أن هناك بيوتا قائمة علي خواء تنتشر فيها الخيانة والعنف وانحراف الابناء.
ما فعلته ياسيدتي, هو عين الصواب, الذي جاء ـ كما قلت لك ـ متأخرا, فالزواج هو السكن والمودة والمحبة والرحمة, ولم يشرع أبدا للشقاء والعذاب وسلامتك النفسية من سلامة ابنائك, فأي حياة تلك التي يحيط بها العذاب من كل صوب؟ وأي زواج ذلك التي تظل فيه الزوجة باكية متألمة لا لشيء إلا لخوفها من كلام الناس.
ما يستحق النقاش هو ما طرحته في نهاية رسالتك, لماذا اصبح المجتمع قاسيا مع الفئات المستضعفة؟ لماذا يهرب شاب من فتاة مثل ابنتك لان امها مطلقة؟ وهل لو كانت خائنة أو سليطة اللسان خلف الابواب المغلقة لاصبحت عروسا مناسبة؟
لماذا نمارس سطوتنا وبطشنا علي قلوب صغيرة, علي ابناء لم يرتكبوا إثما وكل جريمتهم هي خطايا آبائهم أو أمهاتهم؟.
إنها قضية شائكة لا يمكن مناقشتها في هذه المساحة, وإنما تستحق ان تظل مطروحة دائما للحوار حتي ننجو بمجتمعنا الذي نعيش فيه من عيوبه وخطاياه.. وإلي لقاء بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.