فعلا‏..‏ إنها مافيا.. هذا أبي ... قصص حقيقيه


بريد الاهرام

اسمح لي أن أطرح عليك سؤالا؟ هل اسودت الدنيا لهذه الدرجة؟
كل الخيانات والشكاوي والطمع ونكران الجميل هو السائد الآن‏.‏ ولانجد غيره‏.‏
لعلي أختلف مع كل من يرون الجانب الفارغ من الكوب‏,‏ وأقدم لكم شخصية هي روح حياتنا‏,‏ نراها يوميا ولانلتفت لها‏.‏ تفعل الكثير ولانفكر حتي في شكرها وكأنه فرض عليها‏.‏


دعني أعرض عليكم بعض المواقف لعلها توضح القليل‏.‏

اسمح لي أن أطرح عليك سؤالا؟ هل اسودت الدنيا لهذه الدرجة؟

كل الخيانات والشكاوي والطمع ونكران الجميل هو السائد الآن‏.‏ ولانجد غيره‏.‏

لعلي أختلف مع كل من يرون الجانب الفارغ من الكوب‏,‏ وأقدم لكم شخصية هي روح حياتنا‏,‏ نراها يوميا ولانلتفت لها‏.‏ تفعل الكثير ولانفكر حتي في شكرها وكأنه فرض عليها‏ دعني أعرض عليكم بعض المواقف لعلها توضح القليل‏.‏

*‏ هذا الشخص كان يجري ورائي في المنزل أو عند الاقارب فقط ليحاول إطعامي‏,‏ فكنت أسكب الطعام في وجهه‏.‏

*‏ أحضر لي أجمل الألعاب رغم قلة الموارد وقتها فكسرتها أمامه فأحضر غيرها‏.‏

*‏ دفع الكثير والكثير علي الإشاعات والتحاليل لوجود اشتباه غير أكيد لمرض عندي‏,‏ رغم تأكيد بعض الأطباء بأنه شيء بسيط‏,‏ ولكنني أراه يرفض استعمال أدوية السكر الخاصة به توفيرا للمال‏.‏

*‏ أحضر لي أجمل الأدوات المدرسية وأغلاها‏,‏ فصرخت في وجهه ليبدلها لأنها لاتعجبني‏.‏

*‏ كان يومه كالتالي‏:‏ يستيقظ معنا مبكرا‏,‏ يوصلنا إلي المدرسة‏,‏ يذهب لعمله الممل الذي يكرهه‏,‏ يعود لاصطحابنا من المدرسة فلا يصعد الي المنزل حتي لايتأخر‏,‏ يذهب لعمله الآخر المرهق جدا‏,‏ يعود إلي المنزل بعد منتصف الليل‏,‏ ليجدني تركت له كتبا وكراسات ليقوم بتجليدها‏,‏ أو واجبي المدرسي ليقوم بتصحيحه ومناقشتي فيه صباحا‏.‏

*‏ كلما سمحت له الفرصة بساعة راحة أو يوم إجازة‏,‏ كان يخرج معنا أو يلعب معنا كأنه طفل مثلنا‏,‏ ومع ذلك كنت أقول له انت لاتحبنا لأنك لاتجعلنا نخرج أو تلعب معنا‏.‏

*‏ مازال حتي الان يعمل في وظيفتين‏,‏ وفي أيام العطلات ولايستريح رغم مرضه ليوفر لنا مستوي معيشة مرتفعا‏.‏

*‏ يبخل علي نفسه بالطعام والملابس والدواء ليوفر المال الذي اشتري به كروت الموبايل والملابس الغالية والأشياء التافهة‏,‏ لم أره يعترض يوما بل هو من يطلب مني شراء ملابس غالية لأكون في مستوي زملائي‏,‏ ابدل هاتفي بآخر حديث‏,‏ ومازال يصر علي ملابس العيد الجديدة لنا‏,‏ ولايشتري لنفسه منديلا جديدا‏.‏

