بريد الاهرام
لا أكتب لك عن مشكلة أواجهها, وإنما عن تجربة مررت بها وأرغب في أن يستفيد بخبرتها غيري, وخاصة الفتيات اللاتي في سن الزواج.
فأنا سيدة شابة عمري28 عاما وأعمل بهيئة أجنبية وتخرجت في كلية عملية مرموقة وأشغل منصبا ممتازا وقارئة جيدة للفكر الإسلامي والغربي علي السواء, كما أنني كنت بطلة في إحدي الألعاب الأوليمبية.
وقد بدأت تجربتي حين تقدم وأنا طالبة بالسنة النهائية في الجامعة شاب يكبرني بسنوات بدت لي كثيرة بالرغم من أنه في قمة النضج والشباب. ولأنني قد نشأت يتيمة الأم منذ طفولتي, وأبي لم يكن يجيد وزن مثل هذه الأمور, وأخوتي الشبان كل منهم مشغول بأحدث أغنية وأقوي فيلم وأحدث موضة.. وأروع سيارة, فلقد افتقدت المشورة المفيدة في هذا الموقف.. خاصة أنني قد فقدت مبكرا شقيقتي التي راحت ضحية لحادث مؤلم وكانت لي نعم الأخت والصديقة يرحمها الله. وهكذا فقد عجزت عن اتخاذ القرار السليم وترددت في قبول خطبة هذا الشاب بالرغم من أنه لا ينقصه شيء ولم يكن يعيبه من وجهة نظري في ذلك الوقت سوي جهله بأحدث موضة وأروش أغنية وأسرع سيارة إلخ.. وقد أثار خوفي وخوف الأهل والأصدقاء فارق السن بيننا..كما أنني قد فسرت حبه الجارف لي بأنه محاولة منه لإخفاء عيوب جوهرية فيه أو تعويضي عنها! وهكذا فقد رفضته.. وطلب هو مني أن أعيد التفكير في الأمر فوعدته بذلك.. فمضت فترة وهو يتعلق بالأمل في قبولي له وزواجي منه, ومن حين لآخر يتقدم لي فأرفضه تارة وأعلق القرار تارة أخري.. أو تقابله أسرتي بجفاء في مرة ثالثة وهو لا يسلم باليأس مني أبدا. واستمر الحال علي هذا النحو بضع سنوات, تزوجت خلالها كل صديقاتي ووجدت نفسي الفتاة الوحيدة بينهن وبدأت أشعر بالقلق والتوجس من المستقبل خاصة وان أبي كان قد مرض خلال ذلك مرضا شديدا, ثم رحل عن الحياة هو الآخر يرحمه الله.. ولم يقف بجواري في محنة مرضه سوي هذا الشاب بالرغم من مراوغتي له. وبعد وفاة أبي تقدم لي خطيب آخر فقبلته دون أن أفكر في تغيير موقفي من الشاب الآخر الذي يتمناني لنفسه منذ سنوات.. ولم تدم خطبتي لمن قبلت به سوي بضعة شهور ثم تحطمت علي صخرة غيرته الشديدة علي.. وتوقع الشاب الأول بعد فسخ الخطبة أن أكون علي استعداد لقبوله هذه المرة.. لكني خيبت ظنه مرة أخري للأسف وعقدت قراني علي قريب لي فلم يطل ارتباطي به هو أيضا كثيرا وتم الانفصال بيننا قبل الزفاف بأيام.
وبعد فترة أخري تزوجت من زميل لي في المجال الرياضي.. له نفس طموحي وآمالي وتجمع بيننا الاهتمامات المتقاربة, كما كنت أطمع دائما فيمن ارتبط به فإذا بكل هذه الروابط المشتركة لا تنجح في إنقاذ سفينة الحياة الزوجية من الغرق.. ويتم الانفصال الثالث في حياتي بعد قليل.
