بريد الاهرام
أنا سيدة عمري41 عاما, مطلقة, لدي ابن عمره13 عاما, أعمل في وظيفة مرموقة تدر علي دخلا كبيرا.
انفصلت عن زوجي منذ7 سنوات بأسلوب راق بعد أن اكتشفنا أننا شخصان مختلفان. انطلقت بعدها في مجال عملي, حتي أصبحت كما يطلقون علي سيدة مجتمع, وأخذني النجاح علي جناحيه إلي نجاحات أخري, فنسيت طويلا أني امرأة. لم أتذكر هذا إلا مرات قليلة, عندما أخلو إلي نفسي في بيتي, ينام ابني, وأجدني وجها لوجه مع وحدتي, وإحساسي بأن عمري يتسرب من بين يدي, فتطل علي فكرة الزواج مرة أخري, فأتذكر ابني, ومخاوف فشل جديد, فأغلق رأسي وأنام.
لا أعتقد أنك في حاجة إلي استعراض ما أتعرض له من مضايقات وعروض بعضها أخلاقي ومشروع وبعضها غير ذلك, ولكني تعلمت كيف أتصرف في مثل هذه المواقف وأصد أي شخص يتجاوز في حديثه دون إثارة جلبة.
لم أخدع نفسي يوما بأن ما أتعرض له بسبب جمالي ـ كما يصفني به الآخرون ـ فأنا أري نفسي امرأة عادية. وأبرر ما يحدث, بأن كل امرأة مطلقة, وثرية ومعروفة تتعرض لما أتعرض له, وحتي غير المطلقات وغير الجميلات يتعرضن له. قد تسألني: إذا كنت تشعرين بالوحدة وآلامها, فلماذا لم تتزوجي, خاصة أني أتلقي عروضا من أشخاص مناسبين؟
أجيبك بأني بعد تجربة زواجي الفاشلة, قررت ألا أرتبط مرة أخري الا اذا أحببت, نعم قال لي كثيرون إنهم يحبونني ولكني لم أشعر بأحد منهم.
كما أن مخاوف الفشل الثاني كانت تسيطر علي, وتخيفني, خاصة أني متعلقة بابني جدا, ولا أحب أن أؤذي مشاعره, أو أدخل عليه رجلا في بيتي.
شاع عني بين الأهل والأصدقاء والزملاء أني لا أفكر في الزواج مرة ثانية, بل كان الكثيرون يتعاملون معي علي أني رجل يعتمد عليه ويحكون لي مشاكلهم العائلية والعاطفية دون خجل, واسترحت كثيرا لهذا الانطباع العام عني.
كان هذا حالي وإحساسي حتي ستة أشهر مضت, ولكن حدث ما لم أكن أتوقعه, ولا يتوقعه أحد ممن حولي, فقد فكرت في الزواج, الزواج بشاب أصغر مني.
هو شاب يعمل في مجال قريب من عملي, موهوب, مكافح, من أسرة متوسطة, أري عقله ناضجا ـ الي حد كبير ـ مع أن عمره لم يصل الي25 عاما. نعم هذا عمره وآثرت أن أسرد لك كل شيء في هذا الموضوع بدون رتوش أو تجميل, لأني أشعر بضعف شديد وأبحث عن نصيحة صادقة.
هذا الشاب عندما عرفته, اهتممت به, ليس حبا ولكن إعجابا بطريقة تفكيره وطموحه, فقررت أن أساعده في عمله, وهذا لم يكن غريبا علي, فأنا أفعل ذلك مع كثيرين. لم أنظر له كرجل مرة واحدة وحتي الآن. لن أقول إني عاملته كابني, ففارق العمر لا يتيح لي ذلك, ولكن كانت لدي عاطفة ما تجاهه تشبه عاطفة الأخت الكبري.
وذات يوم فوجئت بنظرة غريبة في عينيه, فسرتها في البداية بأنها نظرة امتنان, ولكن مع تكرارها أيقنت أنها نظرة حب عميقة. لن أقول إني غضبت, ولكني توقفت طويلا أمامها, والحقيقة أن شيئا ما بداخلي كان سعيدا بهذا التفسير.