*‏ أصر علي تعليمي في أرقي وأغلي المدارس‏,‏ وكان يتابعني دائما‏,‏ ويهتم بتفوقي‏,‏ ويتابع المدرسين ويعنفهم بشدة اذا رفع أحدهم صوته علي أو ضربني‏,‏ فلم يجرؤ أحد طوال فترة دراستي علي مجرد جرح شعوري‏,‏ فكنت دائما أتهمه بقسوته علي ومبالغته في ذلك واحراجي مع المدرسين‏.‏

*‏ لم أذكر يوما ضربني فيه إلا لشيء قهري‏,‏ وتحمل سوء تعبيري وصوتي العالي أثناء مراهقتي وكان يقول لي تعلمي التحضر فكل المشكلات مهما كبرت تحل بالنقاش‏,‏ فكان دائما كلامي مهما صغر عمري أو مهما كان تافها محلا للنقاش‏.‏

*‏ هو صديقي الذي أحكي له كل شيء‏,‏ وكان دائما ينصحني فأتهمه في سري بالرجعية وعدم مسايرة الحياة‏,‏ فأعود لأكتشف صحة رأيه بعد ذلك‏.‏

*‏ دفع مبالغ طائلة لأفضل المدرسين‏,‏ ورفض تماما المجاملات منهم باعطائي مجانا حتي لايجرح مشاعري‏,‏ ولكني لم أهتم وأضعت الوقت‏,‏ ولم أذاكر ولم أكن مصدر فخره‏,‏ ولكن الله لم يخذله وحصلت علي مجموع كبير أهلني لدخول كل كليات القمة‏.‏

*‏ هو الوحيد الذي أيد قراري في اختيار الكلية التي أريدها وقال لي المهم أن تتفوقي في مجال تحبينه وليس كلية ذات مجموع كبير‏.‏

*‏ يرفض الامتناع عن العمل أو الاستقالة من وظيفته الصباحية ليرتاح قليلا رغم مرضه‏,‏ ويمنعني من الخروج من المنزل إذا لم يكن الجو مناسبا أو شعرت بالصداع أو أي آلام بسيطة‏.‏

*‏ لا أذكر يوما طلبت منه شيئا مهما كان غاليا أو رخيصا‏,‏ مهما أو تافها‏,‏ وتأخر يوما في إحضاره‏.‏ بل انه هو من يسألني يوميا ان كنت أحتاج شيئا‏.‏

*‏ بعد أن انهيت دراستي وبدأت أعمل‏,‏ يرفض بشدة أن أنفق شيئا من مالي في المنزل‏,‏ حتي ان صادف ودفعت جنيها يصر علي أن آخذه منه‏,‏ ومازال يعطيني مصروفي ويزيده بصفة مستمرة‏.‏

*‏ هو من علمني ان الانسان القوي هو المتعلم والمثقف‏,‏ يعطيني الكتب المتنوعة ويناقشني فيها‏,‏ يطلب مني اخذ دروس في الكمبيوتر لأواكب العصر‏,‏ يحكي لي أيامه في الجيش وكيف ضحي زملاؤه بحياتهم في سبيل ان أعيش أنا واخوتي‏,‏ يعلمني التدين السليم وحب كل الناس‏,‏ يطلب مني أن أكون إيجابية في حياتي وأن يكون لي دور علي الأقل في الحي الذي اسكنه‏.‏

*‏ أهم شيء أنه كاتب مبدع وشاعر موهوب وخطيب بارع‏,‏ وقد عرفت ذلك من كتاباته القديمة‏,‏ وقد تناسي هذا الأمر لعدم توافر الوقت لديه لكتابة أي شيء أو حتي قراءة أي كتاب جديد‏.‏

*‏ لا أجد الكلمات التي تصف ذوقه مع الناس‏,‏ وحب الجميع له واحترامهم‏,‏ المواقب كثيرة تملأ مجلدات ولكني لا أريد أن أطيل عليكم أكثر‏.‏

إنه أبي‏,‏ الذي أحبه كثيرا‏,‏ أكثر من أي شخص في الكون وأشعر بتأنيب الضمير تجاهه بسبب مرضه‏,‏ أقول له أرجوك اترك عملك الصباحي الذي تكرهه ويرهقك كثيرا واكتفي بالاخر‏,‏ انت أهم عندنا من كل أموال الدنيا‏.‏