وعقب الانفصال اضطربت أفكاري وفقدت تركيزي في لعبتي وخسرت مكاني في المنتخب وساءت حالتي المعنوية, وفكرت لأول مرة في الزواج لمجرد الاستظلال بظل رجل.. وليس كما كنت أرجو لنفسي دائما من أجل الحب والسعادة والميول المشتركة والحياة اللامعة.. وفي غمرة ضيقي بوحدتي بعد وفاة أبي.. وانشغال أخوتي بحياتهم الخاصة.. وسوء حالتي المعنوية بعد الفشل المتكرر في الارتباط والسعادة وسألت نفسي من هو الرجل الذي يمكن أن يقف إلي جواري في مثل هذه الظروف ويأخذ بيدي ويعيد إلي ثقتي في نفسي ؟
وعلي الفور قفزت إلي ذهني صورة الشاب الأمين الذي تقدم لي في عامي الجامعي الأخير ورفضته أكثر من مرة فلم يضق بي ولم ينقلب علي ولم يكرهني ولم يفقد رغبته في وتمسكه بي.
وتساءلت ماذا يعيب مثل هذا الرجل وهو إنسان هاديء ومتزن ووسيم وشخصيته جذابة ورقيق المشاعر وبار بأهله!
وتذكرت ماقرأته لك أكثر من مرة في هذا الباب من أننا لا قيمة لنا إلا عند من يحبوننا ويحرصون علينا ويتوسلون بالحيل للحفاظ علينا. فأعلنت استعدادي لقبول الزواج منه إذا كان مازال راغبا في الزواج مني, ولم يتردد الرجل الكريم في التقدم إلي مرة أخري, وتمت الخطبة وأنا لا أشعر تجاهه بالحب.. لكني آمل في أن تخلق الحياة المشتركة بيننا حبه في قلبي ذات يوم.. وانتهت استعدادات الزواج علي وجه السرعة.. وتزوجنا وأنا أرجو الله في أعماقي ألا يطول انتظاري لميلاد الحب أعواما كثيرة.. فإذا برحمة ربي تدركني في الأسابيع الأولي من زواجنا.. وإذا بي أجد في زوجي كل ماكنت أتمناه في شريك الحياة من التدين وتقوي الله وحسن المعاملة والحنان والتشجيع المستمر في فيتدفق ينبوع الحب في قلبي تجاهه.. وأجدني أكاد أحسد نفسي علي السعادة التي وجدتها معه.. وأتحسر في الوقت نفسه علي السنوات التي أضعتها من عمري قبل الارتباط. ولقد مضت الآن علي زواجنا السعيد ثلاث سنوات عامرة بالحب والهناء رزقنا الله سبحانه وتعالي خلالها بطفلين جميلين.. وأتم علينا نعمته بالنجاح الباهر في العمل.. وبأداء العمرة مع زوجي الذي استطيع أن أقول عنه الآن إنه الزوج والحبيب والعشيق والأخ والأب والصديق. وأني لأسجد لله شكرا علي أن هداني إلي اليقين بعد حالة الشك التي تساور كل فتاة مقبلة علي الزواج.. وأن السعادة مع زوجي الحبيب بعد حالة الوحدة التي عانيتها عقب وفاة أبي وفشلي المتكرر في الحالات السابقة.. وأشعر الآن شعورا عميقا بالذنب تجاه هذا الإنسانالعظيم الذي أرادني منذ البداية بإصرار فأنصرفت عنه لجهلي وغفلتي وأريد أ أذكر كل فتاة بالحديث الشريف الذي يقول: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ذلك أن كثيرات لا يفكرن حين يتقدم لإحداهن شاب إلا في مدي التوافق أو التكافؤ المادي والمعنوي والنفسي والطموح المشترك والمظهر العصري والملبس.. و الروشنة والاتيكيت وغير ذلك من العوامل.. ولا يفكرون إلا قليلا في مدي التزام هذا الشاب بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. وفي خلقه وقيمه الأخلاقية فتكون النتيجة هي مانراه كثيرا من حالات الانفصال.
