بـريــد الأهــرام
أنا سيدة لم أكمل بعد عامي الثامن والعشرين, معيدة بإحدي كليات القمة وفي طريقي لمناقشة رسالة الماجستير. قصتي يا سيدي بدأت منذ نحو ست سنوات, فأنا من أسرة مصرية عادية ليس لنا رصيد بالبنوك أو عقارات سوي أرض صغيرة لأمي ومنزل بقريتنا يخص أبي وأخوته. إلي أن انتدب أبي وأنا في السنة النهائية لمدة سنتين بإحدي سفاراتنا بالوطن العربي, وقضي أبي السنة الأولي بالخارج خلالها كنت أنا رب الأسرة فأنا الكبري بين اخوتي وعاد إلينا في الاجازة الصيفية وفي أثناء زيارته لعمله الأساسي قابله أحد العمال الذين كانوا يتمنون أن يرد أبي عليهم السلام, وطلب منه أن يتعرف إلينا لأن ابنه الأكبر الذي يعمل في وظيفة جيدة يريد أن يتزوج, فلم يعارض أبي بطيبته المعتادة مع الفارق الاجتماعي بيننا وبينهم, وعندما سافر أبي جاء هذا الخطيب ووالده وقال: إنه لن يستطيع تقديم شبكة غالية أو تأثيث المنزل ولن يشارك سوي بمبلغ قليل, فلم أوافق علي ذلك فاتصل بي والدي وقال: إنه سوف يعوضني عن أي ماديات, ولكن المهم أن أنظر إلي الشخص نفسه فوافقت وبالفعل تكررت زياراته لنا دون وجود والدي, ولا أخفي عليك لا أعرف ماذا حدث لي فلقد أحببت هذا الرجل حبا لا يوصف وتعلقت به لدرجة أنني كنت أري من في الأرض جميعا مجرد مخلوقات وهذا هو الرجل الوحيد وكنت مستعدة لأن أتزوجه دون أي أثاث أو ماديات, المهم هو أن أعيش معه فقط. وبالفعل تمت الخطبة وأرسل لي والدي مبلغا حتي اشتري الشبكة التي أريدها حتي بدلة الخطبة فقد أهدتها له أمي وطوال فترة الخطبة وهو مقيم لدينا, فهو كان يعيش بمفرده لمدة7 سنوات في الشقة التي سنقيم بها بعد الزواج لأنه ليس علي وفاق مع أهله وكان دائم الشكوي منهم, ولكنني كنت أتحامل عليه وأحاول أن أقرب بينهم وصارحني خطيبي أنه قد فعل كل المحرمات من زنا وخمر ومخدرات ولكنه تاب من كل ذلك قبل أن يتقدم لي وبكي كثيرا وقال: إنني سبب عفافه وأنه متأكد أن الله قبل توبته لارتباطه بي فنزلت في قلبي مرارة ولكنني تغاضيت عن ذلك طالما أنه تاب, فالله يقبل التوبة فهل لا أقبلها أنا, وكان يطلب مني أن أوقظه في الفجر ليصلي بالمسجد وأقلع عن التدخين وقبل الزواج بقليل صارحني أيضا أن له أخا سجن ظلما لمدة سنة بتهمة السرقة وأنه ليس مسئولا عنه فهذا جناه أخي من صحبة السوء فلم أصارح أحدا بذلك خوفا من أن تفشل الخطبة, وعاد أبي نهائيا وانتقلنا للإقامة بمنزل آخر علي مستوي راق وأصبح لنا رصيد بالبنك وجهزني أبي جهازا فخما حتي فستان زفافي اشتراه لي ولم يبخل علي أو عليه بأي شيء, ولكنه لفت نظري لبخله وكنت أعلل ذلك بضيق ذات اليد وأنه يعيش بمفرده ويتكفل بمصروفات معيشته, وفعلا تم الزواج بشقته الصغيرة التي اكتشفت أنها مؤجرة باسم والدته إلي جانب التليفون والغاز والكهرباء وكل شيء باسمها, ولم أعترض ولم أبال بالبلاط وطاقم الحمام والمطبخ القديم علي أمل أننا مازلنا في بداية حياتنا, لن أقول إنني اكتشفت زوجي علي حقيقته فأنا كنت معتادة منه علي العصبية والصوت المرتفع والخصام والعناد وتعايشت مع كل ذلك إلي أن مرت ثمانية أشهر كان يسافر لعمله مدة تصل أحيانا إلي الشهر ويعود لمدة أسبوع أو أكثر قليلا, وكنت أقضي مدة سفره عند والدي انتظره علي أحر من الجمر وعند عودته لا أحمله أية أعباء. كنت له خادمة