الخيار الثالث .. قصص حقيقيه



أكتب إليك هذه الرسالة وأشعر بأني امرأة مدمرة أو ميتة‏,‏ وأنتظر ردك علي لأتخذ قراري النهائي‏,‏ بعد أن فقدت الثقة في نفسي ولا أحد حولي‏,‏ من أستشيره‏,‏ أمي تري حلا واحدا وأخشي أن أفعله وأندم بعد ذلك‏.‏

أنا سيدة في الخامسة والثلاثين من عمري‏,‏ نشأت بين والدين في غاية الطيبة‏,‏ وكانت حياتنا سعيدة‏,‏ حتي فاجأنا أبي بدون مقدمات بزواجه من أخري‏,‏ ولو كان يعلم ــ هو وغيره من الآباء ــ ماذا يفعل الزواج الثاني بالزوجة وبالأبناء خاصة لو كانوا بنات ــ لما فعل ذلك أبدا‏.‏ لقد هربت السعادة من بيتنا‏,‏ وكنت أفاجيء أمي كثيرا في وحدتها فأجدها غارقة في دموعها‏.‏ انكسرت نفسها أمامنا وأمام أبي‏,‏ وأعرف جيدا أنها تحملت هذا الوضع من أجل الحفاظ علينا‏,‏ وحبا لأبي‏.‏

ورثت من أمي طيبتها‏,‏ ومن أبي قوة الشخصية‏,‏ والتفوق‏.‏ وعندما كنت في الجامعة‏,‏ تعرفت علي شاب عن طريق الأقارب‏,‏ ونشأت بيننا قصة حب سريعة‏,‏ انتهت بخطبة استمرت ثلاث سنوات‏,‏ اكتشفت خلالها أن خطيبي عنيد ومغرور وبخيل في عواطفه‏,‏ ولكنه إنسان طيب متدين‏.‏ فتزوجنا منذ ما يقرب من‏12‏ عاما‏,‏ وبعد التخرج عملت في وظيفة مرموقة واستطعت أن أفرض الاحترام علي كل من تعامل معي‏.‏

بعد مضي عشر سنوات علي زواجنا‏,‏ لم ننجب‏,‏ والحقيقة أن زوجي كان صابرا محتملا‏,‏ ولم يتوان عن البحث عن كل وسائل العلاج ولكنها مشيئة الله‏,‏ كنت أحاول أن أفتش في تفكيره عن مدي إحساسه بالحرمان من الأطفال‏,‏ فكان يغضب مني‏,‏ ويتهمني بالكفر لأني أعترض علي قضاء الله‏,‏ كان يقول لي إن الأطفال رزق يمنحه الله لمن يشاء‏,‏ ثم يهاجمني بأنه لو كان في موضعي ــ بهذا التفكير ــ لتركته لأتزوج بآخر‏,‏ ويقسم لي بأنه لايفكر في الزواج وأني حبه الكبير وأهم لديه من الأطفال فأنام سعيدة راضية بهذا الزوج الرائع‏,‏ موقنة اني أستحق ذلك لأني كنت أراعي الله فيه‏,‏ فلم يرتفع صوتي‏,‏ ولم أغضبه يوما‏,‏ ولم يسمع مني إلا كلمة واحدة طوال فترة زواجنا وهي‏:‏ حاضر‏.‏


ولكن منذ عامين‏,‏ انهارت سعادتي وتبدل حالي‏,‏ وفارق النوم عيني‏,‏ حدث هذا بعد وفاة والد زوجي‏,‏ فحزن حزنا عظيما‏,‏ وبدأ في الانزواء والابتعاد عني بالشهور‏,‏ حاولت أن أفهم السر في ذلك ولم أستطع‏,‏ وبعد ستة أشهر‏,‏ ذهبت لأمه لأسألها لعلني أجد لديها الإجابة‏,‏ فصدمتني بالحقيقة‏,‏ زوجي يريد الزواج بأخري‏,‏ حتي ينجب إبنا يقف علي قبره بعد وفاته‏,‏ سكنه هذا الإحساس وهذا الاحتياج بعد وفاة والده‏,‏ ولكنه لم يواجهني لأنه يعرف أني سأرفض ولايريد أن يفقدني‏.‏

