أكتب إليك هذه الرسالة وأشعر بأني امرأة مدمرة أو ميتة, وأنتظر ردك علي لأتخذ قراري النهائي, بعد أن فقدت الثقة في نفسي ولا أحد حولي, من أستشيره, أمي تري حلا واحدا وأخشي أن أفعله وأندم بعد ذلك.
أنا سيدة في الخامسة والثلاثين من عمري, نشأت بين والدين في غاية الطيبة, وكانت حياتنا سعيدة, حتي فاجأنا أبي بدون مقدمات بزواجه من أخري, ولو كان يعلم ــ هو وغيره من الآباء ــ ماذا يفعل الزواج الثاني بالزوجة وبالأبناء خاصة لو كانوا بنات ــ لما فعل ذلك أبدا. لقد هربت السعادة من بيتنا, وكنت أفاجيء أمي كثيرا في وحدتها فأجدها غارقة في دموعها. انكسرت نفسها أمامنا وأمام أبي, وأعرف جيدا أنها تحملت هذا الوضع من أجل الحفاظ علينا, وحبا لأبي.
ورثت من أمي طيبتها, ومن أبي قوة الشخصية, والتفوق. وعندما كنت في الجامعة, تعرفت علي شاب عن طريق الأقارب, ونشأت بيننا قصة حب سريعة, انتهت بخطبة استمرت ثلاث سنوات, اكتشفت خلالها أن خطيبي عنيد ومغرور وبخيل في عواطفه, ولكنه إنسان طيب متدين. فتزوجنا منذ ما يقرب من12 عاما, وبعد التخرج عملت في وظيفة مرموقة واستطعت أن أفرض الاحترام علي كل من تعامل معي.
بعد مضي عشر سنوات علي زواجنا, لم ننجب, والحقيقة أن زوجي كان صابرا محتملا, ولم يتوان عن البحث عن كل وسائل العلاج ولكنها مشيئة الله, كنت أحاول أن أفتش في تفكيره عن مدي إحساسه بالحرمان من الأطفال, فكان يغضب مني, ويتهمني بالكفر لأني أعترض علي قضاء الله, كان يقول لي إن الأطفال رزق يمنحه الله لمن يشاء, ثم يهاجمني بأنه لو كان في موضعي ــ بهذا التفكير ــ لتركته لأتزوج بآخر, ويقسم لي بأنه لايفكر في الزواج وأني حبه الكبير وأهم لديه من الأطفال فأنام سعيدة راضية بهذا الزوج الرائع, موقنة اني أستحق ذلك لأني كنت أراعي الله فيه, فلم يرتفع صوتي, ولم أغضبه يوما, ولم يسمع مني إلا كلمة واحدة طوال فترة زواجنا وهي: حاضر.
ولكن منذ عامين, انهارت سعادتي وتبدل حالي, وفارق النوم عيني, حدث هذا بعد وفاة والد زوجي, فحزن حزنا عظيما, وبدأ في الانزواء والابتعاد عني بالشهور, حاولت أن أفهم السر في ذلك ولم أستطع, وبعد ستة أشهر, ذهبت لأمه لأسألها لعلني أجد لديها الإجابة, فصدمتني بالحقيقة, زوجي يريد الزواج بأخري, حتي ينجب إبنا يقف علي قبره بعد وفاته, سكنه هذا الإحساس وهذا الاحتياج بعد وفاة والده, ولكنه لم يواجهني لأنه يعرف أني سأرفض ولايريد أن يفقدني.
ذهبت إليه وواجهته بما عرفت, فبكي أمامي واعترف لي برغبته الجارفة في الانجاب, وفي نفس الوقت لايستطيع الابتعاد عني. طلبت منه الطلاق وليتزوج كما يشاء, ولكنه رفض بحسم, بل أصر علي إقناع أهلي بذلك, فرفضت والدتي وصرخت في وجهي بألا أقبل الذل, لأن في زواجه بأخري ذلا لي. وقال له أحد أقاربنا إنه يريد أن يأخذ كل شئ في الدنيا, الزوجة الصالحة المحبة والأبناء بدون أن يخسر أي شئ.
حاول زوجي معي كثيرا, ومنحني مهلة للتفكير, ولكني واصلت رفضي, وإصراري علي الطلاق إذا تزوج بأخري, فتقبل الأمر وقال إنه يحبني ولا يستطيع أن يطلقني, واكتشفت أني حكمت علي نفسي بالموت البطيء, فقد واصل زوجي هجري, حتي صرت كأخته.. وإذا واجهته بذلك وقلت له إنه يخالف شرع الله, يقول لي إنك أيضا حرمتني من شرع الله. ووصل به الأمر إلي تجريحي واتهامي بأني لست جميلة ولست بالمواصفات التي يريدها, علي الرغم من أني جميلة بشهادة الكثيرين, شكلا ومضمونا وأتعرض في عملي لمضايقات كثيرة بسبب إعجاب الرجال بي, ولكني أعرف جيدا كيف أضع الحدود أمام الآخرين.