وزوجة وصديقة وأما وابنة, حتي أنني لم أكن أعلم كم يتقاضي فكنت أنفق مرتبي كاملا بالمنزل, وإذا كنا بحاجة لشيء أكمل هو القليل, وهكذا مرت حياتنا إلي أن حملت في طفلي الذي فرحت به كثيرا فظروف سفره لم تمكني من الحمل قبل الأشهر الثمانية وبعدها بشهر واحد اكتشفنا مرض والدي بورم كبير بالمخ فانهرت نفسيا وضعفت صحتي خاصة مع الحمل وأقام أبي بالمستشفي أسبوعا واحدا بعد أن أجري الجراحة التي كانت ستودي بحياته وخرج منها دون أن يحرك أصبعا وكان يحتاج إلي بجانبه لأن مرضه يحتاج لتخصصي وفي هذه الفترة ظهر زوجي الذي لم أكن أعرفه وبدأ يتخلي عني ويسهر كل ليلة خارج المنزل حتي الصباح ليعاقبني علي زيارتي لوالدي بالمستشفي وتشاجرت معي أمه وضيقوا علي الخناق حتي خرج والدي إلي المنزل وكنت أكمل أنا علاجه بالبيت, ولكن تحت ضوابط من زوجي, وعندما استرد أبي شيئا من صحته اتصل به وطلب منه أن ترجع حياتنا إلي ما كانت ولكنه رفض بداية ثم تحت إلحاح والدي جاء وأخذني, وليتني لم أرجع فقد ظل يعاقبني حتي بعد أن أكمل طفلي عامه الأول بالسهر خارج المنزل وببخله الشديد لدرجة أنني قبلت قدمه مرات ليرحمني, المهم أنني حافظت علي البيت بكل ما أملك فقد كنت أعاني كثيرا وأسهر الليالي باكية من غلظته وقسوته علي وعلي طفله حتي أنني كنت أؤجل دراساتي العليا لأتفرغ له وللمنزل ولتربية طفلي لأنهم أهم ما في حياتي, ولا أصف لك الأعباء التي كنت أتحملها خلال وجوده وعدم وجوده وأعباء انتقالي لمنزل والدي أنا والطفل فهو غير متحمل لأي مسئولية. إلي أن جاءت فترة كانت هي فرصتي الأخيرة لكي أؤدي الامتحانات, فاستأذنت منه أن أقضيها في منزل أهلي علي أن أتي إليه ثلاث مرات أسبوعيا ولا مانع من أن يأتي هو إلينا ليقضي معنا يوما أو يومين, وبالفعل كانت الأمور سهلة لمدة وجيزة إلي أن جاء يوم تشاجرت معي أمه لأني تأخرت في الاتصال بها وصعقتني بكلمات جارحة, فبررت لها انشغالي ومرض طفلي ولم أرد أكثر من ذلك, وزاد هو بأن هجرني إرضاء لأمه وطلب مني أن أترك المنزل أنا والطفل, تحايلت عليه بكل الطرق واستعطفته لأني فعلا لا أعرف ماذا فعلت لكل هذا حاولت مرارا وتكرارا أن أرجع المنزل وأرضيه ولكنه رفض وأخبرني أنه سوف يظل علي هذه الحالة طيلة العمر, فطلب مني والدي نسيان ذلك الأمر حتي اجتاز الامتحانات وبالفعل رجعت منزلي بعدها فانهال علي زوجي بالضرب الذي كنت أفقد الوعي وأفيق ومازال يضربني وأسمعني سبابا لم أكن أتخيل أن اسمعه وبصق في وجهي لا أعرف لماذا كل ذلك, واتصلت بوالدي ليأتي ويأخذني فقد انكسر كل شيء أحمله له ومرت الأيام واعتذر لي زوجي وأقسم بألا يكررها, ولم تمر أسابيع قليلة وعاد كما كان طلب مني أن أحضر له قائمة المنقولات من والدي وألا أقيم بمنزل أسرتي طوال فترة سفره وألا أزورهم إلا بأمره, لم أوافق خاصة عندما عاد إلي أفعاله الكريهة معي, فطلب أبي من أحد أصدقائه التدخل حتي ننفصل بالمعروف كما أمر الله وسنتنازل له عن الكثير كما تنازلنا من قبل الزواج, ولكنه رفض فما كان سبيل لدينا سوي اللجوء للقضاء الذي عرفت عن طريقه أن مرتب زوجي أضعاف ما كنت أتخيل وبلاشك لديه أرصدة بالبنك لا أعرفها, سيدي أنا لا أعرف لماذا حدث لي كل هذا ولماذا غدر بي زوجي مع أنني اخترته من بين العشرات الذين تقدموا لي ممن هم أكفأ منه بكثير.