سمحت لهذا الشاب بالاقتراب أكثر, بالوجود في حياتي وقتا أطول, بل هيأت له الظروف النفسية التي تشجعه علي الاعتراف بحبه لي, وقتها فقط واجهته برفضي لمثل هذا التفكير, وأني لا أراه الا صديقا أو شقيقا أصغر, وكنت في قمة استمتاعي الانساني, وهو يؤكد لي أن فارق العمر لا يعنيه, وأنه يراني أجمل امرأة في الوجود, فيما لا تعجبه البنات الصغيرات بتفكيرهن السطحي.
وعلي الرغم من سعادتي الكبيرة بكلماته فإني لم أعبر له عن ذلك, بل واجهته بعدم حبي له, وعدم نظري له كرجل. فطلب مني ألا ألفظه من حياتي وأن أسمح له بالوجود كصديق فقط. ومع معرفتي بخطأ هذا الحل النصفي الا أني وافقت. بدأت أرصد خططه الرجالية وهو يدفعني الي التعود عليه, مكالمات في كل وقت, تحقيق كل ما أفكر فيه, والقيام بأي عمل خاص أحتاجه, وبرغم رصدي وفهمي واستيعابي لمخططه الا أني وقعت فيه وتعودت عليه, بل أصبحت أأنس لوجوده, وأنزعج لغيابه.
حتي جاء اليوم الذي فاجأني فيه بطلبه الزواج مني, رأيت عرضه جنونا ومراهقة, بل قلت له إني أقترب من عمر أمه, ولكن كلماتي كانت تزيده إصرارا, وتزيدني سعادة وهو يغدق علي بالكلمات الجميلة التي أشعرتني بأني فتاة صغيرة في مثل عمره. أنهيت حواري معه برفضي التام لهذه الفكرة, بل هددته اذا أعاد طرحها بخروجه الكامل من حياتي, فوعدني ألا يفعل.
ولكن عندما عدت إلي بيتي, واستفردت بي وحدتي, سألت نفسي: ولماذا لا؟.. نعم أنا لا أحبه ولا أراه رجلا مناسبا, ولكن ألا يكفي حبه لي؟.. احتمالات الفشل كبيرة؟.. ومتي كانت احتمالات النجاح في الزواج المتكافيء صادقة تماما؟.. أنا لا أشغل بالي بالناس وكلامهم كثيرا, فأنا لا أفعل شيئا خطأ, ولا أراعي إلا الله في تصرفاتي؟ لماذا أضيع فرصة للسعادة من يدي, حتي لو عشتها شهورا قليلة؟ هل فارق العمر يكفي لرفض الزواج, ألم يتزوج الرسول عليه الصلاة والسلام بالسيدة خديجة رضي الله عنها والتي كانت تكبره بربع قرن, مع احترامي الكامل للفارق في التشبيه, وحفظ المقامات؟ ولكن أليس لنا في رسول الله قدوة حسنة؟ لماذا نتبعه في كل شيء, وعند هذه النقطة نرفض التشبه به صلوات الله وسلامه عليه؟!
سيدي.. كل هذا دار في رأسي, مع تأكدي من عدم حبي له, وشكي في اندفاعه ومراهقته, ويقيني بأني لو تزوجته فلن يطول زواجنا, ولكن ضعفا ما في نفسي يطرح الفكرة علي رأسي, هذا الضعف هو الذي دفعني إلي الكتابة إليك, لعلك تفكر معي بصوت عال, أو تعيدني إلي رشدي الذي أشعر أنه يتسرب من بين يدي.
* سيدتي.. لم يقل أحد أن زواج المرأة برجل أصغر منها حرام, نعم هي زيجة يرفضها المجتمع ـ وله عذره في ذلك. ـ وتخل بشروط التكافؤ في الزواج, ولكنها مباحة شرعا. وإن كنت أتحفظ في الموافقة علي مثل هذه الزيجة استنادا أو تشبها بزواج الرسول صلوات الله عليه وسلامه بالسيدة خديجة رضي الله عنها, لأنه نبي ملهم, لا ينطق عن الهوي, يسر وسخر له الله ما لم ييسره للبشر, وليس بعيدا عن معلوماتك دور هذه الزيجة في دعم النبي محمد صلي الله عليه وسلم مع بداية الدعوة إلي الإسلام.