وأما نصيحتي الأخري فلسوف استعيرها من العبارة التي استشهدت بها في ردك أخيرا علي إحدي الرسائل للإمام علي بن أبي طالب وتقول مامعناه إن من شقاء المرء زهده في راغب فيه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
ذكرتني رسالتك بالأسطورة القديمة التي كتبها الإيطالي جيوفاني استرابلو عن فتاة حالمة رائعة الجمال تنافس شباب المدينة علي طلب يدها وكلهم من فرسان الوسامة و العصرية بمقاييس زمنهم, ثم خرج أبوها في رحلة إلي الغابة وضل طريقه فيها وحل عليه الظلام وخشي علي نفسه من الوحوش الضارية, فلجأ إلي قصر مهجور وجده في الغابة.. فما أن تسلل إليه حتي فوجيء برجل كثيف الشعر بعيد عن الوسامة, يعيش فيه احتجزه في القصر وسجنه في إحدي قاعاته, وبحثت الفتاة عن أبيها طويلا حتي
عرفت مقره.. ورفض الشبان الذين كانوا يتنافسون علي طلب ودها مساعدتها في الإفراج عن أبيها خوفا من القصر المهجور وساكنه.. فتوجهت هي إليه والتقت بصاحبه ورجته الافراج عن أبيها ووافق الرجل علي ذلك ولكن بشرط أن تبقي هي في القصر بدلا منه وقبلت الفتاة أن تقدم هذه التضحية من أجل أبيها.. وافرج عنه وأقامت الفتاة الجميلة الرقيقة في القصر وتعاملت مع هذا الرجل فإذا بها تكتشف وراء مظهره غير العصري وشعره الكثيف قلبا رقيقا حنونا ونفسا طيبة وروحا تتطلع إلي السعادة في صبر فتقبل بنفس راضية الزواج منه وتعيش معه حياتها في سعادة وأمان وسط دهشة المتنافسين عليها وحسرتهم.. وتتعلم درس التجربة وهو أنه ليس من الحكمة أن تحكم علي البشر بمظهرهم الخارجي أو بمدي مسايرتهم لروح العصر! ومع ان القياس مع الفارق فإن درس الأسطورة يظل صالحا للتعميم عن قصتك كذلك.. وهو أننا لا نعرف حقيقة الأشخاص بمظهرهم الخارجي وإنما بالاقتراب منهم.. والتعامل المكثف معهم.
والمشكلة الحقيقية التي أدت الي تخبطك عدة مرات في الاختيار قبل أن ترسو سفينتك في المرفأ الآمن الذي ينتظرها من البداية, هي أن معايير الاختيار لديك كانت خاطئة ومضللة.., كمعيار الحكم علي الأشخاص بمظهرهم الخارجي في الأسطورة القديمة, فقد كانت كلها معايير سطحية تتعلق بعصرية الخطيب ومدي مسايرته للموضة وبقية الاهتمامات الشبابية. ولم يكن من بينها كما أدركت أنت ذلك في النهاية شخصيته وقيمه الدينية والأخلاقية وطباعه وحسن معاشرته للآخرين ونوع رؤيته للحياة ومبادئه ومثالياته, وهي المعايير الجوهرية التي ينبغي الاختيار علي أساسها.. فضلا عن المعيار الآخر الذي لا يقل أهمية في حالتك وهو عمق حبه لك منذ البداية.. وصدق رغبته فيك بالرغم من زهدك السابق فيه.. ورفضك المتكرر له.. وإيثارك غيره عليه ثلاث مرات متتالية! فكيف عزفت عن مثل هذا الحب العظيم وحرمت نفسك منه كل هذه السنوات ؟
ليس من شك في أن غياب دور الأم في حياتك وعجز الأب الراحل عن القيام بدورها في إرشادك الي مافيه صلاح أمرك وافتقادك الأخت الصديقة والمشيرة.. قد أثر علي حسن اختيارك لحياتك.. وعلي افتقادك المرشد والدليل الذي يهديك سواء السبيل ويجنبك العثرات.
ونحن كثيرا مانتخبط في سعينا للسعادة وتضل خطواتنا إليها قبل أن تترفق الأقدار بنا, وتضعنا علي الطريق الذي لم نكن نصلح من البداية إلا له..
فكأنما قد شردنا بعيدا في صحراء التية لنعرف بالتجربة المرة وسنوات العمر الضائعة.. الطريق الذي كان ينبغي لنا أن نسلكه من الأصل.
كما أننا قد نقبل في بعض الأحيان بما لم نكن نقبل به من قبل, بدافع الإحباط.. أو اليأس من أن نحقق لأنفسنا ماكنا نرجوه لها فإذا بتجربة الأيام تثبت لنا ان ماقبلنا به متشككين أو يائسين من بلوغ غيره هو الاختيار الأفضل والأمثل لنا.