لم أقصر تجاهه في أي من الاتجاهات, ليس لديه مبرر لما فعل. لقد انهار بيتي وأصبح طفلي عنيفا تأثرا بما رأي, فهو لم يبلغ بعد عامه الثاني ولكنه الزهرة الوحيدة التي أعيش لأرويها ولكنني أتساءل:
هل ستمضي بي الحياة بهذه القسوة, أم أن يوما سيأتي ويعوضني الله عما عانيت؟! هل سأتزوج مرة أخري, وأكمل الحياة التي تتمناها أي امرأة طبيعية؟! وإذا تزوجت من يضمن لي ألا يكون هو الآخر مثل زوجي السابق؟! ومن سيتحمل تربية طفل ليس منه؟! كل هذه أسئلة لا أعرف لها إجابة, فالغيب عند الله. ولكني أسألك وأسأل قراء بابك الكرام أن تدعوا لي أن يبارك الله لي في ولدي ويعوضني خيرا, فهو الآن يتيم بالرغم من وجود والده علي قيد الحياة, والذي مر عليه أكثر من ثمانية أشهر لم يحاول السؤال عنه.
* سيدتي: مثل رسالتك وما بها من تفاصيل, يدفعني إلي الشاطئ الآخر, إلي النصف الآخر من الحكاية الذي لم يأت في سطور مأساتك, نعم يوجد في الحياة أشرار, ويوجد أشخاص مثاليون, ولكن هل يمكن تصور طرفي علاقة, أحدهما شرير حتي النهاية, والآخر مثالي حتي النهاية؟ قبل التسليم بهذه الفرضية ومحاولة تفهم مبرراتها, دعيني أسألك: ما الذي يجعل أسرة طيبة, لديها ابنة معيدة في الجامعة وينتظرها مستقبل باهر, ترحب بشاب من أسرة فقيرة عائلها أحد العمال الذين كانوا يتمنون أن يرد أبي عليهم السلام, بينكما فارق اجتماعي واضح, ولا توجد علاقة عاطفية تبرر تقديم تنازلات, ولم تصلي إلي سن تخيف من شبح العنوسة, ومع ذلك تبالغون في تقديم تسهيلات ومنح وعطايا, وكأنها الفرصة الأخيرة لك في الزواج!.
واذا كانت أسئلتي المشروعة لن تجد إجابة لديك, وعدت إلي الفرضية الأولي, وسلمت بأنك من أسرة طيبة ومثالية وأردتم شراء رجل حتي يحفظك ويراعي الله فيك, لن يكون أمامي إلا التسليم أيضا بأن طليقك وأسرته من الأشرار, ولم يكونوا يستحقون فتاة مثلك, وهنا يمكن التوقف أمام الأخطاء التي وقعتم فيها, فليس معني التسهيل, أن نتساهل ونتجاهل مبدأ التكافؤ بين الزوجين, التكافؤ الاجتماعي والثقافي والمادي والديني, فبعض الأئمة جعل من التكافؤ أحد شروط الزواج الصحيح والذي من أجله يحق لولي الأمر أن يفسخ عقد النكاح. أيضا كان عليك التأكد من سلوك هذا الشخص الذي ستربطين حياتك به, وكذلك سلوك عائلته, فالزواج ليس مغامرة ندخلها مغمضي الأعين, فكثيرا ما نضع الضوابط الصحيحة للزواج ومع ذلك نفشل, فما بالنا بعلاقة غابت عنها كل الضوابط.