ذهبت إليه وواجهته بما عرفت‏,‏ فبكي أمامي واعترف لي برغبته الجارفة في الانجاب‏,‏ وفي نفس الوقت لايستطيع الابتعاد عني‏.‏ طلبت منه الطلاق وليتزوج كما يشاء‏,‏ ولكنه رفض بحسم‏,‏ بل أصر علي إقناع أهلي بذلك‏,‏ فرفضت والدتي وصرخت في وجهي بألا أقبل الذل‏,‏ لأن في زواجه بأخري ذلا لي‏.‏ وقال له أحد أقاربنا إنه يريد أن يأخذ كل شئ في الدنيا‏,‏ الزوجة الصالحة المحبة والأبناء بدون أن يخسر أي شئ‏.‏

حاول زوجي معي كثيرا‏,‏ ومنحني مهلة للتفكير‏,‏ ولكني واصلت رفضي‏,‏ وإصراري علي الطلاق إذا تزوج بأخري‏,‏ فتقبل الأمر وقال إنه يحبني ولا يستطيع أن يطلقني‏,‏ واكتشفت أني حكمت علي نفسي بالموت البطيء‏,‏ فقد واصل زوجي هجري‏,‏ حتي صرت كأخته‏..‏ وإذا واجهته بذلك وقلت له إنه يخالف شرع الله‏,‏ يقول لي إنك أيضا حرمتني من شرع الله‏.‏ ووصل به الأمر إلي تجريحي واتهامي بأني لست جميلة ولست بالمواصفات التي يريدها‏,‏ علي الرغم من أني جميلة بشهادة الكثيرين‏,‏ شكلا ومضمونا وأتعرض في عملي لمضايقات كثيرة بسبب إعجاب الرجال بي‏,‏ ولكني أعرف جيدا كيف أضع الحدود أمام الآخرين‏.‏

عامان ياسيدي‏,‏ لم يلمس زوجي يدي إلا في الشارع‏,‏ بينما يجلس أمامي بالساعات يشاهد أشياء مخلة علي جهاز الكمبيوتر ولا يغلقه إلا عندما يذهب للصلاة في المسجد‏ أشعر بظلم شديد‏,‏ هل أخطأت لأني رفضت زواجه بأخري‏,‏ وطلبت الطلاق إذا أراد ذلك‏.‏ لقد أقسم لي من قبل أن موضوع الإنجاب لايشغله فما الذي تغير؟‏.‏ هل ما يفعله زوجي معي طبيعي‏,‏ وهل هو مشروع؟

أنا أمام خيارين أحلاهما مر‏,‏ إما أن أقبل هذه الحياة المهينة مع زوج أحبه ولا أتخيل حياتي بدونه‏,‏ وإما أن أصر علي الطلاق ليتزوج كما شاء‏,‏ وأواجه المجتمع بلقب مطلقة لأني لا أنجب بإرادة ومشيئة الله سبحانه وتعالي؟ سيدي‏..‏ كونك رجلا يمكن أن تعرف أكثر‏,‏ هل يمكن لزوج يدعي أنه يحب زوجته‏,‏ أن يتركها عامين‏,‏ وأن يتزوج بأخري من أجل الانجاب فقط؟ وهل أنا علي صواب أم علي خطأ؟ لقد فقدت القدرة علي التفكير والثقة في النفس‏,‏ فهل لك أن تساعدني؟

{‏ سيدتي‏..‏ أقدر ألمك النبيل‏,‏ لأنك أمام أزمة متكررة في حياتك‏,‏ وأزمة أخري تجسد إحساسك بالحرمان من نعمة الأمومة باختبار من الله سبحانه وتعالي لك‏,‏ فكنت بفضله من الصابرين الشاكرين‏.‏ سأعرض عليك رأيي الذي قد يغضبك أو لا يرضيك‏,‏ ولكني في النهاية أقول رأيا قد يتوافق مع تفكيرك ومقدرتك‏,‏ وقد لايناسبك ولا تقدرين عليه‏,‏ ووقتها عليك باتخاذ القرار الذي ترينه حافظا لسلامتك النفسية‏.‏