أقول له أتمني أن تكون سعيدا وفخورا بنا فعلا كما تردد لكل الناس‏,‏ وأعدك بأن أواصل تقدمي أنا واخوتي‏.‏

شكرا‏.‏ لتعبك معنا وتربيتك لنا‏,‏ شكرا لشدتك ولينك‏,‏ شكرا لقسوتك ورقتك‏,‏ شكرا للثقة التي منحتني اياها وأعدك بأني لن أخذلك بإذن الله‏.‏

وأقول لأمي اني احبك جدا ولا أنسي كل تضحياتك وعطائك لنا‏,‏ لا أنسي كل سهرك معي في المرض‏,‏ وكل ما قمت به ولاتزالين من أجلنا‏,‏ ولكني أحببت أن أعطي أبي جزءا صغيرا جدا من حقه الذي غفلت عنه‏23‏ عاما ولم أفكر أن أشكره يوما‏.‏

أبقاكما الله لنا‏,‏ لنتعلم منكما أكثر‏,‏ ونحبكما أكثر‏.‏


*‏ عزيزتي‏..‏ أصابتني رسالتك بأنهار من البهجة‏..‏ فقليلة هي الرسائل التي تأخذنا من همومنا وأحزاننا‏,‏ وتلقي بنا إلي الجانب الآخر من الحياة‏..‏ فليست كل أيامنا كئيبة وموحشة‏,‏ وحتي لو كانت هكذا‏,‏ يمكننا بتغيير زاوية الرؤية‏,‏ التقاط أشخاص وأحداث مضيئة تمنحنا لحظات من الفرح‏,‏ نلتقط فيها أنفاسنا من كبد الحياة‏.‏

لقطاتك البسيطة‏,‏ الساذجة‏,‏ البريئة‏,‏ أعادتني الي أبي‏,‏ إلي بيتنا القديم‏,‏ وأعتقد أنها ستعيد الكثير من القراء إلي منطقة حميمة في حياتنا‏,‏ إلي حضن الأسرة‏,‏ إلي حب حقيقي بدون تكلف أو ادعاء‏.‏

تفاصيل عمرك القصير‏,‏ هي تفاصيل كل انسان عاش حياة تبدو طبيعية مع قسوتها‏,‏ استطعت بعينيك ولغتك أن تنتزعي منها القسوة‏,‏ وتضفي عليها دفئا انسانيا رائعا‏,‏ مثل والدك‏,‏ هذا النموذج الرائع للإنسان المصري‏,‏ المكافح‏,‏ الواعي‏,‏ الذي لم تفقده قسوة الأيام المقدرة علي العطاء وعلي التربية الصحيحة‏.‏

عزيزتي إيمان‏..‏ قد يري البعض في والدك صورة مثالية للأب‏,‏ في حين ان الحقيقة هي أنه صورة للأب المصري‏,‏ مع بعض الاختلافات التي قد تعود الي المستوي الثقافي أو المادي‏,‏ ولكن كل أب يعبر بطريقته عن حبه لأبنائه وعن رغبته في أن يكونوا أفضل منه‏.‏


هل اسودت الدنيا لهذه الدرجة؟ هذا هو سؤالك‏,‏ واجابتي لا‏,‏ الدنيا جميلة‏,‏ تقسو كثيرا‏,‏ تعطف أحيانا‏,‏ ولكن علينا ـ شئنا أم أبينا ـ أن نحياها‏,‏ والإنسان الذكي هو الذي ينظر إلي الجميل فيها‏,‏ ويفر فرا أمام قسوتها وبطشها‏.‏

الدنيا لن تكون سوداء‏,‏ إذا نظرنا بحب لمن حولنا‏,‏ لمن أحبونا ومنحونا من أيامهم ومن أحزانهم‏,‏ أياما وأفراحا‏..‏ الدنيا لن تكون سوداء بمثل والدك وبمثلك‏,‏ ممن يبعثون فينا البهجة‏,‏ ويضيئون في قلوبنا التي كادت أن تظلم أملا وفرحا وامتنانا لمن أسعدونا وهم يتعذبون‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.