سيدتي.. لا أعتقد أنك في حاجة الآن لأن أرصد أخطاءكم المتتالية, منذ أن بدأ هذا الرجل في تجاوزاته, تلك الأخطاء التي جعلته يتمادي في إيذائه ونذالته وتخليه عن كل مسئولياته. ولكن الأهم الآن هو ما جاء في السطور الأخيرة لرسالتك, والتي تكشف عن اندفاعك, فبدلا من أن تتوقفي قليلا بعد لهاث ومعاناة, تطل عليك مبكرا فكرة الزواج, متسائلة عمن سيقدم تنازلات ليتزوجك ويتحمل مسئولية طفلك ويعوضك عما عانيته.
سيدتي: التقطي أنفاسك, انتقلي إلي مربع آخر, حتي تستوعبي ما حدث, حتي تعرفي أخطاءك ونقاط ضعفك, حتي تبرأ جراحك.
فالحياة ليست رجلا أو زواجا فقط, فكري مؤقتا في إكمال دراستك, والاهتمام بطفلك, وثقي بأن عدل الله ـ حتي لو تأخر لا يغيب, وأن طليقك سيدفع ثمن جرائمه في حقك وحق أسرتك.
لا تفكري ـ يا عزيزتي ـ الآن في الزواج, وعندما ينضج وعيك, وتكتمل شخصيتك بمزيد من التجارب في الحياة, متكئة علي إيمان راسخ بالله سبحانه وتعالي, ستجدين من هو ملائم وكفؤ لك ليعوضك عما عانيته, لتمنحيه من نفسك كل محبة ورحمة.. وإلي لقاء بإذن الله.
أنا سيدة لم أكمل بعد عامي الثامن والعشرين, معيدة بإحدي كليات القمة وفي طريقي لمناقشة رسالة الماجستير. قصتي يا سيدي بدأت منذ نحو ست سنوات, فأنا من أسرة مصرية عادية ليس لنا رصيد بالبنوك أو عقارات سوي أرض صغيرة لأمي ومنزل بقريتنا يخص أبي وأخوته. إلي أن انتدب أبي وأنا في السنة النهائية لمدة سنتين بإحدي سفاراتنا بالوطن العربي, وقضي أبي السنة الأولي بالخارج خلالها كنت أنا رب الأسرة فأنا الكبري بين اخوتي وعاد إلينا في الاجازة الصيفية وفي أثناء زيارته لعمله الأساسي قابله أحد العمال الذين كانوا يتمنون أن يرد أبي عليهم السلام, وطلب منه أن يتعرف إلينا لأن ابنه الأكبر الذي يعمل في وظيفة جيدة يريد أن يتزوج, فلم يعارض أبي بطيبته المعتادة مع الفارق الاجتماعي بيننا وبينهم, وعندما سافر أبي جاء هذا الخطيب ووالده وقال: إنه لن يستطيع تقديم شبكة غالية أو تأثيث المنزل ولن يشارك سوي بمبلغ قليل, فلم أوافق علي ذلك فاتصل بي والدي وقال: إنه سوف يعوضني عن أي ماديات, ولكن المهم أن أنظر إلي الشخص نفسه فوافقت وبالفعل تكررت زياراته لنا دون وجود والدي, ولا أخفي عليك لا أعرف ماذا حدث لي فلقد أحببت هذا الرجل حبا لا يوصف وتعلقت به لدرجة أنني كنت أري من في الأرض جميعا مجرد مخلوقات وهذا هو الرجل الوحيد وكنت مستعدة لأن أتزوجه دون أي أثاث أو ماديات, المهم هو أن أعيش معه فقط. وبالفعل تمت الخطبة وأرسل لي والدي مبلغا حتي اشتري الشبكة التي أريدها حتي بدلة الخطبة فقد أهدتها له أمي وطوال فترة الخطبة وهو مقيم لدينا, فهو كان يعيش بمفرده لمدة7 سنوات في الشقة التي سنقيم بها بعد الزواج لأنه ليس علي وفاق مع أهله وكان دائم الشكوي منهم, ولكنني كنت أتحامل