بل إننا في بعض الأحيان قد نطلب الأمور بدوافع اضطرارية قد نخجل من الاعتراف بها.. فيأبي الله سبحانه وتعالي وهو المطلع علي نياتنا الحقيقية فقد الا أن يكون أكثر كرما ورفقا بنا.. ويسعدنا بما اضطررنا إليه.. ويرفع عنا ماكنا نستشعره من جرح داخلي بقبولنا له, ولقد روي الإمام أبو حامد الغزالي أنه لما فقد ماخلفه له أبوه لتعليمه مع أخيه نصحه صديق الأب الراحل الذي يرعاهما بأن يلتحقا بإحدي المدارس الدينية التي تقدم لطلاب العلم الغذاء والكساء, فالتحقا بها وطلبا العلم بها سعيا وراء الغذاء والكساء, فإذا بالغزالي يتفقه في الدين ويصبح حجة فيه وإماما من أئمته الأجلاء, ويقول الإمام الغزالي ملخصا هذه القصة كلها:
أردنا العلم لغير الله.. فأبي إلا أن يكون لله!
وهكذا قد نفعل نحن أيضا في بعض الأحيان فيكون اختيار الله لنا أفضل من كل ماسعينا له.. وأشرف من كل ماأضمرناه نحن من دوافع وأسباب لهذا السعي والمهم دائما هو أن يتعامل المرء مع حياته بأمانة وشرف وإخلاص.
وشكرا لك علي رسالتك وأرجو أن يستفيد بها غيرك كما تأملين وأن يشاركوك دروسها, وأهمها في تقديري هي أن لكل سفينة شراعا إذا فقدته تلاعبت بها الأمواج وعجزت عن الوصول إلي غايتها, وأن شراع كل إنسان الذي يحميه من الحيرة والتخبط والضياع هو الالتزام بتعاليم دينه وروحه وقيمه ومبادئه.. كما اهتديت أنت في النهاية إلي ذلك.. والسلام.
لا أكتب لك عن مشكلة أواجهها, وإنما عن تجربة مررت بها وأرغب في أن يستفيد بخبرتها غيري, وخاصة الفتيات اللاتي في سن الزواج.
فأنا سيدة شابة عمري28 عاما وأعمل بهيئة أجنبية وتخرجت في كلية عملية مرموقة وأشغل منصبا ممتازا وقارئة جيدة للفكر الإسلامي والغربي علي السواء, كما أنني كنت بطلة في إحدي الألعاب الأوليمبية.
وقد بدأت تجربتي حين تقدم وأنا طالبة بالسنة النهائية في الجامعة شاب يكبرني بسنوات بدت لي كثيرة بالرغم من أنه في قمة النضج والشباب. ولأنني قد نشأت يتيمة الأم منذ طفولتي, وأبي لم يكن يجيد وزن مثل هذه الأمور, وأخوتي الشبان كل منهم مشغول بأحدث أغنية وأقوي فيلم وأحدث موضة.. وأروع سيارة, فلقد افتقدت المشورة المفيدة في هذا الموقف.. خاصة أنني قد فقدت مبكرا شقيقتي التي راحت ضحية لحادث مؤلم وكانت لي نعم الأخت والصديقة يرحمها الله. وهكذا فقد عجزت عن اتخاذ القرار السليم وترددت في قبول خطبة هذا الشاب بالرغم من أنه لا ينقصه شيء ولم يكن يعيبه من وجهة نظري في ذلك الوقت سوي جهله بأحدث موضة وأروش أغنية وأسرع سيارة إلخ.. وقد أثار خوفي وخوف الأهل والأصدقاء فارق السن بيننا..