عامان ياسيدي, لم يلمس زوجي يدي إلا في الشارع, بينما يجلس أمامي بالساعات يشاهد أشياء مخلة علي جهاز الكمبيوتر ولا يغلقه إلا عندما يذهب للصلاة في المسجد أشعر بظلم شديد, هل أخطأت لأني رفضت زواجه بأخري, وطلبت الطلاق إذا أراد ذلك. لقد أقسم لي من قبل أن موضوع الإنجاب لايشغله فما الذي تغير؟. هل ما يفعله زوجي معي طبيعي, وهل هو مشروع؟
أنا أمام خيارين أحلاهما مر, إما أن أقبل هذه الحياة المهينة مع زوج أحبه ولا أتخيل حياتي بدونه, وإما أن أصر علي الطلاق ليتزوج كما شاء, وأواجه المجتمع بلقب مطلقة لأني لا أنجب بإرادة ومشيئة الله سبحانه وتعالي؟ سيدي.. كونك رجلا يمكن أن تعرف أكثر, هل يمكن لزوج يدعي أنه يحب زوجته, أن يتركها عامين, وأن يتزوج بأخري من أجل الانجاب فقط؟ وهل أنا علي صواب أم علي خطأ؟ لقد فقدت القدرة علي التفكير والثقة في النفس, فهل لك أن تساعدني؟
{ سيدتي.. أقدر ألمك النبيل, لأنك أمام أزمة متكررة في حياتك, وأزمة أخري تجسد إحساسك بالحرمان من نعمة الأمومة باختبار من الله سبحانه وتعالي لك, فكنت بفضله من الصابرين الشاكرين. سأعرض عليك رأيي الذي قد يغضبك أو لا يرضيك, ولكني في النهاية أقول رأيا قد يتوافق مع تفكيرك ومقدرتك, وقد لايناسبك ولا تقدرين عليه, ووقتها عليك باتخاذ القرار الذي ترينه حافظا لسلامتك النفسية.
ولكن قبل ذلك دعينا نعد إلي البدايات, عندما تزوج والدك بأخري بدون مقدمات أو مبررات, وترك جرحا غائرا في نفسك ونفس والدتك, التي جاء موقفها الرافض لاستمرارك مع زوجك إذا تزوج بأخري, متوافقا ومعبرا عما عانته بسبب هذا الزواج, وإحساسها بالذل, لأنها استمرت من أجلكم, لذا لاتري مبررا لاستمرارك خاصة مع عدم وجود أبناء سيتعرضون للإيذاء النفسي في حالة الطلاق.
ودعيني أقل لك إن زوجك ــ المغرور منذ البداية ــ ارتكب أخطاء وإثما كبيرا في التعامل معك, فكان عليه أن يمسكك بإحسان أو يسرحك بإحسان, أما هذا الوضع المعلق, لا أنت زوجة ولا أنت مطلقة, فهو وضع خاطئ لاتجيزه الإنسانية ولايقره الشرع.
إن زوجك يحبك ولايريد أن يطلقك ولا أن يبدو أمام نفسه وأمامك نذلا, وفي نفس الوقت كشف له موت والده أنه وحيد, وأنه عندما يموت لن يجد من يكفنه أو يقف علي قبره, وهذا إحساس طبيعي, لايتعارض إطلاقا مع قسمه من قبل لك بأنه يحبك وانك أهم من الأولاد لديه, كان صادقا وقتها, وهو الآن صادق في احتياجه, ويحاول الضغط عليك وتجريحك ــ وهذا تصرف خاطئ ــ لإحساسه بأنك تحرمينه من الولد, وسأضع أمامك بعض الأشياء التي تشكل وجداننا وثقافتنا وتري أن الرجل لايكون رجلا إلا إذا أنجب, هناك مقولة عربية تقول: إذا أنت عشت دون أن تكون أبا, فإنك ستقضي دون أن تكون رجلا, ويقابل هذه المقولة مثل انجليزي: من عاش بلا أولاد لم يعرف الهم, ومن مات بلا أولاد لم يعرف السرور.
نعم ابتلاك الله واختبرك بعدم الإنجاب وله سبحانه وتعالي في ذلك حكمة, ولكنه لم يبتله, فإذا استطاع الصبر والتحمل كان ذلك نبلا منه, وكذلك نفس الحال إذا كان الوضع معكوسا, فقبلت امرأة الاستمرار مع زوج لاينجب, أو آلمتها غريزة الأمومة ولم تستطع صبرا فاختارت الطلاق. فالله هوالقائل في كتابه: المال والبنون زينة الحياة الدنيا وزين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث, ذلك متاع الحياة الدنيا, والله عنده حسن المآب.
إذن دعينا نتفق علي أن إحساس زوجك بالرغبة في الإنجاب طبيعي, والإحساس بأن العمر يتسرب من بين يديه يشعره بالضعف, ويدفعه إلي اتباع أساليب خاطئة معك., ولكنه يحبك ولو لم يكن ذلك لترك لك الخيار واستغل إصرارك علي الطلاق, وفعلها وذهب ليتزوج بأخري. وفي نفس الوقت أنت مازلت تحبينه, فلماذا لاتمنحان نفسيكما فرصة جديدة, بأن توافقي علي زواجه بأخري وتشترطي عليه إذا لم يعدل بينكما أو شعرت بأنك غير قادرة علي الاستمرار بعد الزواج, أن يطلقك بإحسان, إنه الخيار الثالث, فإن كانت كل الخيارات مرة, فلنختر أقلها مرارة, ونستثمر الفرصة الأخيرة المتاحة, ومن يدري منا أين يختبئ الخير في اختياراتنا.. وإلي لقاء بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.