عليه وأحاول أن أقرب بينهم وصارحني خطيبي أنه قد فعل كل المحرمات من زنا وخمر ومخدرات ولكنه تاب من كل ذلك قبل أن يتقدم لي وبكي كثيرا وقال: إنني سبب عفافه وأنه متأكد أن الله قبل توبته لارتباطه بي فنزلت في قلبي مرارة ولكنني تغاضيت عن ذلك طالما أنه تاب, فالله يقبل التوبة فهل لا أقبلها أنا, وكان يطلب مني أن أوقظه في الفجر ليصلي بالمسجد وأقلع عن التدخين وقبل الزواج بقليل صارحني أيضا أن له أخا سجن ظلما لمدة سنة بتهمة السرقة وأنه ليس مسئولا عنه فهذا جناه أخي من صحبة السوء فلم أصارح أحدا بذلك خوفا من أن تفشل الخطبة, وعاد أبي نهائيا وانتقلنا للإقامة بمنزل آخر علي مستوي راق وأصبح لنا رصيد بالبنك وجهزني أبي جهازا فخما حتي فستان زفافي اشتراه لي ولم يبخل علي أو عليه بأي شيء, ولكنه لفت نظري لبخله وكنت أعلل ذلك بضيق ذات اليد وأنه يعيش بمفرده ويتكفل بمصروفات معيشته, وفعلا تم الزواج بشقته الصغيرة التي اكتشفت أنها مؤجرة باسم والدته إلي جانب التليفون والغاز والكهرباء وكل شيء باسمها, ولم أعترض ولم أبال بالبلاط وطاقم الحمام والمطبخ القديم علي أمل أننا مازلنا في بداية حياتنا, لن أقول إنني اكتشفت زوجي علي حقيقته فأنا كنت معتادة منه علي العصبية والصوت المرتفع والخصام والعناد وتعايشت مع كل ذلك إلي أن مرت ثمانية أشهر كان يسافر لعمله مدة تصل أحيانا إلي الشهر ويعود لمدة أسبوع أو أكثر قليلا, وكنت أقضي مدة سفره عند والدي انتظره علي أحر من الجمر وعند عودته لا أحمله أية أعباء. كنت له خادمة وزوجة وصديقة وأما وابنة, حتي أنني لم أكن أعلم كم يتقاضي فكنت أنفق مرتبي كاملا بالمنزل, وإذا كنا بحاجة لشيء أكمل هو القليل, وهكذا مرت حياتنا إلي أن حملت في طفلي الذي فرحت به كثيرا فظروف سفره لم تمكني من الحمل قبل الأشهر الثمانية وبعدها بشهر واحد اكتشفنا مرض والدي بورم كبير بالمخ فانهرت نفسيا وضعفت صحتي خاصة مع الحمل وأقام أبي بالمستشفي أسبوعا واحدا بعد أن أجري الجراحة التي كانت ستودي بحياته وخرج منها دون أن يحرك أصبعا وكان يحتاج إلي بجانبه لأن مرضه يحتاج لتخصصي وفي هذه الفترة ظهر زوجي الذي لم أكن أعرفه وبدأ يتخلي عني ويسهر كل ليلة خارج المنزل حتي الصباح ليعاقبني علي زيارتي لوالدي بالمستشفي وتشاجرت معي أمه وضيقوا علي الخناق حتي خرج والدي إلي المنزل وكنت أكمل أنا علاجه بالبيت, ولكن تحت ضوابط من زوجي, وعندما استرد أبي شيئا من صحته اتصل به وطلب منه أن ترجع حياتنا إلي ما كانت ولكنه رفض بداية ثم تحت إلحاح والدي جاء وأخذني, وليتني لم أرجع فقد ظل يعاقبني حتي بعد أن أكمل طفلي عامه الأول بالسهر خارج المنزل وببخله الشديد لدرجة أنني قبلت قدمه مرات ليرحمني, المهم أنني حافظت علي البيت بكل ما أملك فقد كنت أعاني كثيرا وأسهر الليالي باكية من غلظته وقسوته