كما أنني قد فسرت حبه الجارف لي بأنه محاولة منه لإخفاء عيوب جوهرية فيه أو تعويضي عنها! وهكذا فقد رفضته.. وطلب هو مني أن أعيد التفكير في الأمر فوعدته بذلك.. فمضت فترة وهو يتعلق بالأمل في قبولي له وزواجي منه, ومن حين لآخر يتقدم لي فأرفضه تارة وأعلق القرار تارة أخري.. أو تقابله أسرتي بجفاء في مرة ثالثة وهو لا يسلم باليأس مني أبدا. واستمر الحال علي هذا النحو بضع سنوات, تزوجت خلالها كل صديقاتي ووجدت نفسي الفتاة الوحيدة بينهن وبدأت أشعر بالقلق والتوجس من المستقبل خاصة وان أبي كان قد مرض خلال ذلك مرضا شديدا, ثم رحل عن الحياة هو الآخر يرحمه الله.. ولم يقف بجواري في محنة مرضه سوي هذا الشاب بالرغم من مراوغتي له. وبعد وفاة أبي تقدم لي خطيب آخر فقبلته دون أن أفكر في تغيير موقفي من الشاب الآخر الذي يتمناني لنفسه منذ سنوات.. ولم تدم خطبتي لمن قبلت به سوي بضعة شهور ثم تحطمت علي صخرة غيرته الشديدة علي.. وتوقع الشاب الأول بعد فسخ الخطبة أن أكون علي استعداد لقبوله هذه المرة.. لكني خيبت ظنه مرة أخري للأسف وعقدت قراني علي قريب لي فلم يطل ارتباطي به هو أيضا كثيرا وتم الانفصال بيننا قبل الزفاف بأيام.
وبعد فترة أخري تزوجت من زميل لي في المجال الرياضي.. له نفس طموحي وآمالي وتجمع بيننا الاهتمامات المتقاربة, كما كنت أطمع دائما فيمن ارتبط به فإذا بكل هذه الروابط المشتركة لا تنجح في إنقاذ سفينة الحياة الزوجية من الغرق.. ويتم الانفصال الثالث في حياتي بعد قليل.
وعقب الانفصال اضطربت أفكاري وفقدت تركيزي في لعبتي وخسرت مكاني في المنتخب وساءت حالتي المعنوية, وفكرت لأول مرة في الزواج لمجرد الاستظلال بظل رجل.. وليس كما كنت أرجو لنفسي دائما من أجل الحب والسعادة والميول المشتركة والحياة اللامعة.. وفي غمرة ضيقي بوحدتي بعد وفاة أبي.. وانشغال أخوتي بحياتهم الخاصة.. وسوء حالتي المعنوية بعد الفشل المتكرر في الارتباط والسعادة وسألت نفسي من هو الرجل الذي يمكن أن يقف إلي جواري في مثل هذه الظروف ويأخذ بيدي ويعيد إلي ثقتي في نفسي ؟
وعلي الفور قفزت إلي ذهني صورة الشاب الأمين الذي تقدم لي في عامي الجامعي الأخير ورفضته أكثر من مرة فلم يضق بي ولم ينقلب علي ولم يكرهني ولم يفقد رغبته في وتمسكه بي.
وتساءلت ماذا يعيب مثل هذا الرجل وهو إنسان هاديء ومتزن ووسيم وشخصيته جذابة ورقيق المشاعر وبار بأهله!