ولكن هذه ليست النقطة التي يمكن الاستناد إليها في التفكير, لأننا استبعدنا جزئية عدم شرعية مثل هذه الزيجة. ولن أقول لك لماذا لم تفكري هذه المرة في ابنك, وما سيشعر به في مجتمعه عندما تتزوج أمه بشاب لا يكبره بكثير, في حين أنك رفضت الارتباط بمن يماثلك في العمر والتكافؤ الاجتماعي حرصا علي ابنك؟
ولن أقول لك أيضا كيف سيراك مجتمعك, من أنك اشتريت شابا بأموالك, وأنه تزوجك طمعا فيك؟
ننحي كل هذا جانبا, ونؤثر عليه سعادتك الشخصية والتي قد تكون وقتية كما اعترفت بنفسك. ولكن قبل ذلك تعالي نفكر معا بكل صراحة, لماذا يريد هذا الشاب الزواج منك؟.. ولماذا سيطرت عليك تلك الفكرة مع اعترافك الواضح والصريح والمحدد بأنك لا تشعرين تجاهه بأي عاطفة من تلك التي تجتاح امرأة تجاه رجل ما؟
سيدتي.. الشاب في مثل هذا العمر لا يكتمل نموه العاطفي, ويميل دائما الي المبالغة في عمره, والإتيان بتصرفات من هم أكبر منه, فإذا أضفنا الي ذلك أن قربه من سيدة مجتمع ثرية مرغوبة, يشعره بقوة خاصة, هذه القوة هي التي تدفعه نحوك, فوجودك يشعره برجولته التي لم تكتمل, بتميزه, خاصة وهو يري ويعرف من يحومون حولك ويبحثون عن رضائك.
لن أقول لك انه كاذب أو مخادع, عندما ايقن أنك لا تحبينه فرض عليك قانون التعود, وهو أخطر بكثير من تأثير الحب.
أقول لك دعيني اقر معك بأنه يحبك كما يتصور, وأنه راغب فعلا في الزواج بك لذاتك, فهل سألت نفسك وماذا سيفعل معك هذا الشاب عندما ينتهي الحب أو يخبو ويخفت؟
هذا الشاب سيشعر بعد فترة قصيرة أنك ظلمته وسرقت شبابه مقابل مركزك وأموالك, وحرمته من حقه في الزواج بفتاة في مثل عمره, وقتها فقط سيعذبك وسينتقم منك, وكل لحظة سعادة راهنت عليها ستتحول إلي ساعات من جحيم, ولا أعرف وقتها أين سيكون ابنك منك ومن كل ما حدث.
وماذا عنك ــ سيدتي الناضجة ــ أنت بتفكيرك المضطرب لا تبحثين عن الزواج بمعناه الذي شرعه الله, لا تبحثين عن السكينة أو المودة والرحمة, بل تبحثين عن مغامرة, سعادة زائفة, نجح شاب صغير في تصديرها لك بمغازلة أذنيك, فأردت أن تعيشي عمرا مضي سبق أن عشته مرة, وما فات لن يعود, أنت تعلمين جيدا أن المرأة بعد الأربعين تمر بمرحلة حرجة, العاقلة الملتزمة تستطيع تجاوزها بقليل من الفهم والإيمان.
لقد ذهبت بنفسك إلي الحيرة والعذاب, وكنت في غني عن ذلك أثبت لنفسك أنك مرغوبة حتي من الشاب الصغير فهل هذا يكفي مبررا للزواج بأحدهم؟... دعيني اسألك سؤالا آخر: هل ستجرئين علي تأبط ذراعه وأنت تسيرين في الشارع؟.... وسؤال ثالث: ألن تغاري من البنات الصغيرات إذا شاهدته يقف مع إحداهن؟ أعتقد أنك تعرفين الإجابة.
سيدتي... أنت في مرحلة عمرية رائعة, إنها سنوات النضج والفهم والعطاء, فلا تصادري علي حقك في الارتباط بشخص مناسب لك يكمل معك ما تبقي من العمر ــ وهو طويل إن شاء الله ـ فالمغامرات قد تناسب الصغار ولكنها لا تليق بالكبار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.