علي وعلي طفله حتي أنني كنت أؤجل دراساتي العليا لأتفرغ له وللمنزل ولتربية طفلي لأنهم أهم ما في حياتي, ولا أصف لك الأعباء التي كنت أتحملها خلال وجوده وعدم وجوده وأعباء انتقالي لمنزل والدي أنا والطفل فهو غير متحمل لأي مسئولية. إلي أن جاءت فترة كانت هي فرصتي الأخيرة لكي أؤدي الامتحانات, فاستأذنت منه أن أقضيها في منزل أهلي علي أن أتي إليه ثلاث مرات أسبوعيا ولا مانع من أن يأتي هو إلينا ليقضي معنا يوما أو يومين, وبالفعل كانت الأمور سهلة لمدة وجيزة إلي أن جاء يوم تشاجرت معي أمه لأني تأخرت في الاتصال بها وصعقتني بكلمات جارحة, فبررت لها انشغالي ومرض طفلي ولم أرد أكثر من ذلك, وزاد هو بأن هجرني إرضاء لأمه وطلب مني أن أترك المنزل أنا والطفل, تحايلت عليه بكل الطرق واستعطفته لأني فعلا لا أعرف ماذا فعلت لكل هذا حاولت مرارا وتكرارا أن أرجع المنزل وأرضيه ولكنه رفض وأخبرني أنه سوف يظل علي هذه الحالة طيلة العمر, فطلب مني والدي نسيان ذلك الأمر حتي اجتاز الامتحانات وبالفعل رجعت منزلي بعدها فانهال علي زوجي بالضرب الذي كنت أفقد الوعي وأفيق ومازال يضربني وأسمعني سبابا لم أكن أتخيل أن اسمعه وبصق في وجهي لا أعرف لماذا كل ذلك, واتصلت بوالدي ليأتي ويأخذني فقد انكسر كل شيء أحمله له ومرت الأيام واعتذر لي زوجي وأقسم بألا يكررها, ولم تمر أسابيع قليلة وعاد كما كان طلب مني أن أحضر له قائمة المنقولات من والدي وألا أقيم بمنزل أسرتي طوال فترة سفره وألا أزورهم إلا بأمره, لم أوافق خاصة عندما عاد إلي أفعاله الكريهة معي, فطلب أبي من أحد أصدقائه التدخل حتي ننفصل بالمعروف كما أمر الله وسنتنازل له عن الكثير كما تنازلنا من قبل الزواج, ولكنه رفض فما كان سبيل لدينا سوي اللجوء للقضاء الذي عرفت عن طريقه أن مرتب زوجي أضعاف ما كنت أتخيل وبلاشك لديه أرصدة بالبنك لا أعرفها, سيدي أنا لا أعرف لماذا حدث لي كل هذا ولماذا غدر بي زوجي مع أنني اخترته من بين العشرات الذين تقدموا لي ممن هم أكفأ منه بكثير.
لم أقصر تجاهه في أي من الاتجاهات, ليس لديه مبرر لما فعل. لقد انهار بيتي وأصبح طفلي عنيفا تأثرا بما رأي, فهو لم يبلغ بعد عامه الثاني ولكنه الزهرة الوحيدة التي أعيش لأرويها ولكنني أتساءل:
هل ستمضي بي الحياة بهذه القسوة, أم أن يوما سيأتي ويعوضني الله عما عانيت؟! هل سأتزوج مرة أخري, وأكمل الحياة التي تتمناها أي امرأة طبيعية؟! وإذا تزوجت من يضمن لي ألا يكون هو الآخر مثل زوجي السابق؟! ومن سيتحمل تربية طفل ليس منه؟! كل هذه أسئلة لا أعرف لها إجابة, فالغيب عند الله. ولكني أسألك وأسأل قراء بابك الكرام أن تدعوا لي أن يبارك الله لي في ولدي ويعوضني خيرا, فهو الآن يتيم بالرغم من وجود والده علي قيد الحياة, والذي مر عليه أكثر من ثمانية أشهر لم يحاول السؤال عنه.