وتذكرت ماقرأته لك أكثر من مرة في هذا الباب من أننا لا قيمة لنا إلا عند من يحبوننا ويحرصون علينا ويتوسلون بالحيل للحفاظ علينا. فأعلنت استعدادي لقبول الزواج منه إذا كان مازال راغبا في الزواج مني, ولم يتردد الرجل الكريم في التقدم إلي مرة أخري, وتمت الخطبة وأنا لا أشعر تجاهه بالحب.. لكني آمل في أن تخلق الحياة المشتركة بيننا حبه في قلبي ذات يوم.. وانتهت استعدادات الزواج علي وجه السرعة.. وتزوجنا وأنا أرجو الله في أعماقي ألا يطول انتظاري لميلاد الحب أعواما كثيرة.. فإذا برحمة ربي تدركني في الأسابيع الأولي من زواجنا.. وإذا بي أجد في زوجي كل ماكنت أتمناه في شريك الحياة من التدين وتقوي الله وحسن المعاملة والحنان والتشجيع المستمر في فيتدفق ينبوع الحب في قلبي تجاهه.. وأجدني أكاد أحسد نفسي علي السعادة التي وجدتها معه.. وأتحسر في الوقت نفسه علي السنوات التي أضعتها من عمري قبل الارتباط. ولقد مضت الآن علي زواجنا السعيد ثلاث سنوات عامرة بالحب والهناء رزقنا الله سبحانه وتعالي خلالها بطفلين جميلين.. وأتم علينا نعمته بالنجاح الباهر في العمل.. وبأداء العمرة مع زوجي الذي استطيع أن أقول عنه الآن إنه الزوج والحبيب والعشيق والأخ والأب والصديق. وأني لأسجد لله شكرا علي أن هداني إلي اليقين بعد حالة الشك التي تساور كل فتاة مقبلة علي الزواج.. وأن السعادة مع زوجي الحبيب بعد حالة الوحدة التي عانيتها عقب وفاة أبي وفشلي المتكرر في الحالات السابقة.. وأشعر الآن شعورا عميقا بالذنب تجاه هذا الإنسانالعظيم الذي أرادني منذ البداية بإصرار فأنصرفت عنه لجهلي وغفلتي وأريد أ أذكر كل فتاة بالحديث الشريف الذي يقول: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ذلك أن كثيرات لا يفكرن حين يتقدم لإحداهن شاب إلا في مدي التوافق أو التكافؤ المادي والمعنوي والنفسي والطموح المشترك والمظهر العصري والملبس.. و الروشنة والاتيكيت وغير ذلك من العوامل.. ولا يفكرون إلا قليلا في مدي التزام هذا الشاب بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. وفي خلقه وقيمه الأخلاقية فتكون النتيجة هي مانراه كثيرا من حالات الانفصال.
وأما نصيحتي الأخري فلسوف استعيرها من العبارة التي استشهدت بها في ردك أخيرا علي إحدي الرسائل للإمام علي بن أبي طالب وتقول مامعناه إن من شقاء المرء زهده في راغب فيه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
ذكرتني رسالتك بالأسطورة القديمة التي كتبها الإيطالي جيوفاني استرابلو عن فتاة حالمة رائعة الجمال تنافس شباب المدينة علي طلب يدها وكلهم من فرسان الوسامة و العصرية بمقاييس زمنهم, ثم خرج أبوها في رحلة إلي الغابة وضل طريقه فيها وحل عليه الظلام وخشي علي نفسه من الوحوش الضارية, فلجأ إلي قصر مهجور وجده في الغابة.. فما أن تسلل إليه حتي فوجيء برجل كثيف الشعر بعيد عن الوسامة, يعيش فيه احتجزه في القصر وسجنه في إحدي قاعاته, وبحثت الفتاة عن أبيها طويلا حتي
عرفت مقره.. ورفض الشبان الذين كانوا يتنافسون علي طلب ودها مساعدتها في الإفراج عن أبيها خوفا من القصر المهجور وساكنه.. فتوجهت هي إليه والتقت بصاحبه ورجته الافراج عن أبيها ووافق الرجل علي ذلك ولكن بشرط أن تبقي هي في القصر بدلا منه وقبلت الفتاة أن تقدم هذه التضحية من أجل أبيها.. وافرج عنه وأقامت الفتاة الجميلة الرقيقة في القصر وتعاملت مع هذا الرجل فإذا بها تكتشف وراء مظهره غير العصري وشعره الكثيف قلبا رقيقا حنونا ونفسا طيبة وروحا تتطلع إلي السعادة في صبر فتقبل بنفس راضية الزواج منه وتعيش معه حياتها في سعادة وأمان وسط دهشة المتنافسين عليها وحسرتهم.. وتتعلم درس التجربة وهو أنه ليس من الحكمة أن تحكم علي البشر بمظهرهم الخارجي أو بمدي مسايرتهم لروح العصر! ومع ان القياس مع الفارق فإن درس الأسطورة يظل صالحا للتعميم عن قصتك كذلك.. وهو أننا لا نعرف حقيقة الأشخاص بمظهرهم الخارجي وإنما بالاقتراب منهم.. والتعامل المكثف معهم.