ولكن قبل ذلك دعينا نعد إلي البدايات‏,‏ عندما تزوج والدك بأخري بدون مقدمات أو مبررات‏,‏ وترك جرحا غائرا في نفسك ونفس والدتك‏,‏ التي جاء موقفها الرافض لاستمرارك مع زوجك إذا تزوج بأخري‏,‏ متوافقا ومعبرا عما عانته بسبب هذا الزواج‏,‏ وإحساسها بالذل‏,‏ لأنها استمرت من أجلكم‏,‏ لذا لاتري مبررا لاستمرارك خاصة مع عدم وجود أبناء سيتعرضون للإيذاء النفسي في حالة الطلاق‏.‏

ودعيني أقل لك إن زوجك ــ المغرور منذ البداية ــ ارتكب أخطاء وإثما كبيرا في التعامل معك‏,‏ فكان عليه أن يمسكك بإحسان أو يسرحك بإحسان‏,‏ أما هذا الوضع المعلق‏,‏ لا أنت زوجة ولا أنت مطلقة‏,‏ فهو وضع خاطئ لاتجيزه الإنسانية ولايقره الشرع‏.‏

إن زوجك يحبك ولايريد أن يطلقك ولا أن يبدو أمام نفسه وأمامك نذلا‏,‏ وفي نفس الوقت كشف له موت والده أنه وحيد‏,‏ وأنه عندما يموت لن يجد من يكفنه أو يقف علي قبره‏,‏ وهذا إحساس طبيعي‏,‏ لايتعارض إطلاقا مع قسمه من قبل لك بأنه يحبك وانك أهم من الأولاد لديه‏,‏ كان صادقا وقتها‏,‏ وهو الآن صادق في احتياجه‏,‏ ويحاول الضغط عليك وتجريحك ــ وهذا تصرف خاطئ ــ لإحساسه بأنك تحرمينه من الولد‏,‏ وسأضع أمامك بعض الأشياء التي تشكل وجداننا وثقافتنا وتري أن الرجل لايكون رجلا إلا إذا أنجب‏,‏ هناك مقولة عربية تقول‏:‏ إذا أنت عشت دون أن تكون أبا‏,‏ فإنك ستقضي دون أن تكون رجلا‏,‏ ويقابل هذه المقولة مثل انجليزي‏:‏ من عاش بلا أولاد لم يعرف الهم‏,‏ ومن مات بلا أولاد لم يعرف السرور‏.‏

نعم ابتلاك الله واختبرك بعدم الإنجاب وله سبحانه وتعالي في ذلك حكمة‏,‏ ولكنه لم يبتله‏,‏ فإذا استطاع الصبر والتحمل كان ذلك نبلا منه‏,‏ وكذلك نفس الحال إذا كان الوضع معكوسا‏,‏ فقبلت امرأة الاستمرار مع زوج لاينجب‏,‏ أو آلمتها غريزة الأمومة ولم تستطع صبرا فاختارت الطلاق‏.‏ فالله هوالقائل في كتابه‏:‏ المال والبنون زينة الحياة الدنيا وزين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث‏,‏ ذلك متاع الحياة الدنيا‏,‏ والله عنده حسن المآب‏.‏

إذن دعينا نتفق علي أن إحساس زوجك بالرغبة في الإنجاب طبيعي‏,‏ والإحساس بأن العمر يتسرب من بين يديه يشعره بالضعف‏,‏ ويدفعه إلي اتباع أساليب خاطئة معك‏.,‏ ولكنه يحبك ولو لم يكن ذلك لترك لك الخيار واستغل إصرارك علي الطلاق‏,‏ وفعلها وذهب ليتزوج بأخري‏.‏ وفي نفس الوقت أنت مازلت تحبينه‏,‏ فلماذا لاتمنحان نفسيكما فرصة جديدة‏,‏ بأن توافقي علي زواجه بأخري وتشترطي عليه إذا لم يعدل بينكما أو شعرت بأنك غير قادرة علي الاستمرار بعد الزواج‏,‏ أن يطلقك بإحسان‏,‏ إنه الخيار الثالث‏,‏ فإن كانت كل الخيارات مرة‏,‏ فلنختر أقلها مرارة‏,‏ ونستثمر الفرصة الأخيرة المتاحة‏,‏ ومن يدري منا أين يختبئ الخير في اختياراتنا‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.