* سيدتي: مثل رسالتك وما بها من تفاصيل, يدفعني إلي الشاطئ الآخر, إلي النصف الآخر من الحكاية الذي لم يأت في سطور مأساتك, نعم يوجد في الحياة أشرار, ويوجد أشخاص مثاليون, ولكن هل يمكن تصور طرفي علاقة, أحدهما شرير حتي النهاية, والآخر مثالي حتي النهاية؟ قبل التسليم بهذه الفرضية ومحاولة تفهم مبرراتها, دعيني أسألك: ما الذي يجعل أسرة طيبة, لديها ابنة معيدة في الجامعة وينتظرها مستقبل باهر, ترحب بشاب من أسرة فقيرة عائلها أحد العمال الذين كانوا يتمنون أن يرد أبي عليهم السلام, بينكما فارق اجتماعي واضح, ولا توجد علاقة عاطفية تبرر تقديم تنازلات, ولم تصلي إلي سن تخيف من شبح العنوسة, ومع ذلك تبالغون في تقديم تسهيلات ومنح وعطايا, وكأنها الفرصة الأخيرة لك في الزواج!.
واذا كانت أسئلتي المشروعة لن تجد إجابة لديك, وعدت إلي الفرضية الأولي, وسلمت بأنك من أسرة طيبة ومثالية وأردتم شراء رجل حتي يحفظك ويراعي الله فيك, لن يكون أمامي إلا التسليم أيضا بأن طليقك وأسرته من الأشرار, ولم يكونوا يستحقون فتاة مثلك, وهنا يمكن التوقف أمام الأخطاء التي وقعتم فيها, فليس معني التسهيل, أن نتساهل ونتجاهل مبدأ التكافؤ بين الزوجين, التكافؤ الاجتماعي والثقافي والمادي والديني, فبعض الأئمة جعل من التكافؤ أحد شروط الزواج الصحيح والذي من أجله يحق لولي الأمر أن يفسخ عقد النكاح. أيضا كان عليك التأكد من سلوك هذا الشخص الذي ستربطين حياتك به, وكذلك سلوك عائلته, فالزواج ليس مغامرة ندخلها مغمضي الأعين, فكثيرا ما نضع الضوابط الصحيحة للزواج ومع ذلك نفشل, فما بالنا بعلاقة غابت عنها كل الضوابط.
سيدتي.. لا أعتقد أنك في حاجة الآن لأن أرصد أخطاءكم المتتالية, منذ أن بدأ هذا الرجل في تجاوزاته, تلك الأخطاء التي جعلته يتمادي في إيذائه ونذالته وتخليه عن كل مسئولياته. ولكن الأهم الآن هو ما جاء في السطور الأخيرة لرسالتك, والتي تكشف عن اندفاعك, فبدلا من أن تتوقفي قليلا بعد لهاث ومعاناة, تطل عليك مبكرا فكرة الزواج, متسائلة عمن سيقدم تنازلات ليتزوجك ويتحمل مسئولية طفلك ويعوضك عما عانيته.
سيدتي: التقطي أنفاسك, انتقلي إلي مربع آخر, حتي تستوعبي ما حدث, حتي تعرفي أخطاءك ونقاط ضعفك, حتي تبرأ جراحك.
فالحياة ليست رجلا أو زواجا فقط, فكري مؤقتا في إكمال دراستك, والاهتمام بطفلك, وثقي بأن عدل الله ـ حتي لو تأخر لا يغيب, وأن طليقك سيدفع ثمن جرائمه في حقك وحق أسرتك.
لا تفكري ـ يا عزيزتي ـ الآن في الزواج, وعندما ينضج وعيك, وتكتمل شخصيتك بمزيد من التجارب في الحياة, متكئة علي إيمان راسخ بالله سبحانه وتعالي, ستجدين من هو ملائم وكفؤ لك ليعوضك عما عانيته, لتمنحيه من نفسك كل محبة ورحمة.. وإلي لقاء بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.