والمشكلة الحقيقية التي أدت الي تخبطك عدة مرات في الاختيار قبل أن ترسو سفينتك في المرفأ الآمن الذي ينتظرها من البداية, هي أن معايير الاختيار لديك كانت خاطئة ومضللة.., كمعيار الحكم علي الأشخاص بمظهرهم الخارجي في الأسطورة القديمة, فقد كانت كلها معايير سطحية تتعلق بعصرية الخطيب ومدي مسايرته للموضة وبقية الاهتمامات الشبابية. ولم يكن من بينها كما أدركت أنت ذلك في النهاية شخصيته وقيمه الدينية والأخلاقية وطباعه وحسن معاشرته للآخرين ونوع رؤيته للحياة ومبادئه ومثالياته, وهي المعايير الجوهرية التي ينبغي الاختيار علي أساسها.. فضلا عن المعيار الآخر الذي لا يقل أهمية في حالتك وهو عمق حبه لك منذ البداية.. وصدق رغبته فيك بالرغم من زهدك السابق فيه.. ورفضك المتكرر له.. وإيثارك غيره عليه ثلاث مرات متتالية! فكيف عزفت عن مثل هذا الحب العظيم وحرمت نفسك منه كل هذه السنوات ؟
ليس من شك في أن غياب دور الأم في حياتك وعجز الأب الراحل عن القيام بدورها في إرشادك الي مافيه صلاح أمرك وافتقادك الأخت الصديقة والمشيرة.. قد أثر علي حسن اختيارك لحياتك.. وعلي افتقادك المرشد والدليل الذي يهديك سواء السبيل ويجنبك العثرات.
ونحن كثيرا مانتخبط في سعينا للسعادة وتضل خطواتنا إليها قبل أن تترفق الأقدار بنا, وتضعنا علي الطريق الذي لم نكن نصلح من البداية إلا له..
فكأنما قد شردنا بعيدا في صحراء التية لنعرف بالتجربة المرة وسنوات العمر الضائعة.. الطريق الذي كان ينبغي لنا أن نسلكه من الأصل.
كما أننا قد نقبل في بعض الأحيان بما لم نكن نقبل به من قبل, بدافع الإحباط.. أو اليأس من أن نحقق لأنفسنا ماكنا نرجوه لها فإذا بتجربة الأيام تثبت لنا ان ماقبلنا به متشككين أو يائسين من بلوغ غيره هو الاختيار الأفضل والأمثل لنا.
بل إننا في بعض الأحيان قد نطلب الأمور بدوافع اضطرارية قد نخجل من الاعتراف بها.. فيأبي الله سبحانه وتعالي وهو المطلع علي نياتنا الحقيقية فقد الا أن يكون أكثر كرما ورفقا بنا.. ويسعدنا بما اضطررنا إليه.. ويرفع عنا ماكنا نستشعره من جرح داخلي بقبولنا له, ولقد روي الإمام أبو حامد الغزالي أنه لما فقد ماخلفه له أبوه لتعليمه مع أخيه نصحه صديق الأب الراحل الذي يرعاهما بأن يلتحقا بإحدي المدارس الدينية التي تقدم لطلاب العلم الغذاء والكساء, فالتحقا بها وطلبا العلم بها سعيا وراء الغذاء والكساء, فإذا بالغزالي يتفقه في الدين ويصبح حجة فيه وإماما من أئمته الأجلاء, ويقول الإمام الغزالي ملخصا هذه القصة كلها:
أردنا العلم لغير الله.. فأبي إلا أن يكون لله!
وهكذا قد نفعل نحن أيضا في بعض الأحيان فيكون اختيار الله لنا أفضل من كل ماسعينا له.. وأشرف من كل ماأضمرناه نحن من دوافع وأسباب لهذا السعي والمهم دائما هو أن يتعامل المرء مع حياته بأمانة وشرف وإخلاص.
وشكرا لك علي رسالتك وأرجو أن يستفيد بها غيرك كما تأملين وأن يشاركوك دروسها, وأهمها في تقديري هي أن لكل سفينة شراعا إذا فقدته تلاعبت بها الأمواج وعجزت عن الوصول إلي غايتها, وأن شراع كل إنسان الذي يحميه من الحيرة والتخبط والضياع هو الالتزام بتعاليم دينه وروحه وقيمه ومبادئه.. كما اهتديت أنت في النهاية إلي ذلك.. والسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.